هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

نهج الشفاء الحيوي {7} المنطلقات الحيوية للطب الكوني \\ القوة الحيوية - الين واليانغ - الأطوار الخمسة - الأمزجة الثلاثة

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
599
مستوى التفاعل
1,059
الموقع الالكتروني
alkynilogy.blogspot.com
"بسم الله الرحمن الرحيم"


1693224424852.png



الأسس الوجودية وعلم التواقيع في الطب الكوني

البحث في منطلقات فلسفة الماكروبيوتك والأيورفيدا


بينما المشكلة الأساسية في الطب البديل ، هي عدم وجود فلسفة موحدة لكافة أشكاله ، مع أن النتائج والتطبيقات العلاجية تتقارب كثيراً ، لكن سيكون من الصعب جداً ، أن تصل إلى فهم لسبب اختلاف هذه المناهج ، لكنني أؤمن كما آمن بالمر هول بأن جميع العلوم التي تعتمد على الكليات ، تستند إلى أصول موحدة ، إنها الفلسفة الخالدة ، التعاليم السرية لكافة العصور.

الهدف من هذه الدراسة ، هو تبيان الفروق الأساسية في الفروع لدى كل من النظامين الطبيين الأكثر أهمية في الطب البديل ، إنهما الماكروبيوتك والطب الصيني من جهة ، والأيورفيدا من جهة أخرى ، هكذا ، يتم توضيح الأساس الموحد لهذين الطريقتين العلاجيتين ، والذي سيغدو تعبيراً جيداً عن الأساس الموحد لكافة العلوم الكلانية ، مثل الكينياء والخيمياء ، العرافة ، العرفان والفلسفة الإسلامية ، لأنه في الواقع ، ليس مجرد نظرية ضخمة جداً ومتميزة عن كل النظريات ، إنه أكثر من ذلك ... إنه علم يدرس الوجود بشكله الأصيل ، ليصل إلى المبادئ العليا التي تحكمه ، ويقوم ببناء كافة الممارسات العملية [ الطبية وغير الطبية ] على هذه المبادئ السرمدية.​

القسم الأول :

نظرة عامة في الفروق الأساسية بين الأيورفيدا والماكروبيوتك والطب الصيني

هكذا أنظمة ، عندما نحاول تتبع أصلها ، نغرق في بحر التاريخ الذي لا قاع له ، هناك من يقول ان عمر كل واحد منها ثلاثة آلاف سنة ، خمسة آلاف ... اثنا عشر ألفاً ... مئة ألف ... لا أحد يدري ، عند تتبع الآثار الباقية الدالة على وجود هذه الأنظمة العلاجية ، تغدو نظرية الإنسان البدائي سخيفة جداً ، لقد تم طمس الكثير من الحضارات ، لكن هذا لا يعني عدم وجودها.

الطب الصيني والماكروبيوتك :


يقوم علم الطب الصيني على مبدأين في فهم الكون :​
  • (1) الكون كائن زوجي ، في كل تجلي من تجلياته يتكون من الين واليانغ [ الأنثى والذكر ]​
  • (2) أي تفاعل أو حدث يقع ضمن الكون يتحقق وجوده عبر الأطوار الخمسة [ الشجرة – النار – التراب – المعدن – الماء ]​
  • (3) وعبر استخدم هذين المبدأين [ الذين سنشرحهما بإسهاب في القسم الثاني ] يمكن توصيف الأمراض والعلاجات لهذه الأمراض، أي أن الرؤية الكونية الصينية تنعكس في العلاج وتؤسس له.​
قد يساعدك أن تعرف أن الصين لا ترى هذه المبادئ كأشياء غيبية ، المتخصصون بالثقافة والعلاج الصيني يعتبرون كل شيء يدل على مبدأ الين واليانغ أو مبدأ الأطوار الخمسة.

أما الماكروبيوتك فقد استخدم هذين المبدأين ليس فقط لتوصيف المرض وسببه وعلاجه ، بل أيضاً لشرح الأسلوب المعيشي المؤدي إلى المرض أو إلى حفظ الصحة والعافية ، ومن خلال ذلك يمكن عكس المعادلة عبر النفاذ من تغيير الأسلوب المعيشي إلى العلاج. وبذلك لم يعد فقط الوخز بالإبر والخلطات العشبية ورياضة التشي كونغ هي الحل الحصري لعلاج المشكلة الصحية ، لقد أصبحت الحكمة الشرق أقصوية القديمة معممة بشكل أكبر بعد ما قام به المعلمان ميشو كوشي وجورج أوشاوا، لقد أصبح من الممكن العلاج بالبرنامج الغذائي المفصل ، وبالتأملات بمختلف أنواعها ، وبنمط الحياة ككل ، ما تفكر به ، ما تهتم به ، ما تقوم به ، وتم اشتقاق تطبيقات علاجية مستمدة من الحياة العادية ، مثل خضروات حديقة المنزل ، والحبوب والبقوليات والتوابل التي يتم تناولها ، بل أكثر من ذلك ، أصبح من الممكن تعميم المبدأين الأساسيين الحاكمين ليشمل استخدام طاقة كل شيء ، كالكمادات والمغاطس والحقن واللبخات والحمامات ، وهكذا يعتبر الماكروبيوتك نظاماً أكثر عملية وشمولية من الطب الصيني التقليدي ، لأنه يستفيد من كل ما في الطب الصيني ، لكنه إضافة لذلك يستخدم وسائل لا تستخدم عادة في هذا الطب ، وأكثر من ذلك ، إنه يتسع لكل تطبيق ممكن ، شرط أن يوافق طريقة العلاج وفق المبدأين الأساسيين ، وهذا يمكن أن يشمل التدليك بالزيوت ، العلاج بالروائح ، العلاج بطاقة اليد ، العلاج بالأعشاب المنفردة ، وغير ذلك ....

الطب الهندي والماكروبيوتك :


يعتمد الطب الهندي على مبدأين اثنين ، أحدهما مشترك مع الطب الصيني ، والآخر مختلف عنه :
  • المبدأ الأول هو مبدأ العناصر الخمسة ، فما يسمى بعنصر الشجرة في الطب الصيني يسمى بالهواء في الأيورفيدا ، وعنصر المعدن بالأثير ، وسنبين سبب هذه التسميات بالتدريج.​
  • أما المبدأ الثاني فهو الأمزجة الثلاث ، وكل مزاج هو شكل من أشكال اتحاد عنصرين في تفاعل زمني واحد، أحدهما يشكل القطب السالب أو البيئي والآخر يشكل القطب الموجب أو الفاعلي ، بحيث تتفاعل العناصر الخمسة مع بعضها بشكل أساسي وفق قانون الأمزجة الثلاثة، عندما تم تفعيل العناصر كَمَثاني ، وهناك مزيج فاتا [ الأثير والهواء ] وبيتا [ النار والماء ] وكافا [ الماء والتراب ].​

بهذه الطريقة يمكن فهم جميع التحركات في الجسم والنفس والكون ، من خلال مبدأ العناصر الخمسة متحداً مع قانون الين واليانغ ، هذا الانسجام يعبر عنه بمبدأ الدوشاز [ اسم الأمزجة الثلاثة في السنسكريتية ] كما سنرى ...

وهذا هو السر الذي يجعلك تفكر في إمكانية إيجاد الجوهر الموحد بين النظرتين في العلاج مع تعديل ما يلزم لأجل ذلك ، وقد قمت بتسمية الطريقة التي تجمع الاثنين معاً "الطب الكوني" ، لأنه يعتمد على الكليات الكبرى في التكوين.

المقارنة بين الطب الهندي والماكروبيوتك :


كل من النظامين يتصف بالتركيز على أسلوب الحياة ، وعلى العلاجات الداعمة له بنفس الوقت ، لكن النظام الغذائي في الطب الهندي ، بسبب توجهه لعلاج المشاكل الناتجة عن العمل الثنائي للأطوار الخمسة ، دون مراعاة للعمل الأحادي لكل منها ، فقد تركز على ثلاث حميات غذائية رئيسية فقط ، لا تحقق الكثير من النتائج الفاعلة لوحدها ، لذلك تم التركيز أكثر على العلاجات الداعمة ، وكانت هذه المجموعة واسعة جداً ، فبالإضافة إلى الأعشاب والزيوت والتدليك والجراحة ، شملت العلاجات الأحجار الكريمة ، والموسيقى ، والألوان ، والعطور ، والمعادن ، والكثير من الأشياء الأخرى.

بما أن الطب الهندي قائم على فلسفة اليوغا ، كان من الطبيعي أن يراعي الكثير من الأمور التي لم يراعيها الماكروبيوتك ، وبالمقابل كان الماكروبيوتك يراعي أشياء لم تكن لتخطر في ذهن المعالجين الهنديين قبل ثورة الماكروبيوتك في القرن العشرين ...

من الأشياء التي اختص بها الماكروبيوتك :

  • العلاج الأساسي يكون بالبرنامج الغذائي والمعيشي ولكل حالة ما يناسبها
  • مراعاة نتائج الكيمياء الحيوية كعلم حديث يمكن الاستعانة به
  • العلاج بالبكتيريا النافعة
  • توفير جميع العناصر الغذائية اللازمة حسب علم الكيمياء الحيويةً مثل فيتامين B12 وK2
  • الطبخ بأدوات المطبخ الصحية وفق شروط كل من علم الطاقة الحيوية وعلم الكيمياء الحديث
  • الطبخ العلاجي وفق نظرية الين واليانغ
  • دراسة الأمراض وفق المفهومين القديم والحديث لكل مرض والتوحيد بينهما
  • توفير صيدلية منزلية لعلاج جميع الأمراض ، وإسعافات أولية شاملة متاحة في كل بيت
  • التشخيص للحالة يكون حسب الفراسة الصينية، والنمط المعيشي والغذائي وتبعا للين واليانغ والعناصر الخمسة ، وقراءة النبض بالطريقة الصينية.

من الأشياء التي راعتها الأيورفيدا وحدها :

  • التشخيص باستخدام قراءة النبض حسب الأمزجة الثلاثة ومن خلال فحص البول والبراز
  • العلاجات الهندية الداعمة واسعة جداً فهي تشمل الأعشاب، والزيوت، وعلاج المارما وأنماط خاصة من التدليك ،
  • كشف المزاج النفسي العام لكل شخص من خلال شكله وطباعه وفيزيولوجيته
  • علاجات التنقية : كالتقيؤ والإسهال والتعرق ،
  • تكون التغذية متناسبة مع المزاجات الخمسة ، وتكون العلاجات العشبية والزيتية وفق الأمزجة الثلاثة.
 

القسم الثاني : المبادئ الكونية السرمدية

مبدأ تجلي الله [ الواحد ] :


قبل كل شيء وبعد كل شيء وفي أثناء كل شيء يكون الله ، الحي القيوم ، كما يمكن أن نقول إنه { المطلق عن كل قيد وقانون } الذي ليس له نقيض [ ليس له كفو ] ونتيجة لذلك فهو خارج كل المنطق العقلي ، ولا يمكن بناء معرفتنا عنه بالعقل ، لكن يمكن التواصل مع تجلي الله بالحدس الروحي الصافي، الذي يبعث نوراً ومشاعر يقينية بالجمال والدفء الإلهي ، ويمكن أن يفتح الله الأبواب الموصدة.

الله عز وجل لم يكن في الزمان كما هو كل كائن تم حصره بين أطراف مسار زمني معين، عند الله يكون الزمن الذي نعرفه غير موجود، الزمن الموجود في عالم الحق ليس موجوداً بالطريقة التي نتخيلها أو نعرفها في عالمنا.

الأحداث في هذا الكون حدثت وانتهت بالنسبة لزمن الحق، الله يعرفها مسبقاً، إحساسنا الحالي بالزمن هنا هو إحساس محدود بحدود قدرتنا على اللحاق به، أي أنّ الإدراك والتركيز الذي يملكه الكائن الموجود في أقطار هذا الكون يحدد مستوى معرفته بالزمن والوجود ، والزمن في هذا الكون هو انعكاس لما يمكنك أن تفهمه وتدركه ، وليس للحقيقة الكونية نفسها ، فأنت تعيش في عالم أرصادك ومفاهيمك الذهنية ولا تتجاوزه إلى العالم الحقيقي حتى تتخلى عن العقد المعرفية التي تقود إدراكك للزمن بالضرورة عبر المسلمات المسبقة.

ولأجل ذلك كان الكون الذي نرصده محدود الظهور بأقطار تعكس القيود النفسية على الإدراك ، والمادة كموضوع للإدراك ضمن هذا الكون هي بحد ذاتها سبب في أن الإدراك محدود.

هذا يعني أن الزمن اللامحدود ليس فيه تعاقب أحداث وأسباب ونتائج ، لأن هذه الأمور تنشأ عن ضعف الإدراك وارتهان الحقيقة بقيود نفس الإنسان ، والمكان المجزأ كذلك ينتج عن هذا الضعف الإدراكي ويعكسه ، ويمكنك أن ترى ذلك حين تلاحظ أن أفق الرؤية لديك محدد بما يسمح به تشريح جسدك وجهاز الإبصار عندك ، هذا يعني أنك غير قادر على إدراك المكان بانورامياً أو خارج الموضوعات المناظرة لموقعك المحلي بالاستناد على جسك وحده.

رؤية الكائن للوجود تحددها القواعد نفسها التي تجعله بنموذجه وماهيته عنصراً في هذا الكون، فيرى النقطة بالنسبة إلى أقطارها ويرى الحدث يتلو الحدث، وفي كل مرة لا يرى أحداثاً إلا بقدر ما يستوعبه إطاره المكاني والزماني "أي لا يرى أكثر مما يمكن رصده من المكان ولا أكثر مما يمكنه الاتصال به من مسارات التفاعل الزماني ضمن هذا المكان".

لذلك يكون الله أعلى من قدرة البشر على التأطير، ولذلك لا يدركون حضرته فحين يقال لك أن شيئاً موجوداً تتخيله في مكان محدد وزمان محدد، فهو عنصر في الكون وحتى حين تتخيل مسار حيات الشيء كاملاً فإن هذا المسار مركب من أحداث محددة.، بالنسبة للكون بأسره فلا يوجد مسار من أحداث متعاقبة محددة، وإنما ثمة علاقات، لا ماضي ولا مستقبل في الكون لأنه لا شيء يحدث فعلياً كحدث جديد بالنسبة لـ[الكون ككل].

فإذا كان الكون الظاهر أمامك غير قابل للتأطير بالقدرة البشرية الإدراكية، فكيف يمكنك فهم الحقائق العليا والكائنات التي تسمو على الكون بعقلك ومخيلتك دون التخلي عن نزعة التأطير الزمكاني المحلي ؟ هذا مستحيل.

هذا التأطير ينشأ من أن الشيء الذي تراه يكون محدوداً ونسبياً، ولو كان مطلقاً فيستحيل عليه أن يكون قابلاً للتأطير العقلي ووصفه بمفاهيمك الاعتيادية، والزمن الذي تدركه في بعدك البشري دائماً نسبي ومحدود ، بسبب طريقة الإدراك الخاصة بالبشر والتي لا تسمح إلا بالتفاعل مع مستوى معين من الوجود ، ولذلك إطار إدراك الحواس البشرية الجسدية نسبي ومحدود، وحين تتخيل أو تتصور كياناً بناء على خبراتك الحسية المادية فلن يكون هذا الكيان مطلقاً.

ويتعذر الوصول لله بالتجربة والاستدلال ، لأنه القاهر لحدود عالم المادة والعقل معاً، وهو خالق القوانين الخاصة بهما وليس مقيداً بهذه القوانين ، ورغم ذلك فعالم المادة والعقل يدل بوجوده وتكوينه على خلق الله له وإشرافه عليه وقيوميته، حتى دون أن تنكشف التجليات مباشرة.

هذا الدليل على أن هناك قوة فاعلة تؤثر في العالم وتخلقه وهي لا تتقيد بعلاقاته وقوانينه ، يسمى ببرهان الخلق ، وتسمى الفعالية المسؤولة عن وجود الكون ب(الوجود الواجب) أو الواجبية ، وهذا الوجود الواجب و فعل الله اللازم الذي لولاه لما انوجد شيء ولما أخذ شيء هويته ، فهو يسبق التفاعلات المحصورة ضمن الكون ، ولكن هذه الفعالية هي مجرد إدراك ضرورة حضور قوة الله ، ولكنها ليست إدراكاً لله أو لأي شيء عنه ، إنها بالأحرى إدراك لنقص العالم بما هو ظاهري ومحدود.

لأن السؤال هو ما دام الله كما نتحدث عنه ولكن كيف عرفنا من يكون وأنه الحق ؟

ككائن واعٍ بذاتك ، لا تحتاج إرشاد غيرك للحقيقة ، تأثرك بالإرشادات يعني أنك تبتعد عن الطريق الصحيح ، لكن إدراكك للحكمة يقربك بغض النظر عن مصدر معرفتك بها هل هو إرشاد أو بحث شخصي.

لا تحتاج إلى معرفة كل شيء من الأسرار العليا بالتفصيل الكامل ، حتى تُدرك وجوب الحقيقة الإلهية ، أو حتى تتحسس تجليات الله في العالمين ، هذا الأمر يعتمد على صفاء الإدراك وتوجه التركيز نحو البحث عن الحقيقة بنزاهة وقيم ، ولا يعتمد على تقنيات معينة أو نظريات معينة أو معرفة مسبقة ، لأن الله يحضر لمن يبحث عنه ، ولكن الله ليس بنظرية..

هذه الألغاز التي تركها لنا الله في الكتب المقدسة تدل على حضوره في كل شيء ، حتى الذين يتعذبون في النار يقال لهم {( ذُق إنك أنت العزيز الرحيم )} لأنهم يتعذبون بقوة الوعي التي في داخلهم ...
وكذلك الذي يبحث عن الماء في الصحراء ويصل للسراب يجد الله عنده ، لأن حقيقة وهمية السراب حين انكشفت هي تجلي الله وحضوره ... فهو كل حق في الوجود.
ولكن اللغة البشرية لا تزال أضعف من أن تعبر عن الحقيقة ، ولذلك تضيّع الناس بما يشبه ألعاب العقل والألغاز ولعل هذا ما أراده الله ... فكل حق هو الله وكل رحمة هي من الله وكل قوة هي قوة الله وليس هناك شيء مستقل عن الحضور الإلهي دون أن يكون هذا الشيء منعدم الوجود والعدم ، وحينها سيكون في عالم اللاهوت.

الكون، عالم المادة والعقل مبني في كليهما على منطلقات غير مستمدة منه، ولا تفسير لوجوده من ضمن نظام وجوده نفسه دون الاعتماد على المطلق خارجه.

وأفضل شرح يمكنني تذكره الآن هو مبدأ تكامل المصفوفات ، كل مصفوفة لابد أن تبدأ من مرحلة معينة، وهذه البداية تصدر من خارج المصفوفة، لذلك بالنسبة لما في داخل المصفوفة فثمة بداية مطلقة لزمن المصفوفة ووجودها، وهذه البداية مستقلة عن محتويات المصفوفة أو المنظومة.

وإذا أدركنا أن الطبيعة بكل ما تحمله من خصائص وكائنات وقوانين وإجرءات تنطبق عليها صفة المنظومة ، فلا يمكن لمنظومة الوجود الطبيعي هذه أن تكون كاملة من داخلها، لأنها تبدأ من منطلق صفري، هو الأساس في تكوين الطبيعة وقبل وجوده ليس للطبيعة معنى.

هذه المنظومة حين بدأت كانت تلك البداية المطلقة لكل شيء يعرفه البشر ، وطبيعة المنظومات التي تحتاج إلى تكامل خارجي أيضاً بدأت مع تلك النقطة ، وقبلها لا يمكن وصف المجال الذي انبعثت منه العالمين بأنه منظومة تحتاج للتكامل ، لأنه مختلف عن كل ما نعرفه ضمن هذا العالم.

هذا يعني أن العالم يحتاج لتبرير لأننا نعرف ذلك ، ولكن الله مختلف عن هذا العالم ، واختلاف العالم عن الله هو ما يجعلنا نعرف أن العالم يحتاج لتبرير لوجوده ، أما الحقيقة الإلهية التي ليس عليها قيود مفاهيم وأنظمة التحكم في هذا العالم فلا يمكن أن تحتاج للتبرير مثله.

ذلك أن المنظومات والمصفوفات غير مستقلة وجودياً بطبيعتها، لأن كل منظومة تبدأ حتماً بنطاق أساسي من المنطلقات، وقبل هذه القاعدة الانطلاقية لم يكن للمنظومة وجود، بالتالي لن يكون لهذه القاعدة الأولى التي تبدأ منها المنظومة تبرير ضمن المنظومة نفسها، لأن أساس البناء لا يبدأ في الطوابق العلوية.

أي أنه لابد من أن يكون الوجود الذي تنبعث منه المنظومات ليس منظومة ، ولا تنطبق عليه معايير النُظُم ، وهذا السر في الوحدة القهّارة الإلهية.

الأمر أشبه بأنك تحتاج إلى جلب المعادن من المصانع، لكي تبني البناء، والمصانع تأتي بالمعادن من بعض المناطق الترابية حول العالم، ولا يمكن بدء تشييد بنائك من خلال موقع البناء نفسه ... لا يمكنك جلب ملابسك من خزانة فارغة، أو جلب خزانتك أو مكتبتك من بيتك الفارغ – الذي لا يحتويها أصلاً - يجب أن تشتريها أو توفرها من منظومة أخرى خارجه.

ومع أن تخيل جلبك للأشياء من الفراغ ممكن بمنطق السحر والعرفان ، وكذلك بنظرية الكموم ، لكن الفراغ الذي نتحدث عنه هو المرحلة التي تسبق مبادئ التكوين التي تشمل مستوى الكموم ومستوى السحر والعرفان.

كذلك الأمر في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، مثلاً ، التفاعلات الكيميائية تنتهي في حدود الذرة، التفاعلات البيولوجية تنتهي في حدود الجزيء الكربوني، التفاعلات الذرية تنتهي في حدود الموجات الكمومية قبل انهيارها، وهكذا …

ولكن وبإسقاط هذا الموضوع على "كامل نظام الطبيعة" فإنك سوف تنتبه أن النظام الطبيعي بأسره له منطلقات، وهذه المنطلقات أيضاً لها علل، ولها بداية، ولهذا نسميها "البداية المطلقة".

إذن ما قبل الطبيعة، يوجد قوة أعلى من الطبيعة، لاحظ أننا لا نتحدث عن "قوة تنتمي للطبيعة" كالعوالم المتوازية والأكوان المتعددة والأوتار الفائقة وكل شيء فهّمه الله للبشر في الفيزياء، وإنما عن العالم الفيزيائي بأسره، من أوله لآخره .. كله ، يُرد إلى نقطة البدء، وقبل تلك النقطة هناك قوة أعلى من نظام العالم الحالي، أوجدت هذا النظام.

هذه القوة إذن، ليست مادية، ليست محدودة، ليس يصدق عليها شيء تعرفه عن عالمك، لأن عالمك لم يكن له وجود في ذلك المستوى، وإنما هو "انبعاث" عن ذلك الوجود.

فالعالم المادي والعقلي مصفوفة كبيرة ، الأحداث التي فيها لها أسباب ، وأسبابها لها أسباب ، وهكذا يستمر الأمر إما إلى اللانهاية وبالتالي يكون وقوع الأحداث التي نراها غير ممكن لأن أحداثاً لانهاية لها يجب أن تقع قبلها ، وهذا يعني أنه لم يحن بعد وقت وقوع هذه الأحداث ، وإما أن يكون هناك سبب أول لكامل مصفوفة الطبيعة والعقل لكنه خارج هذه المصفوفة ، وخروجه عن هذه المصفوفة يعني أنه لا يتميز بأي خاصية من خصائصها ، فهي قائمة على النقائض والكثرة ، وهو واحد لا مكافئ له ، وهي قائمة على العجز إلى سبب خارجها وهو قوي قوة مطلقة ، وهي قائمة على النسبية في كل شيء ، ووجود حقيقة وباطل ، خير وشر ، سعادة وتعاسة ، عذاب ونعيم ، أما هو ، مُطلق بكل شيء ، وفقط ما وافقه "فيها" كان خيراً ، حقاً ، نعيماً ، سعادة ، إلى غير ذلك.

إن الله هو صاحب الطاقة الحيوية المنتشرة في هذا الكون ، إنها قوته المتجلية في العالمين ، ومن الطبيعي إذن ، أن يكون الطب الكوني بأسره [ والجزئي أيضاً ] معتمداً على قوة الله ، وأن يتم دراسة طريقة التواصل مع الله ودعوته لحضور قوته بشكل علمي.​
 

مبدأ الين واليانغ [ الزوجية ] :


عندما خلق الله الكون المادي ، قام بتشكيله بصورة زوجية ، تسمى بثنائية الوجود والزمن ، المادة والطاقة ، التحقق والإمكان ، فجميع الأشياء في العالمين موجودة بشكل باطن مستتر بالنسبة لأي كائن له وعي ـ لأن أسماء الله الحسنى التي تقوم بخلقها موجودة بشكل باطن مستتر بالنسبة للإدراك ، وتحقق تلك الأشياء هو تحقق أسماء الله الحسنى وتجليها - ولذلك كانت أسماء الله الحسنى ، والتفاعلات بين هذه الأسماء والتي شكلت العالم ، كان هذين العنصرين ( الأسماء والتفاعل بينها ) بتزاوجهما معاً ، هما مصدر كل الوجود بالشكل الذي نراه والذي لا تراه ، ومن هنا ولدت الزوجية.

الله عز وجل ، من المحال أن يفهمه الإنسان الذي يحصر إدراكه بإطار الذكورة والأنوثة أو الزوجية، الله واحد أحد، لا يحتاج إلى عالم لكي تتحقق أسماؤه فيه، لأن أسماءه فعلياً في حالة الاتحاد ولا يوجد فواصل بينها، والعالم الذي تدرك هو الذي يحتاج أسماء الله السنى أن تحل فيه فتعطيه وجوده ومفاهيمه، إن حالة الواحدية اللاهوتية ليس فيها أسماء متفرقة ولكنها جوهر للأسماء كلها، وهذه الأسماء الحُسنى التي نعرفها وندعو الله بها إنما هي انعكاس نور ذلك الجوهر في عالمنا الذي يعاني من حالة انفصال.

ذلك يعني أن الله مطلق الوجود، وأن أي نظرية تحاول شرح اللاهوت الأعمق من نظام الكون من خلال مفردات الكون نفسه هي نظرية غير حقيقية، لأن الله لم يخلق العالم لأنه يحتاجه، بالتأكيد ثمة حكمة من ذلك لكنها لن تكون حاجة أو فقراً، كما لو كنتَ غنياً جداً فإن ذهابك إلى مطعم اعتيادي يكون بسبب محبتك للمطعم وليس لأنك غير قادر على الذهاب إلى مطعم أفضل منه، بل لأنك حر وتري المحبة والقيمة والفن، فكذلك الله، خلق هذا الوجود وخلق أوجدة أخرى لها أسماء أخرى وأحرف أخرى أو موازين أخرى أو أمور غير ذلك كله ولا نعرف عنها أي شيء بعد.

والطريق الوحيد للوصول إلى ذلك الغيب هو التواصل مع الله وطلب الرحيل من هنا منه.

من المستحيل على الإنسان بما هو إنسان محدود بحدود الكون أن يخرج منه دون إذن الله، بغض النظر عن ما يخطط هذا الإنسان لفعله.

وأما العالم الحالي فقد كان نقصه في تداور انفصاله واتصاله بأسماء الله الحسنى التي نعرفها، فالعالم لكي ينخلق من قوة ذات الله العزيزة ، ينعكس من أسمائه الحسنى كلها، وهذا يجعله في نطاق زمني متبادل بين حالة الاتصال بالأسماء وحالة الانفصال عنها، أو بين النور والظلام.

تفاعلات الأسماء الحسنى تنشئ الزمن من منطلق القيم العالية التي تتحرر من قيود الموجودات وحتى التكوين المادي الذي هو نوع من التعبير القيمي الجامد والمحدد تماماً، وهذا التفاعل يجعل العالم في طور التكوين والتكامل وليس كاملاً بعد.

انفصال العالم عن حقيقته الإلهية الكاملة يولّد الحدود ، ويمكن لأي نقطة في العالم أن تتصل بالله فتكون بوابة اللاحدود في مستوى معين من باطنها ...

فالمادة أو الوجود ، هي تجلي أسماء الله في الكون الذي تدركه بقدرتك البشرية ، والطاقة أو الفعل أو الحركة ، هي تجلي التفاعل الذي حصل بين هذه الأسماء الإلهية التي تمثل قيم الذات الإلهية الواحدة ...

اكتشفت الأنظمة القديمة هذا المبدأ ، وبالتجربة تبين أنه ينطبق على كل شيء حول الإنسان ، كل شيء في الكون ، يتكون من اتحاد الذكر والأنثى ، وأشار القدماء للطاقة الأنثوية باسم "ين" والتي تعني عملية البناء والتوسع ، والتي تبدأ بتشكيل "العقل الكوني" الذي يضم كافة قوانين الكون الفيزيائية والمنطقية ، لكن بحالة وجود بالقوة [ وجود ضمني مستتر ] ، كما أشاروا للطاقة الذكرية باسم "يانغ" والتي تعني عملية التفعيل ونقل الأشياء من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل [ الوجود العلني المؤثر ] وهذا يعني أن الكون ، والفضاء ، والخيال ، هو ين ، بينما طاقة الكون ، والحركة ، والتركيز ، هو يانغ ... ولأن الين هو السكن والاحتواء ، فهو يميل إلى التمدد والتوسع والليونة والفراغ عقلياً وفيزيائياً ، ولأن اليانغ هو النشاط والتركيز ، فهو يميل إلى التمركز والانكماش والتحرك والاكتناز عقلياً وفيزيائياً [ مادياً ].

يحتاج كل من المبدأين إلى الآخر لينهض الكائن ويتكون ، وليس من الممكن أبدأ أن يتواجد الشيء في هذا الكون بحضور واحد من زوجيه دون الآخر ، لأن ذلك يعني أن الزوج الآخر لا يزال في طور التكون ، فالتمدد يحتاج إلى طاقة نشطة ليتواجد فعلياً ، والحركة تحتاج إلى نوع من التمدد في الحيز لتحدث ، وقس على ذلك جميع الظواهر الزوجية.

الين واليانغ كانا قبل الكون والعناصر الخمسة ، إنهما أول تجليات الله الكونية ، ولكل منهما قطبين ، فالين قد يكون بنّاءً [ ين بحالة يانغ زمنياً ] وقد يكون مفككاً [ ين بحالة ين زمنياً ] ، واليانغ قد يكون منتجاً [ القطب اليانغ لليانغ ] وقد يكون متلفاً [ القطب الين لليانغ ].

من أمثلة الين التجريبية : السلوك الساكن ، الفواكه ، السكر ، الأنوثة ، السمنة ، التخيل ، ومن أمثلة اليانغ التجريبية : السلوك النشط ، اللحوم ، الملح ، الذكورة ، النحافة الزائدة ، التركيز.​
 

مبدأ التناظر والتناغم :


كثيراً ما يتم إساءة فهم هذه المبدأ ، إنه ببساطة يعني أن كل ما يتم خلقه في الكون والعالمين متناغم مع المبدأين الأساسيين ، أي متناغم مع الصفات الإلهية ، ومتناظر بالنسبة للطاقة الذكرية والأنثوية ، من تجليات ذلك ، الحركة اللولبية في الكون ، والتي تنتج عن تجاذب طاقتي الين واليانغ ، والتي تقوم بإنتاج النسبة الذهبية والتناسق الرياضي بكافة أشكاله ، وهو نوع من أنواع التناغم مع الصفات الإلهية ، والتي تشمل أيضاً جميع النواحي الجمالية في الوجود.
80002405_994876090886959_2378506807820681216_n.jpg

share-phases.jpg

7C99F6E3-E75F-4495-A73906310813D996_source.jpg
images


file-20220414-12-s9hvgo.jpg
 
مبدأ الأطوار الخمسة

أولاً : الماء :

يرمز عنصر الماء في الفلسفات القديمة للوجود بالقوة ( الكامن ) ، الذي نتج مباشرة عن الفيض الإلهي ، والذي يسبق الوجود بالفعل ، الماء هو رحم زمن الكون الذي تتشكل فيه أحداثه.

الماء محايد ميكانيكياً : إذا أخذت مقطعاً من الماء من أي مكان على الكوكب ووضعته في قارورة أو زجاجة فسيأخذ شكلها ، وهذا يعني أن كل الأشكال موجودة ضمنياً في (القوام) المائي ، خاصيته الأخرى هي أنه محايد كيميائياً : بلا طعم ولا لون ولا رائحة ولا أي تأثير ، لكن بمجرد دمجه بأي شيء آخر فسيأخذ تأثيراته بالضبط ، ، ذلك يعني أيضاً أن كل طعم ولون ورائحة موجودة في الماء وقابلة للتحرر بمجرد التعرض لعوامل بيئية مناسبة.

إنه تماماً كالبرنامج الذي يمكنه تعلم أي شيء ومحاكاة أي برنامج آخر لأن بنيته البرمجية صفرية ، إنه فعلياً يساوي الصفر ن لا يمتلك أية برامج مسبقة ، وهذا يخوله لاستيعاب أي شيء وتحليله ومحاكاته ، فهو في حقيقة الأمر يساوي جميع الاحتمالات الممكنة في عالم الوجود الكامن والبيئة توقظ احتمالاً معيناً لوجوده فقط.

الوجود الكامن هو الجوهر الكوني الذي يعبر رمز الماء عنه ، إنه المرايا العاكسة لأي شيء ، إنه المبادئ المكونة لأي شيء ، إنه الرحم الزمني الذي ينتج عنه كل الأشياء.

والوجود الكامن ( الوجود بالقوة ) لأنه الصفر في خوارزميات الكون ، يشمل جميع القوانين الكلية للحركة والتفاعل الزمني ، التي تسمى بالمنطق والميكانيك البسيط ، والتي تفاعلت لاحقاً مع طاقة النار فأنتجت الوجود بشكله الحالي ...
الماء هو تجلي طاقة الين في الكون ، ولذلك يتصف بالسكون والسلام [ بارد ] ويحتوي كل شيء ، ويتصف أيضاً بالقدرة على الانعاش والتغذية للموجودات بسبب قدرته على احتوائ برامجها مما يساعده على التماثل مع كياناها ودعم الناقص منها وتوفير العناصر التي يفتقدها [ رطب ] ...

الوجود بالقوة يعني المثُل الأفلاطونية التي أدى تفاعلها بقوة النار لوجود كل شيء ، يعني الخوارزمية التي بنيت عليها أنظمة الكائنات ، والمثل الأفلاطونية هي الكليات ، والكليات هي قوانين يكتشفها العقل فحسب ، وهي موجودة ، لكن وجودها مختلف عن العالم الذي نعرفه.

البحث الذي أمامي ما كان ليوجد لولا وجود قوانين منطقية وفيزيائية تسمح بأخذه لهذا الحيز الزمكاني ، واليد التي أكتب من خلالها ثمة قوانين تحدد أن هذا الشكل لها بالذات يسمح لها أن تكون شيئاً يطلق عليه اسم يد ، شيئاً يستطيع أن يتحرك بشكل معين ليقوم بالكتابة وغيرها من المهام ، هذا يعني أن للبحث ولليد ولغيرها من الأمور ، قوالب وجودية تحددها ، بعضها قوانين فيزيائيةً وأخرى قوانين منطقية مجردة تعطي للقوانين الفيزيائية معناها وترجمتها.

المثل الأفلاطونية واضحة التكوين ، ولا تحتاج إلى دليل سوى إعمال العقل بنفس مستواها لاكتشاف وجودها ، فمثال "اليد" هو محض القالب الكوني لها والذي يسمح بوجودها بهذه الخصائص والهوية المميزة ، والقالب الكوني هو وجود علوي آخر ، يطلق عليه العرفاء اسم "العقل الأول" ، ويطلق عليه في جميع التعاليم القديمة اسم "الماء" ومن يتحكم بالماء هو من يخلق العالم ، ولذلك يحدثنا الله "{وكان عرشه على الماء}".​

يمكن القول : الماء هو العقل الكوني الذي تنبعث منه كل الخوارزميات والأوامر البرمجية ، وهو الصفر والسكون ورحمة الزمن ومرايا الإدراك ... في حالة النور يكون هو الإراك ومرايا الحقيقة ، في حالة الضياء يكون هو المرايا التي يولد منها الوجود ، في حالة الظلام يكون هو الضباب الأبدي.

لقد سمي الوجود العقلي بالماء لأن الماء الذي تشربه هو تجلي العقل في عالم المادة ، فهو يحتوي كل شيء يوضع فيه ، وعندما يُشرب يتحول إلى المكون الأكبر لجسم الكائن الحي ، وهو ساكن ، هادئ ، مليء بالعوالم الخفية. الماء "الوجود العقلي" هو مصدر كل سكون وعقلانية وبرودة ورطوبة وفهم عميق في هذا الكون، وهو الطور الأول للتكوين.

في الأيورفيدا يمثل الماء على مستوى الجسم والنفس : جميع الطاقات المغذية والمنعشة للجسم والنفس ، وعلى رأسها الماء الكيميائي ، وكذلك المصل [ راسا ] الذي هو المحتوى الغذائي القابع في الأوعية اللمفاوية قبل أن يتحول إلى خلايا ، والعضو المسؤول عن طاقة الماء في الطب الصيني والماكروبيوتك هو الكلى والمثانة بشكل رئيسي ، وبالطبع فإن العظام نظرا لسكونها وارتباطها بالكلى تمثل الماء أيضاً ، والحاسة المسؤولة عن الماء هي السمع لأنه أعلى مستويات الإدراك الحسي الجسدي.​

عنصر النار

يقصد به "طاقة التحويل والإنتاج" وهو ليس مرحلة زمانية بقدر ما يقوم حرفياً بخلق التعبير المادي في الزمن ، لأن الوجود الساكن تماماً لن تدور فيه أية أحداث إذا لم يتم إشعال الشرارة الأولى لهذه الأحداث ، وسيكون كل شيء في كمون أبدي صامت ، وكذلك النار دون الوجود الكامن سوف لن تستطيع تحرير شيء ولن يكون لها أي تأثير مرصود وستترمّد شعلتها ، وهذا السبب في أن الكون كما قد ولد من تزاوج الين واليانغ ، فإنه يكمل مسيرته عبر تزاوج الماء والنار.

الماء هي طاقة الفعل أو هي ( التفعيل ) ولأن كل شيء موجود مسبقاً فهذا التفعيل هو تركيز الوعي على الشيء فقط. عندما تركز على أي موضوع خارجي فأنت تضيؤه على قدر شعاع تركيزك المنبعث من عينيك ، ولذلك كانت النظريات القديمة تشرح حاسة البصر على أنها ضياء ينبعث من العينين ويضيء الزمن فينتج الصور ، هذا الشرح لم يكن يهتم بالناحية الفيزيولوجية للإبصار بقدر ما يهتم بفيزياء الإبصار الباطنية.

ومع أن الشبكة العربية تأبى أن تظهره وتعتبره وصمة عار على علوم الحضارة الإسلامية ، ولن تجد إلا نظريات ابن الهيثم عن الرؤية الفيزيولوجية العادية ، لكن ابن سينا وغيره ممن تعمقوا كثيراً في فهم هذا الموضوع ، ويشرح صدر الدين الشيرازي ذلك على النحو التالي :
الإبصار هو انبعاث ضوء باطني ( بالقوة ) من العين نحو الكيان الموضوعي المرصود ، فإذا كانت ماهية الموضوع الذي تركز عليه تسمح لك بإبصاره فإن الضوء الباطني لوعيك في عينك يفعّل العلاقة بينك وبينه ويشعل ضياء الموضوع في زمنك ويعكس صورته على العين ، أي أن المرحلة الباطنية للإبصار والتي تسبق المرحلة الظاهرية هي انبعاث شعاع الضوء من الوعي إلى العين ومن العين إلى بؤرة التركيز البصري.

أنت لا ترى النجوم البعيدة ، أنت ترى صورتها التي تملأ المكان القريب جداً منك ولذلك يمكن لأشعة عينك أن تكون مسؤولة عن رؤية تلك النجوم.

هذا هو ما أصبح يُعرف حديثاً بفاعلية المراقب ( تأُثير المراقب على تكوين الموضوع الداخلي في مستوى الكموم ).

أنت تضيء كل شيء تركز عليه ، ودون إضاءتك له فسيبقى وجوده بالقوة ...
ركز كل يوم على موضوع واحد ، مثل زيادة حدة رؤيتك أو التخلص من وزنك الزائد ، وسيقوم وعيك بتفعيل ذلك على قدر تركيزك الذي سيكون عنصر النار أو تشغيل الزمن.
حتى ولو ركزت على ورقة فأنت تضيئا ولكن لا ترى ذلك بعينك الفيزيائية ...

هناك شخص في سوريا كان طالباً مجداً في كلية الطب، ولكنه كان يحرق الكتب فعلياً ، أهله كانوا يظنون أنه يشعل سيجاراً ولم يكونوا يصدقون أن تركيزه العالي على نحو استثنائي كان يؤثر على كيان الورقة ويفعّلها أكثر من قدرتها الكامنة على التحمل واختفى في ظروف غامضة وكتبت الصحف عنه.

وهناك فتاة في سوريا كانت تمتلك موهبة قريبة وهي أنها تجبر العظام بمجرد التركيز عليها وعرفت ذلك حين كسرت ساقها وركزت على الكسر فعاد الطبيب ووجد العظم مجبوراً ، وقامت بفعل ذلك مع الكثير في المشفى ظناً منها أن هذه الملكة بلا حدود ، مما أدى إلى وفاتها بسكتة دماغية حسب ما أذكر.

هذه القصص ليست شخصية ، ولكن مصادرها جرائد قديمة لم تعد موجودة بسهولة ، وأشخاص عاشوا في الجيل الماضي ...

وتماماً كما تحول قوة التخيل موضوعات عالم الخيال إلى شيء واقعي ، فإن قوة التركيز الناري التي توجد التفاعلات وتشغّل العلاقات بين المُثُل ، تحول عالم العقل إلى عالم مادي ، ولذلك فإن طاقة النار تشبه النار التي تعرفها ، قادرة على تحويل الأشياء إلى نموذج جديد مختلف تماماً عن القديم.

تتميز النار بأنها عكس الماء في كل شيء ، الماء يأخذ قوام أي شيء والنار ليس لها أي قوام ، والماء يأخذ ماهية أي شيء والنار ليس لها أي ماهية مميزة ، والماء يستوعب كل شيء والنار تنقض كل شيء والماء يغذي ويرطب والنار تستهلك وتجفف ، والماء ساكن يدرك الوجود والنار حركية لا تدرك أي شيء.
تقوم النار بتركيز الطاقة على السطح الذي يتعرض لها أو على أقرب شيء إلى اتجاه أشعتها ( هدف الإدراك ) ، وتقوم بتغذية النباتات بالقوة الحيوية التي تجعلها تنمو وتتحول وتخرج ما فيها من قدرات وراثية وطبيعية [ بالتعاون مع الماء ] ، وتقوم طاقة النار بإنتاج النطاف والحيوانات المنوية [ بالتعاون مع الماء ] وجميع التأثيرات الخلاقة الأخرى والتي تحول الأشياء إلى وجود فعلي ، وكذلك التدمير والحرق هو القطب السالب لعنصر النار.

تمثل النار حسب الأيورفيدا ، طاقة الاستقلاب والتحويل ، سواء في المعي الدقيق أو المعدة وحتى الاستقلاب في الخلايا والميتوكوندريا التي تمثل عنصري النار والماء معاً، أو في أي مكان في الجسم الاستقلاب هو طاقة نار ، ولذلك فالنسيج المسؤول عن طاقة النار هو الدم ، تتعامل الأيورفيدا والفلسفات القديمة مع العناصر على أنها وظائف أكثر من كونها بنية مادية ، وبشكل أدق فهي مفاهيم فلسفية أو خوارزميات تتجسد في وظائف وبنيويات في عالمنا المادي. إن النار تمثل من الناحية النفسية ، النشاط والاندفاع ، واضطرابهما يعني اضطراب طاقة النار والعكس صحيح.

في الماكروبيوتك ، العضو الأساسي المسؤول عن النار هو القلب والأمعاء الدقيقة التي تحول وتستقلب الغذاء ، وهي تمثل الدم أيضاً ، وهنا نجد اتحاداً في التعريف الفلسفي لطاقة النار لدى كل من الطبين ، كما وجدناه وسنجده في جميع العناصر الخمسة.​
 

طور المعدن [ الأثير ]


بعد أن يكون الوجود الكامن بالقوة ( الماء ) ، وهو المستوى الحامل لكل عناصر الزمن والوجود وأحداثه الممكنة ، يتم توجيه أوامر للماء بالتشكل في قوالب زمنية معينة.

هذه القوالب هي الماهية لكل كائن في هذا الوجود والتي تعرفّه بالنسبة للكائنات الأخرى ، وهذه الماهية تجعل من الممكن تمييز الألوان والأشكال والهندسة للكائنات ، وموقعها الزماني والمكاني وعلاقاتها بالأشياء الأخرى ، ومستويات وجودها مثل ماهية الرقم واحد 1 والرقم 2 وماهية علاقة التساوي وعلاقة التوازن ، وماهية اللون الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق والبنفسجي ، وماهية الوجود المادي والوجود العقلي وماهية الزمن ، ماهية الحاسوب والسيارة والآلة وماهية الإنسان والحيوان والنبات وماهية الجبال والنجوم ... هذه تصاميم لكل منها حدوده الوجودية الكونية التي لا يتعداها حتى يتغير التصميم نفسه ، ولكل كائن في الوجود تصميمه الخاص والذي ينتمي لتصميم أعم ثم تصميم شامل ، فمحمد كلاي له نموذج خاص به ، يمكن أن يتكر محمد كلاي في كل حالات الوجود وكل البيئات عبر الزمن ولكن ردود فعله لا تتغير لأن النموذج الخاص به ثابت ، ومن الممكن أن تتخيل نموذجك أو نموذج أبيك أو أمك وتعرضه لمحاكاة تفاعلية خيالية وهو يلتقي بسوبر مان وكيف ستكون رود أفعاله وستلاحظ أن طبيعة النموذج لا تختلف باختلاف البيئة والزمن ، ولكن الزمن يطهر النموذج من العوالق ويجلي حقيقته الكامنة من خلال ظروف معينة تجبر المكنون على الظهور.

النموذج أو الماهية يؤسس الكائنات المادية وبيئتها وزمنها كما تؤسس نماذج المحاكاة لعبة الثري دي وهذا ما يجعل الوجود له تصميم ، وهذا التصميم غير قابل للتغيير من قبل الكائنات في الكون ، كما أنه محدد الرسوم بحيث ترى فاصلاً وجودي بين شيء وآخر.

ومع التأمل العميق تجد أن العلة في هذا الفاصل علة قيمية ( هناك حكمة معينة لكون الشمس لها هذه الخصائص بالذات والشجر له هذه الخصائص بالذات وهذه الحكمة تتعلق بتحقيق تجلي معين للجمال والقيم عبر تفاعل مجسدها المادي ضمن الزمن ).

الماهيات هي هويات الأشياء المادية والتي تراها بحواس الجسد ، وهي تقع في عالم الماء والهواء ، حيث أن الماء يستوعب أي ماهية في الوجو والهواء يقوم بفرزها وتنظيمها بحسب العلاقات.

ولكن الماء والهواء لا يتحركان لوحدهما ، كما أنهما لا يأتيان من العدم أو بلا جوهر عميق ، فالماء في النهاية هو بحد ذاته تصميم هندسي وجودي ولو أنه يشكل البنية الأنقى من التصميم والتي لا تزال غير مشكلة بأي شكل ، وكون الماء تصميماً يجعله غير مطلق الوجود فلا يزال وجوده يحتوي على عنصر ( العقل ) على عكس الوعي الذي هو حالة خالصة.

تبدأ قوة الماء بتبني تصاميم الخوارزميات والبرامج الزمنية الفرعية بناء على الأوامر الموجهة إليها.

هكذا يتحول الماء إلى الكائنات والأحداث والهويات المتمايزة التي تحتمل أن تتحقق في المستقبل ، والتي تنبعث من وحدة جوهرية : انتماؤها لعالم الماء ...

هذه الهويات كامنة في رحم الماء الزمني ، و(الهوية) هي عنصر (الهواء) ولكن اندماج الماء والهواء معاً يكوّن ( الماهية ).

الجوهر العميق الذي جاء منه الماء يسمى بالأثير ، لأنه قوة حيوية خالصة من أي قي عقلي ممكن أو محتمل ، وهذا الأثير لا حدود لقوته أو لجمالياته ، ولا يشكل كل ما نعرفه إلا تعبيراً واحداً عن الأثير الإلهي ، جوهرة الحياة.

الأوامر الأولى يصدرها الأثير ( الوعي الخالص ) إلى الماء ، ولولا ذلك لبقي العالم في سكون أبدي ، وهذا الوعي الخالص هو القوة الفاعلة الأقدم ، وهو كذلك الذي انعكس الماء من قيميته ، قيمية الوعي خلقت المياه الكونية وفاعليته أشعلت الشرارة الأولى واتحد الماء مع النار كما الوعي واحد في هويته وفاعليته، ولذلك يقال أنه النار المقدسة أو اللهب المقدس، لأن النار هي الفاعلية في الزمن، ولكن الحقيقة أنه ليس ناراً ولا لهباً ، إنه قوة الحياة الأثيرية التي تعكس النار وجودها موضوعياً فقط.

ولا يمكن التعبير عن هذا الجانب من الوجود من خلال وصف يحمل صفة إجرائية موضوعية ، مثل النار التي تشعل والماء الذي يستوعب ، لأن هذا التوصيف يصلح ضمن نطاق الكون نفسه.

وكما سبق الوجود كله خلاء من الوجود ، حيث لم يكن إلا الله تعالى ، وحيث أن الخلاء هو التحرر من القيود وبقاء الحقيقة الحية التي لا يمكن أن تزول ، فإن هناك خلاءً عقلياً يلي مرحلة الماء كذلك ويماثل الخلاء المطلق بما يتناسب مع عالم الماء ، ويسبق مرحلة المحتوى العقلي المنظم.
كذلك عند بداية التحول للصورة الزمنية النهائية التي تراها بعينك وتسمع بأذنك ، أي المرحلة التي تقع بين مسيرة التفاعل كاملة وبين شرارة التحول النهائي ، تكون هناك حالة من الخلاء الذي يسبق تجلي المحتوى النهائي ومرحلة الاكتمال الخاصة بأي من الكائنات ، وكذلك يسبق الحركة النارية الفعّالة المؤدية للتجلي والاكتمال.

ويتكرر الأمر في عالم المادة حيث يأتي الخلاء القبل-المادي ، إنه عالم من الفراغ ، فراغ في هذا الكون الفيزيائي ، لكنه فراغ ممتلئ بالحياة التي لا يقيها إلا قاعدة الوجود المادي الموضوعي ، وكما تقول اختبارات علم الكوانتم ، الفراغ حولنا وفي الفضاء مليء بطاقة مجهولة متحركة ذاتياً ، تتأرجح ما بين أن تكون سالبة وموجبة [1] ، أي هناك أقل من الطاقة صفر فيزيائياً في الفراغ ، وهذا إنما يدل على أن الفراغ نفسه هو طاقة تتحرك صعوداً وهبوطاً وليس هناك خلو من الطاقة في الكون الفيزيائي ، لأن الخلو نفسه هو الطاقة والفراغ هو تحرير للطاقة من نسبيتها وشروطها المسبقة ، الصفر هو كل الأرقام ، والخلاء هو الحالة الأصلية للبيئة والعالم والوجود، وهذا هو ما نصت عليه نظرية الأثير لأنتون مِسمر والتي تمت شيطنتها في ذلك الوقت ، والآن يتم اكتشاف أن كل شيء هو طاقة حتى الطاقة صفر ، وأن الفراغ فعلاً يحتوي الأثير ، او بالأحرى هو الأثير نفسه.

إن الأثير الكوني مثنوي التجلي كما هو كل شيء في الكون ... الجانب الأنوثوي من الأثير هو الفراغ ( الخلاء ) نفسه والجانب الذكري هو الفاعلية ( التي تظهر بحقيقتها عندما يتحقق الخلو من الضجيج والقيود مما يجلي الجوهر الحقيقي للتجلي ...

كما هو الحال دائماً ، الفراغ بالنسبة للقيود فراغ ، وبالنسبة للمقيد تحرير للوجود ... وذلك منطبق في عالم الكون المادي وفي عالم الماء والهواء والنار ، وفي عالم الأثير حيث يكون الكون المادي أحد التعبيرات عن الأثير ويأخذ موقعه على هذا النحو مما يحرر الأثير من جميع القيود الزمنية ويجعل حقيقته تنبعث عبر الزمن ، وبعد الأثير لا وجود لشيء يتحرر من الأثير نفسه لأنه تحرر من قيد النسبية الذي تفرعت عنه باقي القيود. الأثير هو الوجود المطلق اللامشروط ( هو مُطلق الوجود حيث البوابة إلى الله وما وراء العالمين ).

من أجل ذلك كان عنصر المعدن أو الأثير هو المسؤول عن الاكتئاب ، لأنه يمثل الحيوية [ كما سنذكر في مبدأ فاتا بعد قليل ] ، واختلاله يعني اختلال الحيوية ، والاكتئاب هو فقدان جزئي للدافعية نحو الحياة ، ولأن العضو المرتبط بالمعدن هو القولون والرئتين [ من حيث الشكل والانفعال ] ، وكان يمثل في الايورفيدا مرحلة الخلاء من كل شيء ، ولذلك ارتبط بالتنفس والإطراح.

في الأثير تتحد الذات والموضوع ويذوبان في كيان واحد ...

الوعي الخالص مطلق عن سماء الكون والأرض سابق لهما ولا ينتمي إليهما ولكنهما ينتميان إليه ... كل شيء يمكن فهمه أو التفكير به أو إدراكه بأي شكل ، سواء من المتشخصات أو من المشاعر أو من المفاهيم والقوانين والأحوال جاء من الوعي الخالص ، وأياً تكن الحكاية التي عَقِبت ذلك في ترتيب الزمن.

كيف تعرف الوعي الخالص والجمال القيّم...

هذا الكون أمامك حالياً .. ماذا يكون بالضبط ؟ ستقول مادة وزمناً سأقول وما هي المادة التي تراها الآن بالضبط ؟ ما معنى المادة أصلاً ؟
هل حقاً ترى المادة الآن وتحاول إدراك حقيقة كيانها الماثل أمامك ، والسبب في تزامنها مع إدراكك ؟ إذا ركزت قليلاً فستجد أن كلمة مادة لا معنى محدداً لها ... كل ما تعرفه عن المادة أنها الشيء المعروض على حواسك وخصوصاً البصرية ، ولكن المادة التي تحسها هي مجرد تأثير ممارس على حواسك من مصدر مجهول بالنسبة للمعرفة الحسية.

الحواس ترى النتيجة ، وبداية أن تدرك العالم أن تعلم أن هذه المحسوسات أو التأثيرات الممارسة على إدراكك والتي تنتج ما تراه مواداً ، تتفاعل مع قوة الوعي التي فيك وهذا يعني أنك تعيها ( تدركها بوعيك ) وهذا يعني أن جوهر ما يصلك بالعالم المادي هو الوعي وليس الحواس الجسدية ، وأن الحواس الجسدية مجرد تمثلات لتفاعلك كوعي مع العالم ، الحواس تعبير عن هذا الجوهر.

أي أن المصدر الأساسي للمدركات الحسية هو من نفس طبيعة وعيك ، وعي خالص ، كيان حي أنتج هذه الصور التي تراها ، وليس شيئاً غير واعي ، وجوده الحقيقي حيوي وليس مادياً أو بالأحرى ليست المادة شيئاً غير الوعي في واحدة من مستويات تعبيره عن نفسه ، ولكن انتزاع الصورة عن جوهرها الأصلي يجعلك تتوهم أنها فقط الصورة الظاهرة أمامك على الشاشة ولا باطن لها ...
هذا يعني أن المادة هي نتيجة للتفاعل النهائي بين وعيك وبين الوعي الأكبر الشامل للوجود الكلاني ، بأسره ...
وأن التفاعل بينكما يُنشئ الزمن الذي يحيطك والعالم الذي يحتويك والصور المختلفة التي تراها ، وكل العالمين محصورة في إطار هذا التفاعل بين الذات والوجود ، ونوعية هذا التفاعل هي التي تحدد ما ترصده من العالمين وأين ستصل أو ما يعكسه الزمن على شاشة العرض خاصتك وما هو مصيرك ... تجاوب وعيك مع المعطيات ، وتجاوب المعطيات مع وعيك يعني أنك تؤثر على المعطيات بقوة الوعي وأنها تؤثر عليك بقوة قادرة على التواصل مع الوعي ... هذا يجعلك تفهم كيف يكون الوعي الخالص هو الجوهر العميق للتفاعلات الزمنية وأن ما تراه دائماً وعي باطني أياً كانت تشكلاته الزمنية ...

العلة الحقيقية في الأحداث هي الوعي ، هذا الوعي خالص وحر من ارتهان الزمن ، ولذلك يستحيل وصف آلية عمل الوعي بطريقة المعادلات الكمية التي تستخدمها في حياتك ، ولكن حريته المطلقة تضفي عليه ثباتاً مطلقاً فيمكنك فهم أن الوعي الخالص قيم وليس إجراءات ، يعكس الحقيقة التي بداخلك ويتصل بأعمق نقطة فيك ما وراء كل المحسوسات والصور التي يكونها وجودك.

طريق العرفان العملي التجريبي والهويات القيمية الأثيرية للنماذج الكونية

الكشف عن الوعي في الزمن مسألة إدراك وتأويل وتركيز على المعطيات ، اجلس بصمت في غرفتك وأشعل شمعة ... راقب حركات اللهب والهالة الجميلة حوله ، كلما سلمت عينيك للمحبة والتواصل مع ( وعي الشمعة ) عوض قهر الواقع على إخراج الحقيقة ، كلما اتصلت بالذات المقدسة للشمعة أكثر ...

على عينيك أن تسترخيا وعلى نَفَسك أن ينضبط ليكون هادئاً ومريحاً وعميقاً ... بمجرد تحقق ذلك ووجود شعلة الشوق في قلبك فإن الشمعة تنكشف لك ككائن حيوي ، إنك ترى الأبعاد الخفية فيها والتي لم تكن تراها من قبل ، تلك الابعاد التي تلهم الفنانين والمتصوفين ، ولكنك الآن تراها بمنهج ... ويمكنك أن تتواصل معها تجريبياً ويمكنك أن تكتشف المزيد عن هذه الشمعة كل يوم ... ستحس بصمت الزمن حولك وتبدأ بسماع أشياء تستغرب أنك حقاً تسمعها للمرة الأولى وتفكر بأشياء تسترب أنك حقاً تفكر بها للمرة الأولى ، وأن هذا العمر الطويل الذي قضيته خلال هذه السنين في حياتك لم يسعفك لتدرك أبسط تلك الأمور ، هي بسيطة لأنها لا تحتاج أدوات وتفكير للتواصل معها ولكن العلم الذي تورثك ياه أعمق من أن يُمحى وأرسخ من سائر العلوم ... والأسرار التي تكشفها لك لا تقدر بثمن وتكشف هيبة الوجود الأعظم في كل تفاصيله وأحداثه ، والحكمة التي أمسكت كل شيء بالتوحيد ...

الجمال الذي ستراه والحكمة التي ستشهدها حين تتصل بمحبة وإدراك وتركيز بنفس الوقت ستغنيك عن أي معرفة أخرى من معارف البشر ...

أثناء إدراكك للتجلي القيمي لهوية الكائن الجمالية الحيوية ( وهي هويته الحقيقية ) أخفض صوت العقل والتأويل وركز على الإصغاء والشهود واستسلم للرغبة ... ستكتشف أن المستوى الذي تراه الآن يقع في نفس الزمن الذي تعيشه ولكن العين التي ترى بها اختلف تفاعلها باختلاف تأويلها ، أي أنك لا تحتاج إلى العروج لأي مكان أو زمان حتى تدرك الحقيقة المقدسة ولكن تحتاج للصمت والإصغاء والتركيز وهذا هو منطلق التفاعل الحيوي.

الهويات القيمية للأشياء هي حقائقها النهائية والاية التي صممت لأجلها وهذه الهويات تشكل الجواهر المكنونة للماهيات العقلية وتجسداتها المادية ، وحين يحقق الكائن هويته القيمية يتصل بعالم الحمد ... عالم الأثير ويعبر الزمن ...

هذا المستوى يشكل معطيات مختلفة عن المعطيات الإدراكية الحسية والعقلية من حيث طبيعتها الحاضرة إليك والتي ستميزها بالتأمل المستمر ، هذه المعطيات تجعلك تكشف حقيقة الزمن من خلال فهم وجودها الأعظم وعلاقاتها بالزمن وعلاقاته بالكون الذي أمامك وتدركه الآن.
مستوى الحقيقة ( الآن والزمن الأعظم )

قوة الآن : أن تتصل مع المستوى الحيوي من الوجود ، لأنك كي تتصل به يجب أن تركز عليه ( الذِّكر ) كما هو الحال عندما تتصل بالمستوى المادي أثناء تركيزك على أشياء منه وتتصل بالمستوى العقلي أثناء التحليل والتركيب ، وكل مستوى من هذه المستويات يعطي نوعاً معيناً من المعرفة ، وكلما تعمقت المستويات أكثر في الوجود اقتربت من الحقيقة وكانت المعرفة أكثر حيطة وشمولاً وكان المعلوم أقدم وأقرب إلى المطلق.

سميت ( الآن ) لأن إدراك العالم المادي كما هو عليه يجعلك تدرك تلقائياً التفاعلات الحيوية التي تنتجه والقوة الداخلية لكل موضوع فيه سواء من حيث تشكيله الماهوي بتصميم معين أو من حيث فاعليته الطاقية أو من حيث جماليته الوجودية ، وهذا يعني أن ما يحجب الحقيقة ليس هو المادة بقدر ما هو التفكير بالمادة ، لأن التفكير هو بناء صور على المعطيات الحسية وعدم التحرر في التعرف الواعي إليها .

الصور تحجب الزمن الحاضر الآن وتدخلك في غياهب الأفكار والتصورات الذهنية ، أي أن الآن هي بوابة الحضور نحو الحقيقة وكشف القيم الإلهية والصلاة لله ...

وخارج الآن لا وجود إلا للوهم والظنون ، فكل معرفة بنيت على التصورات الذهنية منفصلة عن الزمن الحقيقي ولذلك تدخلها نسب الارتياب في الأحكام وتغيب الموضوعات التي تتحدث عنها.

هذه ( الآن ) هي الوعي الخالص بالزمن ، والذي يكشف عن مستوى الحياة فيه وأن كل شيء حي وواعي في داخله وأن هذا الوعي وهذه القيم هي ما أنشأ الشيء أمامك قبل كل الأسباب الأخرى التي ما هي إلا تعبيرات عن قوة الحياة في التنشئة.

وهذا الوعي ( الآني ) هو عنصر الأثير الحيوي ، الذي كان يشار إليه قديماً باسم ( المغناطيسية الحيوية ) أو ( الطاقة المسمرية ).

الماء والنار ينشئان من ذلك الوعي أو القوة الخالصة ... التي تحسها إدراكياً لحظة الصمت والتركيز ... وحين تنبذ كل الصور التي تعرفها من عالمك ...

وإذا كان يمكنك أن تتخيل قوة مطلقة لا يوجد شروط تحدد حقيقتها أو تجليات حقيقتها ، فهذه القوة خالصة ، ولا يمكن وصفها من ضمن مصفوفة هذا الكون بأسره وبأي من معاييره ... وهذه القوة ... هي التي تسمى بالأثير أو المعدن.

هذه هي قوة الوعي الخالص وهو تأثيره المجرد قبل أن يتشكل بقوالب زمنية ، لذلك يقال ( الناس معادن ) والجنة العليا هي ( جنة عَدْن ) لأنها خالصة من كل الزيادات الزمنية والعبث ... قيمة مطلقة تتجلى بالتعبير المثال دون فواصل أو عوازل ...

عادة ما يتم التعتيم عن هذا المبدأ من التكوين الزمني ، خصوصاً في كتب الكابالا الحديثة وتعاليم الغرب عن العناصر الأربعة ، لأن هذا العنصر ليس من ضمن العناصر الأربعة وتحولاتها ، إنه يسبق حركة الزمن ويؤسس لها وهو الشرارة التي انبعث منها الأمر الأول بالتكوين ، ولذلك لا يمكن أن يكون وصفه بحسب ما بعد التكوين وصفاً صادقاً ويجب العودة لما قبل التكوين حتى تفهمه.

هذا يجعل المنطلق في حركة الزمن غير مقيد بالمصفوفة التي نشأت عنه ولا يتبع القواعد ، بل تأتي القواعد بعد ذلك ، وتعرف هذا المنطلق حين تصفي مرايا الإدراك وتدرك الوجود أمامك من دون تقييد مسبق بأحكام مسبقة عما يجب أن يكون ، حينها ستدرك أن المنطلق الأعلى للوجود هو الوعي.

الوعي هو التعبير عن ( الحياة - الجوهر الحيوي ) في شكلها الكوني ضمن فضاء هذا الكون ، في وجودات مختلفة سيكون التعبير مختلفاً. هذا الجوهر الذي نسميه الوعي هو الذات العميقة جداً في كل شيء حولك ، وحين تعرف ما هو الوعي بالكشف الإدراكي المباشر يمكنك أن تفرق بين الطبيعة الواعية والغير الواعية وتكتشف أن الطبيعة الواعية تسكن في أعماق الشيء، وأن الطبيعة الغير الواعية تقع دائماً على السطوح.

كذلك إذا أدركت الوعي في ذاتك ستدرك أن تفاعلك الواعي مع الوجود هو ما يصلك به ، وأن هذه القوة هي المصدر الأساسي لتكوين الزمن ولكل ما فيه ... ستحس بذلك والإحساس المباشر هو الدليل القاطع الوحيد في هذه الحالة.

إنها النور الأصلي الذي يجعل العالم كما هو عليه وهي قوة ذات قرار موحّد ...

dia​
 

عنصر الشجرة [ الهواء ] :

Tree_of_Life-2-1024x585.png

في مسار حركة الخلق الذي كان المثل الأعلى الذي تكوّنت على مثاله جميع التفاعلات في العالم ، وجميع الأشياء في العالم ، فاض الماء والنار من نور الأثير الإلهي وهو الأصل لهذا الوجود ، وبدأ ذلك حين أصبح النور ذاتياً وموضوعياً مفارقاً في ذاتيته موضوعيته ... وما أقصده أن الوجود في الأصل متحد يكون فيه الوعي والوجود الخارجي كينونة واحدة، ولا يوجد مسافات فاصلة بين الكائنات ولا فترات بين الأحداث ورغم ذلك الكائنات والأحداث موجودة وهناك علاقات تفاعلية بينها، ولكنها لا تنتمي لعالمنا الحالي، وكل الحقائق متجلية في عالم الجوهر ولكنه مطلق ، وفيه مجال لمفارقة الذات والموضوع كما نراها في عالمنا الذي يحقق هذا النوع من مجالات التجلي بالضبط ، لأن المطلق لا حدود له ويمكن أن يتجلى بكل ما يسعك تخيله وما لا يسعك ...

النار والماء كانا معاً منذ بداية هذا العالم ، حيث أنه في عالمنا الحالي لا ينفصل الشيء ونقيضه ولا يتحدان، ويزول أحدهما بزوال الآخر ولا يمكن للنقيض الأول أن ينتج نقيضه من نفسه ولكن هناك حالة تسبق النقيضين معاص وحالة تنتج من تراكبهما، والماء والنار كانا أول نقيضين في الوجود، فكان الماء انعكاس روح الجوهر الأنثوية والنار انعكاس روح الأثير الذكرية ، ومن تفاعلهما نتجت الكينونة الرابعة ... الشجرة.

منذ بدء العالم يوجد وعي ووجود مفارق له ، لأن هذا العالم هو الوجود المفارق للوعي الذي يتم إدراكه من ذلك الوعي المنعزل عنه ، أي أنه معتمد بوجوده على وجود وعي يراقبه

ودون العلاقة بين الوعي والوجو الموضوعي لا معنى للوجود الذي نعرفه فنحن نعرف الوجود الناتج عن جدلية الوعي الإدراكي والوجود الخارجي المدرك ولا نعرف كيف هو الوجود بحد ذاته ، أي أن عالمنا ( وهو الوجود الغائب المُدرَك ) بعيد عن الوجود بحد ذاته ، فعندما تتصور مجرة ليس فيها وعي يراقبها فهي مختلفة عن حقيقة المجرة بحد ذاتها لأن تصورك هو مجرة راقبتها بخيالك الواعي وليست مجرة خارجة عن قدرتك على التخيل والرصد.

فالصخرة والشجرة والكوكب والإبريق وكل ما حولك من كائنات أن تعرفها كما تراها أنت لا كما هي بذاتها ، وإذا كانت تبدو لغيرك كما تبدو لك فذلك مره إلى أنك تعرفها بنفس الطريقة التي يعرفها بها غيرك ، وليس إلى أن ذاتها هي الوجود الذي استطعتما إدراكه بقدراتكما الحالية فقط.

دون وعي مشابه لوعيك يراقب الوجود لن يكون هذا الوجود هو الذي تعرفه بتجربتك الإدراكية وسيكون أقرب إلى عوالم المطلق، لأن الوجود بحد ذاته يختلف عن الوجود كما ترصد صورته وتفكر به وتكتشفه ، العالم الحقيقي ليس فيه ثلاثة أبعاد أو بعدان أو بعد واحد فهذه مقولات أو أحكام تأسر رؤيتك بحسب قدرتك لا بحسب الوجود المطلق بحد ذاته.

ولا معنى لهذه الكلمات الوصفية دون وعي يمكنه تجربة الإدراك بهذه الأبعاد ويدرك جيداً مضامينها الحسية.

العالم الحقيقي ليس فيه كائنات محلية ، الصخرة لا ترى الأمور بنفس الطريقة التي يراها فيها الإنسان ، العالم الذي يدركه الإنسان منوط بطريقة إدراكه له وليس بوجود العالم بحد ذاته ، ولذلك تتفاوت نتائج الأرصاد لكل إنسان من زمان لآخر ومن مكان لآخر وبحسب قدرة الجسد وبحسب موقع الوجود للشيء المرصود بالنسبة لموقع كل مراقب لوحده ، لأن العالم بحد ذاته مطلق على نحو مهيب وكل ما يعرفه الإنسان منوط بمراقبته.

الزمن الذي تحياه والعالم الذي تعيش فيه ، وجد دائماً مع وعي مشابه لوعيك أو يحتوي وعيك ... ولا يمكن أن يوجد إلا بهذه الطريقة

أنوار الذات هي مصدر النار الذي يحرك الوجود الكامن ليصير متحركاً زمنياً بعد استكانته ...

كان الوجود أولاً عقلاً مائياً لا تمايز في مكنونه، وكان الزمن مكنوناً في هذا الوجود الذي لا يزال صافياً كالمرايا لم يتحرك، وكانت القوة الذكرية ( النار ) نوراً ذاتياً غير فاعل ولم تبدأ الأحداث إلا في اللحظة التي تفاعل فيها نور الذات مع عقل الوجود ونتج عن ذلك الزمن ...

الزمن الذي تراه جزء صغير أو احتمال من الزمن الأعظم ، وطبيعة هذا الاحتمال تنبع من طبيعة النور الذاتي لوعيك وقراراتك المصيرية والذي يشغلك وتذكره دائماً ... وطبيعة الأبعاد الثلاثة تتعلق بطبيعة وعيك والقدرة التي يمكنك تحقيقها في الإدراك والشهود.

لم يكن للزمن وجود لولا ذلك ولن يكون له ذكر إلا بذلك التفاعل بين نار الذات وماء الوجود ، الذات هي الوعي المتصل بالوجود، وهو يطلب منه التجلي لعينه بطريقة معينة ، الذات هي النور الكائني والوجود هو النور الموضوعي والتقاؤهما نور على نور.

﴿ ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾


الشجرة هي النظام القيّم الخاص بتحرك الزمن وتحققه ، فلكل مسار زمني شجرته ولكل شجرة أصلها وفرعها وثمارها ، وضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت ، وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويجب أن تكون قد لاحظت أن معنى الشجرة في القرن الكريم عميق جداً في تحديه للزمن والوجود ، فالشجرة التي جعلت آدم يبدأ هذا الزمن هي الشجرة الخبيثة أو الملعونة ، وهذه الشجرة تسببت في تغيير مسا الزمن ، أي أنها مختلفة عن التصور المادي لتفاحة بيولوجية يتم تناولها وتتسبب في الخطيئة فقط لأنها ممنوعة ، الحقيقة أن الموضوع أكبر من مجرد خرق قاعدة تم وضعها للاختبار ، فهذا ليس أسلوب الله أن يضع قواعد لا أساس لها فقط لكي يجعل الآخرين يعبرون عن امتثالهم باتباع قواعد لا حكمة منها كما تصف كتب الدين ، هذا النوع من اللاحكمة يعارض جوهر اتباع الله ، لأن اتباع الله هو اتباع للحق وطلب للحكمة قبل كل شيء ، وحين لا يكون للفعل حكمة وحق فلا يكون فعله مرضياً لله الحق ، وإذا كانت قاعدة وضعها الله فيجب أن يثبت ذلك على الأقل بطريق ليس عقلياً .

الشجرة من الشَجَر والشجار ، الذي يعني التفاعل المتحرك في الزمن وفق معايير وبين أطراف {( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما [شَجَرَ] بينهم )}.

{( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ )}
space-time-continuum.jpg


الشجرة فتنة للناس أجمعين ...

{( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا )}

الشجرة (نُزُلاً) ...

{( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (*) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (*) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (*) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ )}

{( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )} ....

نودي موسى (في) البقعة المباركة (من الشجرة) وهذا لأنه لم يكن خارج الشجرة بل داخلها ، وهذه الشجرة أكبر من أن يتم تحديدها بسمة تميزها فهي اسم علم ( الشجرة ) ، إنها ليست شجرة كذا أو تقع في كذا ، إنها الشجرة ، شجرة هذا العالم ... شجرة هذا الزمن بكل ما فيه ، ولذلك ليس فيها إلا بقعة واحدة مباركة لأنها هي الشجرة الملعونة ، إنها شجرة هذا الزمن وليست شجرة مادية محدودة هنا أو هناك ، إنها الشجرة التي تثمر الزمن المادي الدنيوي ...


أول حركة الماء هي تكوّن الماهيات ( هويات الأشياء والكائنات ) التي تعرفها وتسأل نفسك من أين جاءت ولماذا لها هذه التصاميم بالضبط ... فهذه الشجرة العليا التي تأتي منها كل الأشجار ، إنها شجرة الوجود ... وهي الشجرة التي تجعل كل الأشياء والأزمان كما هي عليها ...

مسارات الكون وأحداث الزمن كانت مكنونة في تلك الشجرة كما هو البرنامج الوراثي للبذرة ، وكما أن هذا البرنامج يحتوي الثمرة بالقوة وتخرجها أشعة الشمس بالفعل إلى الوجود الخارجي ، فكذك كل شيء في الكون تحتويه شجرة الكون بالقوة وتظهر ثماره بالفعل بعد قصد الوعي له وتفاعله معه ...

فإذا رغبت بتغيير زمنك فانظر أي الأشجار هي التي تريدها ، وأنرها بوعيك ...

الشجرة قبل اتقادها هي حالة النظام المستتر الكامن الذي يسمح للماء بالتكون في شكل معين ، وأثناء اتقادها تصبح الشجرة حالة الوجود الفاعل الذي يسبق الوجو الفعلي ، إنها الزمن المؤدي إلى التجلي ، وهي الوجود الذي يسمح بتحقق هذا التجلي إنها النظام وحركة النظام بنفس الوقت ، إنها التفاعل بين النار والماء قبل تحقق النتيجة المرصودة سواء على مستوى الوجود المطلق ( الذي يبدو لك بالقوة ) أو على مستوى الوجود الظاهر أمامك.

وكان نور الأثير الصافي المنعكس على صفاء مرايا الماء الزمنية ، سبق قبل مرحلة التماهي وتمايز هويات وتصنيفات الكائنات والأحداث عن بعضها البعض في المنظومة التكوينية الأكبر ، ثم بفعل طاقة النار المنبعثة عن نور الأثير الذاتي لكل من الكائنات ... تماهى الخلاء وأصبح هناك "محتوى عقلي".

المحتوى العقلي والحركة المنتظمة تعبيران عن أمر واحد في علم العناصر، فهذا المحتوى العقلي يمثل نظاماً وجودياً مكوناً من مجموعة الهويات الزمنية للأشياء، لكنه لا يزال غير متحقق زمنياً بالنسبة لبعض أنواع الوعي وتحققه زمنياً يتطلب تفاعل الوعي معه وهذا التفاعل يبدو للوعي وكأنه حركة متعاقبة فيعتقد الإنسان أن الزمن متعاقب.

لذلك عنصر الشجرة يرمز للنماء والحركة كما يرمز للنظام الداخلي لها ، وكما أنه يصف تنوعات مسارات الزمن من حيث أنواعها ضمن الوجود فهو يعبر أيضاً عن حالة ( تحقق المسار زمنياً ) وليس فق عن ماهيته ، ولنقل إن الشجرة تكون أقرب للهواء عندما نتحدث عن تجليها الزمني وأقرب للشجرة عند الحديث عن وجودها الداخلي ( بغض النظر عن رصد المراقب لها ).

حركة الماء التي تكون منها ماهيات كل شيء في الوجود بعد أن كان الماء صفراً ، هذه الحركة هي الهواء ، طاقة الفعل الإلهي التي تحرك الماء ... تسمى بالرياح في القرآن الكريم فالرياح لواقح ومبشرات وأما الريح فهي التي تدمر وتعصف صرصراً ، فهذان تعبيران عن زمن الحركة البنّاءة وزمن الحركة الهدّامة ، والشجرة التي لها أصل هي حركة الزمن الموجهة نحو غاية معينة انطلاقاً من منطلق قيّم والشجرة التي ليس لها أصل هي الزمن العبثي ، الذي حدث فيه الأشياء دون منطلقات قيمية وهي زمن الضلال ، والشجرة التي تخرج في أصل الشجيم هي الزمن الذي يكون طلعه عبثياً إلى الحد الأقصى كأنه رؤوس الشياطين والناس يأكلون منها رغم ذلك لأنهم يطلبون الجحيم بنفوسهم دون أن يعلموا أو يستيقظوا ...

تبدأ النار مرة أخرى على مستوى المحتويات العقلية بتفعيلها في كينونات هذه الحركة المنتظمة والحكيمة ، مشابهة للشجرة ، فهي منتظمة مثلها ، نامية مثلها ، ولذلك شبه الكون ب"الشجرة" في كل من العرفان الإسلامي والكابالا [ العرفان اليهودي ] تعبيراً عن انتظام الكون الناتج عن تفاعل الماء والنار ، وتم تشبيه الشجرة بالهواء في الأيورفيدا والهرمسية لأن الهواء ، أو الريح ، هي حركة منتظمة في قوانين معينة وتهدف للوصول إلى غاية معينة.

عنصر الشجرة يعني الحركة في الأيورفيدا ، وذلك يشمل الحركة الكهربائية في الجسم ، والحركة الفكرية أيضاً ، وكذلك تدفق الدم [ كحركة ] ، وتقلصات المعدة والأمعاء ، وحركة الهواء في الرئتين والمجاري التنفسية . يعلمنا الماكروبيوتك أن الحركة الكهربائية ، يتم التحكم بها من خلال عوامل نفسية معينة ، فالانفعال يسبب الاضطراب بها ، والصفاء والتحكم بالانفعال يجعلها حركة منتظمة ، ولأن مركز الانفعالات هو الكبد ، فإن الكبد هو المسؤول الأول عن الحركة الهوائية [ الكهرباء الحيوية ].

الكهرباء الحيوية تعني أكثر من ذلك ، إنها تعني كل سريان الطاقة المنتظم ، المعتمد على الكهرباء بصيغتها الجالفانية ، وهو ما يسمى ب"الأثير" في اصطلاحات المسمرية[1] ، وكما سنرى في مبدأ المزاجات ، فإن حركة الاثير معتمدة على التفاعل الزوجي بين عنصري الشجرة والمعدن [ الهواء والأثير ].

اقترنت الشجر في القرآن الكريم بكامل خلق السماوات والأرض وبوجود سماوات وأرض أخرى غير التي نعرفها وقدرة الله على خلق مجالات أخرى للسماوات والأرض ولما وراء الوجود :

{( الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )}
 

_______

[ تفاعل مع المشاركة لتحميل المرفقات ]

  • 1694213568796.jpeg
    1694213568796.jpeg
    7.9 KB · المشاهدات: 33
التعديل الأخير:

طور التراب [ المرحلة الأخيرة ] :



هو التحول النهائي بعد انقضاء أطوار التفاعل ، تحقق الزمن واقعياً بالنسبة للمراقب ، وبالنسبة للوجود بذاته ودون تقييد الفهم بتعاقبات الزمن التي يراها المراقبون فهو الحقيقة المطلقة عن الزمن أو هو المنظومة الكونية الكُبرى التي تتكون من الماء والنار والشجرة والمعدن متحدين في كيان واحد أو بالأحرى هو الجوهر الجلي الذي انبعثت منه تلك الأطوار لتحقق وجودها معاً ، إنه حق الوجود.

من رؤية ذاتية : المعدن هو تعبير عن جوهر هذا الوجود المنفرق إلى ذات وموضوع ، إنه وصف مصدر الوجود بمعزل عن تحققه الأخير ، ولكن التراب هو تعبير عن وحدة جوهر الوجود المتجلي النهائي مع تجلياته الزمنية، إنه يصف اتحاد العالمين المتجلية مع مصدرها وأن هذا الافتراق هو مجرد قصور في الإدراك ...

من رؤية موضوعية : التراب هو تحقق الوجود الكامن للمسار الزمني في تعبير واقعي فاعل ( مادي ) بعد مرور الأطوار الأربعة بالتعاقب من المعدن إلى الماء إلى الشجرة والرياح ، ثم يقوم الوعي الجزئي ببعث النار الأخيرة نحو جزء من الشجرة وهذه النار التي تفعّل الشجرة أو زمن الشجرة ستولد مباشرة النتيجة النهائية أو التراب.

الأرض هي المرحلة النهائية لأطوار الزمن الجزئي الذي يدركه مراقب جزئي الإدراك ، وبينما الأرض بالنسبة للوجود الأكبر والزمن الأعظم هي حالة الوحدة المُطلقة بين الذات والوجود وحق اليقين ولذلك تكون المرحلة النهائية من مسيرة الساعي إلى الله هي الرضى وهذا الرضى لا يتحقق لعباد الله إلا بالوصول إلى الفناء وحضور الله في الذات والوجود .

{( وما لأحد عنده من نعمة تُجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى )}

{( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )}

رياض الجنة ... والخليفة الذي شكل وجوده فرقاً في الوجود كان الخليفة في الأرض فما هي الأرض ؟ هل هي الكوكب الذي تقطنه حالياً ؟ من الذي سمى هذا الكوكب بالأرض ومن الذي قال أن الله يقصد بها هذا الكوكب ؟

إن معاني الكلمات في القرآن لا يمكن فهمها فهماً حقيقياً وعميقاً بالاستناد إلى التأويل التراثي أو المتعارف عليه فقط لأنه يصدر من شخص تثق به ( أو تثق بمن يثق به ) ... إذا أردت الحق فعليك أن تؤمن أن كتاب الله يحكي كل أسرار هذا الوجود ولن تؤمن بذلك دون أن تحرر إدراكك ومعرفتك من قيود الافتراضات المسبقة على تأويلك ورؤيتك...


الجوهر الذي نعبر عنه ب(التراب) مقدس مطلق بحسب هذا المعنى ، ذلك يعني أن صورته الجزئية التي يدركها المراقب المنفرد بحسب قدرته المحدودة هي أكثر الصور الإدراكية إفساداً لحالة الوعي وعرضة لفتنة الفساد بين جميع الأطوار الخمسة ... لأن نقاء جوهر هذا العنصر يصدر من الوحدة الخالصة الإلهية، وعدم إدراك هذه الوحدة يعني غياب ذلك النقاء عن الإدراك الذاتي (الوعي)، فكل ما يبقى هو تصور الوجود صورة ذهنية تستمر في إبعاد القداسة والحقيقة والطيبة عن الذات من خلال المزيد من التجزيء والتحطيم والتفكيك للصورة، الذي يجعل الوجود يبدو كأنه مجرد كلمات مبعثرة، لأن معكوس أنقى الأشياء هو أخبث الأشياء ... وأنقى ما يكون بالنسبة للإدراك الذاتي هو الاتصال بالحقيقة وأخبث ما يكون هو البعد الإدراكي عنها والذي يسمح للحياة أن تبنى على العبث الزمني ويسمح للاحتمالات الظلامية أن تبدو وكأنها مستوية مع حقائق النور.

وهذا يعني أن التراب هو أثقل أمانة ممكنة وعليها يتوقف أمر سيغير موازين الوجود في عالمنا هذا، وأن صورة التراب كما نعرفها ( العالم المادي ) هي الصورة غير المكتملة للحقيقة المتحققة الواحدة ، وهذه الصورة الترابية انبعثت عن انعزال إدراك الإنسان عن نور الحقيقة.

بالنسبة للمراقب المفارق للوجود بحد ذاته، جميع الأطوار احتوى كل منها باقي الأطوار الخمسة ولكن في حالته النسبية،
بالنسبة للمراقب يبدو الهواء عند تحققه الزمني تراباً، فمرحلة تكوّن الجنين بالنسبة لمراقب موضوعي تبدو كتراب لأنها تتحقق أمامه مباشرة كشيء واقع ، وبعد فترة الولادة ستبدو له تلك المرحلة كهواء ونار ، وقبل أن يلد الطفل كانت هذه المرحلة بالنسبة له ماءً كمونياً في الزمن.

والسر في ذلك أن زاوية إبصار الوعي هي ما يحدد معنى الطور الذي ينتمي إليه الحدث، بالنسبة لإطار أرصاده لا بالنسبة للحدث نفسه، ولأن العالم كله نسبي فكل طور لكل حدث سيدخل في علاقات معقدة وهذا يعني أن التحديد بحسب الإطار هو ما يسمح لك بالتمييز بين طور وآخر ، فإذا كنت تحدد الإطار بحسب زمنك المحلي والآني فسيكون المستقبل الذي لم يتحقق بعد ماء والماضي الذي تسبب في وقوع ما تراه هواء والحاضر الواقع أمام رصدك تراباً والخلو منها جميعاً معدن ، وتفاعلك معها نار ، وإذا كان إطارك مختلفاً عن ذلك فسيكون التأويل مختلفاً، فإن كنت تقيس أحداث الزمن وما تراه وفقاً إلى التفاعل الوجودي الذي أخرجه لك فسيكون كل ما تراه من الزمن تراباً في الماضي والحاضر والمستقبل ، وسيكون تفاعل ذاتك مع الوجود وتفعيل الزمن هو النار وسيكون وجود الاحتمال الزمني الذي ترصده في الكون وسماح قوانينه به هو الماء والهواء. وسيكون الأمر كذلك دائماً.

هذا تعبير عن أن العناصر لا تنفصل عن بعضها ولكنها تبدو كذلك لأن إدراك الإنسان يميل إلى عزل الأشياء وتفكيك روابطها وقليلاً ما يحاول تأمل الوحدة الداخلية فيها ... لأن ذلك عملية مرهقة جداً وتحتاج إلى صبر وتركيز وهدوء على عكس ما اعتاد الناس عليه عبر الزمن ...

وكذلك الآن نعلم أن كل مرحلة عند تمامها تكون تراباً لكن التراب الأكبر هو مرحلة الوجود بالفعل ، حيث تتجسد جميع العناصر على الهيئة الترابية بالذات ، ولذلك فالتراب هو الطور الجامع لجميع العناصر ، لجميع الطاقات ، والذي كان دائماً في كل طاقة ، يتطور ، إلى أن وصل لمرحلته النهائية.

البنية المادية للجسد هي عنصر التراب حسب الأيورفيدا ، وكما يتضح فكل جزء من الجسد أو النفس يحوي نسبة من كل عنصر من العناصر الخمسة ، لكن هذه النسبة تزود أو تنقص لصالح نسب أخرى ، لذلك كان لكل عضو أو نسيج أو خلية ، عنصر خاص به ، وكانت البنية العضلية ، والمعدة والطحال والبنكرياس ، هي الأشياء التي تعبر عن التراب ، ونفسياً فإن الثبات والاستقرار والنضوج الكامل ، هو طور التراب ، ولذلك كان القلق بكافة أشكاله سبباً في اضطراب التراب نفسياً وجسدياً.​
 

مبدأ الأمزجة الثلاثة Doshas :

الدوشاز ، أو الأمزجة الثلاثة هو مصطلح في الأيورفيدا يطلق على المستويات الواقعة بين العالم الروحي المطلق من جهة ، وبين عالم التكوين بمستواه النفسي والمادي من جهة أخرى ، إنه الشيفرة الأساسية للبرنامج البايومعلوماتي الذي تتحول فيه حقائق الروح إلى مادة وفكر ، هذا البرنامج المحكوم بعالم الروح ، وذاكرتها ... يمكن التعبير عنه رمزياً بحسب وظائف الروح في تكوين المادة والكون.

عالم الروح هو الجوهر الأثيري ( عنصر المعدن ) الذي ليس فيه علاقات زمكانية، لأنه ليس فيه انفصال بين الماهيات ، لأن الماهيات حقائق متحدة بالحق ولا تحتاج إلى انفصال مقنّع كما لا يحتاج الضوء إلى زمن ليعبر الحدث ولكن الزمن يلاحق الضوء.

الأشياء متحدة هناك رغم أنها وصلت إلى ذاتها العليا فهي في حالة خصوصية مطلقة ، لكن الخصوصية هناك تعتمد على انفصال الحقيقة في ميزاتها عن بقية الوجود، لا على الغموض والتقنع المصطنع، لذلك الارواح ذاتية فردانية متحدة بوحدة الحق.

عالم الأرواح هو المعدن الأثيري ، ومنه يتجلى الكائنان الأولييان : الذات والموضوع ، والذات هي الشعلة المقدسة بينما الموضوع هو الكينونة المتحولة ، بحيث أن شعلة الذات تضيء الوجود فينتج العالم المرصود متحولاً على انعكاس شعلتها.

الوجود الكوني بحد ذاته هو عنصر الماء النوري ، والذات هي عنصر النور الضوئي ... واتحادهما يجعل الماء يتحرك ويبدأ بتشكيل الماهيات ، سبق وقلنا إن الماء في عالم الحقائق والتكوين ليس هو الماء الفيزيائي الذي ترصده ولكن هذا الماء هو مصداق ل(كلي) الماء الأساسي ، ومن تفاعل ماء الوجود مع نور الذات تنشأ الماهيات والتي هي أشجار الزمن ، ومن أشجار الزمن تنضح الزيوت (وقود الأحداث) ويتقد الزمن الموضوعي الذي ترصده.

وزمن النور هو نور الذات المشع على زيد شجرة النور ويوقد الكوكب الدري.

ينبغي أن نعلم أن تسلسل أي سلوك في الوجود ، يحدث بمثل تسلسل خلق الوجود نفسه ، فكما يكون أولاً الأثير خارج الكون الذي يعطي للأشياء معانيها ويعطي الدافع الحيوي لحدوث السلوك، ثم الماء [ كائنات وأحداث الزمن الموجود بالقوة قبل أن يتحول لزمن فعلي ] ثم النار وهي الإثارة والإنارة التي تحرّك الأحداث المائية لإيجاد السلوك فعلياً ، ثم الشجرة أو الهواء الذي يمثل الاستجابة والحركة المنتظمة التي هي بنيان الزمن الحقيقي ، وأخيراً التراب ، والذي يعني تحقق التجسد النهائي والوصول للغاية الأخيرة.

فكذلك يتكرر الأمر في كل مستويات الوجود ، مثلاً الكوكب ينشأ أولاً ثم تنيره الشمس و يملؤه الماء ، ثم تولد الحياة النباتية ثم الحيوانية الأقرب للتربة.

الجنين يبدأ زمنه بعد أن يكون له روح، من تفاعل بين النطفة النارية والبويضة المائية ، ويتكون النسيج الجذعي ( شجرة الجنين ) ويخرج في النهاية إلى الأرض.

السلوك يبدأ من وجود دافع حيوي ( دافع نحو الحياة يماثل عنصر الروح ) ثم إدراك عقلي ، ثم تفاعل مع المحيط يشكل إثارة ، ثم تنظيم لهذه الإثارة على هيئة استجابة ثم استجابة واقعية.

كل شيء يبدأ من الروح وينتهي بالواقع ، حتى عالم الكموم أقرب إلى الروح ، ولا يمكن التعبير عنه بأي صياغة مادية معقولة ، مع أن العالم المادي الناتج عنه محدد جداً ، لأنه واقعي جداً.​
 

هناك نمطين من التفاعلات التكوينية الزمنية بحسب الأيورفيدا

النمط الأول هو الأطوار الخمسة ، وهذا النمط يعتمد على مراحل تحقق فاعلية الكيان أو الحدث.

النمط الثاني يعتمد على (بناء الحدث أو الكائن) بغض النظر عن تحققه من عدمه ، وبغض النظر هل هو في عالم الأرض أو في عالم السماء ، والقصد هو التفريق بين بنيوية الكيان وبين وظيفيته ( كما في مصطلحات فلسفة العلم ) فالأطوار الخمسة تعبير وظيفي ، لذلك من غير الصحيح وصف شخص معين بأنه ينتمي إلى عنصر غالب في كيانه الكامل ، ولكن العنصر يغلب في تفاعله.

فتفاعل شخص مع البيئة يكون نارياً أو مائياً أو غير ذلك ... لكن تكوينه لا يمكن أن يُختزل في علاقة عنصرية من نوع منفرد.

العلاقات التكوينية الثنائية ، هي تفاعلات لا تعتمد على الترتيب الزمني ، بل على التماسك الوجودي ، أي أنها موجودة معاً بنفس الوقت ، لكن وجودها ضرورة للتكوين ، فهي تمتد لعالم الروح والمطلق ولقوانين التكوين العليا ، حيث هناك يتم تعيين نسب المزاجات للماهيات والتشخصات لتتنزل إلى العوالم الأسفل حتى تتجلى على الشكل الجسدي ، بعبارة أبلغ : الدوشاز هي ما يتحكم بشكل كل كائن في كل طور من الأطوار الخمسة ، وقد حدثت في الأثير قبل أن تتنزل إلى مستويات الأطوار الخمسة وقبل أن يوجد الزمن ، ولم تعتمد على عامل الوقت والترتيب بل على عامل البنيان الوجودي الروحي.

الأمزجة الثلاثة هي تفاعلات ثنائية يتم كل منها بين عنصرين اثنين ، بحيث يشكل أحدهما القطب الين ، والآخر القطب اليانغ ، وهي على الشكل التالي :

Vata: ويعني العلاقة التكوينية الناتجة عن تفاعل بين عنصر الأثير وعنصر الهواء [ المعدن والشجرة ].

Pitta: ويعني العلاقة التكوينية الناتجة عن التفاعل الحاصل بين النار والماء.

Kapha: أي التكوين الناتج عن التفاعل بين الماء والتراب.​
 

أولاً : فاتا [ الاتحاد الهوائي الأثيري ] :


الأثير في طور الحركة، أو قطبية الحياة والزمن.

النص القادم من كتاب علم الأثير Etherology يلخص توصيف الأثير موضوعياً :
لكي يحدث التآثر بين كيانين من أي نوع ، لابد أن يكون بينهما توافق في المجال التفاعلي ، فكل كيان يمتلك هُوية وجودية تمكنه من معالجة المعطيات القادمة من العوالم الأخرى أو من عالمه ، لكن فقط إذا توافقت تلك المعطيات مع هُويته الأثيرية ، هذه الهوية تصنع مستقبلات الكيان للتأثير ، يشار لهذه الهوية أحياناً ب"البنية الفيزيائية" لأن النظام الظاهري للشيء يعبر عن مكنونه الزمني ، لكنها واقعياً بنية أعمق من الوجود المادي ، تتحكم بالبنية الفيزيائية وتشكلها كما تشاء.


كل شيء فيزيائي ، هو (حقيقته) سلسلة معالجات رقمية تهندس هيئة القوة الأثيرية ( الكموم ) ، يترجمها الراصد إلى موضوع فيزيائي مادي ثابت بعد أن تتفاعل تلك الكموم معه ، ولكن الكموم موجات ، والموجة هي "قوة مؤثرة" ليس لها أي بنيان مادي ، لكنها تؤثر على المادة وتكونها.


إن دراسة الموجات الفيزيائية تثبت بشكل غريب أن كل شيء هو طاقة ، طاقة فوق فيزيائية لا حدود لمجالات تعبيرها ، تسير في عالمنا بصيرورة معينة تعطيها هيئة نسميها الفيزياء، وكأنها تتبع أوامر ما ، يتم ترجمتها من خلال الدماغ إلى واقع فيزيائي ، وهذه الطاقة الموجهة لها لغة، وقوانين حسابية دقيقة ، وفي الواقع هذه القوانين ليست فيزيائية أو عقلية ، إنها تتحكم بكامل الوجودين الفيزيائي والعقلي وبكل قوانينهما.

هذه القوة التكوينية ، هي ما يسمى بالأثير في العلوم القديمة وفي العلوم المغناطيسية الحيوية ، وهذه القوة تفسر كل تناقضات الفيزياء غير المحلولة على نحو لا يصدق ، فالالكترونات والفوتونات ونحوها ، ليست موجات ، ولا جسيمات ، إنها "طاقة تسير بحسب خوارزميات تفاعلية" وهذه الخوارزميات ذات طبيعة مجردة لا يمكن التحكم بصيرورة وجودها بأسباب فيزيائية مادية، تتصرف الطاقة بشكل يشبه الموجة أو الجسيم حسب تعليمات نواة البرنامج الذي تحمله ، وحسب المعطيات التي يتعامل معها هذا البرنامج.

وهذا ما تثبته ميكانيك الكم دون أن تقصد ، ودون أن يعترف الفيزيائيون بذلك : إنهم يقومون بإثبات تنبؤات الكهرومغناطيسية الحيوية والتعاليم القديمة ، ولذلك فكل شيء في ذبذبة ، أي أنه برمجة للتأثير توجيه للطاقة الحيوية، فقط ، ويتصرف مادياً بهيئة ذبذبات.

ولا يمكن أن يتم حدوث تفاعل من أي نوع بين أي جسمين أو عقلين أو كائنين ، ما لم يتم حدوث ذبذبة توافقية بينهما [ والذبذبة التوافقية تعبر عن توافق القيم الرقمية التي تتخذها الطاقة الموجهة ، وهو ما يعني حدوث "توافق برمجي" بين الخوارزميتين ].

القيم الرقمية ضمن الكون هي التعبير الموضوعي عن الهيكل التفاعلي الذي تتخذه الطاقة الحرة لتتجسد من خلاله ، هذه الأرقام تعبر عن مقارنة تجسد الطاقة مع تجسدات أخرى وبالتالي عن علاقة مكان وزمان هذه الطاقة المتجسدة مع بقية الطاقات ، وهذه العلاقة تعطي للموضوع خصائصه المميزة ( كما سبق وتحدثنا في عنصر الشجرة ) وبالتالي فالمزاج فاتا هو تفاعل ما بين الطاقة الحرة من جهة ، والماهية الموضوعية من جهة ، يوجه الطاقة للتجسد حسب مقتضيات الماهية ضمن النظام الكوني.

الأرقام ، الماهيات ، الأوامر البرمجية ، تعبيرات فنية عن نفس المعنى الجوهري.

الحقيقة ...

لكي تؤثر على القلم الذي أمامك فينبغي أن توجه طاقة نحوه ، هذه الطاقة تتوافق في أرقام وجودها الفيزيائي مع المجال الذي يتفاعل القلم ضمن حدوده ، وإذا غيرت القيم الرياضية لتوجه طاقتك فسترحل عن القلم ، وإذا توافقت القيم الرقمية بينك وبين كوكب الأرض تحس به وتعيش عليه وإذا لم تتوافق قيم طاقتك مع مجال كوكب الأرض فسوف لن تعيش عليه ، حتى ولو لم تتوجه فيزيائياً إلى مكان غير الأرض ن يكفي تغيير الأرقام الخاصة بمركبتك الأرضية ( جسدك ) وستختفي وكأنك غير موجود.

ومن الناحية النظرية فيزيائياً ، لا معنى للانتقال الميكانيكي للأشياء ، الشيء لا ينتقل من مكان إلى آخر لأنه يقطع المسافة المادية الفاصلة بينهما ، بل لأنه يتخذ نفس القيم الرياضية للمجال الذي يصل إليه في النهاية ، وهذا يعني أن اتخاذ الطاقة لقيم رياضية معينة كاف لحدوث التأثير ، وانتقال وجودك من مكان لآخر لا يستدعي أكثر من تغيير أرقام قيم طاقتك لتتناسب مع المجال الجديد.

للتبسيط تصور أن لديك مفتاحاً يشبه مفتاح الراديو ولكنه مربوط بجسدك، ويمكنك تغيير القيم الرياضية لأمواج جسدك واتجاهاتها عبر هذا المفتاح، حقيقة أنك لا تحتاج إلى أكثر من استخدام المفتاح لتغيير خوارزميات طاقتك وستنتقل إلى المكان المتوافق معها ، حتى ولو كان في أقصى نقطة ضمن الكون بعداً عن مكانك الحالي، وهذا لا يعتمد على قطع المسافة بينكما، لأن المسافة ما هي إلا تعبير عن ( التنافر ) بين الموجتين القيميتين..

هذا يعني أن موجات الراديو هي التشبيه الصحيح للكون ، لأن موجة الراديو موجودة معك ، ولكن أنت من لا يتآثر معه ، لأنك لا تحقق القيم المفتاحية المطلوبة لتدخل في مجال تأثيرها ، والراديو يرصد جزءً من الموجة فقط ، حسب توليفه ، لأن هذا الجزء يتوافق مع القيم الرقيمة التي تم تعيينها له.

وهو ما يعني أن قوانين الفيزياء لا يفترض بها أن تشكل عائقاً أمامك ، ولكن السبب الحقيقي في تقييدها لك هو عدم قدرتك على تغيير برنامج التوجيه لطاقتك الحيوية ، لأن التوجيه للطاقة هو ما يصنع القانون ، وهذا هو السبب في امتلاك البعض للقوة الخارقة لأنهم عرفوا كيف يوجهون طاقاتهم نحو تفاعلات جديدة غير مألوفة وخرجوا عن الأوامر المسبقة للبرنامج العقلي الخاص بإدارتها.

لاحظ ما سأعرضه عليك الآن لتدرك أن التفاعل لا يعتمد على القوانين الفيزيائية الظاهرية ، ولكن على توجيه الطاقة نحو تآلف حيوي وهو المسؤول عن طريقة تعبيرها مادياً :


View: https://youtu.be/8P8dJ0ozEec?t=601

إذا غيرت طريقة التفاعل ( التآلف ) فلا يهم القوانين ن لأنها ستغدو مجرد أحكام مسبقة ، لذلك يمكنك أن تغير الواقع ...

وكذلك كل معلومات الانترنت موجودة حالياً في غرفتك ، ولكن حاسوبك هو الشيء الوحيد الذي يمكنه الاتصال بها وعرضها عليك ، ومع أن الصوت يوجد في غرفتك ولكنك لا تسمعه إلا وانت مستيقظ ، وربما لا تنتبه إلى الكثير من تفاصيل غرفتك أو عملك لأنك لست ( متآلفاً معها ).

قانون التآلف هو الميزان الحقيقي لمجريات الكون ...

ما تتآلف معه تتفاعل معه وترصده ، ذكرك للشيء يزود ظهوراته في حياتك ، نسيانك للموضوع يجعله غائباً عن إدراكك ، وهذا يعني أن التآلف هو المسافة الحقيقية بينك وبين الأشياء ، وأن المكان الحقيقي لا أين له والزمن الحقيقي لا متى له ، ولكنهما يعتمدان على التفاعل بين الراصد والمرصود ، أي أنه لا معنى للقول إن كوكب المشتري هناك على نحو مطلق ، ونحن في الأرض على نحو مطلق ، ولكن نقول إننا نتآلف مع الأرض بشكل يجعلنا نعيش على سطحها ونتآلف مع المشتري بشكل يسمح لنا برصده ، وإذا كان الأمر كذلك فإن ما يفصل بينك وبين الأشياء ليس الزمان والمكان، بل طبيعة ومدى تآلفك الكامل معها.

كل شيء مادي موجود معك في نفس الزمن والمكان ، ولكن عقلك لا يسمح بإدراك ذلك.

الأثير مسؤول عن التآثر [ التأثّر والتأثير ] وهو ما يسمى بالطاقة في علم الفيزياء الحالي ، وبالكهرباء الحيوية في علوم الفيزياء التي طمست ، ويسمى بالطاقة الحيوية والبرانا والكِي وغير ذلك.

"الأثير يعني جوهر الوجود بكل درجاته ، وفيه تتحد كل الكائنات" وهذه إشارة إلى انتماء العقل والمادة إليه ، وأنه يشكل الطبيعة الجوهرية الحقيقية لهما ، وهو الناقل الحقيقي لجميع الظواهر الفيزيائية إلى الواقع المرصود ، كالكهرباء والمغناطيسية والجاذبية والقوة النووية ، إنه قوة الحياة.

المتحكم الحقيقي بالأثير ، يمكن اكتشافه من خلال الرجوع إلى الأصل ، إنه المبدأ الأول ، الله ، الذي نتج كل شيء من فيضه ، ولذلك فإن جميع البرامج البيومعلوماتية للأشياء تمت برمجتها وفق ما يتناسب مع القيم والأسماء الإلهية ، إن كل ما نراه حولنا هو قيم أسماء إلهية ، تتجلى عبر الأثير بالواقع الذي حولنا ، الأثير هو قوة الله ، وهو العدم اللامحدود والمطلق عن كل قيد ، الذي يحتوي كل الطاقات في الوجود ...

صحيح أن الماء هو الطور الأول للكون ، لكن الأثير كان قبل الماء ، وقبل الكون ، طاقة الحياة بصورتها النقية ، كانت خلاء من كل شيء متشخص ومحدود ، خلاءً مطلقاً يسمح بتجلي المطلق ، إنه القوة الإلهية الصافية ، التي تنتمي لعالم المطلق. الأسباب والعلل وكافة قوانين الوجود ، ما هي إلا انعكاس لخوارزمية ذات طبيعة أعلى منها ، ولذلك لا تستطيع المنظومة المادية تفسير نفسها بنفسها [ كما توضح في المبدأ الأول ].

فالأثير هو الجوهر الحيوي الخالص "وجود نقي" ، والخلاء مليء بالحياة وبكل شيء فيها ، حيث يجب علينا إعادة صياغة تعريفنا للعدم أو الخلاء ، فهو الطاقة الحيوية نفسها في حالتها الخالصة النقية، والتي هي الجوهر الذي تنبعث منه كل الخوارزميات [ البرامج البيومعلوماتية ] ، إنه عالم المطلق الواقع بين الوجود وبين الله.

أما فاتا المزاج الهوائي الأثيري ، فيحكي عن الأثير كطاقة الحياة المتحدة مع التوجيه البرمجي لها، والتي تسبق المحتوى العقلي والمادي ، ومبدأ فاتا هو التجلي الكوني لطاقة الحياة في العالم المطلق ، وكيف يتفاعل الأثير مع الهواء ، الشجرة والمعدن ، فطاقة الحياة الأثيرية تسبق مرحلة الحركة المنتظمة الهوائية ، وهما معاً يقومان ببناء الخوارزميات الكونية ضمن عالمنا، فكما تتم الحركة في الخلاء بقوة الحياة التي تحل فيه ، وتنمو الشجرة في الحيز المخصص لها بقوة الحياة التي تحل فيه ، يقوم النظام المبني على أوامر وقوة المطلق بضبط العالمين ، وإعطاء كل شيء فيها تعريفه الخاص ، وتصبح الطاقة متحركة ومنتظمة في كافة أنحاء الوجود.

وعنصر الأثير يعمل مع كافة العناصر الأخرى ، لأنها جميعاً تحتاج إليه ، بل إن كل عنصر لابد ان يعمل مع كافة العناصر ، لكن من ناحية العمل الثنائي ، يكون العمل بين كل العناصر متجلياً بطبيعة الدوشا الأول [ فاتا ] ثم بيتا ثم كافا ،

والسر في أن الدوشا الأول يعتمد على هذين الطاقتين بالذات ، هو بدء العمل الثنائي من خلال طاقة الأثير لأنها ما تركن إليه وتنبع عنه جميع الطاقات، وطاقة الأثير هي اليانغ عندما تكون حرة وتتفوق على التعيين الرياضي لتواجدها في الكون ، وتكون هي الين عندما يغلب عليها النظام البرمجي.

والقطب اليانغ للأثير سيكون الطاقة المنظمة للخوارزمية الكونية طالما لا يتم تقييده، والتي تتولد من خلالها الدوشاز الأخرى وجودياً ( وليس زمنياً )... إذن ، يمكن القول عن المزاج فاتا ، أنه الكينونة القطبية الموحدة كونياً بين الطاقة الحيوية ، وبين المنظومة الناشئة عن هذه الطاقة والموجهة لها عبر العالمين.

الوحدة الكونية هي اندماج للتفاعل وفق ما يقتضيه المجال الكوني نفسه ( وفق خوارزمية الكون).

القطبية بين القوة الآتية من المطلق وبين المحتوى العقلي المنتظم وفق مصفوفة الكون ، ونلاحظ هنا أن جميع العناصر الخمسة تدخل في التكوين الوجودي للمزيج فاتا ..

يبقى تجلي هذه الطاقات محدداً عبر المثنوية الحاصلة بين الاثير والشجرة لأنه يمثل حكمة الطاقة الحيوية وحركتها المنتظمة في العالمين والتي تقوم ببناءها ، أي "جوهر الخوارزميات الكونية".

سمي فاتا بملك المزاجات ، لأنه المتحكم الأول بكافة المزاجات الأخرى وكل ما يوجد ، فهو الذي يعبر عن توجه الروح (الأثير) نحو الكون (الشدرة) فهو الوصف الباطني للحقيقة وراء الرغبة في الحياة من جهة الإدراك النفسي ، وقمته التفاعلية هي الحكمة [ السيادة على الانفعالات ] ، المبنية على تلك الرغبة. فالرغبة الأثيرية هي الرغبة في الرحيل باتجاه العالم المطلق والتواصل معه أو مع تجلياته في هذا العالم ، وهذا هو سر الرغبة في الحياة ، ومن يمتلك الرغبة في الحياة ، فهو عاجلاً أم آجلاً ، سيتحكم في غضبه وسيسود على نفسه ، وهذا هو ما سيسمح مستقبلاً بالتحكم بكل الانفعالات.

التفاعل بين طاقة الحياة وبين النظام الحركي هو المسؤول عن إعطاء تعريف محدد لجميع الحركات والذبذبات التي تحدث في الجسم ، بما فيها الإشارات العصبية وإدارة الجهاز العصبي المركزي ، ما يحدث في الوجود الحقيقي لهذا المزيج وخصائصه، يوضحهم شكل التعاون بين الرئتين والقولون والكبد والدماغ وهو التعبير الجسدي عن فاتا.

الأمراض التي يسببها اضطراب فاتا :

تشمل الاكتئاب والغضب ، وهما يؤديان لبعضهما ، ويمكن أن يتولد منهما جميع الانفعالات الأخرى ، وضبط أي انفعال يجب أن يبدأ بضبطهما ...

تشمل الأمراض أيضاً القولون العصبي والإمساك وحصوات الكبد والمرارة ومشاكل التنفس ، وارتفاع ضغط الدم الناتج عن الانفعال الغضبي الباطن ، الارتعاشات ، الارتجافات ، التقلصات العضلية.

خصائص المزاج الهوائي :

هي الدافعية والتنظيم الحكيم المبني عليها ، بما يشمله ذلك من اللطافة والرحمة ، وعند اضطرابه تغيب هذه الأمور نسبياً في الجسد والنفس معاً ، فتحل اللامبالاة والخشونة والقلق ، وضعف البنية وسرعة الاستقلاب وسرعة التحدث وعدم انتظامه ، او نوع من الاكتئاب الشديد وسرعة الغضب.

النموذج الهوائي :

يتميز الهوائيون [ الذين يكون هذا مزاجهم الغالب بطبيعتهم دون مرض ] بالنحل وخفة الوزن وبروز الأوتار والعضلات ، لون البشرة يكون مائلاً للشحوب البني ، الجلد بارد وخشن وجاف ومتشقق مع الكثير من الشامات التي يميل لونها للأسود ، المفاصل ناتئة والهيكل العظمي نحيل ، الشعر خفيف ومجعد ، العين فاقدة للمعان ، الأظافر قاسية ومتقصفة ، العيون غائرة وصغيرة ونشيطة والأنف معوج والأسنان صغيرة.

ليس من المفترض أن يحمل الهوائي جميع الصفات ، فهذا يتوقف على نسبة الهوائية فيه مقابل المزاجات الأخرى ، ومن الممكن أن تظهر بعض هذه الصفات لمن يضطرب لديهم المزاج الهوائي ولا يكونون هوائيين.

من العلامات المهمة أيضاً جفاف البراز وقلة البول والعرق والنوم ، وسهولة الاستيقاظ وصعوبة العودة إلى النوم ، وهناك نوع من الثرثرة لديهم واستخدام كثيف لحركات اليدين وقسمات الوجه ، ومن المعروف في الهند لدى المعالجين ، أن الهوائيين ينجحون بكسب المال بسرعة وصرفه بسرعة مما يبقيهم غالباً غير ميسورين.

تتراوح أعراض اضطراب المزاج الهوائي بين الين [ ضعف الحركة الكهروحيوية ] واليانغ [ فرط الحركة الكهروحيوية ] ، والذين ينتمون بطبيعتهم للمزاج الهوائي ، غالباً ما يكون لديهم الأعراض اليانغ ، ويحتاجون إلى بعض التوصيات الغذائية والنفسية ليسيطروا على الاضطراب الطبيعي لديهم بشكل أفضل.
 

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

مواضيع مشابهة

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى