هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

القوة والوعي || الراجا يوغا - الدرس الثالث [3] || سوامي فيفيكاناندا

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
600
مستوى التفاعل
1,072
الموقع الالكتروني
alkynilogy.blogspot.com
البراناياما ( علم التحكم بالقوى الحيوية )
1-searching-the-meaning-of-life-bliss-of-art.jpg
ليست البراناياما علماً يدور حول التنفس ، كما يعتقد الكثير .. ما يمكن أن يقدمه التنفس من أجل البراناياما حقاً قليل جداً مهما يكون .. لكن التنفس واحد من الإجراءات التدريبية التي من خلالها نصل إلى البراناياما الحقيقية.

البراناياما هي أسلوب التحكم بطاقة برانا ( القوى الحيوية - طاقة الحياة ) .
أكاشا والتكوين

وفقاً لفلاسفة الهند : الكون الأعظم يتكون من جوهرين : الأول هو ما يسمى "أكاشا Akasa " ، إنه الحضور الحقيقي ( مطلق الوجود Omnipresence ) ، جوهر كل الكائنات .. كل ما له شكل ، كل ما يتركب من مبادئ أبسط ، يتكون وجوده عبر مسار تطوري من أكاشا.

أكاشا هو ما يعطي الغازات ، السوائل ، الأصلاب. أكاشا هو ما يصبح الشمس ، القمر ، الأرض ، النجوم ، الشُهُب. أكاشا هو ما يتحقق زمنياً في الجسم البشري ، الجسم الحيواني ، النبات. كل شيء نراه ، كل شيء نستطيع الإحساس به ، كل شيء له وجود مُدرَك، أصله ومنبعه هو أكاشا.

أكاشا بحد ذاته لا يمكن إدراكه على نحو مباشر، إنه المستوى اللطيف للغاية من الوجود ( وجود خالص ) ، حضوره الحقيقي كامن وراء كل ما يمكن أن تتعرف عليه بطرق الإدراك التقليدية، يمكن رؤية أكاشا تقليدياً عندما يكون في المستوى الظاهر من الوجود ، عندما يتحقق في نموذج زمني يقبل التآثر مع مجال الرؤية التقليدية.

في بداية الخلق ، كان يوجد "أكاشا" ولم يكن هناك سواه ، وفي نهاية دورة الزمن ستتحرر الأصلاب ، السوائل ، والغازات .. وستعود إلى أكاشا مرة أخرى ، والوجود الجديد سيُخلق بنفس الطريقة من أكاشا.
برانا وتحريك عجلة الزمن


ما هي القوة التي تقوم بتحقيق هذا المستوى الوجودي الظاهر والمركب من ذلك المستوى الباطني والخالص ( أكاشا ) ؟ إنها قوة " برانا prana ". كما أن أكاشا هو الوجود المطلق اللانهائي وجوهر هذا الكون ، كذلك برانا هي القوة الوجودية المطلقة اللانهائية وجوهر القِوى في هذا الكون ، في البداية والنهاية من دروة الزمان ، كل كائن هو أكاشا ، وكل قوة في الكون تكون برانا ، في الدورة الجديدة ، ينبعث من برانا كل ما نسميه " طاقة Energy " ، وكل ما نسميه " قوّة Force ".

برانا هي ما يظهر كتفاعل فيزيائي ، برانا هي ما يعطي الجاذبية ، برانا هي المجال الذي تنبعث منه القوى المغناطيسية. برانا هي ما يظهر كأنشطة حيوية في الجسد ، التيارات العصبية ، قوة الفكر ... من الفكر وحتى أدنى مراتب القوى الفيزيائية ، كل تفاعل هو تجلي لبرانا.

برانا هي الجوهر الوجودي الذي يوحد كل القوى في الكون ، العقلية والفيزيائية ، وحين تعود تلك القوى إلى حالتها الحُرّة ، تسمى "برانا".

"حين لا يكون وجود ولا عدم ... حينما يغشى الظلام الظلام ، ما الذي يبقى حينئذ ؟ إنه "أكاشا" دون تفاعل زمني". إن تفاعل برانا الذي يولّد حركة الزمان يتوقف ، لكن كل الوجود يبقى وجوداً بذاته.

أسلوب براناياما

universi.jpg

كل الطاقات المشاهدة الآن في الكون ، التي نعرفها بالعلوم الحديثة ، غير قابلة لتبديل ماهياتها. الهوية الوجودية للطاقات تبقى نفسها في كل مكان في الكون . فقط في نهاية دورة الزمن تصمت كل الطاقات وتسكُن ، وفي بداية الدورة الجديدة ستتفعل هذه الطاقات مرة أخرى وستبدأ تحريك الزمن من مكنون أكاشا ، ومن أكاشا ستتطور كل هذه النماذج الوجودية المتعددة ، وكما تتحول أكاشا إلى المستوى الظاهري التراكبي ، كذلك برانا تتحول أيضاً إلى كافة مظاهر الطاقة المتعددة ، علم التحكم بقوة برانا هو حقاً ما نقصده بعلم "براناياما".

هذا يفتح البوابة لنا للوصول إلى ما يقارب قوة لا حدود لها . افترض ، كمثل ، أن شخصاً قد فَهِم برانا تماماً واستطاع التحكم بها ، ما هي تلك القوة التي توجد على الأرض ولا يمكن أن تكون له ؟ إنه سيصبح قادراً على تحريك الشمس والنجوم من مواقعها ، إنه سيكون قادراً على التحكّم بكل شيء في الكون ، من الذرّات إلى أكبر الشموس ، لقد استطاع التحكم بالجوهر الوجودي لكل القوى .. برانا.

هذه غاية أسلوب براناياما ومنتهى أمره. وحين يصبح اليوغي ممتازاً لن يكون هناك شيء في الطبيعة ليس تحت تحكمه. إذا أمر قوى التكوين الإلهية أن تأتي إليه ، سيأتون طاعة له ، إذا أمر الأموات أن يأتوا إليه سيأتون لأمره . كل قوى الطبيعة ستطيعه كما لو كانوا خدمه ، وعندما يرى الجاهلون هذه القدرات التي أوتيها اليوغي سيحسبونها "معجزات" ..

العقل الهندي ينفرد بخصوصية في طبيعته التكوينية ، إنه دائماً يسير إلى "المُطلق" لأقصى مستوى ممكن ( الإجمالية في الرؤية الكونية اليوغية ) ، تاركاً التفاصيل للعمل عليها فيما بعد.

العلم المطلق والعلم التراكمي – منهج براناياما العلمي



السؤال الذي تعرضه الفيدا : "ما هو الذي إذا علمناه سنعلم كل شيء آخر ؟". كل الكتب ، وما كتبه الفلاسفة ، محاولات للوصول إلى الحق الذي سينكشف كل شيء بمعرفته.

إذا أراد الإنسان معرفة هذا الكون معطىً معطى ، سيحاول أن يعرف معنى كل حبة رمل لوحدها بانفراد. وهذا يستدعي وقتاً لانهائياً ... لا يمكنه أن يعلم كل هؤلاء. كيف إذاً تُحقق المعرفة ؟ كيف يكون من ممكن لإنسان أن يحيط علماً بكل هذه الجزئيات عبر الآفاق ؟

يقول اليوغيون أن وراء كل هذه التجليات الجزئية هناك كينونات مجرّدة.

وراء كل الأفكار الجزئية هناك تجريد " مبدأ عقلي Abstract Principle " افهمه ، وستفهم بناء عليه كل شيء. تماماً كما تم تجريد مستويات الوجود والوصول إلى وحدة وجودية جوهرية وراء هذا الكون الهائل وفق الفيدا ، "الوجود المطلق الواحد" ، وكما أن من يفهم ذلك المبدأ سيفهم معنى الكون الهائل ، كذلك كل مظاهر القوى المختلفة يمكن أن تجرّد إلى وحدتها الجوهرية ( البرانا ).

من يفهم البرانا يفهم كل القوى في الكون، العقلية أو الفيزيائية. من يتحكم بالبرانا يتحكم بعقله الخاص ، وبكل عقل فردي في الوجود ، من يتحكم بالبرانا يتحكم بجسده الخاص، وبكل جسد فردي في الوجود، لأن البرانا هي الحقيقة المطلقة للقوة.

كيف يمكن التحكم بالبرانا ، هذا هو المسألة الوحيدة في أسلوب البراناياما ، كل هذه التمارين والتدريبات توجد فقط من أجل ذلك الهدف النهائي الوحيد.

وعلى المرء أن يبدأ من حيث يقف ، يجب أن يتعلّم كيف يتحكّم بالأشياء والقوى الأقرب إليه . الجسد هو أقرب شيء خارجي لنا ، ماثل أمامنا مباشرة ، أقرب من أي شيء في العالم ، وهذا العقل هو الأقرب من كل العقول.

قوة برانا التي تحرّك هذا العقل وهذا الجسد هي الأقرب إليك من كل برانا في الكون ، هذه الموجات القليلة من برانا ، التي تمثل طاقتك العقلية والجسدية هي أقرب ذبذبة أمام وعيك عبر محيط البرانا اللانهائي. وإذا استطعت النجاح بالتحكم في هذا المجال الذبذبي الصغير فيمكن أن تأمل التحكم لوحدك بكامل مجال البرانا الكوني.

اليوغي هو من ينجح بتحقيق هذا ، ولا قوة ستتحكم به بعدها. إنه يمتلك تقريباً القدرة الكلية ، العلم الكلي.

البرانا موضوع بحث العلوم الروحية والأديان عبر العالم



نحن نرى طوائف في كل بلد وصلوا إلى نوع من التحكم بالبرانا، في هذا البلد هناك المعالجون بالعقل Mind-healers المعالجون بالإيمان faith-healers ، الأرواحيون Spiritualists ، المسيحيون العلميون Christian-scientists ، المنومون Hypnotists ، وعند جوهرَة هذه الطوائف المتنوعة ( الوصول إلى مبادئها الأولية - إزالة ما ليس أساسياً من الافتراضات ) نجد أن منطلق كل واحدة منها هو التحكم بمجال برانا. إذا اختزلت نظرياتهم جميعها إلى أبسط الصور سيكون المحتوى الباقي نفسه، برانا هي القوة الأساسية والوحيدة التي يتعاملون معها، لكن فقط من دون أن يعلموا ذلك.

لقد عثروا على طريقة تكشف بعض جوانب القوة ، لكنهم لم يعرفوا طبيعتها الحقيقية ، ومع ذلك يستخدمون نفس القوى التي يستخدمها اليوغي دون أن يدركوا ذلك ، والتي تأتي من مجال برانا.

مستويات تجلي طاقة الحياة


برانا هي القوة الحيوية في كل كائن. أكثر تفاعلات برانا تحرراً وسمواً هو الفكر.

هذا الفكر كما نرى للمرة الثانية ، ليس كل شيء. هناك أيضاً نمط من الفكر هو ما نسميه "الغريزة" Instinct أو " الفكر اللاشعوري Unconscious Thought "، إنه المستوى الأدنى من الفِعل الحيوي. إذا لدغنا البعوض ، من دون وعي بذلك ، يدنا ستضربها .. تلقائياً ... غريزياً. هذا تعبير آخر من الفكر. كل الأفعال المنعكسة في الجسد تنتمي إلى هذا المستوى من الفكر.

إذن لا يزال هناك مستوى أعلى من الفكر : إنه " الوعي Consciousness " : أنا أعقل ، أنا أحكم ، أنا أفكر ، أنا أدرك كلاً من المؤيد والنقيض للأمر نفسه ، لكن هذا ليس كل شيء .. نعلم أن العقل محدود ، يوجد حد معين يمكن للعقل الوصول إليه، وراء ذلك الحد ، لا يمكنه الوصول. الدائرة التي يتحرك فيها العقل محدودة جداً في أفقها الوجودي أمام رحابة الوجود الحقيقي . ولكن وبنفس الوقت ، نجد أحياناً حقائق تومض ضمن هذه الدائرة.

كقدوم الشُهب .. تطرأ معلومات معينة في هذه الدائرة ، ومن المؤكد أنها تأتي من خارج حدود العقل ، على الرغم من أن عقلنا لا يستطيع السعي وراء ذلك ، علة الظاهرة التي تعلن نفسها في هذا النطاق الصغير، موجودة خارج حدود هذا الناطق. العقل والذكاء لا يمكنه الوصول إليهم ، لكن ، كما يقول اليوغي : "ذلك ليس كل شيء".

قوة الوعي يمكنها الوجود فقط في المجالات العليا .. " الوعي الخارق Super-conscioussness ". حين يصل الوعي لذلك المستوى ، المسمى "سامادهي Samadhi " ( من التأمل الحضوري الفائق Concentration – الوعي الخارق Super consciousness ) يصل إلى وراء حدود العقل ، ويواجه مباشرة حقيقة أن العقل والحواس لا يمكنهم أن يعرفوا الحقيقة أبداً.

كل هذه تجليات للقوى الباطنية ما وراء الجسد الظاهر ، إذا تدرّب المرء سيتصل بالوعي ، والوعي يصل إلى الأعلى .. ومن ذلك المستوى يتفاعل مع الوجود.

هياكل الوجود

the realms.jpg


يوجد في هذا الكون جوهر واحد خالد في كل مستوى ، فيزيائياً هذا الكون واحد : لا فرق بين الشمس وبينك ، العلماء سيخبرونك أنه مجرد خيال أدبي ادعاء وجود اختلاف. لا فرق واقعي ، بيني وبين الطاولة ، الطاولة هي نمط معين من التكوين المادي ، وأنا نمط آخر. كل نموذج يمثل ، كما هو الحال ، دوامة واحدة في المحيط الفضاء المادي اللانهائي، والدوامات غير خالدة. كما توجد في طوفان متسارع ملايين الدوامات . الماء في كل واحدة منها يتجدد كل لحظة ، يدور في لولبها لبضع ثوان ، ثم يخرج من الطرف الآخر، ثم تأتي دفعة جزيئات جديدة من الماء. هكذا، كل هذا الكون هو بحر مادي واحد يتموّج باستمرار، ونحن فيه دوامات صغرى. الوجود المادي حاضر فيها ، يطوف ويطوف ثم يتحول ، في سنين قليلة ، إلى جسد بشري .. ثم يتبدل ، ويعاد تركيبه ، ربما في صيغة جسد حيوان ، ويطوف فيه ليعطي بعد بضع سنين أخرى دوامة جديدة ، التي تسمى بفلزات المعدن.

تغير مستمر ... جسد غير دائم الوجود ، لا يوجد كيان من نفس طبيعة جسدي أو جسدك يشكل استثناءً للفناء. الجوهر المادي واحدي في الكون .. أحد معطيات تعبيره تسمى القمر، وأخرى تسمى الشمس، وأخرى الإنسان، وأخرى الأرض، أخرى النبات، أخرى المعدن.

لا شيء دائم ، الكل يتبدل ، المادة متموّجة في تفاعل انفكاك وتركيب سرمدي ، طالما هي مع الوعي.

المادة تنبعث من "الأثير"، يكون التفاعل الزمني هناك في مستوى النقاء الأقصى ، لطيف جداً ، في المستوى اللطيف من التآثر الوجودي يظهر العقل ، والذي لا يزال جوهراً واحداً غير قابل للتكسير. إذا استطعت الاتصال مع ذلك المستوى اللطيف من التآثر الوجودي ، سترى ، وتحس ، أن العالم بأسره مكوّن من تلك التآثرات النقية.

أحياناً تحوز بعض العقاقير القدرة على أخذنا ، بطبيعة تكوينها ، عبر حواسنا ، واستدعائنا في ذلك المستوى.

قد يذكر الكثير منكم تجربة الضحك الشهيرة التي قام بها السير Humphry Davy حين ستحوذ عليه غاز الضحك ، و طوال المحاضرة ، بقي خاشعاً بلا حراك، ثم قال :"الكون كله مكوّن من الأفكار" ، في ذلك الوقت ، بطبيعة الحال ، توقفت التآثرات الظاهرية ، وحضرت لإدراكه تآثرات المستوى الباطني ، التي سماها "العقل" والتي حضرت مع مستوى إدراكه.

كل ما استطاع أن يبصره من حوله هو تآثرات المستوى الباطني ، كل شيء أصبح فكر ، العالم بأسره بدا "محيطاً من الفكر" .. هو وكل شخص آخر أصبحوا يبدون دوامات فكرية صغيرة.

هكذا ، حتى في المستوى الفكري من الوجود ندرك هذه الوحدة، وفي النهاية ، حين نعرج إلى الذات، نعلم أن الذات تكون واحدة فقط. وراء الحركة هناك الوحدة فقط. حتى في حالة التفاعل الزمني الظاهري لا وجود إلا للواحدية.

هذه وقائع لا يمكن رفضها بعد الآن ، كما تثبتها العلوم المادية الحديثة. الفيزيائيون المعاصرون أيضاً أثبتوا أن الهوية الوجودية للطاقات في الكون هي نفسها دائماً عبر الأفق. لقد أُثبت أيضاً أن هذه الهوية الوجودية تتجلى في حالتين : تكون كامنة ، عديمة الصوت ، ساكنة .. ثم تصبح فاعلة زمنياً في كافة أشكال القوى تلك ، ثم تعود مرة أخرى إلى الحالة الكامنة (الوجود بالقوة)، ومرة أخرى تتحقق زمنياً (الوجود بالفعل)، وهكذا تسير في تطوّر وانطواء أبد الدهر.

لماذا تبدأ البرانا ياما من التنفس :



التحكم بالبرانا كما تقدم شرحه ، هو "أسلوب البراناياما".

لدى البراناياما قليل من ما يتقاطع مع التنفس ، باستثناء أنه أداة تدريب.

ظاهرة مجال برانا الأكثر وضوحاً لإدراك الفرد في جسده البشري هي حركة الرئتين. إذا توقفت ، سيتوقف الجسد ، لأن كافة مظاهر القوى الأخرى في الجسد ستتوقف بالضرورة .

هناك أشخاص يمكنهم تدريب أنفسهم على نحو يماثل جعل الجسد يستمر بالحياة حتى إذا توقفت هذه الحركة. هناك أشخاص تمكنوا من دفن أنفسهم لأشهر وبقوا أحياء ، من دون تنفس. لكن بالنسبة لأي شخص عادي ، هذه هي الحركة الظاهرية الأساسية في الجسد. للوصول إلى مستوى وجودي أنقى سنحتاج إلى التعمّق من مستوى ظاهري أكثر عمومية وتعقيداً More Grosser ، وهكذا ، نرتحل ببطء إلى الأكثر نقاء ، حتى نصل محطتنا.

الأوضح للإدراك من بين جميع عمليات الجسد هي عمليات الرئتين ، إنهما عجلة الدوران التي تحرّك بقية قوى الجسد. ما يعنيه أسلوب البراناياما واقعياً : التحكم الواعي بهذه الحركة التفاعلية في الرئتين ، وهذه الحركة التفاعلية متلازمة مع التنفس. ليس التنفس هو ما ينتج تفاعل الرئتين ، بل على العكس ، التنفس هو نتيجة لذلك التفاعل.

هذا التفاعل الحركي يوجّه الهواء بفعل قوة الدفع. إن قوة مجال برانا تحرّك الرئتين، وحركة الرئتين تلك توّجه الهواء.
تطبيقات علم طاقة الحياة


هكذا تبين أن البراناياما ليست فن التنفس ، لكن هي فن "التحكم الواعي بالقوة الحيوية" ، العضلية ، التي تحرّك الرئتين ، والتي تنطلق عبر الأعصاب إلى العضلات ، ومنها إلى الرئتين، جاعلة إياهما تتحركان بإيقاع خاص، هذا هو مجال "برانا". الذي يجب أن نحكمه بتدريبات البراناياما. وحين تصبح هذه البرانا ياما موجهة بالتحكم الواعي، سنجد حتماً أن كل التفاعلات الأخرى للبرانا في الجسد تصبح تدريجياً تحت التحكم الواعي.

أنا نفسي أرى بشراً يمكنهم التحكم تقريباً بكل عضلة في الجسد، ولما لا ؟

طالما أستطيع التحكم بعضلات معينة ، لما لا أتحكم بكل عضلة وعصب في البدن ؟ ما المستحيل في ذلك ؟

حالياً ، التحكم مفقود ... والحركة العضلية أصبحت تلقائية، لا يمكن للإنسان تحريك الأذنين إرادياً ، ولكن نحن نعلم أن الحيوانات تفعلها . نحن لا نمتلك تلك القدرة لأننا لم ندرّبها. هذا هو ما يسمى "العودة إلى الطبيعة Atavism ".

مرة ثانية ، تعلم أن التفاعل الذي أصبح غيابي Latent يمكن أن يعود حاضراً للإدراك Manifestation . بالعمل الحازم والتدريب ، فئة معينة من تفاعلات الجسد، والتي تكون خاملة أكثر ، يمكن أن توجه للعودة إلى التحكم الواعي الكامل مرة أخرى.

بالتفكير وفق ذلك المنهج ستجد أنه لا معنى للمستحيل ، ولكن في الكف المقابل ، ستجد أن المجال مفتوح لجعل كل منطقة في الجسد تعود إلى التحكم الواعي بالكامل.

هذا ما يفعله اليوغي من خلال أسلوب البراناياما ، ربما يقرأ بعضكم في تلك الكتب عن أسلوب البراناياما : "أثناء سحب الهواء في التنفس يجب أن تملأ كامل جسدك ببرانا" ، وفي الترجمة الإنجليزية البرانا لها نفس مدلول "الأنفاس-هواء"، هكذا تحتار في جواب السؤال : كيف يمكن أن يحدث هذا ! .. الخطأ من المترجم.

كل جزء من الجسد يمكن أن تحل فيه طاقة برانا الحيوية . وحين تصبح قادراً على فعل ذلك ، يمكنك التحكم بكامل جسدك. كل الأمراض والآلام التي تشعر بها في جسدك ستصبح تحت إدارتك بالكامل ، وليس ذلك فحسب .. ستمتلك القدرة على التحكم بأجساد الآخرين.

كل شيء يمكن تحقيقه في هذا العالم ، الخير والشر . وإذا كان جسدك في حالة معينة من التوتر ، سيكون هناك ميل أثيري إلى إنتاج نفس التوتر في أجساد الآخرين.

إذا كنت معافىً وقوياً ، الأشخاص الذين يقيمون بقربك سيكون لديهم أيضاً ميل أثيري يوجه كينوناتهم إلى أن يكونوا أقوياء ومتعافين ، لكن إذا كنت مريضاً أو ضعيفاً ، من حولك سيكون لديهم ميل أثيري إلى الوصول لحالة تماثل حالتك.

التآثر ، وجودياً ، ينقل إلى جسد آخر. وفي حالة أن أحد الأشخاص يحاول علاج شخص آخر ، الفكرة الأولى ببساطة هي نقل مستوى صحّته إلى الآخرين. إنه التوجه الجوهري للعلاج. بوعي أو بلا وعي ، حالة الصحة يمكن نقلها .

الشخص القوي جداً الذي يعيش مع شخص ضعيف ، سيجعله أقوى بقليل ، سواء عرف ذلك أو لم يعرف. عندما يحدث التأثير بوعي يكون أسرع وأحسن في فعاليته.

بعدها تأتي تلك الحالات التي تمثل شخصاً ربما لا يكون في أحسن حالاته الصحية ، لكننا نعلم أنه قادر على تحقيق الشفاء للآخر. أول شخص في مثل هذه الحالة ، لديه قدرة أعلى قليلاً من المعتاد على التحكم بالبرانا ، ويمكنه إيقاظ مجال قوته الحيوية في الوقت الحاضر ، وفق طبيعة الكون ، إلى مجال محدد من التآثر ، ونقلها إلى شخص آخر.

هناك حالات حملت فيها هذه التأثيرات مع تجاوز المسافة ، واقعياً لا توجد مسافة بمعنى ( الحاجز ). أين هي المسافة التي تشكل حاجزاً ؟ هل هناك أي حاجز بينك وبين الشمس ؟ إنه جوهر مادي متصل ، الشمس طرف أول ، وأنت الطرف الثاني. هل هناك أي فاصل بين قطعة وأخرى من النهر ؟ إذن لماذا لا يمكن لأي قوة الانتقال؟ لا يوجد قانون يمنع ذلك.

هذه الحالات حقيقة تامة ، ومجال برانا يمكنه الانتقال إلى مسافات عظيمة التباعد، لكن في مقابل كل حالة أصيلة ، هناك مئات الحالات المزيفة.

تحقيق ذلك قد لا يكون سهلاً بالطريقة التي تفكر بها ...

في الحالات الأكثر شيوعاً من هذا العلاج ستجد أن أولئك المعالجين ببساطة ينتهزون الحالة الشفائية الطبيعية للجسم البشري. لا يوجد مرض في هذا العالم يقتل كل الذين يصيبهم.

حتى وباء الكوليرا ، إذا مات 60% من المصابين خلال الأيام الأولى القليلة ، بعد ذلك سينخفض المعدل إلى 30-20% ، والبقية سيستعيدون تعافيهم.

يتقدم الطبيب الألوباثي ويعالج مرضى الكوليرا ، يقدم إليهم عقاقيره ، يبادر المعالج المثلي ويقدم أدويته ، والعلاج قد يكون أكثر فاعلية، ببساطة لأن المعالج المثلي لم يؤذي المريض ، لكن سمح للطبيعة بالتعامل معه ، والمعالج بالإيمان سيوفر علاجاً أكثر قوة لأنه يستدعي قوة وعيه ، لتغذي ، وتوقظ ،من خلال الإيمان ، الخمول في مجال برانا الخاص بالمريض.

لكن ثمة غلطة يكررها المعالجون بالإيمان باستمرار : هم يعتقدون أن الإيمان نفسه هو مباشرة ما يعالج الكائن. إنه وحده لا يغطي كامل القاعدة. هناك أمراض حين تكون أسوء الأعراض هي أن المريض لا يعتقد أبداً أنه لديه حقاً هذا المرض ، الإيمان الهائل عند هذا المريض هو نفسه واحد من أعراض من ذلك المرض ( أقرب إلى التوهم الذهني )، عادة يدل ذلك على أنه سيموت بسرعة. في مثل هذه الحالات ، مبدأ أن الإيمان نفسه يعالج مباشرة لا يمكن تطبيقه . إذا كان العلاج بالإيمان فاعلاً في كل تلك الحالات ، لكان لابد أن يتعافى المصابون بهذا المرض. الحقيقة هي أن مجال برنا هو ما تأتي منه العلاجات الواقعية.

القوى الحيوية تعيد توجيه العالم والزمن


الكائن النقي ، الذي يتحكم بهذه البرانا لديه القدرة على رفعها إلى مستوى معين من مجال التآثر الحيوي ، ونقله للآخرين ، وإيقاظهم في نفس هذا المجال.

أنت ترى ذلك في الأحداث اليومية.

إني أتحدث معك .. ما الذي أحاول فعله ؟ إني ، أقرب إلى أن يقال ، أستدعي وعيي إلى مجال معين من التآثر الحيوي، وكلما نجحت أكثر في استحضاره إلى ذلك المجال ، كلما سيزيد تأثرك بما أقول. كل واحد منكم يعلم أن اليوم الذي أكون فيه شخصياً أكثر حماساً سيزيد استمتاعكم أنتم أكثر بالدرس ، وحين أكون أقل حماساً ستحسون بخفوت الاهتمام.

قوى الإرادة العظمى في العالم ، المحرّكة للعالم ، يمكنها أن تجعل مجال قوة الحياة الخاص بها في حالة عالية من التآثر الحيوي. هكذا هي عظيمة وقوية جداً إلى درجة أنها تمسك بالآخرين في لحظة ، والآلاف يسيرون وراءهم، ونصف العالم يفكرون كما يفعل هؤلاء.

الأنبياء العظماء في العالم كان لديهم أعظم تحكم في هذه البرانا ، والذي استدعاهم نحو قوة الإرادة ، لقد رفعوا مجال برانا الخاص بهم إلى مراحل عليا من التفاعل ، وهذا ما أعطاهم القدرة على قيادة العالم.

كل تجليات القوة نشأت من هذا التحكم... الناس قد لا يعلمون السر ، لكن هذا هو التعليل الوحيد. بعض الأحيان في جسدك قسم من مجال برانا يتجاذب أكثر أو أقل من البقية ، لأن التوازن يختل ، وحين يختل توازن مجال برانا ، يحدث ما نسميه المرض.
التوازن الحيوي

تفريغ الفائض في مجال برانا ، أو توفير الدعم لمجال برانا ، سوف يعالج المرض. مجدداً : هذا هو براناياما ، أن تعلم كيف تحس عندما يكون هناك فائض أو نقص في طاقة برانا في قسم معين من الجسد على نحو يختلف عن ما يجب. المشاعر التي ستأتي ستكون لطيفة جداً ، إن الوعي سيشعر أن هناك ضعف برانا في إبهام أو إصبع أكثر مما يجب ، ويمرر الطاقة لدعمها.

هذه الشروح كانت عن مختلف إجراءات البراناياما.

يجب تعلمهم ببطء وتدرّج، و كما سترى ، النطاق الكامل الخاص بعلم الراجا يوغا ، هو واقعياً ، تعليم للتحكم والتوجيه الواعي للطاقة الحيوية في مستويات مختلفة من قوة برانا.

حبن يستحضر المرء طاقاته التي يتحكم بها بذاته ، تلك برانا موجودة عبر جسده.

حين يتأمل المرء فإنه يستحضر مجال برانا كذلك.

فهم برانا من منطلق واحدية الوجود


في المحيط هناك موج عال كالجبال ، ثم موج أصغر، ويستمر بالتصاغر إلى مجرد قطرات ، لكن مصدر كل ذلك هو المحيط اللانهائي. القطرات متصلة مع وحدة المحيط اللانهائي في طرف، والموج العال في الطرف الآخر.

لذا ، أحد ما قد يكون إنساناً عظيماً ، والآخرون ربما مجرد حبيبات ، لكن كل واحد منهم متصل مع ذلك المحيط اللانهائي من الطاقة، وهذا هو حق الولادة الوجودي العام لكل كائن حي وُجد عبر الزمن.

أينما كانت هناك حياة ، يكون بيت الطاقة اللانهائية خلفها. ابتداء من قليل من الفِطر ، أو بعض القطرات المجهرية الدقيقة .. وهي تتدفق طوال الوقت من بيت الطاقة اللانهائية ، النماذج تتغير، ببطء وتدريج، حتى تصبح خلال دورة زمنية نباتاً ، ثم حيوان ، ثم إنسان ، وفي النهاية كائناً لاهوتي.

التطور الحيوي – براناياما والارتقاء الروحي


4503967b3bf73b6dbea52b3567391bee.jpg



هذا يتم اكتسابه عبر ملايين العصور، لكن ما هو الزمن ؟

زيادة السرعة .. زيادة النضال .. أمور قادرة على طي البُعد في أقطار الزمن. ذلك الذي يأخذ بطبيعته وقتاً طويلاً ليتحقق ، يمكن اختصاره بتكثيف التفاعل ، كما يقول يوغي.

ربما يسير شخص ببطء عبر هذه الطاقة من المادة اللانهائية الموجودة في الكون ، ومن الممكن أن يحتاج إلى مئة ألف سنة ليصبح ديفا، ومن ثمة ربما خمسمئة ألف سنة ليصعد إلى الأعلى ، وربما خمسة ملايين سنة ليصبح مكتملاً.

المبادرة في النمو السريع تعني أن الوقت سيقل. لما لا يكون ممكناً ، مع جهد كافي، الوصول إلى هذا الكمال التام في ستة أشهر أو ست سنوات ؟ لا يوجد قيد.

البرهان يظهر ذلك ..

إذا كانت القاطرة المزودة بكمية معينة من الفحم تتحرك بسرعة 2 ميل في الساعة ، قدم المزيد من الفحم وستتحرك أسرع في الوقت. بنفس المبدأ، لما لا يمكن للروح بتكثيف تفاعلها الوصول إلى ذلك الهدف في هذه الحياة كحد أقصى ؟ كل الكينونات ستصل في النهاية إلى ذلك الكمال الذي نعرفه. لكن من يهتم بالانتظار كل هذه الملايين من الأجيال ؟ لما لا نصل إليها مباشرة ، في هذا الجسد حتى ، في هذا النموذج الإنساني ؟ لما لا أقوم بتحقيق تلك المعرفة اللانهائية والقوة اللانهائية الآن ؟

تلك هي رؤية اليوغي، كامل علوم اليوغا موجهة إلى ذلك الهدف النهائي الواحد، لتعليم الناس كيف يتجاوزون الزمن بالتزود بالقوة، كيفية مضاعفة قوة الاتحاد مع الوجود Assimilation ، وبهذه الطريقة يمكن إيجاز الزمن لتحقيق الكمال، عوض المغامرة البطيئة من محطة غلى أخرى، والانتظار حتى يتحرر كامل العرق الإنساني، ثم تصبح كاملاً.

كل أولئك الأنبياء العظماء ، القديسين والعرفاء حول العالم ما هم ؟ في ذاك الجيل الواحد من الحياة يحيون كامل الحياة الإنسانية ، يصلون إلى ما يستغرق كامل وقت طور الناسوت الطبيعي للوصول إلى حالة الكمال. في هذه الحياة يكاملون أنفسهم، لأنهم لا ينشغلون بأي شيء آخر ، لا يتطلعون لأي شيء آخر ، لا يحيون لحظة واحدة لأي فكرة أخرى ، وهكذا الطريق ينطوي من أجلهم ..

هذا ما يُقصد بالتأمل الحضوري أو الذكر الحيوي Concentration ، تكثيف التفاعل أو الاتحاد مع الوجود Assimilation ، وهكذا ينطوي الوقت ، والراجا يوغا هو العلم الذي يعلمنا كيف نكتسب قوة التأمل الحضوري ( الذكر الحيوي ).

طاقة الأرواح عبر مستويات الوجود

ff8eo597fmwpjutwcm.jpg

ما الذي لدى البراناياما لتفعله مع الأرواحية ؟ إنها أيضاً مظهر من أسلوب البراناياما. إذا كانت حقيقة أن الأرواح الراحلة ذات وجود فعلي ولكن نحن فقط الذين لا يمكننا رؤيتهم ، من الحقيقي أنه يمكن أن يوجد مئات وملايين الأرواح يعيشون هنا ونحن لا نستطيع رؤيتهم ، الإحساس بهم ، ولا لمسهم. ربما نحن نستمر بالمرور ذهاباً وإياباً عبر أجسادهم، ومن الحقيقي أيضاً أن هناك احتمالاً أنهم لا يرونا أو يحسون بنا.

هي دائرة في داخل دائرة، كون في داخل كون. فقط أولئك الذين على نفس المستوى يرون بعضهم بعضاً ، نحن نمتلك خمس حواس ، ونمثّل مجال برانا في سوية معينة من التآثر الحيوي. كل الكائنات التي تتوافق في سوية التآثر سترى بعضها بعضاً ، لكن إن كان هناك كينونات تمثل مجال برانا في مستوى عال من الأثير فلن يكونوا مرصودين. ربما نضاعف شدة الضياء حتى لا نعود قادرين على رؤيته أبداً ، لكن هناك كائنات مزودة بأعين قوية جداً والتي يمكنها رؤية ضوء كهذا ، ولكن هناك أيضاً حيوانات تراه ، مثل القطط أو البوم ، إن ترتيب إدراكنا البصري يمثل مستوى واحد فقط من تآثرات مجال برانا.

خذ الغلاف الجوي مثلاً ، إنه يتراكب طبقة فوق طبقة ، لكن الطبقات الأقرب إلى الأرض تكون أكثف من الأقرب إلى الفضاء ، وكلما ارتفعنا يصبح المجال الجوي أنقى وألطف. وخذ المحيط مثلاً ، كلما تعمقت أكثر ، كلما يزداد الماء كثافة ، ولا يمكن للحيوانات التي تعيش في قاع البحر أن تصعد ، وإلا ستتفتت إلى قطع.

فكر بهذا الكون الهائل كمحيط من الأثير ، في حركة تهتز بفعل القوى الحيوية، وذلك يستمر مستوى بعد مستوى من الكون ، مولّداً كافة معدلات الاهتزاز. في المناطق التي تقترب إلى الحافة سيكون الاهتزاز ضعيفاً ، وكلما سنقترب نحو المصدر سيصبح اهتزازنا أسرع وأسرع ، وكل معدل من الاهتزاز يولّد مجالاً. فكر بكامل الأشياء كأنها دائرة واحدة، مركزها هو الكمال، كلما ازداد بعدك عن المركز ، كلما تباطأت اهتزازاتك.

المادة هي القشرة الخارجية ، ووراءها يأتي العقل ، والروح هي المركز.

ثم تخيل مراتب قوة البصر مقسمة إلى طبقات ، لذا ملايين الأميال لا تزال في الأعلى ، وهكذا سيكون .. مؤكد أن هؤلاء الذين يوجدون في مستوى ذو حالة محددة من التآثر الحيوي ، سيكون لديهم القوة لإدراك بعضهم ، لكنهم لن يدركوا أولئك الأعلى أو الأدنى منهم. وبعد ، تماماً كما يمكن تعزيز نطاق الرؤية من خلال التيليسكوب أو الميكروسكوب ، وإيجاد تآثرية أعلى أو أدنى قابلة للرصد بالنسبة لنا ، بنفس الطريقة، كل شخص يستطيع إحضار ذاته إلى حالة من التآثر الحيوي تنتمي إلى الطبقة التالية ، هكذا يجهز نفسه ليرى ما يحدث هناك.

تخيل هذه الغرفة تمتلئ بالكائنات التي لا نراها. إنهم يمثلون مستوى تآثرية معين من مجال القوة الحيوية ، ونحن نمثل مستوى تآثري آخر . تخيل أنهم يمثلون التآثر الأسرع ، ونحن الأبطأ ، طاقة برانا هي الجوهر الذي يتركبون منه ، الكل مفردات من نفس المحيط المكوّن من قوة برانا الحيوية ، فقط مستوى حركة الأمواج يختلف. إذا استطعت إحضار نفسي إلى مستوى تآثري أسرع ، هذا المستوى الحالي سيتغير حتماً أمامي ، لن أستطيع رؤيتك مرة أخرى ، أنت ستختفي وهم سيظهرون.

بعضكم ربما يعلم هذا كحقيقة.

كل هذا الاستحضار للوعي إلى مستويات عالية من الترددات الحيوية ، يدعى بكلمة واحدة في اليوغا : Samadhi والمستويات الأدنى من سامادهي تعطينا البصيرة لرؤية هذه الكائنات. المستويات العليا من سامادهي تتحقق حين نرى الكيان الحقيقي ، حين نرى الجوهر الذي منه تتركب كل هذه الرُتَب من الكائنات ، وحين تعرف كتلة من الطين ، ستعرف كل الطين في الكون.

وهكذا نرى أن هذه البراناياما تتضمن كل ما هو حقيقي في الأرواحية. بنفس المنهج، ستجد أنه أيّان وجدت طائفة أو أحد من الأشخاص يحاول البحث عن الحقيقة في أي شيء غامض أو غريب ، أو مخفي ، فذلك البحث هو علم اليوغا ، إنها محاولة للتآلف مع قوة الحياة. ستجد أنه أيّان وُجد أي استعراض للقدرات الخارقة للطبيعة ، فإنه تجلي لمجال القوة الحيوية . حتى العلم الفيزيائي يمكنه أن يُدعى براناياما. ما الذي يحرّك قاطرة البخار ؟ قوة الحياة تتفعّل عبر البخار. ما كل هذه الظواهر من الكهرباء ونحوها أكثر من برانا – طاقة الحياة ؟ ما هو علم الفيزياء ؟ براناياما ذات نهج ظاهري. إنها ذات قوة الحياة ، تتجلى كقوة وعي يمكن التحكم بها فقط بمنهج إدراكي. فرع براناياما الذي يحاول التحكم بالتجلي الفيزيائي لطاقة الحياة وبأدوات فيزيائية يسمى "علم الفيزياء". والذي يسعى إلى التحكم بتجلي طاقة الحياة كقوة وعي ، وبوسائل إدراكية ، يسمى "راجا يوغا".
universi.jpg
 
ثمة نقطة أرغب بالتنويه عليها ولو أنها تخرج عن الموضوع قليلاً ... أريد أن أشرح باختصار السبب في طريقة الترجمة التي استخدمتها ( وأستخدمها دائماً ) وهي التركيز المطلق على دقة المعنى ، بحيث أنني قد أترجم الكلمة بعبارة ، وربما أترجم نفس الكلمة بعنيين مختلفين حسب الفقرة ، وفي بعض الأحيان أضيف شروحاً قصيرة خارجة عن النص الأساسي.

إن لغة هذا الكتاب بسيطة وعامة ، بينما المعاني التي يتحدث عنها عميقة وخاصة ، ونقل المعاني العميقة الخاصة باللغة البسيطة الشائعة هو أسلوب تربوي بالدرجة الأولى ، الهدف منه أن نجعل المريد يوجه انتباهه على المعنى ويتجاوز حدود اللفظ والمفهوم، وندربه على الرؤية الإجمالية ، التي تعتبر التدقيق والتعمّق شيئاً ثانوياً ، وتعتبر الوصول إلى معنىً يخدم الغاية فقط هو ما يحمل القيمة ، وبالتالي لا حاجة لإيضاح المعنى بذاته ، لأن المعنى نفسه أداة لتحقيق غاية أخرى ، ويمكن فهمه فهماً إجمالياً طالما أنه لا ضرورة لتحديده من أجل الوصول إلى تلك الغاية.

طريقة اليوغا ( والهند عموماً ) في التعليم هي إكساب المريد ملكة "الشعور بالمعنى المُجمل" وكذلك يفعل في الحياة ، يركز على الهدف ، وفهم المعنى مهم بقدر ما يخدم الهدف، وليس هناك هدف من وراء اليوغا إلا قوة التحكم وهذا شيء لا داعي فيه إلى الوصول إلى معاني نهائية ومُطلقة.

التركيز إذاً على "الشعور بالمعنى المجمل" وليس على كشف المعنى بحد ذاته ، ولو كان هذا الشعور أشبه بالغرق في بحر ليس له حدود.

ما تريده اليوغا من تلاميذها هو أن يتعلموا "كيف يقودون سفنهم في موج البحر العاصف على الإدراك" ويتكيفوا مع حالة العاصفة على أنها الحالة النهائية التي وجب تحقيق السيطرة ضمن حدودها ، ولذلك يستخدم المعلمون وسائل التعمية والتعميم :

_ مثلاً كلمة واحدة تشير إلى معاني عديدة ، مثل كلمة God والتي يستخدمها الكاتب أحياناً في الحديث عن "الله" وأحياناً عن "الذين اتصلوا بالله- الإلهيين" وأحياناً عن "قوى التكوين" المسؤولة عن تنظيم الوجود. وكلمة Mind التي يستخدمها في معنى العقل أحياناً ، والوعي أحياناً ، والإدراك أحياناً ، والذهن أحياناً ، مع أن الفروق بينها جوهرية.

وهذا الأمر متعمد في مدرسة اليوغا التقليدية ، إنهم يتقصّدون عدم إيضاح الفروق الدقيقة ، والمعلم سوامي ليس غافلاً عما يفعله ، إنه يريد جعل الطالب يعتاد على ترك التدقيق العقلي الذي لا معنى له بنظره للفلاسفة ، والتركيز على الفهم الحسي للمعنى.

_ أحد الأمور الخاصة في أساليب اليوغا هي أن المحاضرات غالباً ما تكون ارتجالية ، من الصعب حتى تعيين موضوع عام مسبق للمحاضرة ، وهذا أيضاً مقصود .. وكذلك لا يوجد تقسيم هرمي أو تسلسلي ضمن الدرس نفسه ، وهناك حرية كاملة في توجيه المعلومات وكأنها رحلة استكشافية.

هذه الطريقة التربوية المستخدمة في حوزات الهند مختلفة جوهرياً عن الطرق التعليمية المستخدمة في حوزات البلاد الإسلامية والأوربية ، هنا نحن ندرس بالترتيب ، ونستخدم تعريفاً واحداً نهائياً للموضوع ( التعريف بالحد التام ) بحيث يمكن التعبير عن الموضوع بجملة واحدة تجمع كل معانيه ولا تزيد عنها ، كتعريف المنطق بأنه "آلة قانونية ذهنية تعصم مراعاتها الفكر عن الخطأ في القياس". ونستخدم أسلوباً أشبه بالبرهان الهندسي من أجل فهم الموضوع ، حتى كتب العرفان الإسلامي هي في النهاية نصوص هندسية في طريقة تقديمها ، كلها براهين وقياسات وترتيب وتقييد ... لا يوجد أي مجال للبحران أو الارتجال في تصميم النص أو تعليم المعنى.

_ طريقة اليوغا في التعليم تُعرف اليوم باسم "الجشطالت" فعوضاً عن تعليم الطالب الأبجدية ثم الكلمات ، نعلمه الكلمات ، وهو يستبط منها الأبجدية ، وبدلاً من تعليم الطالب النظرية قبل التطبيق، نرميه في ميدان الاختبار المباشر ، ونجعله يختبر الموضوع مباشرة ويستنبط منه المفاهيم.

وهذا يعني أن كتاباً في الراجا يوغا قائم على الفكر الهندي الكلّاني والعائم ، الأصل أن تبقى المعاني فيه عائمة إلى درجة معينة ولا يتم تحديدها ، حتى يتسنى نقل وعي القارئ عملياً إلى مزاج الراجا يوغا ، وليس فقط نقل المعلومات إليه.

واللغة الانجليزية بطبيعة الحال تساعد كثيراً على ذلك ، لأن دلالات الكلمات على المعاني في الانجليزية هلامية ، غير محددة تحديداً نهائياً ، ويمكن التلاعب بها ، ويمكن اشتقاق الكلمات دون تصريف أو جذور للمعاني التي تضرب لها ، وبشكل عام ، ليس هناك مربط فرس للحقل الدلالي للكلمة الانجليزية ، الأمر يتوقف على الاستخدام والسياق والتعويد.

ولكن اللغة العربية لا تساعد على هذه الطريقة في التعليم ، من المستحيل تعليم الراجا يوغا على هذا النحو باستخدام أدوات الإدراك العربي .. كلمة "الله" ذات دلالة معنوية يستحيل تغييرها أو تقسيمها ، لا يمكن أن تعبر هذه الكلمة إلا عن الله ، لا يمكن أن تعبر هذه الكلمة عن بوذا مثلاً أو النبي محمد أو المسيح ... حتى المسيحيون يقرون بذلك.

معنى كلمة العقل مختلف تماماً عن معنى كلمة الوعي ، وإذا استخدمت كلمة العقل للإشارة إلى الوعي فسينتهي مجال التفريق بين "المعنيين" ويصعب تحديد أي منهما وسيتشوش الإدراك كثيراً ... بالنسبة للانجليزية فلا مشكلة أصلاً، لأن كلمة مثل Mind ليس لها تعريف نهائي ، ولا يوجد وسيلة لوضع مثل هذا التعريف النهائي ، لذلك يمكن استخدامها للدلالة على معاني متعددة دون أن يفقد أي منها حدوده الوجودية ... أي أنك ستفهم من سياق الكلام ما المقصود بلا معاناة، لكنك لن تفهم ذلك المقصود من محض السياق في الغة العربية.

هناك خصال إغريقية ذات أصالة كُبرى في الفكر العربي ، الإغريق يهتمون جداً بالتفاصيل والتحديد ، البيانو آلة إغريقية ، نغماته الناعمة تعكس مقدار الدقة في صناعته ، الناي آلة هندية ، يتجلى منها روح الهند التي تحاول توحيد العالم كلياً دون تخطي حدود الظاهر ، كذلك الناي لا يعتمد على الدقة بل على الارتجال والشعور المحض.

العرب والفرس الموجودون في المنتصف ، أخذوا من الهند قوة الانطباع الشاعري وأخذوا من الإغريق دقة التفاصيل العميقة ، ونتج عن ذلك آلة العود والقانون ... كذلك الفكر العربي يسعى إلى تحديد المعاني وكشف حقيقتها الوجودية ، دون أن يفرط في الاتصال الحيوي بالجوهر الباطني وراء تلك الحقيقة.

باختصار أن اليونان والعقل الغربي يركز بالكامل على تحليل الظواهر وتصنيفها ، وافكر الهندي يوجه انتباهه نحو الباطن ، ولكنه بالنسبة للفكر الهندي "باطن مُجمل" كل ما يمكن معرفته عنه يكون بالاتصال الوجداني معه ، ومعاملته وكأن العالم شيء واحد لا يقبل التجزيئ ، وهذه حقيقة في أعمق مستوى من العالم ، ولكن الفكر الهندي يفهمها من بعيد ، من عالم الظاهر ، ويطبقها عليه ... وينتج عن ذلك نوع من وحدة الوجود الساذجة ، كل شيء هو الله ، والله هو كل شيء ، دون مراعاة أن الظاهر لوحده هو فعلياً مجزءً وانفصالي ، وفقط الظاهر في حقيقته الباطنية يكون لاهوتياً ، حيث يكون هناك تعليل باطن يتكشف للانفصالات الظاهرية... وهذا ما سعى إليه العرفان الإسلامي.

لذلك لن يكون مجدياً أن أترجم الكتاب بطريقة حرفية ، أو بطريقة لا تراعي خصوصيات اللغة العربية ، هذا لأن اللغة العربية من حيث قدرتها على البيان والتحديد هي المفتاح لتحقيق الاتصال بين الرؤيتين الكونيتين السابقتين.

تشويه اللغة العربية سيكون له تداعيات كارثية ، سيُنتج أنصاف وأرباع معلمين ، سينتج فكراً ارقاً في السبحان الأثيري ، سيمنع أي تجلي للحق ، لأن اللغة العربية مسخرة من الله لشيء آخر غير ما في الهند ، وغير ما في العالم الغربي.
 
  • لايك
التفاعلات: Dana
التآثر .. الذِكر الحيوي
الترجمة الحرفية لكلمة Vibration هي "الاهتزاز - الذبذبة - التموّج" ، واستخدام هذا المعنى ( قد ) يجعل الإدراك يتخيل أن ما يقصده الكتاب من هذه الكلمة هو وصف فيزيائي ، لشيء فيزيائي ، له كينونة مادية ويتحرك ضمن الفراغ.

أنا أعلم أن هناك الكثير منكم لا تشكل هذه النقطة مشكلة لديه ، فهو يعلم مسبقاً أنه لا وجود لحدود بين الفيزياء والميتافيزياء ، وأن الاختلاف بين الطبيعة والوجود المتعالي هو اختلاف ناتج عن ضعف إدراك الإنسان ، وليس عن وجود حد فاصل بينهما.

ومع ذلك لابد من القول ، انظروا حولكم وستجدون أن كل المعلمين الروحيين تقريباً يستخدمون هذا المعنى للإشارة إلى "طبيعة فيزيائية موضوعية محددة" ولها قيمة رياضية يمكن قياسها بالأجهزة ، وكأنهم يخبرونك بشكل ما ، أن جوهرك الحيوي له طبيعة فيزيائية يمكن التحكم بها وقياسها بالأجهزة، وهذا يجعل الكثيرين يتخيلون أنهم في النهاية مجرد "ذبذبة فيزيائية تشبه ذبذبة الأوتار الموسيقية تماماً ولكنها أصغر بكثير" والحقيقة أن الذبذبة المرصودة في العالم المادي ، تنتهي عند حدود الكموم.

في فضاء الكموم ليس هناك ذبذبة تشبه التي نعرفها هنا ، في عالم الكموم ليس هناك مكان وزمان ، ما يحدث في داخل ذرة يحدث في كل الكون بنفس الوقت ، الفاصل الزمكاني معدوم ، ما نتخيله أن الالكترونات صغيرة جداً لدرجة لا يمكن رصدها ، والحقيقة أنها كبيرة جداً لدرجة لا يمكن وصفها بمقاييس عالمنا لأنها منتشرة عبر أفاقه المكانية ، والزمانية.

الإلكترونات جميعاً متحدة في إلكترون واحد ، يتم رصد انعكاسه الوجودي في مستوانا ، ولأن مستوانا متباعد ومنفصل ، فكل انعكاس لهذا الالكترون منفصل عن البقية ، ولكن هذه الانعكاسات حسب التجارب الفيزيائية ، متحدة ذاتياً ، كأن كوننا هو مرآة متشظية يعكس كل انكسار منها صورة للحقيقة.

هذه الحقيقة المخيفة ، تعكس لك كم هو ساذج تصور الإنسان كآلة فيزيائية أو كحبل من الذبذبة المحلية التي تشبه ذبذبة الموسيقى ، الجوهر المادي النهائي ، ليس له تعريف محلي ، حسب علم الفيزياء الكمومي.

حين تتعامل مع الوجود من زاوية المنهج المعرفي الإدراكي وتحاول فهم جوهر التكوين والحقيقة المطلقة ، ستكون الأدلة التي تبدأ مباشرة من الواقع الموضوعي بعيدة عن أن تصف الحقيقة ، إنها تصف الواقع الموضوعي وهو يشكل جانباً من تجليات الحقيقة ، ولكن وعيك ليس شيئاً موجوداً في هذا الواقع ، لا يمكن أن تحدد وعيك في نقطة تشير إليها بإحداثيات زمانية ( الآن ) ومكانية ( هُنا) .. يمكن أن تحدد جسدك ورأسك ، في هُنا والآن المحليان ، وتقول إنهما موجودان في دمشق في الساعة السادسة صباحاً ، ولا تدري أين سيكونان في التاسعة مساء.

ولكن وعيك ليس موجوداً في رأسك أو جسدك ، إنه يستخدمها كصلة وصل بينه وبين العالم المادي ، لكن هو بحد ذاته غير مادي حتى نستطيع تحديده ضمن عالم المادة ، نحن نحدد نقطة تفاعل وعي الفرد مع العالم المادي والتي تمثل التقاء الجسد والبيئة ، ولكننا لا نستطيع تحديد الوعي ، لأنه وجود نقي ، غير مركب من أشياء أخرى ولا تصفه الكميات و الأرقام والسمات الخاصة بالمواد ، وهو مفارق للعالم ولذلك يمكنك التمييز بين وعيك وكيانك وبين العالم ، لأنكما لستما طبيعة واحدة.

على هذا النحو رأيت أن الأفضل عدم استخدام كلمة الذبذبة ، الاهتزاز ، التردد ، لنصف ما يريده الكاتب فعلاً ، فهذه الأشياء تصف الجانب الظاهري من الحكاية ، والكاتب يريد أعمق من ذلك ، اليوغا لا تريد أن تخبرك أنك موجة راديو عليك ضبطها ، ولكن تريد إيصالك إلى سر معين ربما ، أو إلى إدراك معين.

لذلك كلمة Vibration تعني بالتحديد ، "التآثر" وليس الاهتزاز ، التآثر هو تفاعل بين قوتين ، أثناء التفاعل يتولد تحريك ، وزمن ، وآثار أو نتائج ، ومن هذه النتائج هناك اهتزازات ، ولكن هذه الاهتزازات ليست ما يولّد البرانا ، بل على العكس ... إنها نتيجة من نتائج تفاعل مجالات البرانا.

البرانا نفسها هي الطاقة الحيوية ، أو قوة الحياة ، أو القوى الكهروحيوية ، يصعب فهمها بمنطق الفيزياء والرياضيات ، إذا أردت تعريفاً محدداً ل"برانا"يمكن أن نقول هي "التفاعل" بالمطلق ، دون تحديد الأطراف المتفاعلة أو شكل التفاعل. أي تفاعل بين كائنين في أي مستوى من مستويات الوجود ، يعني أن الوجود في حالة اتصال وحركة ، ولا تقييد على طبيعة هذه الحركة أو هذا الاتصال ، أنت تعرف ما معنى "الفِعل" إنه بالنسبة لك ، توجيه القوة لتحريك شيء ما ، هذه القوة هي برانا بغض النظر عن جدليات الفيزياء والميتافيزياء ، هذه القوة تحس بها ، تتفاهم إدراكياً معها ، أما ما ترصده في الوجود الخارجي ليس برانا نقية، إنه نتائج لتأثيرات لقوى باطنية أنت شخصياً لا ترصدها ، الكهرباء والجاذبية ونحوها هي نتائج للقوى ، وليست قوى بالمعنى الدقيق ، ما يسبب ظاهرة الكهرباء ليس ظاهراً للجميع يمكن إدراكه موضوعياً ، ولكن تأثيره على عالمك وواقعك يظهر في الشرارات والقيم كهربائية.

كذلك كل نتيجة تحتاج إلى تفاعل ليوصل إليها ، القوة التي يستعين بها التفاعل هي "برانا" ، وهذه القوة من حيث المعنى تكون واحدة دائماً ، كل ما يمكنه تحريك وتغيير شيء ما هو قوّة .

القوة التي تحرّك الأكوان ، مصدرها بعيد جداً عن مجال الإدراك الظاهري للبشر ، ولكن يكفي أن نعلم أن القوة هي "قدرة التأثير الوجودي الموجّهة نحو هدف معين" ، وبقية الأمور الخارجية مثل الاتجاه والجهد والحامل مجرد ملحقات.

فكرك هو قوة في النهاية ، لا تختلف عن قوة الجاذبية ، فقط أنك توجهها نحو مجال ذهني ، وقوة الجاذبية موجهة نحو مجال فيزيائي.

هذا يعرّفك بمعنى "برانا" عن كثب .. حين تحس بالطاقة تسري في يدك ، هذا هو برانا ، لكن حين لا تحس بالطاقة تسري في عروق يدك فالحركة فقط ليست برانا ، إنها "تعبير مُقيّد" عن برانا ( قوة الحيوية ) الخاصة بك.

الاتصال بالبرانا يعني أن تُحس بالقوة بشعورك ...

هذا لا يتطلب تمارين محددة بالضرورة ، هناك من يستطيعون الاتصال بالبرانا شعورياً من خلال الفن ، أو من خلال الكتابة ، أو من خلال التعرض لظروف معينة أو صدمات كهربائية ، ولكنهم للأسف لا يستطيعون فهم كيفية التعامل معها واستخدامها ، لأنهم لا يفهمون طبيعتها الحقيقية وقدراتها العظيمة ، ولكي نقول إنك تتحكم بمجال برانا الخاص بك فلا يكفي أن تحس به ، لابد أن تتآلف معه وتحسن توجيهه.

التآثر الحيوي هو أن تتصل بقوة الحياة ، وتوجهها عبر الوعي لتصل بينك وبين ناحية معينة في الوجود الأكبر ، حالة التآثر بينكما تولّد "اتصالاً" بين الحياة فيك والحياة في الطرف الآخر، هذا التآثر الحيوي هو ما يسمى ب"الذبذبة Vibration" ، والذبذبة تنتج عن هذا الاتصال لأنه يحرّك بحر الكون الراقد أثناء عبور الطاقة.

لكن الاتصال بحد ذاته هو "توجه جوهر الحياة النقي" نحو كائن آخر ، أو عالم آخر ...

يمكنك أن تتصل بكائن مثلاً ، وليكن صديقك في دولة أخرى ، من خلال توجيه قوة الحياة للتفاعل معه وإرسال مشاعر أو أفكار إليه ، وهذا ما يسمى ب"التخاطر".

يمكنك أن تتصل بحالة مزاجية وتستحضرها ، على سبيل المثال ، حين تكون متوتراً ، عوض أن تبحث عن وسيلة خارجية لتخفيف التوتر ، تخيل نفسك مسترخياً ، قم بها ببساطة ، تخيل كيف يسير الهدوء في عروقك وابتسم وحرك وجهك ورأسك قليلاً وقم ببعض التمارين البسيطة ، إن هذا لكفيل أن يزيل أعتى حالات التوتر ، كل ما في الأمر أنك توجه "الجوهر الحيوي" في داخلك للاتصال بحالة مزاجية خيالية.

يمكنك أن تتصل بحالة زمنية خارجية ، الحرص الدائم على الإحساس بالغنى والامتنان لذلك واستحقاقه ، سيجعل قوة الحياة تتدفق نحو ذلك الوجود الزمني المتخيل وتصلك به واقعياً.

يمكنك أن تتصل بناحية أخرى من الوجود ، فقط تخيل ما الذي يحدث في العوالم العليا ، يوماً بعد يوم سيشكل خيالك معبراً للطاقة الحيوية لتصل بينك وبين العوالم العليا ، هكذا تحدث المكاشفات ، هكذا تحدث النبوات العالمية واستقراء المستقبل.

يمكنك أيضاً أن تتصل بحالات خالصة ، أي دون خيال ، دون فكر ، فقط توجه طاقة الحياة نحو القيمة التي تحبها ، مثل الكرم ، الرحمة ، العدل ، الإحسان ، الجمال ، وستتجلى في حياتك ، وستكون في اتصال مباشر مع القيمة الوجودية وراء كل الصور ، إن هذه القيم في تجلياتها الأعلى هي الأسماء الحسنى لله ، ما الذي يعنيه أن تذكر الله ؟ يعني أن توجه قوة حياتك إليه ، وبما أن الله عز وجل مطلق لا تحد الصور والفكر ، يمكنك التواصل مع حضوره الحي مباشرة ، هذا هو "الذِّكر" ولذلك أسميته "الذكر الحيوي".

في الحقيقة كل تفاعلاتك مع بقية الكائنات وحالات الوجود هي تفاعلات مع أسماء الله عز وجل ، ولكنها حالات مقيدة وجزئية ، تتناسب مع عقلك وطبيعتك وشخصيتك ، أي أنها ذكر غير خالص ، لأنك إذا أحببت شخصاً فما الذي ستحبه فيه إلا القيم ؟ إذا رغبت بزمن فما الذي سيجذبك إليه إلا القيم التي يحققها وتتجلى أمام عيون إدراكك ؟ كذلك كل شيء ، تجلي للقيم الإلهية الخالصة ، تجلي لأسماء الله...

أنت لا تفعل شيئاً إلا ذكر الله ، طوال الوقت ، ولكن ذكرك لله عليل أغلب الأوقات ... وحالة الذكر الخالص هي منتهى وغاية الحياة ، وهي التي ستنقلك إلى الله حيث الحرية والسكينة.

لماذا يشقى الإنسان إذاً ؟ لأنها لا يدعو الله ... لأنه لا يستدعي القيم الإلهية إلى حياته ، لأنه لا يذكرها ولا يتصل بها حيوياً ، إنه فقط يردد ما يقوله الناس عن هذه الأمور ... فقط يشغل باله بالتفكير والمحاكمة ، طاقة الحياة موجهة بالكامل نحو الأفكار الذهنية ، وهذا يبعد المرء عن روحه ، و عن لحظة الآن ، وعن الاتصال الحيوي...
 
التعديل الأخير:
التآثر الحيوي والحركة الكونية
إذا عرفت أن ما يُقصد بكلمة "برانا" هو طاقة الحياة النقية الخالصة ، وأن الوعي هو المسؤول عن توجيه طاقة الحياة نحو غاية معينة ، إذن لماذا أغلب مظاهر الطاقة في الكون تبدو تلقائية ولاشعورية ؟ هذا الخليط العجيب من القوى الفيزيائية ، كلها تتحرك بطريقة مقننة وأوتوماتيكية ، لا يوجد أي مظاهر للوعي في طبيعة حركتها.

إذا كانت طاقة الحياة هي التي تحرك العالم وتخلق القوى الفيزيائية من انبعاثها فيه ، إذن لماذا هذا العالم فاقد للحياة في المستوى الظاهري ، لماذا يسير وفق قواعد صارمة ؟ ما دام الزمن يتحرك بفعل طاقة الحياة إذن لماذا أهدافه غير حيوية ؟ لماذا حركته تلقائية ؟ كيف انتقلت طاقة الحياة من الحياة إلى اللاحياة ؟ لماذا العالم مقسم على هذا النحو المرعب وخالي من أي تجلي مباشر للحياة فيه ؟

أحد جانبي الجواب هو أن العالم أصلاً وجود موضوعي ، تكوينه يفارق الإدراك ويكون شيئاً خارجياً إضافياً غريباً ، والوجود الموضوعي يعني بالضرورة غياب الوجود عن الذات التي تدركه ، ولذلك أي نوع من توجيه طاقة الحياة نحو هذا المجال الوجودي ، هو بالضبط أشبه بتوجيه الضوء نحو الفضاء ، وبقدر ما سيضيء الضوء الفضاء ، بقدر ما ستحيي طاقة الحياة الوجود الموضوعي ، أي : إنها لا تحييه ... هي فقط تحرّكه ويرصد الوعي حركة هذا الوجود الموضوعي الناتجة عن طاقة الحياة التي وجهها إليه ، فيرى انعكاس حياته في تحريك الوجود ، هذا يجعله يحس بأنه موجود ، يحس بأنه حقيقي ، ضع شخصاً في الفضاء ، لعدة اسابيع وشاهد الغبطة على وجهه حين يرى ضوءاً قادماً من بعيد ، إنه يحس بأن هناك من يرصده ، من يقدره ، من يعترف بحياته ، وهذا يجعله يحس بالحياة التي افتقدها في اللحظة التي دخل فيها حيز الفضاء الخالي بالضبط ....

أي أن توجيه طاقة الحياة من قبل الوعي إلى موضوعات خارجية ، مثل المال ، الجنس ، الطعام ، الأثاث ، السياسة ، المجتمع ، هذا كله يعطل اتصال الحياة ويبذل طاقتها في اللاشيء ، إنها "تذوب" في اللاشيء ... إنها تتلاشى دون أي قيمة لذلك.

{( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) )}

الغايات المتعلقة بالمستوى الظاهر وحده من الموضوعات الخارجية ليست شيئاً ينبغي التفاعل معه حيوياً ، أقصد المتعة والراحة وبقية المشاعر المتعلقة بالأشياء الموضوعية ، هذه تستنزف وعيك وحياتك ... وبما أن الواقع الموضوعي مجرد سراب في مستواه العميق ، وكما أن الصورة لا تنوب عن صاحبها فلا تنوب الموضوعات عن القيم الحقيقية من وراءها ، فكذلك كل حركة في العالم الغيابي ستكون حركة للسراب ، الذي لا يحس ولا يعي ، فقط يتحرك حسب التوجيه ...

لذلك حركته تلقائية ، حركة الطبيعة الموضوعية تبدو تلقائية ليس لأنها محكومة بقوانين الطبيعة ، فهذه القوانين مصممة لحفظ الحدود التي تمنع بحر الغياب من الطوفان وإغراق الأرواح فيه ، حركة الطبيعة تلقائية وآلية لأنها موجهة فقط ضمن ما يحقق الأوامر التي وجهها الوعي إليها عبر طاقة الحياة.

إن حرف النون يعني تقريباً ما يقصده اليوغي ب"برانا" ، لاحظ أن العامل المشترك في جميع الكلمات العربية التي تحتوي حرف النون هو أنها تعبر عن "حضور طاقة وعي ما" مثل كلمة أنا - أنت - نحن - ناس - جن - نمو - إيمان - نطق ... النون هي التعبير الرمزي عن طاقة الحياة الذاتية .

حين تعبر هذه الطاقة من الذات إلى الوجود ، وتصبح (مرئية) في الخارج ، تتحول من مستوى النون إلى مستوى "النور" ...

إن كلمة برنا تعني بالضبط : إخراج طاقة النور إلى العالم الموضوعي ... وهذا يعني أن طاقة النور أصبحت في الخارج ( برّانية ) وهنا بالضبط نرى اتصال جذور الكلمات العميقة بمعانيها حسب التكوين ، لا حسب اللغات في أعراف البشر وتاريخها ...

{( ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40) )}

عندما تصدر طاقة النور نحو العالم المادي الغيابي ، النتيجة الوحيدة التي يجب عليك توقعها هي أن هذا العالم سوف يتحرّك ... لكن ماذا كان قبل ذلك ؟

لقد كان مجرد خيال ... ليس خيالاً في عقلك أو عقلي ، إنه المستوى الخيالي من الكون ، إنه أكاشا ... تماماً كما أن المهندس يصمم المبنى في ذهنه قبل تحقيقه واقعياً ، كذلك كل أحداث الكون تم تصميمها في مستواه الخيالي قبل أن تتحقق ...


قوة الحياة تفاعلت مع الخيال ، ونتيجة هذا التفاعل هو ولادة الحركة ، كان الكون أشبه ببحر في رقود وظلام أبدي ، وحين سلط الوعي شعاع النور عليه ، حرّكه وجعله ينبض ، وهذه النبضات تجلت في الذبذبات والاهتزازات ... القيم الفيزيائية والرقمية للاهتزازات والذبذبات تصف الغلاف الخارجي لما يحدث حقاً ، إنها تصف نتيجة تفاعل بحر الكون المظلم مع نور الوعي الحيوي ... الذي ولّد حركة الزمن ...
 
التعديل الأخير:
من أين بدأ التاريخ ؟...

المشكلة الكُبرى بدأت حين نسي الناس الحقيقة وانشغلوا بالحركة ، ونسوا بذلك ما هي القصة ، كيف يمكن للطاقة الحيوية أن تُحرّك الأشياء ؟ كيف يتفاعل هذا الوجود وكيف يتولّد هذا الزمن ... الانشغال كان بالمظاهر الخارجية للحركة ، التي هي بحد ذاتها مجرد بحر الكون الخالي الذي تم تحريكه ، أخذوها على محمل الجد كثيراً ، وورثوا ذلك لأبنائهم جيلاً بعد جيل ، يفتقدون الاتصال بالحياة ، ويلتهمهم ظلام الغياب ، لقد نسوا معنى الحياة ومعنى القيم ، لأن وعيهم يركز بالكامل على الصفات الموضوعية للتحركات الكونية ، انشغالهم بالحركة والتحريك ، النار التي أقحموا أنفسهم بها ، ونتيجة لذلك نسوا الحدود بين الحقيقة والخيال وأطلقوا على كل ما يتحرك بثبات صفة الواقع ، وهكذا فقدوا الإحساس بقدرتهم على تغيير الخيال الذي أسموه واقعاً.

نحن نتدارس تاريخاً بعيداً جداً عن الحقيقة للبشر ، نحن نتدارس أن التطور يبدأ من العالم الموضوعي ويتحلى به الكائن الحي ، بالتدريج ، وعبر ملايين العصور ، من نقطة بدائية جداً حتى يصل في النهاية إلى الشعلة ثم الزراعة ثم البناء ثم الوقود ، ثم يأتي عصر الكهرباء ليضعحداً أعلى لما يمكن أن يحققه النوع البشري ... إن كل هذه الرحلة التطورية هي رحلة تقييد للنوع البشري ، كل مرة كان ينسى فيها الكائن جزءً من حقيقته وعالمه الأرواحي المطلق ، كان يعمد إلى تعويض النقص عبر واقعه الموضوعي ، فيبتكر الوسائل والتقنيات ، غياب المحبة اليوم ولد المحبة الإلكترونية ، هذا ليس نجاحاً إنه رسوب .. هذا ليس تطوراً ، هذا انحدار ...

ربما كان الإنسان قديماً فاقداً للتكنولوجيا المعاصرة ، ولكنه ليس بالضرورة يفتقد القيم التي تحاول التكنولوجيا تحقيقها اليوم ، إذا كان الإنسان قوياً فلن يحتاج إلى آلات تجبر عجزه ، إذا كان يقظاً ذهنياً فلن يحتاج إلى حاسوب ، إذا كان حدسياً وحسياً فلن يحتاج إلى انترنت ، بل على العكس ، يمكن له أن يحيا ويوفر كل ما في هذا العصر ، دون أن يفقد شيئاً من ذاتيته ...

ما يجب التركيز عليه ، هو أن التكنولوجيا مجرد ثوب ، والتركيز على الثوب يضيّع إدراك الشخص الذي يرتديه ، إلى الدرجة التي لا يتخيل فيها حياته من دون الثوب ، مع أنه مجرد قطعة إضافية وثانوية ، مع أنه مجرد قماش خاطه الوعي بقوة الحياة ...

الوجود الموضوعي أيضاً له حقيقة ذاتية ، له حياة ... العالم الموضوعي ليس ميتاً بحد ذاتهإنما الصورة الفاصلة بينه وبين الذات الحية هي مجال الموت والغياب والنسيان ، لأن هذه النماذج الخيالية التي تكوّن فضاء العالَم ، تعكس تجلي القيم الإلهية ، هناك هندسة ، هناك حكمة ، هناك علاقات ، وهناك هويات وحدود للأشياء ، وهذه لا تأتي من عدم خالص ... لابد أن جوهر الحياة الذي بعثنا قد بعثها إلى الوجود ، لكن من قوة تملك القدرة على تكوين النماذج الكونية ، وليس فقط على التفاعل معها واستخدامها كما في حالتنا، إنها قوة متحدة بالكون بهيكله وفضائه ... ولكن ، لسبب معين ، نحن منفصلون عن جوهر هذه الأشياء ، نحن محبوسون عن الاتصال بالحقيقة التي ينبعث منها الوجود الموضوعي ، ملايين الأجيال التي ستمر لن تكفي ، والارتقاء بالقوة والقدرات إلى أعلى المتويات لن يكفي ، الحقيقة محجوبة بقفل آخر ، لا يعتمد على القوة ولا على العلوم ، لأن الجنس البشري معتاد على التركيز على الظاهرة والحركة ، فيهمل النظر حتى إلى الكون المتحرّك ، إنه ينظر للكون نظرة لا أخلاقية ، يعتبر الكون مجرد شيء يجب السيطرة عليه بطريقة ما ثم استغلاله للرفاهية الشخصية.

نحن نتطور في اتجاه كلما تطورنا فيه أكثر كلما خسرنا أرواحنا أكثر ، نحن ندفع ضريبة لا تصدق ، من أجل تحريك الظلام والاستفادة من السراب ، والحياة في الزمن الغيابي ، الذي لن تدرك فيه الحقيقة أبداً وليس العيب في الزمن نفسه ، ولكن هذا الزمن لا يمكنه أن يكون غير ما هو عليه ... وكل محاولات السيطرة على العالم ، هي محاولات سخيفة جداً للسيطرة على شيء ، فاقد للقيمة من الأساس.

كل ما في العالم الغيابي ( المتشكل من التفاعل المظلم في حيز الغياب بين الذات والموضوع ) هو مجموعات من الصور وهو غياب وسراب ، وذلك يتجلى ، في أنك لا تستطيع حقاً أن تميز بين روبوت متقن الصنع ، أو (سحر) متقن الصنع وبين إنسان حقيقي له حياة ، لأنك تعتمد على الظاهر والصور ، والظاهر والصور مجرد قالب أجوف في حقيقته ، لا يحركه إلا طاقة الحياة أياً كان مصدرها وأوامر تحريكها ...

ولذلك لابد لك أولاً يا أخي ، أن تتخلى عن رغبة تحقيق شيء في هذا العالم وعبر هذه الصور ، ما لم يكن له قيمة حقيقية ، فصيغته الموضوعية لا تهم ، وما الفائدة من أن تحكم العالم ، بينما لا تحس بوجودك وذاتك التي تحاول إيصالها إلى حكمه ؟

وما القيمة من حياة توجهها النهائي هو "الإنجاز الموضوعي" إذا كان هذا الإنجاز يذيب طاقة الوعي كما يذيب الذئب وعي ضحيته .....
 
التعديل الأخير:
ثمة نقطة أرغب بالتنويه عليها ولو أنها تخرج عن الموضوع قليلاً ... أريد أن أشرح باختصار السبب في طريقة الترجمة التي استخدمتها ( وأستخدمها دائماً ) وهي التركيز المطلق على دقة المعنى ، بحيث أنني قد أترجم الكلمة بعبارة ، وربما أترجم نفس الكلمة بعنيين مختلفين حسب الفقرة ، وفي بعض الأحيان أضيف شروحاً قصيرة خارجة عن النص الأساسي……….
هذا يفسر ما واجهته أثناء ترجمة الجزء الرابع، هذه كانت أول مرة أترجم فيها جزءاً من كتاب.. أردت الوصول إلى ترجمة حرفية، لكي لا يؤثر عدم فعل ذلك على مصداقية المعلومات، وأثناء قراءة الكتاب بالإنجليزية تبدو المعلومات لي بسيطة وواضحة، ولكن بعد ترجمتها للعربية تصبح معقدة، أو حتى ضعيفة. مثلاً، ترجمة كلمة "coiled up” واضحة بالإنجليزية، أصلاً تذكرني بمظهر الcoil بشكل تلقائي، أو بالتيارات الكهربائية، أو حقل مغناطيسي أو بالطاقة.. ولكن عند ترجمتها إلى العربية "ملتفة" تصبح ضعيفة المعنى، ربما كلمة "متراكمة" تكون أقوى ولكن لا تحمل نفس المعنى المقصود..
لذلك أثناء ترجمتي للجزء الخامس، حاولت إعادة صياغة ما رأيته غير واضح، أو ترتيب الفقرات أو المعلومات بشكل آخر، ولهذا الجزء الخامس يبدو أبسط عند قراءته..
 
التعديل الأخير:
هذا يفسر ما واجهته أثناء ترجمة الجزء الرابع، هذه كانت أول مرة أترجم فيها جزءاً من كتاب.. أردت الوصول إلى ترجمة حرفية، لكي لا يؤثر عدم فعل ذلك على مصداقية المعلومات، وأثناء قراءة الكتاب بالإنجليزية تبدو المعلومات لي بسيطة وواضحة، ولكن بعد ترجمتها للعربية تصبح معقدة، أو حتى ضعيفة. مثلاً، ترجمة كلمة "coiled up” واضحة بالإنجليزية، أصلاً تذكرني بمظهر الcoil بشكل تلقائي، أو بالتيارات الكهربائية، أو حقل مغناطيسي أو بالطاقة.. ولكن عند ترجمتها إلى العربية "ملتفة" تصبح ضعيفة المعنى، ربما كلمة "متراكمة" تكون أقوى ولكن لا تحمل نفس المعنى المقصود..
لذلك أثناء ترجمتي للجزء الخامس، حاولت إعادة صياغة ما رأيته غير واضح، أو ترتيب الفقرات أو المعلومات بشكل آخر، ولهذا الجزء الخامس يبدو أبسط عند قراءته..

أُعجبت بطريقة ترجمتك وأحس أنها تتوافق بالضبط مع المرحلة الخاصة بها ...

الدروس الثلاثة الأولى هي التمهيد للراجا يوغا ، القسم الخاص بك هو التدريب والتطبيق العملي ، والنظريات العلمية ، ترجمتك ممتازة وأنيقة وواضحة.

تحياتي وسلام الله ^_^
 
التعديل الأخير:
  • أحببت
التفاعلات: Dana
شكراً لك ^_^
ترجمتك رائعة كذلك، كما وجدت إضافتك للنقد في الدرس الأول مهمة جداً وجميلة.
 
هذا يفسر ما واجهته أثناء ترجمة الجزء الرابع، هذه كانت أول مرة أترجم فيها جزءاً من كتاب.. أردت الوصول إلى ترجمة حرفية، لكي لا يؤثر عدم فعل ذلك على مصداقية المعلومات، وأثناء قراءة الكتاب بالإنجليزية تبدو المعلومات لي بسيطة وواضحة، ولكن بعد ترجمتها للعربية تصبح معقدة، أو حتى ضعيفة. مثلاً،

استغرق مني فهم هذه المسألة وقتاً طويلاً جداً ، والكثير الكثير من المحاولات لترجمة النصوص ، حتى فهمت أن هناك خطأ يتجاوز مسألة اللغة ....

ترجمة كلمة "coiled up” واضحة بالإنجليزية، أصلاً تذكرني بمظهر الcoil بشكل تلقائي، أو بالتيارات الكهربائية، أو حقل مغناطيسي أو بالطاقة.. ولكن عند ترجمتها إلى العربية "ملتفة" تصبح ضعيفة المعنى، ربما كلمة "متراكمة" تكون أقوى ولكن لا تحمل نفس المعنى المقصود..

اسمحي لي أن أبدي ملاحظة : وجود الصعوبات طبيعي ، هذه الكتب ليست سهلة المنال كما تبدو عليه للوهلة الأولى ، إنها أصعب من كتب الفلاسفة ، صحيح أنها لا تتطلب تعليماً مسبقاً ولكنها تتطلب مؤهلات أخرى مثل الإدراك العالي والتأمل والصبر ، وترجمتها من اللغة الإنجليزية إلى العربية عمل يتطلب الكثير من القوة والمهارة.

هذا النوع من التدقيق البلاغي الذي نحاول أنا وأنت الوصول إليه ، لا أحد يفكر بالوصول إليه فعلياً ، أي مترجم سيمر على هذا الحوار بيننا الآن ، سيحس بنوع من الصدمة والدهشة ، لأن هذه الطريقة في التفكير غير مألوفة ( وقد تعتبر وسواسية ).

كتاب "قوة الآن" في النسخة الأصلية ستجدين فرقاً كبيراً مع النسخة العربية ، رغم أن المترجم محترف ، وممتهن للترجمة ... ورغم أن كتاب قوة الآن أبسط بكثير من هذا الكتاب من حيث اللغة و المعنى ، ومع ذلك فإن الأخطاء التي وقع فيها المترجم جعلت المعنى مختلفاً ...

على الجانب الآخر ، هذا النوع من الكتب ترجمته هي نوع من التأمل التركيزي والتدريب الذهني عالي المستوى ، ولذلك تجدين الصعوبة في تحويل الكلام ، لأن هذا يعني أنك "تتأملين بتركيز" Concentrate وهي أصلاً أحد غايات اليوغا الأساسية.

المسألة في هذه الكتب أنها تتطلب تدريب الإدراك من أجل احتراف ترجمتها ، مهما كانت خبرة المترجم عالية ...

إذا انتهيت من ترجمة الدرس الثامن ، خذي استراحة ثم راقبي كيف تحوّل إدراكك إلى مستوى أعلى .. وتذكريني ^_^

ستجدين أيضاً أن إدراكك سيرتفع في كل مرة تترجمين فيها مثل هذه الكتب ، حتى مجرد الترجمة ستفعل فعلها في النفس والذهن ...
 
  • رائـع
التفاعلات: Dana

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

مواضيع مشابهة

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى