هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

القوة في الوجود || الراجا يوغا - الدرس الأول [1] || سوامي فيفيكاناندا

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
599
مستوى التفاعل
1,059
الموقع الالكتروني
alkynilogy.blogspot.com

اليوغا وعلم القوّة الحيوية ...


1712874046845.png


إن أرواح المحاربين لا تكتمل إلا بعد الوصول إلى مقام القوّة الإلهية وتجلي قوة الله الحقيقية في كينوناتهم.

لا يمكن أن يؤمن الروح المحارب بحياة غرضها الوحيد هو الوصول إلى "حالة سلام" أو "صفاء ذهني" أو "تحقيق سعادة" ، بل هذه الحياة بالنسبة للمحاربين هي ما تعنيه كلمة الجحيم. ، الفلسفات التي تنادي بالتسامح والمحبة والتواضع تبدو أقفاصاً عبثية مزعجة بالنسبة لهم.

وما يجعل روح المحاربين تسعى إلى كسر هذه الزنزانة العقلية الأخلاقية ليس عدم التواضع ولا عدم المحبة ، ولكن الرغبة بتجاوز الاعتبارات التي لا داعي لها ، وتجاوز حالة الخوف والضعف وهي المبعث الوحيد على الحيطة الزائدة والحذر الذي لا لزوم له ، والحسابات العقلية التي تعوزها القوة القلبية.

روح المحارب قد تتجلى في شخص محارب ، مقاتل ، زعيم ، مصلح ، نبي أو رسول أو غير ذلك ...

روح المحارب تصنف على أنها "نارية" ومع ذلك فهذا ليس ما يميز المحاربين ، ولكن الأعمق من ذلك هو نزعة التضحية بالأنا الاجتماعية وحتى الكونية ، من أجل كشف الحقيقة المطلقة ، وهذا يجعل غضب المحاربين الحقيقي مخيفاً حتى لأسياد الظلام.

الأرواح ذات الرغبات المشتعلة لن تحيا في زنزانة الحياة الأرضية ، إذا اتبعت منطق الأرض ستموت ببطئ وبطريقة مشوهة وفقيرة.

الحياة الصعبة والشاقة من أجل هدف أسمى وغاية أعلى ، تدركها الروح وحدها دون العقل والجسد والآخرين ، من مجرد الحصول على "حالة مؤقتة من الرضى" ذلك هو هدف الروح الوحيد الحقيقي.

حالة الرضى محققة دائماً ، هي مجرد لحظة تقرر فيها الاستسلام النهائي للواقع ، مهما كان مؤلماً أو مظلماً مع أنك قد تستطيع التغيير. إن مشكلة الاستسلام هي أنه فعل عبثي الدوافع ، ليس له فائدة إلا إزالة الألم ، وليس ضرورياً لو تم بذل بعض الجهد والصبر بطريق حكيم. ، ما يسمى بـ "التصالح مع الواقع" لا يمكن أن يكون غاية الحياة ولا يمكن أن يخدمها، الفكرة الأساسية في مسألة غاية الحياة هي أن تكون رغبتك التي تدفعك للحياة أهم من كل المعايير الأخرى ، لأن غياب الرغبة بالحياة يجعل وجودها مساوياً لعدمها ، وبالتالي لا أهم من خدمة رغبتك الحيوية ، حتى ولو ت كانت تعني تمردك على نظام الكون.

وعندما ترفض الواقع بشدة فتأكد دائماً أن هناك شيئاً أكبر من العناد ، هنالك مبدأ كوني في أعماق كيانك هو الذي يقودك لهذا الرفض.

إن دفع "إرادة القوة" نحو أقصى الحدود ، وطلب الوصول إلى التحكم والقوة المطلقة ، هو طلب لرفع مستوى الوعي بالوجود بالدرجة الأولى ، لأن الذي يتحكم هو الوعي ، وليس الأنا ، وإلا فلا يهم مدى صلاحياتك الكونية ، لأنك ستكون عبداً للأنا ولدوافع اللاشعور.

طلب القوة المُطلقة سيؤدي إلى نفس الخاتمة التي ستصل إليها في رحلتك عندما تطلب المحبة المطلقة ، أو تطلب قيمة الحياة ومعناها ، إنه التحلي بأخلاق عظيمة ذاتية الوجود، الكشف عن الذهب الروحي في الكيان.

القوة والأخلاق ليسا متلازمين ، وليسا منفصلين ، إنهما تعبيران مختلفان عن حقيقة جوهرية واحدة ، قيمة واحدة تتجلى موضوعياً بالقوة أو بالأخلاق حسب مقام الحال ، دافع واحد يجعلك قوياً ويجعلك خلوقاً ، وعي واحد يمكنه أن يحقق القوة أو الأخلاق في العالم الموضوعي. عندما يعبر الوعي الحقيقي عن نفسه في مجال الفاعلية يبدو "قوّة" وعندما يعبّر عن نفسه في مجال القرار يتجلى كأخلاق ، ولكن الجوهر لكلا الحالتين ، هو "الدافع الحيوي القيمي" المتعالي على رغبات العقل والجسد، العميق جداً والقادر على تغيير العالم من جذوره من أجل محبة مطلقة وعطاء بلا حدود.

يستحيل على المتواضعين أخلاقياً أن يصلوا للقوة الإلهية الحقيقية في جوهر الروح، وإن الذي يمكنه أن يتحلى بخلق عظيم لابد أن يؤدي معه هذا الخُلق إلى تجلي قوة عظيمة.

اليوغا والقوة الحيوية

التصور العالمي لليوغا يحاول إقناع الإنسان أنها علم يبحث في : صفاء الذهن ، تحقيق التصالح مع الذات ، رفع مستوى السعادة ، التخلص من القلق ومن ضغوط الحياة اليومية ، التخلص من الصداع والدوار والهذيان ، وبعض الرتوش الأخرى وهي جميعاً حسنة جداً ومهمة ، ولكنها بعيدة جداً إلى حد الخيال عن ما تعنيه اليوغا حقاً ، فاليوغا هي علم قوة الروح ، واليوغي هو أقوى بني البشر على الإطلاق.

اليوغا علم يختلف جذرياً عن التصور الساذج السالف ذكره بخصوص العيش بسلام وطمأنينة ، إن حقيقتها وفق ما بين أيدينا من السجلات المقدسة هو أنها "علم القوة الحيوية" بصغيته الأقدم والأكثر صرامة ودقة. ليست "علم الاستسلام والسلام الداخلي" ، إن معنى السلام الداخلي في اليوغا ، وكذلك معنى الطمأنينة والبهجة المتحققة من تمارين اليوغا وتعلّمها متصل بمعنى "غاية الحياة وقوة الروح" والسلام الداخلي لا يتحقق إلا بتجاوز التحدي نفسياً وموضوعياً، تنبعث اليوغا من ينابيع إدراك الذات للقوة العظيمة في كائنيتها، وأنها ليست أدنى من الواقع ، بل إنها أقوى ، ويمكنها الخلاص من أشد الظروف الخارجية وحشة وظلاماً.

هذه محاضرات قام بإلقائها اليوغي سوامي فيكيناندا في أمريكا ، جمعت في كتاب اسمه "الراجا يوغا" وتقدم خلاصات وأسراراً مهمة جداً في هذا المجال.

الراجا يوغا : استهلال

العلم والاختبار الإدراكي



تنطلق جميع العلوم البشرية من منطلق الاختبار الإدراكي .. وما يسمى "الاستدلال Inferential " و" المعرفة الاستدلالية Inferential Knowledge " التي تبدأ من الحكم الجزئي إلى الحكم الكلي ( التعميم - الاستقراء ) ، أو من القاعدة الكلية إلى الحالة المحددة ( التحليل - الاستنباط ) ، تبدأ من الاختبار الإدراكي .. يتم اختبار قواعد الاستدلال وهيكله في العقل.

"العلوم المضبوطة" The exact Sciences يجد الناس فيها أي واقعة محددة ، لأنها تسمح باختبار المعطيات particular Experientمن قبل أي فرد بشري يطبق نفس الطرق والشروط.

إن الباحث في علوم الطبيعة لا يريد من الآخرين الاعتقاد بأي شيء ، لكن لديه نتائج محددة جاءت من اختباراته الشخصية. واعتماداً على هذه الاختبارات، يعلل تصديق نتائجه، فإن منهجه العلمي يتوافق ضمنياً مع مبدأ "كونية العلم" للإنسان :

أي إدراك علمي أو تحصيل معرفي له ذات التكوين عند كافة الناس .. ولذلك يستطيع جميع الناس الاتفاق في نفس الوقت على نتائج ومعطيات موضوعية ، فهم يمرون بنفس المعنى الإدراكي عند اختبارهم الاتصال بهذه المعطيات.

طريقة الرصد وإمكانيته، الأحكام المنطقية التي يمكن بناؤها عن وقائع محددة في الكون أو مفاهيم محددة عن الوجود، كلها تنبع من "واحدية الإدراك" وكوينة طبيعتهالتي لا تعتمد على اختيارات الناس ، بل على نظام التكوين الذي يحكم كينونة الإنسان.

قد يختلف الناس التطبيق ، ولكن النظام المعرفي بحد ذاته واحد، ولذلك هناك معاني محددة تأخذها الكلمات والرموز ، لأن الذي يجعل الناس متفقين هو مرورهم بنفس الحالة العلمية - المعرفية ، لأنها مصممة تصميماً كونياً ليس لإرادتهم يد في تحديده. أي كائن يحقق نفس الشروط الكونية المسبقة لجهاز الإدراك الخاص بالإنسان سيمر بنفس الحالة الإدراكية لكل أفراد النوع البشري.
مبدأ "كونية العلم والإدراك" يعني أن "الحالة الأولية الخالصة" للعلم والإدراك ما قبل الاحتكام إلى النماذج المعرفية هي المرجع النهائي للعلم ، ليس بالنسبة لفرد واحد ، بل لكل وعي يتقمص الوجود الإنساني. لكي يحكم الإنسان على المعطيات المعرفية ويقيّمها تقييماً حقيقياً لابد أن يعود إلى مستوى "الإدراك الأولي الخالص".
الحقيقة أو الخطأ في النتائج يعتمد على وحدوية حالة العلم والإدراك ، المرجع الذي يحدد طبيعة حالة العلم والإدراك وتقييم المعرفة هو الكون ، وليس الإنسان. التكوين الذي يشكّل هيكل الإنسان هو ما يحدد طريقة معرفته للعالم، لا يوجد فروق فردية في "مبدأ العلم" طالما أن الذي يعلم يحقق الشروط نفسها. لو كان هناك فروق في طبيعة إدراك المعلومات بين الناس على نحو مبدئي، فهذا يعني أن المرجع التكويني للإدراك هو ما يختلف، وحينها لن يستطيع أحد أن يطلب من الآخرين تصديق نفس نتائجه أو فهمها ، بما فيهم عالم الطبيعيات.
الخلل في المعرفة الدينية والتراثية


الآن .. السؤال الذي يطرح نفسه : هل هناك دين له مثل هذه الأسس الكونية للعلم ، الموجودة في العلوم الطبيعية ، أم لا ؟

_ هل إدراك معطيات وعلوم الدين يعتمد على مرجع موحد لدى جميع البشر ، مرجع يبدأ من حالة الوعي الخالص والإدراك المباشر ولا يتطلّب شروطاً وضعية او إضافية ؟

يَحسنُ بي أن أجيب على هذا السؤال بكل من الإيجاب والسلب..

الدين كما يفهمه الجميع عبر العالم، نظام عقائدي مؤسَّس على (الإيمان والوثوقية) ، يتكون غالباً من مجموعة متنوعة من النظريات الذهنية ، وهذا ما يجعلك تجد كل هذه الأديان حول العالم ، تبدأ من القبول الإجمالي الوثوقي "مبدأ الوثوق بالمصدر".

سيقول أحد الناس : هناك كائن عظيم يُقيم فوق السحاب ، ويحكم الكون كُله ... وسيطلب هذا الإنسان من الآخرين الاعتقاد بذلك، معوّلاً على استخدام سلطة الوثوق الذهني Authority of Assertion، وبنفس الطريقة، قد يكون عندي أفكار شخصية ، أطالب الآخرين أن يؤمنوا بها، وإذا طلبوا تعليلاً .. لا يمكن أن أفيدهم بأي شيء.

هذا هو ما يجعل الأديان والفلسفات العقلية الميتافيزيقية مرتبطة بالسمعة السيئة في هذه الأوقات.لأن كل إنسان متعلم سيقول : أوه !! هذا الدين محض حُزمة من النظريات العقلية .. يترك الآخرين أمامه بلا أي وسيلة للتحقق من صدقها ، كل إنسان يمكن أن يعظ بأفكاره التي يهواها ..

لكن وبنفس الوقت .. يَحسُن أن أخبرك أيضاً ، هناك حقاً مبدأً كوني وراء هذا الوثوق الديني، إنه مصدر كل هذه النظريات المختلفة، والأفكار المتفرعة في جميع الأنظمة الدينية التي يعرفها البشر ، وفي كافة الأقطار.

عند التحري عن قاعدة تكوين الدين ، ستجد أن الأديان تتأسس أيضاً على نحو "تجريبي إدراكي" و على مبدأ "كونية العلم والإدراك" بوصفه مبدأ العلم الأساسي.

وفي محطة البداية ، أريد منك أن تحلل - إجماليا – كافة عناصر تكوين الأديان المتنوعة حول العالم. ستجد أولاً أن الأديان يمكن تصنيفها في طائفتين : أديان الكتب المقدسة، وأديان دون كتب مقدسة .

الأديان ذات الكتب المقدسة : هي الأقوى وذات العدد الأكبر من الأتباع. الأديان غير ذات الکتب المقدسة ، غالباً تموت في الأنواء ، وبعض الأديان الحديثة منها لا تزال تحتفظ بعدد صغير جداً من الأتباع. ثمة إجماع عند أتباع كل دين على رأي واحد : الحقيقة التي يعلمونها هي نتيجة "اختبارات" حدثت مع أشخاص محددين.

المسيحي سيطلب منك الاعتقاد بدينه : الإيمان بالمسيح، الوثوق بأنه تجسد الله Incarnation of God، والوثوق بوجود إله، وبوجود روح، ووجود مستوى سماوي من تلك الروح، وإذا جادلته قليلاً ، سيقول : "لا، إنه إيماني!" لكن إذا عُدت إلى المصدر الأساسي للمسيحية ستجد أنها مبنية على "تجربة روحية" : المسيح قال أنه رأى الله ، الحواريين قالوا أنهم أحسوا بالله ، والكثير من ذلك ... بنفس الطريقة : في البوذية كانت هناك تجربة بوذا ، لقد جرب ، اختبر (كشف) معاني حقيقية، اتصل بها، وبلّغها للعالم، كذلك في الهندوسية في كتبهم كان الكتبة ، الذين يسمون بالحكماء Rishis يعلنون أنهم يختبرون حقائق معينة وهي التي يبلغون الناس عنها بكتبهم ... هكذا يكون جلياً أن كل دين في العالم تأسس على منطلقات كونية قوية جداً وواحدية في كافة معارفنا "الاختبار الإدراكي المباشر".

بالنسبة للمسيح ، بوذا ، الريشي ، الدين هو اختبار إدراكي روحي يصل الذات الواعية مع الوجود المتعالي ، وبناء على الحقائق التي تكشفها الذات تتبنى رؤية دينية للعالم ، بالنسبة للأتباع ، الدين هو "نثل متوارث" لنتائج التجارب الروحية للمؤسسين ، "وثوق مطلق" بهذه النتائج ، وتعويل مطلق على صحّة مضامينها العملية.

كافّة المعلمين يدركون حضور الله ، إنهم جميعاً يدركون أرواحهم ، إنهم جميعاً يدركون خلودهم ، يستبصرون مستقبلهم، وكل ما يدركونه ينقلونه What they Saw they preached .

جوهرية الاختلاف بين التجربة الدينية والنقل الديني هي هذه فقط : أنه في أغلب هذه الأديان ، خاصة التي نشأت في الوقت الحديث (بعد الميلاد) ، هناك مُطالبة شاذّة تقدم إلينا ، هذه المطالبة : تصديق أن هذا النوع من الاختبارات الإدراكية الروحية مستحيل في الوقت الحاضر.. إنها ممكنة فقط مع قِلة من الأشخاص، هم كانوا المؤسسين الأوائل للأديان التي تأخذ أسماءهم في الزمن الحاضر، هذه الاختبارات التي مروا بها أصبحت اليوم مستحيلة ، ولذلك علينا الآن أخذ الأديان على نحو الوثوق بالمصدر التاريخ _ المنقطع عن إدراكنا المباشر_ وهذا ما أرفضه كلياً .

إذا وُجدت حالة علمية واحدة لمكاشفة أو اختبار حقيقة ما في هذا العالم - في أي مجال من المعرفة - لا شك أن هذا الاختبار كان متاحاً بلا نهاية من المرات ، في الأوقات التي سبقت ذلك ، ويمكن أن يتكرر بلا نهاية إلى يوم الدين.

الواحديّة في التكوين هي ناموس الوجود المطلق ، كل ما حدث وقع ذات يوم بمكن أن يحدث دائماً بنفس الطريقة _ الأمر لا يعتمد على الزمن الخارجي_. لذلك .. المعلمون في أنظمة اليوغا يوجهون التلاميذ إلى أن الأديان لا تعتمد فقط على التجارب الروحية التي حدثت في غابر الأيام ( الوحي ) ، لكن ولا إنسان يمكنه أن ينتمي حقاً إلى الدين ، حتى يمر بذات الاختبارات الروحية الخاصة بدينه.

لا يجوز الحديث عن الدين قبل أن يُمكن الإحساس بعانيه. لماذا هناك الكثير من الشغب والقتال والنزاع تحت اسم "الله" ؟! هناك دماء أُریقت تحت اسم الله أكثر من أي سبب آخر، والتعليل الحقيقي، أن أولائك الناس _المتدينين_ لم يصلوا أبداً إلى المصدر الحقيقي للدين، إنهم يستمرون بالتديّن فقط ليتحقق التوافق عقلياً بينهم وبين نماذج آبائهم السالفين، ويريدون من الآخرين فعل نفس الشيء.

ما الصواب في أن يُعلن الإنسان أن لديه روحاً إذا كان لا يحسها ؟ أو أن يقول هناك إلهاً إذا لم يكن يدرك حضوره ؟ إذا هناك إله فلا بد أن ندرك حضوره ، إذا هناك روح فلا يمكن أن لا ندركها ... بطريقة أخرى : الأفضل أن لا نعتقد ونثق .. "الأفضل" أن تكون ملحدين متشككين لكن صادقين Outspoken من أن نكون منافقين Hypocrite.

الرؤية الحداثية عند "المتعلمين" في الكف الأول: الدين والميتافيزيقا وكل البحوث عن "كائن خارق" عقيمة . وفي الكف الآخر هناك "أنصاف المتعلمين" الذين يروجون أن هذه الموضوعات ليس لها أساس حقيقي، وأن قيمتها الوحيدة هي أنها توفّر دوافع قوية جداً لفعل الخير من أجل العالم. إذا آمن الناس بالإله، ربما يصبحون جيدين، وأخلاقيين، ولذا ستتكون حضارة جيدة. لا يمكن أن نلوم هؤلاء الناس على اعتناق هذا النوع من التفكير ، حيث أن كل تعاليمهم التي حصلوا عليها الناس هي ببساطة معتقدات من اللغو المنظوم اللانهائي من الكلمات ، من دون أي حقيقة وجودية ورائها. إنهم يطلبون الحياة على الكلمات ، هل يمكنهم فعلها ؟ إذا تمكنوا من ذلك ، حتماً ليس لدي أدنى انتماء للطبيعة الإنسانية.

الشك المنهجي الحيوي :



الإنسان يريد الحقيقة ... يريد كشف الحقيقة بنفسه .. اختبارها إدراكياً .. الإحساس بها بقلبه من بين كل القلوب ... ولذلك ... كما تُعرفنا الفيدا : "وحيداً كل الشكوك تزول ... كل الظلام يتلاشى ، كل الانحرافات تستقيم. طفلي ... يا طفل المطلق .. حتى أنتم يا أيها الذين يحيون في المجالات العليا للوجود . الطريق موجود هناك خارج كل هذا الظلام ، إنه بإدراكه هو .. الذي وراء كل الظلام يكون .. ولا طريق آخر."

علم الراجا يوغا يطالب بتحديد منهج تطبيقي علمي تدريبي worked out لمن يرغب بالوصول إلى تلك الحقيقة المقدسة، في المقام الأول كل علم يمتلك منهجية خاصة في التحقق.

المنهجية :


إذا كنت تريد أن تصبح فلكياً وجلست تبكي " أسترونومي ا استرونومي ! " فلن يأتي إليك ، نفس الأمر مع الكيمياء، هناك منهج معيّن لابد من اتباعه .. يجب أن تذهب إلى المختبر ، تأخذ عينات من مواد مختلفة ، تدمجهم ، تفصلهم ، تجرب بهم ، والخارج من ذلك كله هو المعرفة التي تكسبها عن الكيمياء، إذا أردت أن تصبح فلكياً، يجب أن تذهب إلى المرصد ، تمسك تبليسكوباً وتدرس النجوم والكواكب، وبعدها ستصبح فلكياً، كل علم له منهجه الخاص.

أستطيع إعطائك آلاف المواعظ Sermons ولكنها لن تجعلك متديناً قبل أن تطبق منهج التدين أولاً.

هذه هي أسرار الحكماء في كل البلاد، في كل العصور .. أولائك الأنقياء غير الأنانيين، الذين ليس لديهم دافع إلا الاحسان للعالم. كلهم أبلغونا عن أنهم وجدوا مستوىً للحقيقة أعلى من الذي تستطيع الحواس تحقيق اتصال معه، وتحدوا مجال إثبات ذلك.

إنهم يقولون لك : خذ المنهج وتدرّب بقداسة ، ثم إذا لم تجد تلك الحقيقة العليا فحينها يحق لك القول : ليس هناك حقيقة من الدعوة !" لكن قبل أن تفعل ذلك، رفضك لهذه التعاليم لن يكون فعلاً حكيماً.

لذلك ، يجب العمل بأمانة ، واستخدام هذا المنهج المحدد ، والنور سيأتي ..

الإدراك المتعالي ( الاستبطان ) :


في كسب المعارف نستخدم "التعميم Generalisation " ، والتعميم مبني على الملاحظة. في البداية نرصد وقائع محددة Facts ، ثمّ نعممها Generalise ، وبعد ذلك نرسم نتائجنا ومبادئنا ، معرفة العقل ، الطبيعة الداخلية للإنسان ، الفكر ... لا يمكن إدراكها ، حتى نمتلك القدرة على ملاحظة الوقائع التي تجري في الداخل.

سهل جداً أن تلاحظ المعطيات الموجودة في العالم الخارجي ، آلاف مؤلفة من الأدوات تم ابتكارها من أجل رصد كل مفردة في الطبيعة ، لكن في العالم الداخلي ، نحن لا نجد أي أداة تساعدنا على كشف حقيقة واحدة عنه.

المنطلق في العلم ، هو أن تلاحظ ( تدرك / ترصد ) من أجل الوصول إلى علم حق. من دون تحليل مناسب ، أي علم سيكون مخيباً للأمل ، مجرد تنظیر . هذا هو السبب أن كل السايكولوجين يتنازعون أمرهم بينهم منذ بداية الزمن. إلا أولئك القلة الذين وجدوا أدوات الملاحظة.

علم الراجا يوغا في المقام الأول ، يريد إعطاء الناس هذه الأداة المناسبة من أجل إدراك المستويات الباطنية، وهذه الأداة هي "الوعي" نفسه. قوة الانتباه الواعي، حين توجه على نحو مناسب ، مباشرة باتجاه العالم الباطني ، فستقوم بتحليل الوعي ، وإضاءة الحقائق لنا.

قوة الوعي تماثل أشعة طيف الضياء المتناثرة ، حين يتحدون حضورياً يضيئون كل شيء، هذا هو المصدر الوحيد للعلم الذي لدينا.

كل شخص يستخدمه، في كل من العالمين الباطني والظاهري ، لكن بالنسبة للسايكولوجيين، لحظة الإدراك حين يتمكن رجل العلم من العبور من العالم الظاهري، يجب أن توصله إلى العالم الباطني ... وهذا يتطلب قدراً عظيماً من التدريب.

منذ طفولتنا فصاعداً تعلّمنا إعطاء الانتباه للأشياء الظاهرية فقط، لم نتعلم أبداً توجيه الانتباه للأمور الباطنية ، والأغلبية خسروا تقنيات ملكة الإدراك الباطني "الاستبطان" .

توجيه الوعي، كما هو أصلاً، إلى المستوى الباطني للوجود، إيقافه من التزحزح نحو الظاهر ، وحَزم كامل قواه وتوجيهها نحو الوعي نفسه ، نموذجياً ، أن يعلم الوعي وجوده الذاتي، أن يحلل ذاته، ربما عمل صعب جداً. ومع ذلك فإنها الطريقة الوحيدة للوصول إلى أي أمر يمكن أن يكون علمياً عن هذا الموضوع.


ما منافع هذا العلم ؟


في المقام الأول : هذا العلم هو أعلى مكافأة للعلم..

في المقام الثاني هناك منافع موضوعية أيضاً فيه .

هذا العلم سيزيل كل المآسي ، عند إدراك حضور الوعي الذاتي ، يقف المرء وجهاً لوجه أمام حقيقته ، كما يجب أصلاً ، مدركاً كياناً غير قابل للهلاك، وجوداً ما ، طبيعته الذاتية هي الخلود، طهارة، التكامل ، فإن من يدرك ذلك لن يكون عُرضة للأسى بعد. لن يكون غير سعيد .

كل المآسي تأتي من الخوف، ومن الرغبات الغير مشبعة. حين يعلم المرء أنه لن يفنى بالموت ، لن يخاف بعدها من الموت.. وحين يعلم أنه كامل ذاتياً، لن تستحوذ عليه الرغبات الوهمية. كل من هذين العلّتين يؤديان إلى غياب الكيان ( ذوبان وعيه وهذا هو الموت الحقيقي ). لن يكون هناك معاناة بعدها ، سيكون هناك مباركة إلهية كاملة ، حتى وأنت في هذا الجسد.

التأمل الحضوري :


هناك منهج واحد فقط يمكن من خلاله الوصول إلى هذا العلم وهو ( التأمّل الحضوري Concentration ).

يوجه الكيميائي في مختبره يستحضر كامل طاقات وعيه إلى مركز واحد، ويبعث قوى وعيه على المواد التي يحللها ، وهكذا يكشف أسرارها. الفلكي يحضر كل طاقات وعيه ويطلقها عبر تيليسكوبه نحو السماوات الفلكية، والنجوم ، الشمس ، والقمر، فتعطيه أسرارها.

كلّما استطعت استدعاء قوّة الفكر خاصتي إلى الموضوع الذي أحدثك عنه ، ضوء أكثر يمكنني أن أطلقه عليه.

أنت تستمع إلي ، وكلما استدعيت فكرك نحو كلماتي كلما أدركتَ على نحو أوضح ما أريد قوله.

كيف أكتسب كل هذا العلم حول العالم فقط من خلال استدعاء قوى الوعي ( التأمّل الحضوري ) ؟

الوجود مستعد ليعطي أسراره لمن يعرف كيف يقرع الباب ( كيف يدعو دعوة الحق ). كيف تعطيه النقرة اللازمة ، وشدة التأثير وقوته يأتيان عبر الاستدعاء ( التركيز الحضوري ) (Concentration) . ليس هناك قيد على قوة الوعي البشري ، كلما كان الاستحضار أقوى ، كلما كانت القوة موجة نحو مركز واحد وذلك هو السر.

يسهل استدعاء الوعي إلى الأشياء الخارجية ، الوعي بطبيعته ينزع نحو "الخارجي Outwards " . لكن في مسألة الدين ، أو علم النفس ، أو الميتافيزيقا ، الذات المدركة والموضوع المدرك هما واحد. الموضوع باطني Internal ، الوعي بذاته هو الموضوع ، وذلك لازم من أجل دراسة الوعي نفسه ، الوعي هو الذي يدرس الوعي.

نعلم أن هناك قدرة إدراكية تسمى " العاكس Reflective" : أتحدث إليك ، وبنفس الوقت أقف جانباً ، كما في الأصل، كشخص ثاني ، أعلم وأسمع ما أتحدث عنه. تعمل وتفكر في الوقت نفسه ، ومجال آخر من وعيك يقف ويرى ما الذي تفكر به. القوى التي في العقل يجب أن تستحضر وتوجه نحو ذاتها.

نور الحقيقة :



كما كل الأماكن المظلمة تكشف أسرارها أمام اختراق أشعة الشمس ، كذلك أضعة حضور الوعي تسبر أغوار أسرارها الخاصة ، هكذا نصل إلى منطلق الإيمان ، إلى القاعدة الحقيقية للدين. سوف تدرك بنفسك ما إذا كان في القلوب أرواح ، هل الحياة 5 دقائق أو خلود ، هل هناك ربٌّ لهذا الكون أم لا .. كله سيكون مكشوفاً لك ... هذا ما تدعوا الراجا يوغا إلى تعلمه.\

الغاية من كل تعاليمها هي "كيف يمكن استحضار الوعي"، ثم كيف يمكن كشف الحقائق في الوعي ، ثم كيف يمكن تعميم هذه الحقائق وبناء نموذج علمي منها.

وهي لذلك لا تسأل " ما هو دينك " سواء کنا ربوبيين أو ملحدین، مسيحيين، يهوديين أو بوذيين : كل منا له وجود إنساني كوني ، وهذا كافي. كل كائن إنساني لديه الحق والقوة للسعي نحو دين ، كل كائن إنساني لديه الحق ليسأل عن العِلّة "لماذا" ، وليصل إلى جواب سؤاله بنفسه إذا هو تحمل عناء السير فحسب.....

إجراءات الراجا يوغا وتأهيل الجسد :


لأبعد الحدود ندرك أن دراسة الراجا يوغا لا تتطلّب إعتقاداً أو وثوقاً ضرورياً. الوثوق لا قيمة له حتى تصل إليه بنفسك. ذلك هو ما تعلمه لنا . الحقيقة تتطلب عدم الافتراض لكي تستقيم ... هل تعتقد أن الوقائع التي نبصرها في مرحلة يقظتنا تتطلب أي أحلام أو هلاوس لإتباتها ؟ بالتأكيد لا .

دراسة الراجا يوغا تأخذ وقتاً طويلاً وتدريباً دائماً . حقل من هذا التدريب فيزيائي، لكن الحقل الرئيسي نفسي ، وحين نتبصّر أعمق سنجد كيف يتصل العقل الواعي زمنياً Intimately مع الجسد.

إذا اعتقدنا ببساطة أن العقل الشعوري هو المستوى الألطف والأكثر شفافية من كينونة الجسد ، وأنه يمارس التأثير عليه، الجسد سيؤثّر على العقل الشعوري بنفس الطريقة. إذا مرض الجسد ، مستوى الشعور سيمرض أيضاً. إذاً كان الجسد سليماً فمستوى الشعور سيكون سليماً وقوياً . وحين يكون الجسد غاضباً ( متأثراً بانفعال فيزيولوجي ) فالشعور سيكون مشوشاً، وبنفس الوقت ، عندما يكون الشعور متذبذباً ، فالجسد سيكون متذبذباً أيضاً.

الوعي عند السواد الأكبر في النوع الإنساني ، بالكامل تحت سلطة تأثيرات الجسد. العقل الشعوري متطور على نحو ضئيل، القسم الأكبر من الإنسانية، مع المعذرة ، بالكاد يمكن تفريقه عن الحيوانات، ليس ذلك فحسب، لكن في كثير من الأمثلة تكون قوة التحكم الذاتي بالكاد أزيَد قليلاً عن مراتب الحيوانات الدنيا.

التحكّم الذاتي في النوع الإنساني متدني جداً ، ومن أجل ذلك التحكم ، وللوصول إلى تحكم بالجسد والعقل الشعوري، نحتاج إلى استخدام إجراءات فيزيائية معينة، وعندما يصبح الجسد تحت السيطرة ، نستطيع محاولة إدارة العقل الشعوري ، بإدارة العقل الشعوري نصبح قادرين على جعله تحت تحكمنا ، يعمل كما نريد ، وجعله يستحضر قواه كما نرغب.

الظاهر والباطن عن الوجود :


وفق الراجا يوغا ، كل هذا العالم هو فقط نموذج ظاهري Grass form ينبعث من المجال الباطني أو الخالص Subtle .

اللطيف هو العلّة دائماً ، والمجال الوجودي الظاهري Grosser هو تأثيرها.

لذلك ، الوجود الظاهر هو الأثر "النتيجة"، والوجود الباطني هو المؤثر "العلّة" Cause. وبنفس الطريقة ، القوى المنظورة ( الفيزيائية ) هي ببساطة هي المستوى الظاهر ، من المحالات الأعمق وهي القوى الباطنية ( النفسية ).

من يكتشف ويتعلم كيف يتحكم بالقوى الباطنية سوف يصل إلى جعل كامل ظواهر الطبيعة تحت يديه.

غاية اليوغا الحقيقية :



يعاهد اليوغي نفسه : لا هدف أقل من التحكم الكامل بالكون ، التحكم الكامل بالطبيعة ، إنه يريد الوصول إلى النقطة التي تصبح فيها ما نسميه ( قوانين الطبيعة ) ليس لها تأثير عليه ، عندما يستطيع الوصول وراءهم جميعاً. ... سيتحكم بكامل الطبيعة الباطنيةً والظاهريةً ، إن التقدم والحضارة في النوع البشري هي ببساطة التحكم بالطبيعة.

الأجناس المتنوعة مختلفة في أهدافها. وكذلك هو الحال في المجتمع نفسه، بعض الأفراد يسعون للسيطرة على الطبيعية الخارجية، والآخرون يريدون السيطرة على الطبيعة الداخلية . كذلك بعض الأعراق يريدون السيطرة على الوجود الظاهري والأعراق الأخرى يحاولون السيطرة على الوجود الباطني، البعض يقولون : بالتحكم بالوجود الباطني سنتحكم بكل شيء ، الآخرون يقولون : بالتحكم بالطبيعة الظاهرية نحن سنتحكم بكل شيء.. إلى الحد الأقصى كلاهما على حق ، لأنه لا فرق جوهري ما بين الوجود الباطني والظاهري، إنه "قيد وهمي Fictitious limitation " ليس له وجود.

كلاهما يتجه إلى الالتقاء مع نفس المحطة ، الظاهريون والباطنيون ، عندما يصل كل منهما إلى أقصى مجاله المعرفي. مثل الفيزيائي بالضبط ، حين يدفع علومه نحو حدودها القصوى ، يجد أنها تستحيل إلى الميتافيزياء ، لذلك يكشف الميتافيزيائي أن ما يسميه "الوعي" و "المادة" هما مجرد اتجاهان تعبيريّان Aparent distinctionne ، واللذان يمران بصيرورة أبدية.

الكمال والغاية من كل العلوم هو الكشف عن الوحدة الجوهرية ، ذلك الواحد الذي انبعثت منه كل هذه التجليات .. ذلك الواحد الذي يتجلى بالكثرة. الراجا يوغا تهدف إلى الانطلاق من العالم الباطني، ودراسة الطبيعة الباطنية، ومن خلال ذلك الوصول إلى التحكم بكل شيء .. سواء باطني أو ظاهري .....

لمحة تاريخية – اليوغا في القديم والحديث :


إنه محاولة قديمة جداً، كانت الهند معقلها الأصلي، لكن هناك أيضاً محاولات في كل الأمم. في البلاد الغربية كانت تعتبر "غموضاً Misticisan "، الناس الذين أرادوا تعلّمها إما أن يُحرقوا أو يقتلوا ، مثل الساحرات Witches والعرافات Sorcerers .

في الهند ، للعديد من الأسباب ، وقعت هذه المعرفة في أيادي أولئك الذين دمروا 90% من سجلاتها، وحاولوا صنع "سر عظيم محظور" من ذلك الجزء الذي بقي من السجلات . في العصور الحديثة، الكثير من الذين يسمونهم "معلمين" صنعوا سوءً أكبر من الذي فعله المؤتمنون القديمون في الهند. لأن الأخيرين ، على الأقل يَعلمون شيئاً ما ، لكن هؤلاء المُفسّرون الحداثيون لا يعلمون أي شيء على الإطلاق.

إن أي شيء محجوب بستار الغموض والكهانة يجب أن تتم إزالته ورفضه فوراً من منظومات اليوغا . إن أفضل مرشد حكيم للحياة هو القوّة ... في الدين ، كما في كل مجال آخر، ارفض أي شيء يؤدي إلى ضعفك ، ارفض أي شيء ليس لديك ما تفعله معه .


كل هذا الترويج للغموض يُضعف الإدراك الإنساني ( لأن الغامض يستحيل أن يدرَك ) مما سيتسبب في تدمير علم اليوغا قريباً . هذا العلم من اليوغا كان حقاً واحداً من أكبر العلوم ، منذ الوقت الذي تم اكتشافه به قبل أكثر من 4000 سنة خلت ... كان منظوماً Delineated ومنمذجاً Formulated ، ونُشر في الهند بصيغته المكتملة، و يالها من حقيقة مدوّية ! أن يكون المعلّقون والشراح الأكثر حداثة في الزمن ، هم أكبر صنّاع الأخطاء. وأنه كلما كان الشارح أقرب للحاضر ، كلما كانت أخطاءه أفدح. وأن الكاتب الأكثر قدماً يكون الأقرب إلى الحق.

أغلب الكتّاب العصريين يتحدثون عن جميع فروع اليوغا وكأنها معرفة كهنوتية غامضة. هكذا تقع في أيادي القلة الذين جعلوها سراً على العلن، ورفضوا أن يتركوا شعلتها تضيء بكل الوهج .. وتسقط قوة الإدراك على كامل الوجود. قاصدين من ذلك الحصول على القوّة لأنفسهم .

في المقام الأول ، ليس هناك أي غموض فيما أبلّغه لك ، القليل الذي أعلمه سأخبرك عنه ، بقدر ما أمكنني أن أطلقه إلى الخارج وأعلله فسأفعل ، لكن ما لا أعلمه ، سأخبرك ببساطة أنه "ما تقوله الكتب".

الاعتقاد الأعمى خطيئة .. يجب أن تكتشف الحقيقة بنفسك. أن تصل إلى معاييرك الذاتية في الحُكم على المعرفة .. يجب أن تتمرن ، وتطبق ، وترى إذا كانت هذه الأشياء حقاً تحدث أم لا.

كما في أي علم آخر عن الطبيعة المادية، تستخدم ذات المنهج العلمي للدراسة. ليس هناك نوع من الغموض ولا خطر في ذلك. وبقدر ما يكون صادقاً ينبغي إبلاغه في الشوارع العامة وفي وضح النهار، وأي محاولة لإضفاء الغموض على هذه الأمور ستؤدي إلى خطر عظيم.

السنخيا – اليوغا والإدراك الحسي :



قبل التقدم ، سأذكر لك بعضاً من تعاليم السَنخيا Sankhya التي بنيت عليها منظومة الراجا يوغاً : وفقاً لهذه الحكمة : الإدراك يأتي من الشعاع الصادر من الموضوعات في الوجود الظاهري إلى العين : العين تنقل الانبعاث المرصود إلى الأعضاء ، الأعضاء ينقلونه إلى الوعي (الإدراك)، الإدراك إلى الحُكم النهائي للروح ، من هذا المنطلق يقوم الروح الفردي pursa بكشف الأرصاد. ويأخذ الدور مرة أخرى كما كان ، وكذلك عبر كل هذه المراحل ، وفي هذا المسار تكون الحواس هي "المُتلقي" ثم يحدث اختبار الروح purus الإدراكي لأرصاد تلك المواد.

باستثناء الروح كل هذه الأشياء والمجالات مادية ، لكن المجال العقلي أكثر صفاء من الموضوعات الحسية الظاهرية ، الوجود الذي يتكوّن منه المجال العقلي يصبح أكثر تراكبية ويتحول إلى المجال المادي ، ويشكّل ما يسمى Tanmatras ، ويصبح الوجود ظاهر ( للراصد المحلي ).

المجال العقلي دائماً يعطي النماذج التي تشكّل المواد الظاهرية ، ذلك هو علم نفس سانخيا Sankhya ، لذا الاختلاف بين الباطن والمادة الشبحية هو اختلاف في الدرجة فقط ، الروح هي الكائن الوحيد غير المادي في هذا الوجود .

الوعي هو أداة في يد الروح کما هو يكون ، تدرك الروح به الموضوعات الخارجية ، هذا الوعي متغير ومتجدد دائماً ، ويمكن أن يتواصل مع الأعضاء المختلفة ، أو مع أحدها ، أو لا يتواصل مع شيء.

للتوضيح : إذا سمعتُ الساعة بانتباه كبير ، يمكن أن لا أرى أي شيء ، على الرغم من أن عيوني مفتوحة، ما يعني أن الوعي لم يكن على اتصال مع أعضاء الرؤية، بل كان متصلاً مع أعضاء السمع فقط. وبطريقة مماثلة، يمكن أن يتصل الوعي مع كافة الأعضاء في آن واحد Simultaneously ، هذا الوعي لديه القدرة على عكس المشهد وإرجاعه إلى الأعماق، قدرته الإدراكية العاكسة هذه هي ما يريد اليوغي أن يستطيع التناغم معه.

بالتأمل الحضوري الموجه نحو قدرات الوعي بحد ذاتها ، من أجل كشفها وفهمها والتحكم الواعي بها ، وتحويلها إلى الداخل inward ، هو يسعى ليعلم ما الذي يحدث في الأعماق .

في هذا المسار ، لا يوجد طلب للثقة ، إنه دراسة تحليلية موجهة عبر حكمة خاصة. الأطباء العصريون يقولون أن العين ليست عضو الرؤية ، لكن الأعضاء الوظيفية موجودة في الجهاز العصبي المركزي Nerve Center في الدماغ، وكذلك الأمر مع كامل الحواس، وسيخبرونك أن هذه المراكز مصممة من نفس مكونات مادة الدماغ ، وكذلك Sankhya تخبرك أيضاً بذلك، لكن قسماً من قدرة الرؤية يوجد في المجال الفيزيائي - والقسم الثاني يوجد في المجال النفسي ، ومع ذلك لهما ذات الجوهر .

التحضيرات والتدريبات الأساسية :


وذلك ما سوف نبيّنه ، يحضر اليوغي نفسه للوصول إلى مرحلة عميقة من الإدراك، من خلالها يستطيع إدراك كل هذه الأمور : ليعلم كيف يعمل الشعور وكيف يدرك الروح ، وكيف يصل إلى ملكة البيّنة Determinative Faculty ، وكيف تصل المعطيات للروح ، کما کل علم يتطلب تحضيرات معينة Certain preparations ، كما كل علم له منهج خاص ، وإلى حين نقوم باتباع ذلك النهج، لن يكون بوسعنا فهم ذلك العلم، كذلك هي الراجا يوغا.

تأثير الطعام والمحيط والحياة على الكيان :


قواعد محددة Certain Regulations كما بخصوص الطعام ستكون ضرورية. يجب أن تستخدم ذلك الطعام الذي يوصلنا إلى نقاء الوعي.. إذا ذهبت إلى حديقة الحيوانات Menagerie ستجد هذه الأحكام.

سترى الفيلة حيوانات ضخمة ، لكن حكيمة وراقية ، وإذا تحولت صوب زنزانات الأسود و النمور ستجدهم يفتقدون "السكون" ، وهو ما يجعلك تدرك كم يمكن أن يختلف التأثير بحسب نمط الغذاء.

كل هذه القوى التي تعمل في هذا الجسد يتم توليدها من خراج الطعام. نحن نرى ذلك كل يوم ، إذا أصبحت مريضاً، سيصبح الجسد ضعيفاً ، القوى الفيزيائية ستخفض ، وبعد بضعة أيام، القوى العقلية ستضعف أيضاً. أولاً ، يبدأ تشتت الذاكرة ، لاحقاً تأتي مرحلة لا تكون قادراً فيها على التفكير ، فضلاً عن متابعة أي مسار . لذا لابد أن نهتم بنوع الطعام الذي نتناوله في البداية على الأقل، وعندما تصل إلى القوة الكافية ، عندما يتحسن أدائك للأفضل. حينها لن تحتاج إلى أن تكون مهتماً جداً بهذه التقاليد، بينما النبات ينمو يجب حمايته بالتسييج ، ليأخذ وقته ... ويصبح قوياً كفاية للوقوف أمام جميع الاعتداءات.

اليوغي يرفض التطرّف بجانبيه : الإسراف Luxury والإمساك Austerity .. يجب أن لا يكون سريعاً، يجب أن لا يجلد لحمه، والذي يفعل ذلك يسمى Gita ولا يمكنه أن يكون يوغي .. ذلك المتسرع ، ذلك المتباطئ ، ذلك الذي يبقى مستيقظاً ، ذلك الذي ينام كثيراً ، ذلك الذي يعمل كثيراً ، ذلك الذي لا يعمل ، لا أحد منهم يمكن أن يكون يوغي.


 
التعديل الأخير:

تحليل الرؤية الكونية في عالَم اليوغا


ملاحظات مهمة تستحق الذكر والتأمل ، اخترت إضافتها في نهاية كل درس من دروس الراجا اليوغا التي سأرفقها من الكتاب الأساسي ، كان من الممكن أن تكتب بطرق أخرى ولكن هذه هي أفضل طريقة ممكنة وفق هذه الرؤية :

وما سأقدمه اليوم هو "نقد" لمنهج الراجا اليوغا ورؤيتها الكونية ، ولا ينبغي أن تُفهم كلمة النقد كمرادف لـ"النفي والنقض" ، أو مجاز الانتقاص ، إنما هي محاولة لتجاوز حواجز معيّنة وإتمام المضي نحو الكمال. اليوغا أصلاً منهج يتعالى على حياة أغلب البشر وفلسفاتهم ، لذلك لا يمكن نقدها بطريقة تقليدية ، من حيث أنها مثال نموذجي للحياة ، هكذا يأخذ "النقد" يأخذ معنى مختلفاً.

تبدأ الراجا والهاثا اليوغا من العالم الطبيعي وتنتهي ضمن حدوده الوجودية ، ولا يمكن أن تتجاوزه وفق طريقة التدريب والرؤية التي يتبناها اليوغيون. تم تحديد الدافع الأولي في اليوغا ، إنه "السيطرة" أو بكلمة أعمق "التحكّم"، سواء في العالم الخارجي أو في الكينونة الداخلية، ويتضمن ذلك إخضاع الطبيعة ، وتحرير النفس بالكامل من المثيرات الطبيعية ، وهذا الدافع يوجه إدراك المُريد بالكامل نحو تحدي فضاء العالم المادي الظاهري والإحاطة بالتفاعلات ضمن حدوده ، وأي معرفة وجودية أو روحية يحوزها المريد ستكون مهمة بقدر مجال توظيفها ضمن العالم الخارجي الظاهري، وفقط.

منطلق الرؤية الكونية الأساسي الذي تُبنى عليه تعاليم اليوغا ينبع من دافع التحكم : إنه لا وجود للأشياء خارج العالم الطبيعي ، أو بطريقة أخرى : إنه لا داعي للبحث عن أي شيء خارج الطبيعة المادية ، أو خارج حدود الواقع المعروف للإدراك البشري العام ، وذلك يشمل مناحي المعرفة ، والممكن من الوجود ، والمعنى للحياة ، والمعايير العليا للحقيقة والأخلاق. إن الحياة بكلانيتها تبدأ مباشرة من هذا المنطلق : "الطبيعة أولاً وكل شيء".

هكذا يمكن فهم اليوغا ( ضمن حدود الراجا والهاثا ) كفلسفة طبيعية مادية ، أو كنزعة مادية مُطلقة ، لكن هناك فرق جوهري بين مادية اليوغا وبين المادية الغربية ، إذ يريد اليوغي أن يحقق "أسمى صورة ممكنة" لوجوده الطبيعي ، إنه لا يرضى بموقف العبث أو عدم الاكتراث الذي يتعامل المادي الأوربي والأمريكي من خلاله مع العالم الطبيعي ، إن اليوغي يريد الوصول إلى "حدود كينونته المادية القصوى".

الهدف الأساسي لليوغا الشرقية عملاني جداً ، ولكن على نحو موسّع للغاية بحيث يعسر فهمه بالنسبة للعقل الغربي ، الفكرة الأساسية في مناهج اليوغا في الهاثا والراجا : ما هو حقيقي وقيّم هو حصراً ما يمكن إحرازه والوصول إليه واقعياً" وهذه الفكرة تعكس نزعة التركيز على الإنجاز والتحقيق ، اللذان تستتر وراءهما رغبة الوصول إلى حالة من الرضى الشخصي.

هناك مصطلح لابد من اشتقاقه لوصف النزعات الشخصية ضمن حدودها القصوى، وهو "الإشباع المجنّح" : تحقيق أكبر مستوى ممكن من "المتعة" ، "القوة" ، "الوجود" ، و"الانتفاع" على الإطلاق. وهذا الإشباع المجنّح في فلسفة الغرب يأخذ مأخذاً عابثاً سفسطائياً يتمثّل في "الهِبيّين" والحركات الجنسية التحررية ، التي لا تعرف بالضبط ما تبحث عنه ، ولا تمتلك أية وسيلة منهجية تساعد على الوصول إلى الإشباع المجنّح. لكن اليوغي على عكس تلك الحركات الطفولية ، يسعى إلى الإشباع المجنّح لكينونته بتركيز شديد وطاقة هائلة وسعي منهجي دقيق وصارم ، وحالة الإشباع التي يرغب بالوصول إليها بعيدة جداً عن حالات الإشباع الطفولية التي يمكن تحقيقها عبر الفلسفات الغربية التحررية ، ومع ذلك ، لا يزال الهدف في الجذر العميق هو الإشباع الشخصي ، ولو أن اليوغي وصل لفهم عميق جداً للعلّة التي تولد هذه الرغبة.

ينعكس مفهوم الإشباع المجنّح ورغبة القوة المطلقة في عبارات التعاليم اليوغية الأكثر تداولاً في الكتابات القديمة نسبياً ، والتي يتحدث بها المعلّم سوامي فافكيناندا :

_ القوة هي أفضل معايير الحكم على الأشياء.

_ نحن أسياد الطبيعة ، نحن الذين لأجلنا خُلق الوجود

_ هدف اليوغا الأسمى هو "التحكم بالظاهر والباطن" "التحكّم بالعقل والجسد".

_ المعرفة قوّة ، الضعفاء لا يصلون لأهدافهم

هذه التعاليم جعلت من "القوّة – الفعل – الإنجاز والتحقيق " الهدف الأسمى والمعيار الأعلى والغاية النهائية من الحياة.

هذا المبدأ قريب جداً من مبدأ عبادة بعل باعتباره إله القوة والتأثير ( الثور ) ولكنه يختلف في مستوى "عمق الفهم" الذي يتخطى عند اليوغي أبعاداً كثيرة جداً لا يمكن للعقل الغربي أن يستوعبها بسبب ضعفه بخصوص إحساس الفقر الدائم أمام الناحية الموضوعية من الوجود.

مبدأ القوة في الأديان القديمة يتجلى بطريقة مكتملة في تعاليم اليوغا : إنه ليس مجرد "نزعة السيطرة على الآخرين" إنه أكثر ، إنه نزعة "السيطرة المطلقة" أو "القوة الكاملة" والتي لا تحتاج إلى أخذ مكان بين آخرين لإثباتها ، لأنها تنبع من الذات ضمن وجودها، وبدون أية تعليلات أو أسباب أو إضافات خارج جوهر القوة نفسها.

قد يجعل هذا الشرح الموضوع مفهوماً أكثر عن ما تريد اليوغا الوصول إليه ، السعادة والرضا وفعل الخير بالنسبة لمدرستي الراجا يوغا والهاثا يوغا ، هي نتائج حيازة السيطرة والتحكّم الذاتي ، فيكون هذا التحكّم مقدماً على كل شيء ، ربما من هنا تاتي كلمة "اليوغا" والتي تعني "اللِّجام" وهو الحزام الذي يربط على ظهر الفرس ، وكذلك الذي يوضع على فكها ، فيؤطر حركتها الجامحة ويوجهها نحو ما يريده الفارس.

هناك ثلاثة مبادئ تقود مسار التعاليم اليوغية والرؤية الكونية لليوغا ضمن مستوى الهاثا والراجا :

[1] أولاً : تقديم التحكم كمبدأ مطلق يعني غياب الرغبة الحيوية والإحساس القيمي العميق ( الوجدان ) وغياب تحسس الجمال المتجلي عبر الوجود :

يستطيع اليوغي الإحساس بالجمال بلا شك ، ولكن طبيعة الإحساس بالجمال تعتمد على نوعية الإدراك الذي تستخدمه الذات في رؤية العالم والتفاعل معه ، ذات اليوغي تنظر للجمال على أنه مورد استهلاك "استهلاك الإحساس بالجمال" عن طريق جعل الجمال موضوعاً للتأمل ، أو مكافأة على إتقان التأمل ، لا يتعدى الجمال المتحصل من ذلك مرحلة "الإدراك الموضوعي الظاهري" ولكنها تصل لحالاتها القصوى عند اليوغي ، أما الجمال نفسه وسائر القيم فهي ثمار العمل ، وليست منطلق العمل أو الغاية الانطلاقية.

[2] غياب الإدراك الحيوي المتعالي للمجالات الباطنية للوجود :

العقل اليوغي القوي والخارق ، يرفض التعامل مع المجال المادي على نحو يجعله "مستوىً واحداً" من مستويات الوجود الكلاني ، كل ما وراء الوجود الظاهري هو بالنسبة لليوغي "مرحلة وظيفية" تسهم بإنتاج هذا المستوى من الوجود، لكنها ليست وجوداً قائماً بذاته ، بل إنها ليست وجوداً حقيقياً بالمعنى الكامل ، لكنها أشبه بذراع آلي له وظيفة يقوم بها ، فما نسميه ب"المجال العقلي" مهم في الرؤية اليوغية من حيث هو "آلة" تساعد على إيجاد المجال المادي، لكن هذه وظيفته الوحيدة وفيها يتجلى وجوده الوحيد.

ومع أن هذا المجال المادي لا يوجد سبب حقيقي لاعتباره "الصورة الكاملة والنهائية للوجود" إلا أن يكون "إدراك الإنسان" الذي يرى العالم ، هو الصورة الكاملة والنهائية للإدراك ، وبما ان الغنسان هو الصورة الكاملة للإدراك ، فالوجود الذي يدركه هو الصورة الكاملة للوجود ، ولأنه لا يدرك أبعد من الظاهر ، فكل ما دون الظاهر مجرد أدوات تساعد على إيجاد الظاهر نفسه.

على أي حال ، الالتزام بالرؤية الظاهرية هو الصفة المشتركة في جميع الفلسفات الطبيعية على اختلاف ألوانها ، ولكن هذا الظاهر نفسه عند تحليله يستحيل إلى مجرد صورة شبحية مسرّعة في الحركة ومبهمة في العلاقات ، في جوهرها تكون شيئاً آخر غير المادة ن ومن الواضح أن المعلم سوامي فيفيكاناندا أدرك ذلك الموضوع أثناء حديثه عن وحدة العقل والمادة ، حين قال أن المعرفة الفيزيائية عندما يتم دفعها للحدود القصوى تتداخل مع الميتافيزيقا.

ما معنى الظاهر ؟ إنه الشيء الغامض المبهم ، الذي تغيب حقيقته ويحضر منه الأثر ، وهذا يشمل كامل العالم الفيزيائي أمامك الآن ، لكن لو نظمت "الإدراك الظاهري" فستنتج العلوم الظاهرية ، التي تصف ما هو شبحي حاضر حسياً بطرق رياضية دقيقة.

هناك نزعة قوية في اليوغا ترى أن المستوى الحيوي من الوجود هو مجرّد "شأن من شؤون الظاهر المادي" ووظيفته هي إعطاء هذا الظاهر بُعداً معيناً لتكتمل الصورة ، أي أن الحياة والقيم والجمال ، أو الجوهر الحقيقي للعالم ، هو أيضاً آلة تساعد على إنتاج الظاهر الطبيعي ، والأغرب من ذلك أن فلسفة الراجا يوغا لا ترى أن هناك أكواناً أو وجودات تختلف جوهرياً عن هذا العالم ، ولا ترى أن هذا العالم يحتاج إلى تغيير في المعايير العليا للأحداث ، أو أن هناك داعي أو فرصة للعبور من هذا الزمن الدنيوي، كلما تحتاجه هو فهمه فهماً عميقاً والسيطرة عليه.

[3] "الحقائق المتعالية" معدومة الوجود ، أو غير قابلة للإدراك :

الكيانات الفوق مادية حسب التعريف الديني هي كيانات ذات وعي وحياة لكن ليس لها وجود مادي متعيّن ، كالملائكة والشياطين والجن، حسب التعريف الميتافيزيقي ، الكائنات فوق المادية قد يكون لا وعي وقد لا يكون ، ولكن وجودها غير مادي ، وبنفس الوقت لا تحتاج إلى المادة لتتواجد وجوداً فعلياً ، مثل "الزمن" أو "المكان المجرد" وهي أمور لا يمكن ان يكون لها مصداق مادي أصلاً ، إنها مفاهيم ، لا يمكن رصدها أو الإحساس بها إحساساً ظاهرياً عميقاً .

ترى الراجا يوغا أنه لا وجود لعالم غير مكوّن من المحليات والجزئيات ، لا وجود لعالم مكوّن من الكيانات العظمى والكلّية ، الكيانات الكلية هي محض "آلات" تخدم الواقع الموضوعي، هي نفسها تسمى أحياناً بالآلهة، وأحياناً بقوانين الطبيعة ، ولكنها ليست شيئاً له وعي كلاني أو وجود مستقل. ربما الفرق بين الرؤية الطبيعية المادية وبين رؤية اليوغي هو أن قوانين الطبيعة "حساسة لتفاعلات الوعي الإنساني" وهذا كل شيء يمكن أن يجعل فلسفة الراجا يوغا تختلف عن فلسفة الطبيعة الغربية.

هناك مفهوم عميق عن "مركزية الإنسان" في الكون حسب الراجا يوغا ، أن العالم مسخر للإنسان لكي يستمتع به ويسيطر عليه عندما ينضج ، هذا أحد انعكاسات المنطلق الإنساني في اليوغا والتي تتجلى في ( رغبة التحكم والكمال الشخصي - حدود الوجود هي حدود إدراك الإنسان - الوعي الأسمى في الوجود هو وعي الإنسان ) ولكن الحقيقة الكبرى التي لا يراها المؤمنون بمركزية الإنسان لأنهم يعيشون في كوكبة الزمن من منظور الشخص الأول.... هناك مجرات ، وعوالم شاسعة بعيدة جداً عن مجال الحياة الأرضية ، هناك عوالم ليس لها تكوين مادي يشابه تكوين عالمنا ، على الأقل من حيث المبدأ ، ذلك غير ممتنع ، كيف ، على أي أساس ، يمكن أن يكون الوجود مسخراً لخدمة الإنسان وفضاءاته الحقيقية تزيد ملايين الأضعاف على المساحة المخصصة لحياة البشر ؟

لو كان الوجود مسخراً للإنسان لماذا الفضاء لا نهائي ؟ لماذا الاحتمالات لانهائية ؟

هنا في هذا العالم ، يوجد نظام محدود الأفق ، دقيق وعظيم ولكنه محدود الأفق ، المجال الذي يمكن تركيب الأشياء ضمنه ضيق ، هناك نماذج مسبقة محددة لكل الحوادث والكائنات ، والمسارات الزمنية الممكنة ، والبيئات الممكنة الوجود ، والشخصيات والسلوكيات والدوافع ، والمشكلة انك هذه النماذج المسبقة تنبعث من نماذج أولية اقل عدداً ، فمن أربعة الوان تتوالد ملايين ، الاختلاف الوحيد بينها هو الصفات الثانوية الناتج عن نسبة التركيب ، أي : ليس هناك ملايين الألوان ن هناك ملايين حالات التركيب لاربعة ألوان أساسية.

كذلك الامر بالنسبة للاشكال ، الأنغام ، الأصوات ، العناصر ، المركبات ، الخلايا ، الآلات ، الافلاك ..... جميعها محدودة إلى ابعد الحدود من حيث المبدا ، فقط تراكيبها تتنوع إلى احتمالات شبه لانهائية ، المسألة أشبه بلعب لعبة فيديو تعود إلى حقبة التسعينات ولها سيناريو واحد ، ولكنك تستطيع تصميم تنويعات لانهائية من خلال تغيير ترتيب أحداث ثانوية كالقفز هنا والركض حول نفسك ، وأمور لا معنى لها ولكنها تخلق فيضاناً من الاحتمالات الزمنية التي لا تخرج عن السناريو الأساسي.

كل تلك النماذج موجودة في الكون مسبقاً ، لم يقم الإنسان بالتدخل في نوعية تكوينها الوجودي ، بالمقابل ، لا شيء يمنع اختلاف هذه النماذج في أكوان أخرى ، أو تبديل تكوينها الزمني ، أو وجود نماذج جديدة في أكوان مختلفة لا تشبه ما في هذا الكون ... لو كان الإنسان حقاً غاية الوجود ، لماذا هناك تلك المجالات الزمنية التي لا يمر بها ؟ إذن لماذا تحكمه النماذج الكونية المُسبقة ؟ لماذا إذن يأسره الزمن ؟ ما الذي تفعله احتمالات التكوين الأخرى إذن ؟ هل الهدف منها هو إيجاد مجال لاختبار النقص والمجهول في الكون الذي يعيش فيه الإنسان مثلاً ؟

أي متأمل بالدقة الكافية سيرى ، وأؤكد لك ، أن الكينونة الإنسانية _ التي يحاول اليوغي السيطرة عليها _ ليست هي غاية الحياة ، ولا يمكنها أن تكون كذلك ، ولا تحتوي كافة أسرار الكون ، ولا تستطيع التفاعل مع كافة المجالات الوجودية ، بل إن اختباراتها وتجاربها الحياتية قد لا تعني بالنسبة لله ( مصدر الحياة ) أي شيء يُذكر.

هناك أنانية في تحديد الرغبات والرؤية الكونية في كافة فلسفات الإنسان ومنها اليوغا ، فهو يريد أن يجعل غاية الحياة تتناسب مع كينونته الإنسانية وحدودها وضعفها ، ورغم أنه يسعى جاهداً لتحقيق المثل الأعلى لنموذج الكينونة الإنسانية ، إلا أنه وبلا شك ، بسبب سعيه هذا ، يقطع الاتصال بينه وبين الوجود الأكبر ، خارج حدود أفق أهداف هذه الكينونة نفسها.

الكينونة الإنسانية ذات حد معين من القدرات ، وذلك ليس فقط على مستوى الجسد ، ولكن على مستوى النفس والروح أيضاً ، ربما لا يبدو ذلك واضحاً تماماً ، ولكن المشاعر العليا بالنسبة للإنسان ، مثل "السلام الداخلي" و"السعادة" و"الرضا" و"البهجة الوجودية" ليست مشاعر عميقة جداً ، والسبب بسيط لدرجة مضحكة : هناك ستار من "الأنانية" يغطي أي مجال ممكن للتفاعل بين الإنسان والوجود ، أي أن الإنسان حتى ولو أراد أن يخدم العالم الخارجي فسيعمد إلى فعل ذلك من منطلق شخصيته ، والتجرد المطلق عن الشخصية مسألة شبه مستحيلة بالنسبة للإنسان حتى ولو كان يوغياً وحتى ولو أنفق مئة سنة في التدريب في المعبد، إن الإنسان يركز كثيراً على وجوده كـ(شخص) لا :ـ(وجود) ولذلك يتعاطف كثيراً مع الناس المعرضين للظلم ، مع أن الحيوانات يتم ذبحها كل يوم دون معنى من قبل البشر ، ولكنها لا تحرك فيه أدنى ساكن من المشاعر ، ورغم أنه يتعاطف كثيراً مع حوادث الحروب ومعاناة قومه، ولكن تعاطفه مع الحوادث الفردية في البلاد البعيدة ضعيف جداً مهما كانت مآسيها تتجاوز مآسي الحروب ووطنه، والسبب الحقيقي في ذلك أنه (لا يتعاطف) مع الوعي الذي يعاني ، ولكنه يتعاطف مع (الجماعة) لأن الجماعة تعكس وجوده كإنسان.

مشاعر الإنسان بشكل عام ، هي مشاعر تعاني من التقنّع ، واليوغي يفهم مشاعره ولذلك يتحرر من الأقنعة ، ولكنه لا يتجاوز حدود إنسانيته ، ولذلك لا يصل إلى الاتحاد المطلق مع الوجود.

الغاية الأساسية من تعاليم اليوغا هي السيطرة على العقل والجسد ، والتفاعل مع العالم الموضوعي ، ولكن الآفاق القيمية غائبة من هكذا أهداف ، هذه السيطرة في النهاية لن تحقق شيئاً قيّماً بالضرورة ، وتحقق القيم قد لا يستدعي أي نوع من هذه السيطرة ، تحقق القيم رهن النوايا وليس رهن القوّة ، زيادة القوة كثيراً مسألة تبتعد عن خدمة القيم الإلهية.

المبدأ الذي يجعل اليوغي يحاول السيطرة على الطبيعة هو أنه يريد تحقيق القيم من منظور الشخص الأول ، حدود الأخلاق والغايات النبيلة محصورة بنطاق الشخص الأول ، والشخص الأول مفارق للموضوع الذي يرصد ، لذلك دائماً هو "الراصد المحلي" ، وبالتالي هو الإنسان ، بغض النظر عن الهيئة التي يشغرها خارجياً.

وهذا يعني أن التغلب على الأنانية يتطلب التضحية بالإنسانية (تجاوز منظور الشخص الأول) وهذا أمر جنوني حتى بالنسبة لليوغي صاحب المئة سنة في المعبد ، الذي يفضل الاعتكاف على حياة الرخاء، والتعويل على زيادة القوة والسيطرة.

الحاجز الجوهري بين "القوة الإنسانية" وبين "القوة الوجودية :


أن تحقيق القوة والسيطرة من منظور الشخص الأول يعني أيضاً ، وبالضرورة ، أن هذه القوة المطلقة محكومة بالحدود الوجودية من منظور الشخص الأول ، على سبيل المثال : مهما بلغت قوة الإنسان ، واليوغي ، لا يمكنه أن يغير "نماذج التكوين الأساسية" فيجعل المربّع منحني الأضلاع أو يجعل زوايا المثلث تعادل قائمة ونصف ، أو يجعل الألوان الأساسية تسعة ألوان ، ولا يمكنه أن يغير المعنى الماهوي للدبابة ، والهواء ، أو للكتاب ، أو للسلحفاة أو لشجرة البلوط ، كذلك لا يمكنه التحكم بالقوانين ، يمكنه تجاوز فقط.

ربما يتمكن الإنسان من إفناء كل سلاحف العالم ، ولكنه لا يستطيع أن يجعل سُلحفاة واحدة تكون سلحفاة وشيئاً آخر نقيضاً بنفس الوقت ، ماهية السلحفاة عمل من أعمال أنظمة التكوين ، ومن الواضح أن القوى المسؤولة عن إنشاء نظام الكون وحدها التي تمتلك هكذا صلاحيات ، وأن أقوى البشر على الإطلاق ومن يمكنهم تدمير الكواكب والمجرات ، يستحيل عليهم التحكم بالعلل العالية للوجود ، وهي "الماهية والطاقة والفاعلية والمادة" ... إن البشر ، وسائر المخلوقات ضمن الكون ، مهما بلغت قواهم كل ما يمكنهم فعله هو التأثير على المواد ، وليس على أنظمة المواد ، وعلى الجزئيات وليس على الكليات ، وذلك ربما يتجاهلون حتى وجودها لأنها تبدو لهم حلماً مستحيلاً ، ما يفعل الإنسان ، هو "استخدام واستغلال" الفرص والاحتمالات التي تتاح له ، والمقدّمة من العلل العالية للوجود ، وأن المسؤولين عن التحكم بتلك العلل يمكنهم في النهاية رد الأشياء إلى لا شيء ، وتدمير أي سلطة بشرية ممكنة، لأن قواهم لا تعتمد على مستوى كمي ، إنها متحدة معهم ومع الوجود جوهرياً.

اليوغي مثلاً قد يستطيع التحكم بطاقة الحياة "البرانا" على نحو مدهش ومخيف ، ولكن هل يستطيع أن يجعل الاحداث تقع دون الاستعانة بطاقة البرانا ؟ أي هل يستطيع تغيير القانون الذي يحكم البرانا نفسه ؟ لا يستطيع ... من المسؤول عن هذكا قانون ؟ اليوغي ببساطة سيتجاهل مثل هذا السؤال وسيقول إن المهم هو حيازة السيطرة ....


التحكم من منظور الشخص الأول : مفارقة المحاكاة :

هل هناك قيمة للتحكم بعالم قبل الوصول إلى حقيقته ؟ أيهما اعلى في القيمة : الحقيقة ام القوّة ؟


الأمر مدهش حقاً ، أن يحاول الإنسان السيطرة على حلبة ضيقة جداً طوال حياته ، أعطيت له من القوى العليا التي لا يعلم عنها شيئاً ، ليحس أنه فعلاً قوي وقاهر ، ولكن هل هو فعلاً قوي وقاهر ؟ ربما بالنسبة للناس الآخرين ، الذين يتحكم اللاشعور بكامل مجرى حياتهم نعم ، ولكن الحقيقة ليست مقارنة بين إنسان وإنسان.

المشكلة التي يطرحها هذا التصور للقدرة الإنسانية ، هي أنها لا يمكن أن تتجلى إلا بوجود أشخاص آخرين أضعف من الإنسان القوي ، فهو قوي بالنسبة لهم ، وقد يكون ضعيفاً بالنسبة لغيرهم ، ومع أنه يتحكم بهم تماماً ، ولكن الحقيقة أنهم هم الضعفاء الذين استسلموا لطريقة تفكير معينة تجعلهم تحت سيطرته، أما الحقيقة ، الجميع ضمن وجودهم الموضوعي ، بيادق صامتة في رقعة محددة.

الإشكالية الأعمق هي أن القوة الإنسانية المطلقة وبما أنها تتحقق فقط من منظور الشخص الأول ، فهي مجرد سيطرة على الوهم والسراب ، إنك لا تستطيع أن تقول أنك قوي جداً لمجرد أن الأمر يبدو لك كذلك ، حتى ولو افترضنا أن كافة الشواهد البيئية تؤكد أنك "ملك الحلبة" ، فالحلبة التي تراها في النهاية موجودة أمام ناظريك ، وقد تكون جميع الشخصيات الأخرى مجرد خيالات أو أوهام ، تذكر أنك وضعت قيداً على مقياس القوة في بداية سعيك ، وجعلته (قدرتك على السيطرة من منظور إنساني_الشخص الأول) وبالتالي لا يهم كثيراً ل العالم الذي تسيطر عليه حقيقي أم وهمي ، المهم أنك تحقق السيطرة عليه ، لأن ما تراه ضمن الطبيعة المادية سيكون دائماً مجرد ظاهر ، وهذا شيء لا يمكن أن تغيره القوة ولا العلم لأنه محسوم وجودياً منذ البداية ، وإذا كنت تعيش حقاً ضمن محاكاة رقمية لا حدود لها فثق تماماً أنك ستتصرف كما تفعل شخصيات الألعاب التي أحست بأنها (سيطرت على اللعبة).

التركيز على تحقيق الهدف تركيزاً مطلقاً كما يفعل اليوغي ، يمكن أن ينمي القوة ، ولكنه يصنع مشاكل كبيرة في الخفاء ، نعم ، صحيح أنك تصبح أقوى مع زيادة الالتزام ، ولكن الضغط على الإدراك وتجاهل الرغبات الحيوية من أجل الالتزام بمنهج محدد وتعاليم معينة لن يأخذك بعيداً كما تتصور ، لأن القوة الحقيقية تأتي من الدافعية ، وليس من السيطرة ، وعندما تتجاهل الرغبات الحيوية ، بغض النظر ما هي هذه الرغبات ، فستموّت قدرتك على الاتصال بالدوافع ، وعلى التواصل الحسي مع الوجود ، ستتواصل معه عقلياً فقط ، كما أن إدراكك سيضع حداً مسبقاً يمنعه من التزحزح نحو أي فهم متعالي للحقائق الوجودية خارج منظور الشخص الأوّل.

الشيء الذي تنجح حقاً اليوغا فيه هو "تطهير اللاشعور" من الرغبات الخاطئة والمدمّرة ، ومن القيود التي تسببها الدوافع المزيفة ،ولكن الهدف الحقيقي من تطهير اللاشعور والتحكم بالعقل والوعي والجسد هو إتاحة المجال للتفاعل الحيوي المطلق مع الوجود ، وليس التحكم بالكينونة والسيطرة على الطبيعة.. هذا ما يجعل الراجا يوغا منهجاً جزئياً ، لا يمكن أن يكون مطلقاً ، ولا يمكن أن يشكل نقطة الانطلاق للعلم والحياة.

من الحقائق اللطيفة أن النموذج الأعظم للراجا يوغا هو "يوغيرو هانما" : السيطرة المطلقة على النفس والجسد ، السيطرة المطلقة على كل ما يمكن أن يقع ضمن مدى تفاعل النفس والجسد.
 

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

مواضيع مشابهة

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى