هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

عِلم الزَّمن والمصفوفات ... أول كتب ثلاثية علوم الكينياء - المرحلة الأولى : التحقيق الفينومينولوجي في فلسفة العلم (العالم والزمن والإدراك)

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
599
مستوى التفاعل
1,059
الموقع الالكتروني
alkynilogy.blogspot.com

المصفوفة الفيزيائية – التجريدية : الرُّؤية الفيزيائية لقيمية الكون والفرق بين الحقيقة والمعرفة اللغوية { الثوابت والحدود الفيزيائية بين المجالات } :

هنا والآن ... سيتضحُ الفرق الحقيقي بين الفيزياء المبنية على الإدراك ، والفيزياء المؤسسة على لغة المجتمع الوضعية :

من وجهة نظر فيزيائية موضوعية ، ومحلية مُفارِقة للعلل ، تكون الثوابتُ الكونية على هيئة علاقات تناسُب رياضية دقيقة ، تحكُم حركة القوى الفيزيائية الرئيسية بالنسبة لبعضها البعض ضمن النسيج المحلي ، والأنسجة الكونية التي تنبني عليها من المجرات إلى الغلاف الجوي للأرض ، والأنظمة الحيوية الجسدية مثل الدنا والبروتين والأحماض الكربونية ، وصولاً إلى الذّرة نفسها وكمومها الأولية.

فلا تبحث الفيزياء المعروفة في "حقيقة" الظاهرة الفيزيائية ( كالثابت الكوني ) بل في ظهوره الموضوعي القابل للقياس من الآلات التي يستخدمها عدة مراقبين محليين ، وكشف العلاقات التي توجه ساعة الظاهرة بالنسبة للكائنات المحلية الأُخرى القابلة للقياس الموضوعي ، دون الكشف عن كُنه الساعة.

البابُ الأوّل : أصول مُطلقة قاهرة لعِلم الفيزياء ... الإشكالية الدلالية للمفاهيم العلمية في الفيزياء الحديثة



وعلى عكس توقعاتك ، فإن الفيزياء تعتمد بشكل تام على "المفاهيم الفلسفية" ، ودعني أخبرك الفرق بين المفهوم الفلسفي والمفهوم الماهوي بشكل مبسط :

عندما تتكلم عن "المادة" أو "الطاقة" ، الالكترون ، الذرة ، الجاذبية …. فإنك تستخدم مفاهيم ( كليات ) تحتوي خصائص تشترك فيها مجموعة كبيرة ( أو لا نهائية ) من الموضوعات الفيزيائية المحلية ، أي المحددة بزمان ومكان معينين ( بمعنى المجال الذي يتمُ رصدُ التآثر ضمنه في نقطة ظهورٍ معينة ) ، وقديماً كان يقال عن هذا النسيج "الجسم الطبيعي" ، واختلفت المسميات باختلاف مراحل الحضارات ، لكن المعنى العام بقي كما هو. أما عندما تتكلم عن "السببية" أو "الارتياب" ، الفعلية ، الواقعية …. فإنك تقصد بشكل باطن تلك الكليات التي تشمل ( أي ماهية طبيعية يتحدد أفرادها بوجود زمكاني ) وكذلك تشمل ( كل ) ما يقع خارج الوجود الزمكاني ( أي الطبيعي ) إن أمكن وقوع شيء خارجه ( مثل المفاهيم الماهوية من حيث هي مفاهيم لا من حيث ما تنطبق عليه من مصاديق طبيعية ) ولكنك ترتكب المُغالطة ، في اللحظة التي تُعادل فيها بين سببية المُستوى المحلي ، وسببية المُستوى المُطلق.

والقصد من ذلك "الماهية نفسها من حيث هي شيء معقول لا من حيث أفرادها المحسوسين الذين تخبر عنهم" ، وبعبارة أخرى فإن الفيزياء هي "العلم الذي يدرس السلوكيات القابلة للخضوع للمنهج التجريبي الوضعي ، والمنتمية إلى الموضوعات الزمكانية ، وذلك "لينتزع" من هذه السلوكات تلك القوانين العامة التي تحكم هذه الموضوعات" وهذه القوانين العامة هي "المفاهيم الفلسفية عند تطبيقها على الماهيات الطبيعية" والتي تتحول إلى صيغ رياضية نتيجة دخول مقولة "الكم" المتصل والمنفصل والمتخيل إلى تلك الماهيات.

هناك عدة اتجاهات ظهرت في القرن العشرين لتفسير هذه الظاهرة "الفيزيائية الإدراكية" الغريبة ، أشهرها وأكثرها رواجاً وقبولاً بين العلماء هي "الوضعية المنطقية" والتي تدعي أن تلك المعقولات هي "أوهام نشأت عبر ترابط الصور المادية المختزنة في الذاكرة ، وعن عامل الاشتباه". ولست هنا ساعية لمراجعة ونقد ذلك التوجه ، إلا أنه على أي حال ، لا يلغي أهمية هذه المعقولات لكي "تُفهم الفيزياء". يكفي أن تعلم أن "خبراتك الإدراكية الذاتية" لا يمكن التعبير عنها بطريقة حَسوبة أو اختزالية كما تفترض الوضعية، وبالتالي ليس من الدقيق ، أن تصفها بالوهم لمُجرد أن "جُزءً منها\نطاقُ الرصد المحلي" لا يتوافقُ مع كُليتها ، وشموليتها. وإن الحَكَم على الرصد المحلي هو العلم الذاتي وليس العكس.

أقتبس من هذا المقال المُترجم للسيد الموقر ، ديفد بوهم :
«أحجَمَ معظمُ الفيزيائيين عن الخوض بتفسير سببي للنظرية الكوانتية، جزئياً لاعتبارات عَمَلية، وجزئياً لاعتبارات فلسفية؛ استندت على مبدأ اللّاتعيين الشهير لهايزنبرغ، والذي اعتبر علاقات اللّاتعيين (اللّاحتميّة/اللّاديترمينيّة) indeterminacy (كالتي تنص على أنه: كلما تحدّد موضعُ جسيمة بدقّة قلّت دقّة تحديد عزمها وبالعكس) تجسيداً لمبدأ عام أساسيّ وشامل جداً لكلّ شيء، بدل اعتبارها استنتاجاً من النظرية الكوانتية بشكلها الراهن، فزعمَ تمثيلَ هذه العلاقات لقانونٍ أساسيّ للطبيعة وصلاحيتها المطلقة والنهائية، حتى لو خَضعَ الشكل الحالي من النظرية الكوانتية بنهاية المطاف لتصحيح وتوسيع أو حتى لتغيير جذري وثوري. النظرة العامة لدى هايزنبرغ (ومعظم أنصار التأويل المعتاد للنظرية الكوانتية) هي أنّ التطورات المستقبلية بالفيزياء ستنحو باتجاه فرض حدود لا يمكن تجاوزها إطلاقاً لدقّة جميع القياسات الممكنة» – ديفيد بوم (1957)

يفترضون مبدأ اللاتعيين حدّاً مطلقاً ونهائياً يقيّد قدرتنا على تحديد حالة الأشياء بواسطة القياس من أيّ نوعٍ كان، سواء حالياً أو مستقبلاً، مما يوصل إلى نتيجة عميقة العواقب: سيغدو السلوك المستقبلي لمنظومةٍ ما متوقَّعاً فقط إلى تلك الدرجة من الدقة المتوافقة مع حد أقصى يفرضه «مبدأ» اللّاتعيين. وهكذا فنُكران السببية بالتأويل المعتاد للنظرية الكوانتية لا يُعتبر، وفق هذا التأويل، مجرّد نتيجة لعجزنا عن قياس القيم الدقيقة للمتحولات الداخلة بتعبيرات قوانين سببية ذرّية، بل بالأحرى انعكاساً لعدم الوجود الواقعي (وفقاً لهم) لقوانينَ سببية كهذه! لذلك أرى أنْ نطلق مصطلح «اللّاتعيين» أو «اللاحتمية» indeterminacy كوصف ملائمٍ أكثر من تسمية «مبدأ اللّايقين» uncertainty الشائعة، لأنه بقدر ما يتعلّق الأمر بمتحولات مرصودة فيزيائياً، فإنهم لا يفترضونها فقط «لا يقينية» بالنسبة للإنسان (بمعنى عدم قدرته على قياسها بدقة تامّة) بل بالأحرى يتمّ افتراض أسلوب وجودها بذاته «غير مُتَعَيِّن»!

عندما نمضي إلى مستوى ميكانيكي تحت- كوانتي، فإنّ كامل مخطّط المرصودات التي تلبّي قواعد محدّدة ملائمة للمستوى الميكانيكي الكوانتي سوف ينهار، ليُستبدل به آخر مختلف كثيراً. وبهذه الحالة، لن يكون برهان «مُبرهنة فون نيومان» ملائماً، لأنّ الشروط المعتبرة هنا تتخطّى الفُروض الضمنية المطلوبة لتنفيذ البرهان.

وهكذا نرى بأنّه سواء بحالة مبدأ اللّاتعيين أو بمبرهنة فون نيومان، تمّ استقاء النتائج المتعلقة بالحاجة لنُكران السببية والاستمرارية والواقع الموضوعي للمواضيع الميكروية، ليس من الوقائع التجريبية الكامنة بأساس الميكانيك الكوانتي، ولا من المعادلات الرياضية التي تعبّر عن النظرية. بل بالأحرى من فرضية (مضمرة ضمنياً أكثر منها صريحة) بأنّ عناصر محدّدة مرتبطة بالصياغة الحالية للنظرية هي عناصر مطلقة ونهائية، ولا يمكن نقضها بنظريات مستقبلية، ولا يمكن اكتشاف أنّها تقريبات تصحّ فقط بنطاقٍ محدودٍ. إنّ فرضية كهذه، وإذْ تَحدُّ بشدّة الأشكالَ الممكنة لنظريات مستقبلية، تمنعنا من التفكير بمستوى ميكانيكي تحت-كوانتي يمكن أن تجري فيه أنواعٌ جديدة من الحركة تنطبقُ عليها أنواعٌ جديدة من القوانين السببية.

وهكذا يقصرون التفكير المَفاهيمي على النطاق الكلاسيكي، بحيث لا يبقى خارجَه سوى الانخراط بمناورات تقنية بحتة للرموز الرياضية وفقاً لوَصفات مناسبة تكون الشغل الشاغل للفيزيائيين النظريّين لكي يكتشفوها.

يعتقد الفيزيائيون الحديثون: أنّ أزمة الفيزياء الحالية يمكن حلّها بتنقيح تفاصيل الأنواع العامة من النظريات الاحتمالية الرياضية الراهنة. إنّ المشترك بينهم وبين الكلاسيكيين هو الميل إلى افتراض الطابع المطلق والنهائي للعناصر العامّة للنظرية الأكثر أساسية التي يجدونها قائمةً في زمانهم، والتي يشتغلون فيها. وهكذا فإنّ التأويل المعتاد للنظرية الكوانتية يمثّل بمعنىً ما استمراراً طبيعياً للموقف الميكانيكي للفيزيائيين الكلاسيكيين.

ديفيد بوم David Bohm (1917–1992): فيزيائي أمريكي، مؤسِّس تيار في الميكانيك الكوانتي، استرشد عن وعي بالفلسفة العلمية المادية الديالكتيكية في مرحلة من نتاجه، فجاء مناهضاً لمعظم التأويلات المثالية السائدة (كوبنهاغن، الأكوان المتعددة...إلخ) رغم أنّه لم ينجُ أحياناً ولاحقاً من الشطحات المثالية فلسفياً إضافةً إلى النسبويّة. النص تلخيصٌ لمقاطع مختارة من الصفحات )55–70) من مقدّمة كتابه «السببية والصدفة في الفيزياء الحديثة» (1957) Causality and Chance in Modern Physics.

ولكي نفهم أكثر ما الذي يحاول بوهم أن يخبرنا به ، ينبغي أن نمسك "علمياً وفلسفياً بالمفاصل الخفية التي يتحرك من خلالها هذا المبدأ ، و"بعيداً عن ((تأويلية مجموعة معينة)) للأطر الرياضية ، المحددة بمسلمات مسبقة غير مثبتة" ، ما هي العناصر الفيزيائية-الفلسفية الأساسية لمبدأ الارتياب ( بالأصح : اللاتعيين ) :

أ. ما هي الفيزياء :

دراسة (الظواهر) المحلية ، لاشتقاق القوانين التي تحدد سير الأحداث فيها كما تبدو لعدة مراقبين يرصدونها من زاوية الاقتران الزمكاني ، ثمّ يقومون بتفسير نتائج مقارنات القرائن الحدثية ، مِثلُ هذه القوانين ، ليست وظيفتها تعليل أي شيء فلسفياً ( من حيثُ الوجود المعقول له ) بل هي نطاق مُحدد من المعقولات الافتراضية ، يشرح "الحركة" المولدة للحدثية التي يتم رصد آثارها ضمن الفضاء الزمكاني ، الأحداث الزمنية التي يتم رصدها ضمن إدراكك والتي تتضمن شروحات الفيزيائيين لها ، ليس أكثر من ذلك ، هذا الشرح ، شرحٌ افتراضي ( بالكامل ) ، ليس بالضرورة أن يكون غير صحيح أو غير مجدي ، المسألة فقط أنه ، يتعلق بالإحصاءات والاحتمالات في المُقدمات الحسية التي يُبنى عليها ، وب"التأويلات وِفقَ مفاهيم غير محقق بها جيداً" من حيثُ المُقدمات العقلية التي تُعالج تلك المُعطيات الحسية …


ب. ما هي فلسفة العلم في الفيزياء :

فلسفة العلم هي تلك النماذج التي تحتوي على المسلمات والقواعد التي يسير من خلالها منهج البحث العلمي ، ويتحدد من خلالها موضوع العلم ، وهذه "الخوارزميات العلمية" تقسم إلى نوعين : التصورات والأحكام.

التصورات : مُدركاتٌ حسية ومفاهيم عقلية لم تربطها بعدُ بحكم معين

الأحكام : نفسُ تلك الأمور مع ارتباطها بحُكم "الثبُوت"

التصورات والأحكام في الفيزياء الوضعية : جميعها صحيحة ، لكن جميعها مُجملة ولا تحكي أي شيء دقيق ، من المُهم ذكره أيضاً ، أن السببية والحتمية ، والماهوية ، ومعقولات المنطق ، ومعقول "الوجود المُطلق(الذي لا يُمكنك إثبات المحمول على الموضوع\الحُكم على المحكوم دون وساطته فهو ثبوت الشيء)" كُلها ، عناصرُ يتمُ عدم الاكتراثِ بها ، ولكن لابُد منها ليكون هناك "معنىً" للمعطيات والمدلولات ، ضمن علم الفيزياء وأي علمٍ آخر. ولم يتم التحدث بعد عن العلم الذاتي الذي يرجع إليه كل البنيان الفلسفي والمعرفي البشري.

ابتداءً من المفاهيم الطبيعية كالكُتلة والطاقة والحجم والطول ، والمعقولات الطبيعية المُرَكبة كالحقول والمجالات والقوانين والمعادلات ، مروراً بالمفاهيم الرياضية الكمية والهندسية ، عبوراً إلى المفاهيم الكُلّية المنطقية والفلسفية ، مثل السببية والحتمية ، واللاسببية واللاحتمية ، الإمكان والفعل ، التجريد والتقييد ، المُركب والبسيط ، مقولة الكيف ومقولة الكم وموقولات الزمان والمكان والقوة والفعل والوجوب والإمكان والامتناع ، مبادئ الهُوية ، مبادئ المعرفة ومنهاجُها ... كُلُّ ذلك مستخدم بكُلّ خطوة في أي نسق علمي ، أو حتى بحثٍ علمي ، نعم إنّه يتعرض للتشكيك ، نعم إنّه ليس محسوساً ضمن الواقع المحلي ، نعم إنّه ليس مادة وليس قابلاً للاختزال ضمن المادة ، ولكنّه "موجود" بتأثيره على المادة ، إنه "قائمٌ" على الكون ، هذا النظامُ التجريدي المعقول ، لا يخرج عن حيطته شيءٌ ضمن الكون المنظور ، إلا وخرج عن وجوده أيضاً ، ليس فقط في العرفة بل في التأثير الواقعي أيضاً ... هذه كُلُّها تستخدمُها الفيزياء دون تعليمها للفيزيائيين.

من جِهة أخرى ، ثبوت وجود الكائن الفيزيائي ، وخبرية وجوده نفسها ، وثبوت نسب أي صفة رياضية أو فيزيائية نحوه ... الثبوت ، التوصيف ، والتأويل ، والإدراك ، هذه أدوات الفيزيائي ، بل الكائن الحي ، لبناء معرفة بأي شيء ، وأي معرفة سيبنيها سوف تتحقق ضمن الاحتمالات التي يَسمَح له بها ، ذلك البُنيانُ العقلي ، وخارجَهُ لا وجود للمعرفة أصلاً ... والفيزياء بصيغتها المادية المتعصبة ، صادقت على ذلك كُلّه ولكنّها ردت لكون انبعاثاً من المادة.

التصور الفيزيائي للعالم ، ليس هو الواقع الفيزيائي الذي يتمُّ تصوره ، الواقِعُ الفيزيائي موضوعٌ للإدراك ، أما التصور والنمذجة فهي فعلٌ عقلي يتم من خلاله معالجة موضوع الإدراك وحوسبته ، عِلمُ الفيزياء التجريبية يستنِدُ إلى مُقدمات مسبقة لبناء مثلِ هذا التصور ، لأنّ الواقع الفيزيائي لا يحتوي أيّ مُقدّمات من أي نوع ، بل أحداثاً متوالية لا تُخبر بأي أحكام ولا تعطي أي تفسيرات.

يوجد أيضاً ، خوارزميات خاصة ب"منهج البحث العلمي" في الفيزياء ، تؤثر على النتائج النهائية التي يصل لها الفيزيائي ، بل "تفرُضُها فرضاً عليه" تماماً كما تفرض قوانين بلدك عليك ما لا تريده ، ولكن الفيزيائي يُهمل هذا الموضوع ويتشربه لاشعورياً وبالتدريج ، لا حاجة مثلاً لربط "علة النتيجة" ضمن التجرُبة ، بكونها مادية وموضوعية ، بالنسبة للنتيجة فلا بأس ، من أجل دقة القياس واعتبارات معينة ، لكن بالنسبة ل"التعليل" !! هذه مُصادرة ليس لها أي تبرير ابستمولوجي - سوى أنك ترغبُ بذلك لدوافع لاشعورية خفية - خاصة وأنك حتى الآن ، لا تعرف "بالضبط" ما الذي تقصِدهُ ب"المادة" فكيف تُعممها على كل ما هو موجود ( وليس فقط كل ما هو فيزيائي).


ج. ما هي ميكانيكا الكم :

ماذا نقصد عندما نقول "ميكانيك الكم" ؟ نقصد أن الالكترون مثلاً هو "كم لحقل فيزيائي" أو لمستوىً معين مميز من هذا الحقل ، فالالكترون هو أصغر وحدة للكهرباء التي يمكنها إحداث تأثير موضوعي ( بحيث يتكمم الحقل الكهربائي نسبياً عندما ندخل لعوالم أصغر من الالكترون ، أما البروتون فلا يمكن التعامل مباشرة مع شحنته الكهربائية ). ولكن ذلك لا يشكل كامل القصة ! إنه يخبرنا عن "الكم" وليس عن "ميكانيكا الكم" ، وميكانيكا في اللغة الكلاسيكية هي مصطلح يشير للقوانين الحتمية التي تحكم سلوكاً فيزيائياً معيناً ، أما ما يقصد عادة من ميكانيك الكم ، هو "المبادئ ( وليس القوانين ) التي يمكن من خلالها ( توصيف ) السلوك الفيزيائي ( المستنتج بالاستقراء الناقص ) للجسيمات الأولية ( الافتراضية ) وما دونها.

والفرق بين المبدأ النظري والقانون ، هو أن الأخير يستوجب وجود "حتمية أو سببية" بينما الأول لا يستلزم ذلك ( وفقاً لبعض الرؤى الفلسفية ) ، وإني لأستميحهم عذراً لأخبرهم أن هذا نوع آخر من اللبس قد وقعوا فيه ، لأن المبدأ النظري هو "كلي" أشمل من القانون ، فيشمل الأشياء المقننة وغير المقننة ، لكن هذا لا يعني أنه "يخرج عن السببية" ، فأنت نفسك عندما تضع تعريفاً كهذا ، فإنك تخضع "الالكترون" وكافة الجسيمات الأولية الأولى إلى "المعقولات الفلسفية" التي تمتد من أول تعريفك إلى آخره ( وأنا أعلم أنك لا تستخدم المصطلحات التي استخدمتها عندما تعرف الكمومية ، إلا أنني قمت بترجمة "نفس تعريفك" للمكامن الفلسفية التي يحتويها ، بغية معالجته بشكل فلسفي وتجريدي ).

إنك "لا تستطيع" أن "تتخيل حتى" وجود الالكترون وسلوكه الارتيابي ، دون الاستعانة بالمعقولات الفلسفية والمنطقية. وهذا يطرح الإشكالية الرئيسية ، وضربة الهلاك الموجهة نحو الفيزياء الحديثة بصيغتها الوضعية ، هذه الإشكالية التي تقول : من يقود من ؟ الجسيمات الأولية أم الكائنات العقلية ؟ فالتوجه العام في الفيزياء الحديثة كثيراً ما يتجرأ على محاكمة "قضايا فلسفية" من خلال "مجرد مقاربات لسلوك الالكترون" ، وحُق لنا أن نسأل : هل امتلك الفيزيائي المؤهلات الكاملة فلسفياً لكي يناقش مثل هذه الأمور ، التي تقع أصلاً في بُعد يسبق الفيزياء بكثير وكثير جداً ، هذا التصرف له تسمية دقيقة في الفلسفة ، إنه : الموقف الطبيعي الساذج.

وبعبارة أخرى فليس من الممكن ل"قانون" أو "مبدأ" جزئي أن يرفع رأسه نحو "مبدأ أكثر كلية" ويقوم بتوبيخه أو تسخيفه أو رفضه ، أو نحو تلك الأمور ، لأنه عندما يقوم بذلك ، فهو يرفض ويوبخ ويسخف نفسه في المقام الأول ، لأن ذلك المبدأ الأكثر كلية ، متغلغل ومتناشر في كل ذريرة من ذريرات المبدأ الجزئي ، بحيث أن حياة هذا الجزئي ، تعتمد اعتماداً ضرورياً وحتمياً على حياة ذلك الكلي. لا يمكنك أن تقوم بالادعاء بأن الالكترونات "لا تسري عليها الرياضيات الإحصائية المتقدمة" بحجة أن "الثور" لا يمكن فهم سلوكه أو جسمه بذلك النوع من الرياضيات ! وكذلك لا يمكن إسقاط الرياضيات البحتة بمحاكمتها فيزيائياً والادعاء بأنه ليس هناك شيء يشبهها في العالم الزمكاني الذي نعرفه ، وعلى نفس المبدأ تسير الأمور مع مبدأ "الارتياب" … ليس من الممكن ل"مجرد مقاربة" للسلوك الذري أن "تلغي مبدأً أكثر كلية وشمولية" والذي ، هي بالأصل "كمقاربة أو كنظرية ، أو حتى كذاتية موجودة فعلياً" تعتمد عليه لكي تخرج إلى النور. حتى ولو خرجت هذه الأفكار من "أكبر الأفواه على الإطلاق" ، فهذا لا ينفي كونها مجرد مغالطة ناشئة عن "التقصير في دراسة الفلسفة!!" ، وأي فيلسوف يحترم نفسه لا يمكن أن يقع في مثل هذا المستنقع ، إلا إذا كان "متحاملاً ومتحيزاً" أو "خائفاً من سحب شاهدته" ، أو ببساطة "ساعياً لأمر معين" …

"ولأكون صريحة معك ، هذا النوع من ميكانيكا الكم ، لا يمكن أن لا يؤذيك بشكل أو بآخر" …

د. ما هو أهم مبدأ في الفيزياء على الإطلاق ، وكيف نرى الالكترون من خلاله :

وقد اخترتُ هذا الجسيم بالذات لأن سلوكه هو الأكثر سلاسة وأُلفة للفهم بين جميع الناس على مختلف الثقافات ، ورغم ذلك ، "كاذبٌ" من ادعى أنه يعلم "ماهية الالكترون" من خلال البحوث العلمية ، وكل ما توفره الفيزياء الحديثة هو "توصيف" لبعض السلوكيات التي تم التمكن من رصدها -جُزئياً وشبحياً- للالكترون ، وأما تلك الصور التوضيحية والعروض التقديمية التي تراها في الكتب الفيزيائية والجامعية والمحاضرات والفيديوهات ، فهي فقط محاولة لجعلك تفهم الأمر عبر محاكاته بصرياً ، وحقيقة فليس بالضرورة عندما نتحدث عن "كتلة الالكترون" أو "شحنته" أو "عزمه" أو "حركته" أن تتخيل شيئاً له أبعاد مكانية ويتحرك ضمن الزمان بسرعة محددة ( والتي مهما كانت عالية ستبقى محددة ) !! ربما ( وهي نظرية تلقى تأييداً متزايداً ) أن الجسيمات الأولية هي "تأثيرات برمجية" أكثر من كونها بنىً فيزيائية ذات كيان مادي … لا ليس فقط ذلك ، بل حتى ما تظنه أنه "تعريف نهائي" للكتلة أو للطاقة ، أو للجسيم أو للذرة ، هو فقط "توصيف لظاهرة موضوعية تتكرر بشكل متواتر وفق علاقات معينة مع ظواهر أخرى" والظاهرة ، ليست شيئاً بحد ذاته ، بل مجرد "عَرَضٍ" للشيء ، بحيث ليس هناك مانع أن تكون هي بدورها نوعاً من "البرمجة العميقة أيضاً"… أحد تلك الاتجاهات هو نظرية "المُنظِّم المستتر" ( الترجمة الصحيحة لنظرية النظام الضمني ) …

مبدأ الدّوال الفيزيائية : فهم المعنى العميق لنظرية "الدالة الرياضية (التابع)" :

هي شيء ( أكثر تجريداً ) من الرياضيات ، لكنها ( تحكم الرياضيات ) وتتفاعل معها ، ولعلك إن عرفت هذا السر ، سيسهل عليك فهم سبب موقفي من المعرفة الفيزيائية وكوني أتبنى ( منهجاً فينومونولوجياً وعرفانياً وسحرياً ) لدراسة الظواهر والنظريات الفيزيائية ، ولا أعتمد على الرياضيات وحدها في الوصول لإجابات عن الأسئلة الكبرى التي تقع خارج نطاق الرياضيات أصلاً …

فالدالة الرياضية ، هي شرحٌ بلُغة الرياضيات ، لمفاهيم عقلية مُجردة "كُتلة\طاقة\جذب" ، لها مصاديقُ فيزيائية "هذه الكُتلة" وهي كائنات حدثية محلية ، وهذه المصاديق ، بسبب تعينها في نطاقٍ محلي ، تتقيد ضمن "أرقام" ما هي إلا "أنساب" لمصاديقَ أُخرى ، زمنُ بلانك ليس 10^-44 من الثانية !! من أين جئتَ بالثانية أصلاً ؟ هل استطعتَ أن تُمسِك بواحدة بشكل مُطلق ، لتحولها لقياسٍ مُطلق ؟ الثانية أصلاً ( وحسب النسبية ) يستحيل أن تكون نفسها ضمن قياسين مختلفين محلياً ، أنت قد لا تُحس بذلك ، وربما حتى أجهزة قياسك المحدودة مهما بلغت ، لن تحس بذلك - ليس قبل بضعة عقود أخرى - ، ولكن "الكون" يحس بذلك ويفهمه جيداً ، ويُفَهمك إياه.

"إشكالية الضباطة" ليس فقط بسبب نسبية الزمكان ، كل المعايير والوحدات الأولية ، نسبية أيضاً ، المتر ، السنتيمتر ، الغرام ، المل ، جميعها ، وبلا استثناء ، بُنيت على "نماذج تقريبية" ، وكل ما بني على الظن فهو ظنٌ مثله ، ولربما يكون الاختلاف في كل مرة 0.0000001 أو أقل ، ولكن ومع تكرار الاختلاف ، وزيادة التناهي في الدقة المطلوبة للقياس ، دائماً ، ستجد علامة ( يُقارب ) عوضاً عن (يُساوي ) ، وستجدُ دائماً دخول الإحصاء في مضمار الفيزياء ، وسترى ( أو تُدرِك ) أن معيارك الأصلي كان نسبياً تماماً ، وفي كل مرة قمتَ بمضاعفته سلباً أو إيجاباً ، تزدادُ النسبية ، فهذه المُضاعفات ، تدخُل في محليات أخرى تخضع لتآثرات أخرى ، ربما لا تحس بذلك ، ولكن ، إذا صنعت وحدة قياس بعرض عُملة بلدك المعدنية ، وضاعفتها عشرة مرات ، فالعرض الجديد ، ليس في الواقع 10 أضعاف طباقاً من العرض المعياري ، ومع تكرار الاختلاف حتى تصل للمرصودات ذات الدقة المُتناهية ، يتلاشى تماماً المعيارُ الذي استخدمته في البداية.

وحدات القياس ، تأويلات متواضع عليها ، الكون ، ليس فيه ثانية أصلاً ، وليس فيه غرام ومتر ، بل فيه "معاني" ولأنك لا تصلُ للمعاني ، تستخدمُ وحدات القياس من أنساب المصاديق ( الغير ثبوتة ) لمقاربتها. فلا تغرنك تلك المُعادلات الأنيقة ، التي تملأ عشرة سبورات متجاورة ، لتشرح نظرية M-Theory ، هذه كلها ليست إلا ، نوعاً من "التأويل".

الدالة الرياضية ضمن علم الفيزياء ، لا تتحدث عن الرياضيات ، بل عن "الكميات الفيزيائية المُقيدة بالرياضيات- التي قيدتَها بالرياضيات المُستندة على وحدات قياسك الغير ضبوطة" ، وحدات قياسك تأويلات وضعية ، تقيس بها "مفاهيم شبحية" ضمن نطاق أرصاد محلي "بناءً على قدراتك التجريبية المحدودة" ، وبعدها ، تستخلص (لا تستنتج) أحكاماً لتلك "المفاهيم الشبحية" محولاً إياها لدالة رياضية فيزيائية وهذه الأحكام بالطبع مقيدة بفلسفة المعرفة خاصتك وبقدرات عقلك التجريدية ، وبعدها تنطلِقُ في رحلة لبناء نظريات جديدة عليها - هذا إن كنتَ تبني مثل تلك النظريات - حتى تصل ل"منظومة تركيبية شبحية وضعية\استخلاصية شديدة التعقيد والإبهام" لتصف كيف توحد تلك المجالات والحقول ( التي لم تَدري كُنهها أصلاً-فقط وصفت الإجراء الرياضي المزعوم لها والذي لا تعلم شيئاً عن ما يعنيه حقيقة ) ، وأخيراً ، لتربطها بتأويليتك حول الأسئلة الكُبرى للعالم … مِثلُ هذه النظرية ، أصلاً ، تشرحُ أسيار الحدثيات ضمن النطاقات المحلية ، ولا تعدو عن ذلك قيد أَنمُلة ، وإذا كُنت ترى - ورُأيُكَ الحق - أنها تستلزمُ "أزلية العالم" أو "اللاحتمية والارتياب والفوضى" ، فهذا نوعٌ من التنمطُق والتفلسُف الذي يستخم الجدال الظني ، وليس من الدراسة العلمية الجادة للظاهرة الفيزيائية ، سواءً الوجودية أو الإدراكية ( إن صح التعبير ).


مرجع مقالة ديفد بوهم المترجمة : نقد ميتافيزياء اللايقين
 
التعديل الأخير:
مرحبا بك يا سيد الاحجار الكريمه. ارجو ان تواصل كتابك دون قيد او شرط و لتضرب بكل المفاهيم التقليدية عرض الحائط. اما عن الفيزياء كما لقنونا اياها لم تعد تعني لي الكثير عن نفسي. فلا الجاذبية كما علمنا و لا الارض و اا الفضاء و التحت فوق و الفوق تحت و الوهم حقيقة و الحقيقة سراب. اضرب بخميائك مباشرة و لك منا كل الانتباه. بالمناسبه هل حقا الاحجار الكريمه نافذة ارواح القدماء..
 

إدراكك والعلوم ... البون بين العِلمِ والواقع والإدراك

البوابة الأولى : الرَّمزُ والمعنى الكونيان ... أكثرُ من مُجرّد لُغة

ما هو الرّمز وما هو المُدرَك \ المعنى والدلالة والمصفوفة :​


الرَّمز : موضوعٌ مُدرَك يعكِسُ رؤية موضوعٍ آخر عبر نطاقٍ زمني.

ليسَ بالضرورة أن يكون الرّمزُ لُغوياً ، إنَّ أي موضوعٍ يُشير إلى موضوعٍ آخر دون أن يكون هو عين ذات ذلك الموضوع ، يكون رمزاً له ، يكون رؤية عاكسة لهُ بزي زمني غيابي.

تتعلّقُ الرموز غالباً بزمن الغياب ، فضمن الحقيقة الحاضرة مُباشرة للإدراك ، لا يكونُ هنالك علاقة رمزية تُعبّر عنها ، على الأقل ، ليست ذلك الرّمز الذي يغيب عن معناه ضمن رؤية المراقب المُدرِك له ، دخول الموضوع المُدرَك ضمن زمن الغياب ، وانفصالُهُ عن الذاتِ المُدرِكة يحيل معرفتهُ إلى معرفة رمزية تحقيقية ، لا معرفة ذاتية حقّة.

حينها تُدرِك ، ليس مِن مُقتضى يشرِطُ ارتباطَ الرموز بالبشر ، فكُلّ كائنٍ مجهول الهُوية حاضر الأثر على إدراك الراصد هو مُدرَكٌ كأثر ، ولكنهُ غائبُ كحقيقة ذاتية ، وحضور الأثر هو ما يقود لحقيقة الكائن ... صورة النجوم في السماءِ رمزٌ لمدى بُعدهم وشدتهم ولو أنك لم تستخدم الفيزياء الفلكية لفك التشفير لما أدركتَ شيئاً عن نِطاقِهِم الفيزيائي وقوانين حركتهم الزمنية من مُجرّد التحديق ، كذلك الأمر ، إذا كان لهذه النجوم مُستويات وجودية أعلى من الفيزياء المحلية فلن تُدرِكها من خلال قوانين الفلك المحلي ، التي تحكي عن آلية السيرِ ضِمنَ المحل ... آليات السير هذه ، التي تصف الإجراءات المحلية ولا تَصِفُ عِللها ، هي بِحَدِّ ذاتها رموز ، من حيث إشارتها للغة الفلكيين ونواياهم ، ومِن حيثُ إشارتها لما وراء الإجراء المحلي من عِلل ، لأن السير المحلي للأحداث الزمنية ، بأسره ... أيضاً رمزٌ لأنه كائن غيابي مُركّب من شبكةٍ مُعقّدة من العلاقات ، ولكنه غير حاضرٍ بذاته للإدراك ، غير واضِحٍ بذاته.

الحرارة المُتلازمة مع ظهور الشمس ، تنبؤك بتلازم الحرارة مع الضياء الفيزيائي الفَعّال ، ولكن هذه العلاقة الأخيرة ليست حاضِرَة في الحرارة ولا في صورة الشمس ، بل في التلازُم الزمني بينهما ، وهذا التَلازُم ، هو "دلالة الرَّمز المُرَكَّب" من الحرارة والضياء الفعّال.

"الدلالة" صِلة الوصل بين جسد الرمز المُتحقق ضمن الزمن ، وبين مصفوفة العلاقات العِلِّية التي أنشأت ذلك الجَسَد.

الرمز > الدلالة > المصفوفة > المعنى الذاتي : مُعادَلَة إدراك مَصدَر الترميز.

المصفوفة : هي التفاعل الزمني الحقيقي الذي أنتَجَ الرمز ، والزمنُ هنا ليس فقط تسلسل الأحداثِ المحلية ، بل تفاعُل الكائنات العقلية التي تجسدت في رمز ، وهذه الكائنات اصطفت بعلاقات أعمَق من عالم المجردات العقلية ، وهي "القيَم".

وهذه القيم هي ما يُدرِكُهُ الوجدان حين يخشَعُ القلبُ لرؤية السماوات والنجوم والتفكّر بسعة العالمين وبطبيعة اصطفافِ العلاقات التي فيها ، ولقد تحول هذا الإدراك لموضوعٍ سحي يسمى الثوابت الكونية التي لا تخبِرُ بأكثر من المُقارنات الرقمية لعلاقات الكائنات والقوى في الزمن ، وتحول الأمر إلى مجرّد تأويل رقمي أجوف كورق السحب والصُدَف.

هذا هو دليل الإنسان البسيط الذي يقوده في ظُلمة ليله إلى الطمأنينة ، أن من خلق وأنشأ هياكل الوجود الأكبر والسماواتِ والأرض ، ليسَ يعجَزُ عن إجابته وحِفظه ، ورُغم عصيان الإنسانِ البسيط المُستمِر ، يرحب به الله ، ويُرسِلُ لهُ رسله ، وكل هذه الدُنيا على اتساعها لا تُعجِزُ الله شيئاً ، فموازين الرَّب ليست كموازينك ، إنك تراها وترهبُ الله الذي انشأها ، ولكن الله لا يُعجزُه أن ينشأ ما هو أشدُّ منها ، ورُغمَ ذلك يبسطُ يديه إليك ... فتَكشِفُ بوجدانِك الحي عن رحمَته ، وميزانه الفني الجميل ، الذي يعود كُل فنٍّ وجمالٍ إليه ، ولله المَثَلُ الأعلى.

البون الأول بين الذات المُدرِكة والرمز المُدرَك الذي يمنَعُ واقعية المعرفة الوضعية :

البَونُ بين الذات والرمز من حيث مقصوده ... إن الرمز الوجودي يمكن تجاوز حاجزه بما أن الذات تمتلك وسائل الكشف الوجودي بما هي موجودة ، لكن الرمز الوهمي ، أو الوضعي التاريخي ، يوجب انعدام الاتصال بين الرمز وعناصره المكونة له من حيث هي كذلك في الكون ، بل يتصلان من حيث تم اعتبارهما شيئاً ما بالنسبة لشخص أو عقل ما دون رابطة واقعية لذلك ، وهذا يعني من حيث المبدأ ، لانهائية معاني الرموز المحتملة بالنسبة للذات التي تُدرِكُها.

لذلك يحتاج أولاً معرفة طبيعة اللغة المُستخدمة في الترميز ، ما هي دلالات عناصر الرمز ، الحروف والأشكال والأصوات والإيماءات والأرقام والكلمات والجمل ... بالنسبة لمصدر الترميز. ذلك لا ينطبق فقط على رموز اللغات البشرية ، ذلك ينطَبِقُ على أي موضوعٍ للإدراكِ كرمز لحقيقة تقعُ ما وراء الموضوع

لا حاجة ولا معنى لحصر مبادئ الهيرمينوتيكس في اللغات البشرية والظواهر الاجتماعية ، فضلاً عن حصرها باللغات الميتافيزيقية والسحرية والعرفانية ، دون اللغات التي تصفُ العلم التجريبي والرياضيات ... هذه عنصرية معرفية واضحة ، أنهم لم يعمموا نتائج الهرمينوطيقا سوى على المجالات التي تخدِمُ مصالحهم وتمنعُ الناس من البحثِ في الدين وتوجههم نحو المعارف التجريبية ... كمسلمات دينية.

ما الذي يختلف في لغة المعرفة التجريبية عن سائر اللغات ، سيقولون لك إنها الموضوعية الحسية ، ولكن ، ماذا لو تعاملت مع الموضوعات الحسية نفسها كرموز لُغوية ؟ ما الفرق بين الرمز الدلالي والمعنى الجوهري أصلاً ومن رؤية إدراكك ، وليس من سجلات تلقينك ؟

وكيف يمكن ذلك برأيك ، عندما يكون المصدرُ غائباً والصلة معه منقطعة ؟ هذا مُحال ... عند اتفاق المجموعة أو الأمة على مدلولات معينة لعناصر رمزية معينة ، فهنالك نوع من الاتصال بين الذات المُدركة وبقية الشعب في مسألة تأويل الرمز ، لكنه اتصال من وجهة نظر الذات فقط ، التي تفترض الذوات الأخرى يحملون نفس التأويل لنفس العناصر والرموز ، وهذا بالطبع غير صحيح ، لأن إدراكهم غائب عن إدراكها ، وكل ما تحمله عنهم مجرد تأويل ظني بناء على المعطيات والإحصائيات والترجيح.

هذا البون بين الذات والرمز اللغوي ، ناتج عن عدم وجود دلالة مباشرة مستقيمة للرمز ، واتخاذه دلالة ضمنية تأويلية في لغة المصدر ، وعند وقوع الرمز على لوح الإدراك لذات غائبة عن المصدر ، وعند محاولتها الوصول للمعنى الحقيقي الذي تم قصده من الرمز ، سيكون الحاجز المنيع بينها وبينه لأنه في زمن الغياب ، وحتى ولو وصلت لرأس خيط ما ، أو إشارة ، فقامت بتحليلها وربطها عقلياً مع ذلك الرمز ، فهذا نوع من التأويل ، وليس له علاقة مباشرة بالرمز فهو غائب أيضاً ، ظني مهما بلغ من التعقيد والحَبك ...

لذلك لا تحاول ... لا تحاول أن تحلل شيئاً غيابياً لأنه لن يفضي سوى إلى العدم ، ولن تستفيد شيئاً وستندم في النهاية وهذه هي المنفعة الوحيدة ، وإن إمساك النفس عن الفضول لهو قطع رأس الأفعى لكل الفتن والمشاكل ، ولكن كيف تطبق ذلك ؟

البون الأوّل بإسقاطه على المعرفة الاجتماعية البشرية بأسرها :

العِلم ... والدين :

الأمر لا يقتصر فقط على اللغة من حيث هي ظاهرة اجتماعية ، لا بل من حيث هي ظاهرة اجتماعية كونية أيضاً ، فما أدراك ، أن الذي يقصده الفيزيائيون عن الشمس ، هو تلك الشمس التي تراها بعينيك ؟ لعلك ستجيب ، أنك عندما تلتقي بفيزيائي وتشير بإصبعك للشمس ، ثم ينظر إليها فيحدثك عنها ، أنكما تتحدثان عن نفس الشيء ولكن ، هل أنت ترى بعينيك أم بعيني الفيزيائي ، هل نيتك في الوصول لحقيقة الشمس هي ذات نية الفيزيائي أم له مآرب أخرى ... ما الذي يجعلك تثق في نوايا الفيزيائي سوى تأويلك الذي يقول : لا مصلحة في أن يخدعني ، وما الذي يجعلك تثق بعيني الفيزيائي سوى تأويلك الذي يقول : هو يراها كما أراها ... ولماذا أصلاً تثق بعلوم الفيزيائي سوى تبعاً لتأويلك الذي يقول : هذا الفيزيائي لديه ما أبحث عنه ... في الواقع ، أنت لا ترى بعينيه ولا تتوجه بنيته ، بل هما غائبان عنك ، وأنت لا تثق بالفيزيائي ولن تفعلها أبداً ، لكنك تثق بتأويلك الخاص عن شخص الفيزيائي ، الذي نسجته بالوضع والوهم حول ذلك الفيزيائي ، وحول العلم ، وحول كل شيء ...

وفي الدين الذي تتعصب له دون بينة كذلك ، أنت لا تثقُ برجل الدين ولا بمذهبك ، بل بتأويلاتك الشخصية التي تلصقها بهم.

لأنهم جميعاً غائبون عن حضرتك ، عندما تدافع عن العلوم التجريبية ، فأنت تدافع عن تأويلك لها وليس عنها ، فأنت لا تعرفها بل تعرف تأويلك لها ، وعندما تحب شخصاً ما ، لا تعرفه ولا تدرك روحه ووعيه ، بل تدرك جسده وموضوعه الفيزيائي وارتباط هذا الموضوع بأفكار لديك ، هذا حب لتأويلك للشخص ، تأويلك الذي في ذهنك ، ليس الشخص نفسه ... وماذا عن إلهك ... ماذا تعرف عنه ... هل تعرف رموزاً لها تأويلات لشيء غائب عنك ، أم تعرف الحضور نفسه.

البون الأول بإسقاطه على جميع الرموز الإدراكية الموضوعية :

فهذا البون الأول ، ليس فقط بين الذات والرمز الاجتماعي ، بل بين الذات وأي رمز وضعي ، رمز ليس في مكانه الصحيح ، رمز غائب عن معناه الحضوري ... قس على ذلك كل ما تعلمه ، وماذا تعرف أصلاً ؟

ما الذي تعرفه عن الكون والفيزياء ، ما الذي تعرفه عن نفسك وعن من حولك وما حولك ... أنت تُدرك رموزاً وهذا حضور وشهادة ، لكنك لا تلبث تنقلها إلى مساحة التأويل الخاصة بك ، فتجعلها رموزاً بلا معاني ، أو بمعاني عبثية وعدمية لا فائدة من نقاشها والسعي فيها ، بحيث تغيب عن الحاضر ، وتغرق في بحر مظلم من الألغاز والأشباح التي تعتبرها موجودة وذات معنىً حقيقي صحيح وهي غير ذلك ، هي غائبة ومعدومة ، لذلك تحتمل كل التفسيرات الممكنة.

الكون ليس قشرة جوز في يد الفيزيائي ، كما أنه ليس بالضرورة أن يخضع لقوانين الفيزياء التي يتم تداولها اليوم ، فهي بالنسبة لحضرتك ، غيب لا تعرف عنه شيئاً ، ما كنت معهم يوم قاموا بالتجارب ، وما كنت معهم يوم قاموا بالحسابات ، وما كنت معهم يوم نشروها بعد القرار ... ولو كنت معهم لربما خالفتهم في كثيرٍ مما يقولون ، وما ينفعك إجماع من في الأرض جميعاً وهم غائبون عنك ، ولا تملك سوى تأويلك لهم ... ثم ماذا تعلم عنهم أصلاً هل هم كائنات حقيقية واعية أم مجرد أشباح متحركة ، ما الفرق بين الشبح والإنسان ، هل هو الموقع الفيزيائي لكل منهما ؟ أم اعتبار المجتمع لهما ؟ وهل تعتقد إذا كان كل المجتمع أشباحاً أن يكون له ولاعتباراته قيمة ، أم لعلك قد برهنت بشكل قاطع على وجود العناصر الإنسانية التي تركن إليها وأنى لك ذلك وقد وقعت عنك في الغيب وبحثت عنها في الغيب ؟ وهذه الثقة ليست فيهم فلا تخدع نفسك وتقول ما مصلحتهم من خداعي ، هذه الثقة في تأويلك لهم وهو ظنٌ على الغيب ، لا أكثر.

ثم هل تعرف حقاً ما هو الكون ؟ وما هي الكائنات المادية ؟ أم لديك تأويل يتغير بين ساعة وأخرى ؟​
 
التعديل الأخير:

البَوابة الثانية : مُثلّث البون ... وأصل إدراك الوجود



1648672174709.png

ما هي الحقيقة ؟ قادت المعارف البشرية على مر التاريخ المسجل ، نحو توجيه الإنسان لإلغاء هذه الكلمة من قاموسه ، واستبدالِها بكلمة "الحقيقة العلمية" وهي اسم لا علاقة له بالحقيقة أبداً ولكن ... له علاقة بالعلم التجريبي ، وبإلزامه على الحقيقي ، وجعل من يحاول فهم "الحقيقة" با هي كذلك ، مُقيداً بما سَمّوه "الحقيقة العلمية" ولذلك ، دعا الأمر أن تُحقق بحقيقة العلم ، وأي نوعٍ من الحقائق تلك التي يعدُ بها.

لابدَ من تصفية معارفك من الأوهام والأحلام ، أخلص النية للوصول للغاية ، وقبل كشف الوسيلة السالمة والمستقيمة نحوها ينبغي التخلص أولاً من العقبة الأساسية في تقدم كل العلوم ، ومنها هذا العلم الذي أنت بصدد الدخول في طياته ، التخلص من الحجر المؤسس لكل المغالطات المنطقية ، على اختلاف أشكالها وأنواعها. والسبب في هذا التوجه ، هو أن فهم "التفاعُل بين الموجودات من حيث رمزيته وجوهريته" فهماً صحيح الدّلالة ، هو ما سيتكفل بالتقدم الصائب والصادق أثناء كل خطوة من خطوات هذا البحث.

وقبل أي محاولة لصياغة "تعريف دقيق" للتفاعُل الزمني الجدلي ، ينبغي أولاً "تخطي العقبة الدلالية للتعريف". وأقصد من هذا أن مدى قبول الطرف الآخر بتعريف الطرف الأول ، يعتمد بالدرجة الأولى على فهمه للأبعاد الذاتية والموضوعية للمعنى الذي يحاول الطرف الأول إيصاله له. وهنا تُطرح الميزة الأهم فيه : هل من الممكن أصلاً حدوث توافق تام بين الرؤيتين للفظ اللغوي ذاته ، رؤية المصدر ( الكاتب – المحاضر – الباحث ) ورؤية الراصد ( السامع – القارئ – المتلقي – المراجع أو الناقد ) ، عبر الأبعاد الذاتية والموضوعية لنفس المعنى ؟

تجيب الهرمنيوطيقا بالنفي التام عن كل سؤال من الذي مر ، وذلك لسبب بسيط وبديهي ، وهو أن اللغة تستخدم الألفاظ ، والألفاظ هي "رموز" تقوم بمحاولة "التدليل" على المعنى المقصود ، مشكلة وسيطاً بين المعنى المُدرك من قبل الذات المصدِّرة له ، والمعنى المدرك من قبل الذات المتلقية له ، وهذا يعتمد على ثلاثة عوامل ( مراحل ) للدلالة المعنوية للرمز الذي تم اختياره :

مُثلث البون الهرمسي : مستويات البَون والتفاعُل الزمني "الإدراكي" بين الذات وبين العالمين :​

البون بين إدراكك والرموز الغائبة ، في حالة الوضع ، وباعتبار الموضوعية مُفارقة للذات فلا بد أن تبدأ من العالم الافتراضي المعروض على لوح التصوير الذهني ، وإن هذا يضعك أمام ثلاث حواجز كُبرى :

البون الأول بين الذات والمُدرَك الموضوعي \ امتناعُ الموضوعية :​

هنالك استحالة ، أن يحدث إثبات الموضوعية في إدراك رمزٍ ما ، لأن الرمز الموضوعي مُفارق للذات ، فهو ذاتي الوجود ، مستقل عن الإدراك ، بكل ما احتواه من دلالات ، فليس هناك حضور لقيمة "الوحدة الإدراكية" بالنسبة للعناصر الفيزيائية أو المحلية التي ترصدها الذات المُدرِكة والمراقبين المُفترضين المُفارقين لها ورغم أن هنالك إمكانية بالحكم بوحدة الإدراك لموضوع ما من حيث دلالاته المشتركة بين جميع المُراقبين ، لكن هذا حكمٌ بصدق اسمي للدلالة ووحدتها كما تم الاتفاق على ترجمتها وليس حُكماً بصدق الموضوع الحسي الذي تحمل عليه الدلالة ، لأن الأعراض تُثبَت بالعقل والتجريب والإحصاء ، لكن الكُنوه لا تُثبت لأنها غير غائبة عن الإدراك ، وغير حاضرة في الغياب بما هو غياب ، وما غاب عن الإدراك لا يمكن أن يستحيل إلى حالة حضور لمجرد الاستنتاج والقياس ، فهي ليست فكرة أو دالة منطقية أو رياضية أو سلوكية ، فهي ليست كائناً موضوعياً، وذلك نظراً لاختلاف التأويل الممكن بين الذات وبقية المُراقبين. ذلك ينطبق على الرمز الكوني الاجتماعي كما ينطبق على الرمز اللغوي تماماً. فإذن ليس هنالك مفهوم علمي ثابتٌ للجميع ، بدءً من اللون وانتهاءً بالكون. وليس هناك محسوسٌ يمكن إثبات وحدة معناه الحسي لجميع المُراقبين ، ليس بالضرورة أن ترى أنت اللون الأحمر كما يراه غيرُك ، قد يراه أخضراً أو شيئاً من هذا القبيل ، فإذا وقع ذلك ، فلا مجال للتثبت منه دون اختراق حاجز وعيه ورؤية الأمور كما يراها ، قد يأتي ادعاء أن ذلك ممكن بالمقارنة مع نتائج راصدين آخرين ، ولكن المراقب الذي يرى الأحمر أخضراً ، سيراه كذلك دائماً ، في كل الأوقات والأماكن والتجارب ، فكل ما سيشيرون نحوه بأنه أحمر ، سيراه أخضراً ، إذ أن نقطة ارتكاز أي تجربة لمعرفة ما يراه ، بمقارنته بما يراه غيره ، ستفضي دائماً للتوافق الاسمي بين المقارنتين ، المعطيات التي ستُجرى عليها تجربة الرصد يمكن معرفتها موضوعياً فقط بالقياس إلى مجموعة رصد أخرى يُفترض أن تكون أكثر صدقاً ومعيارية ، ومن وجهة نظر الموضوع المعطى نفسه لا الإدراك الذاتي للموضوع ، سيكون هذا الموضوع الحسي معروفاً بالاستناد لموضوعات حسية تم الاتفاق على انتسابه لمجموعة صفاتها ، فالأحمر حينها سيتم معرفة الاتفاق عليه باعتباره يشير إلى الدم ، يشكل موجة ذات طول محدد ضمن شروط ضباطة معينة ، علامات فارقة يراها كل الناس ويتفقون على أنها تعود لنفس اللون ، لكن هذا لا يدل على أنهم يرون نفس اللون جميعاً ، بل أن جميع هذه الأشياء تحمل لوناً واحداً بالنسبة لكل إنسان ، وليس بالضرورة إذاً أن يكون الإنسان بما هو إنسان ، يرى الأحمر بما هو أحمر ، بل يرى نفس اللون لنفس الأشياء ، أما كُنه اللون الحسي فقد يختلف من راصد لآخر ... مصفوفة المحاكاة الموضوعية : هل تساءلت يوماً ، إذا ما كان اللون الذي تشير إليه بـ"الأخضر" يراه كل الناس بنفس رؤيتك له ؟ ماذا لو كان "كل الناس" يقومون لا إرادياً بإحداث مبادلة بين الأخضر والأحمر ، سوف يرون كل شيء تراه أنت أخضر أحمراً ، وكل شيء تراه أحمر أخضراً ، وعبارة "كل شيء" تعني هنا أنه لا وجود ولو ل"محور إسناد حيادي" واحد ، تشتركان فيه موضوعياً برؤية اللون الأخضر ، أي أنك إذا حاولت أن تثبت ( بطريقة موضوعية ) أن شخصاً ما أو مجموعة أشخاص ، أو حتى كل البشرية ، لا تختلف معك في رؤية الأخضر ، فلن تجد سبيلاً لذلك ، لأنك تحتاج إلى موضوع حسي وحيد على الأقل يكون ذا دلالة محايدة ، أي تتفقان معاً على أنه الأخضر من حيثُ الإدراك لا من حيث المُقارنات بالأعراض والعلاقات ، ثم تعملان مقارنة بين بقية الموضوعات الحسية التي تشك بأنهم لا يرونها كما تراها ، وبدونه ليس هناك وسيلة قياس تجريبية موضوعية ، فكل الوسائل ستغدو حينها ذاتية تماماً.

1648671698654.png


لنفترض أن * و # هما مراقبان مستقلان للموضوعات الحسية ضمن مجال فيزيائي موحد ، وفي هذا المجال يوجد عدة أنماط حسية كلية ، مثل لون ما أو شكل ما ، ولنفترض أن أحد هذه الأنماط هو @ ، وهو متكرر بشكل يُحتمل أنه لا نهائي ضمن ذلك المجال ، ثم إن * و # اتفقا على أن يجريا تجربة موضوعية لكي يثبتا أن @ بالنسبة لهما موحَّدة في الرصد ( أو في التأويل على الأقل ) ، ولأن @ تتكرر بشكل لا حدود له ، وهي دائماً تتخذ نفس الانطباع أو التأويل لدى # وكذلك لدى * ، فإن * عندما يحاول أن يعرف كيف يرى # انطباعات @ فإنه سيلجأ إلى موضوع حسي محدد ، ثم سيقوم بمقارنة ما يراه هو بما يراه # لذلك الموضوع ، ثم سيقارنه بموضوع حسي آخر ويستنتج اختلاف الموضوعين أو اتفاقهما من المُقارنة ، وفي حالة @ كان لوناً مثلاً ، فإن كل واحد من المراقبين سوف يرى كل موضوع حسي يصدق عليه @ بشكل متفق مع ما يراه في كل الموضوعات الحسية التي ينطبق عليها سياق فئة @ ، فكل ما يراه * أحمراً ، يراه # أخضراً والعكس صحيح ، وبالتالي ، هنالك تطابق في دالة أعراض الماهيتين لدى كلا الراصدين ، مع أنه يوجد اختلاف جذري في رؤية كل منهما لها من حيث هي عنصر محسوس حاضر للإدراك لا يحمل أي دلالة عقلية

مع أنه يوجد اختلاف جذري في رؤية كل منهما لها من حيث هي عنصر محسوس حاضر للإدراك لا يحمل أي دلالة عقلية ، لذلك وبعيداً عن الأحكام الذاتية ( مثل حب كلا المراقبين للون الأخضر كما هو فعلاً وبالتالي اختلافهما في التعامل العاطفي مع نفس المعطيات ) فإنه من المتعذر تماماً أن يقوم أحدهما بمعرفة هل ما يراه الآخر هو الأخضر أم الأحمر ، لأن أي رمز حسي للون الأخضر بالنسبة لأحدهما سيكون مختلفاً بالنسبة للآخر ويأخذ نفس صيغة التأويل التي تنطبق على كافة عناصر مجموعة اللون الأخضر المرصودة له.

فيقعُ الاتفاق على دالّة تأثيرات الموضوع الحسي أو المفارق للذات ، التي تتفقُ مع دالة تأثيراته بالنسبة لذات افتراضية أُخرى تدرِكه ، ومع أن كلا الذاتين تتفقان على تأثيرات الموضوع الحسي نحو مواضيع حسية أُخرى مرصودة لهما ، فإن هذه التأثيرات نفسها وتلك الموضوعات ، قد لا تكون مُتماثِلة بالنسبة لكلا الذاتين في نطاق الإدراك ، فارتباط اللون الأخضر بالعشب ، يحدده إدراك العشب لدى كِلا الراصدين ، وارتباطُ العشب بالمراعي والأراضي والماء والتمثيل الضوئي ، كل ذلك مرهون بتوافق هذه الرموز في بعدها الإدراكي لدى جميع المراقبين ، فليس فقط لا يُمكن إثبات وحدة إدراك موضوع حسي معين ، بل لا يمكن إثباتُ وحدة النسق الحسي للكون المرئي بأسره. إن المعيار الأساسي في الموضوعية ، وهو "اتفاق المراقبين على نفس نتيجة الرصد" هو معيار مستحيل الإثبات ضمن زمن الغياب والموضوعية نفسها ، لأن إثبات كون أحد المراقبين يرى ما يراه المراقب الآخر ضمن معطى حسي معين "مفارقة الألوان" وهي منطبقة تماماً على كل موضوعات الخبرة الحسية المحددة بالإحداثيات الزمكانية.

فلن يمكنهم أبداً أن يعلموا على وجه اليقين كيف يبدو الأحمر لذلك المُراقب في إدراكه ، طالما أن عينه متوافقة تماماً مع العين الطبيعية وأعصابه كذلك ، وليس يعاني من أمراض يعزون إليها اختلاف النتائج ، فلا يمكن أبداً أن تُدرِك الأحمر بالنسبة له ، لأن أسبابك للتخمين تتوقف عند تلك العتبة ، فالموضوع الفيزيائي ليس واحدياً في الإدراك من حيث هو موضوع وبالاستناد للإثبات المنطقي والتجريبي وحده ، هل يمكنك إقامة البُرهان على ذلك. تماماً كما لا يمكن إقامة البُرهان على وحدة دلالة عناصر الرمز اللغوي المدخلية بالنسبة لجميع الراصدين له والمتعاملين به معك كذات تُدرِكُه ، فهذا البون يقيم صداً لوحدة الدلالة الحسية المُباشرة في لغة الكون بالنسبة لذات مُدركة مع كائنات تدرك نفس الموضوع بتأويلات أخرى ، وأما الإدراك المباشر للموضوع فلن يقود لتعدد التأويلات ، ولكن الذات لا تستطيع الحُكم على طريقة إدراك الكائنات الأخرى ، بل فقط على طريقة إدراكها والإدراكُ نفسه ، ليس ممكناً من وجهة نظر "موضوعية\لا ذاتية" إثبات وحدة الإدراك والمدرَكات. يمكن التحقق من ذلك بالشهود الذاتي للإدراك بما هو إدراك ، شهوداً وجدانياً حياً لقيمة الإدراك ، فمعيار الموضوعية الحسية لا يقام على الموضوعية الحسية نفسها ، لأن كلاهما غائب ، كلاهما سالب للبرهان ... ومن ناحية موضوعية لا مانع من اختلاف الموضوعات الحسية الأولية وكل دليل على امتناع ذلك يقع في دائرة الجدل والتأويل.

فعلى أي شيء يتفقُ المراقبون ؟ يتفقون على شيء واحد فقط : "وحدة النسق التآثري بين عناصر الكون المادية" يتفقون على وجود علاقة تربط الماء والهواء والتمثيل الضوئي في العشب ، وتربط العشب باللون الأخضر ، وتربط اللون الأخضر بالشجر والمروج وأقلام الحبر الخضراء ... هذه الأنساق المتحدة معاً ، في تفاعلاتها ، لا ضرورة أن تكون التفاعلات نفسها مُدرَكة بنفس الطريقة لجميع الراصدين ، ولا الكائنات التي ضمن التفاعل ... ولكن اللغة التي تعبر عن ذلك التفاعل تم الاتفاق عليها من بعض المجموعات البشرية الذين يسمون بالفيزيائيين والطبيعيين ، والذين لا يَدرُسون سوى "اللغة التي تعبر عن تلك الأنساق" ولا يتفقون إلا على التوصيف اللغوي ، ونظراً لمفارقة اللغة اللفظية والوضعية للمعنى الحقيقي المُدرَك إدراكاً مُباشراً ، يقع الجدل في أوساطهم حول هذه الألفاظ اللغوية والعلاقات بينها ، متخذاً صيغاً رياضية تعبر عن قياس تلك الألفاظ نحو العلاقات الكمية والعددية لها ، وحتى الكموم والأعداد ما أَثبَتوا وحدتها الإدراكية بعد ، إلا عن طريق لغة أخرى تسمى الرياضيات ، والتي لا يمكن التحقق منها بالطريقة الموضوعية ، دون إسقاط القدرة على البرهنة بنفس الوقت كما تقدم.

تعبر اللغة التجريبية عن نسق العلاقات الدلالي للكون أو لموضوع فيه ، مستخدمة كلمات أولية تم الاتفاق عليها بشكل تسليمي ، كالألوان والأشكال والأعداد ، وكلمات ثانوية هي علة التكاثر المعرفي "اللوغاريتمات والنشاط الموجي والفقاعات الهندسية في الزمكان" وجميعها ، لا تشير إلى الأشياء بذاتها ، ولا إلى الأشياء للذات المُدرِكة ، بل إلى "التوافقات العلاقية المُبهَمة" التي تشكل دلالة تجمع المُراقبين والراصدين ... فأي نوع من اليقين ، بل ما الذي تحققه بتعقب مثلها من مصفوفة عشوائية عبثية.


البون الثاني بين الذات المُدرِكة وبين نطاقات الإدراك الأُخرى \ امتناعُ المعرفة الحسية المحلية للأرواح والمعرفة البشرية :​

وإذا كان الأمر كذلك ، وكان المُراقب نفسه موضوعاً حسياً للذات المُدركة ، وكان في عالم الغيب ، ولا يحضرها سوى أثره الفيزيائي ، هل هي تملك الحكم عليه من مُنطلق موضوعي ؟ أم أنها تقوم بصياغة تأويلها الخاص حوله ؟ لماذا على هذا المُراقِب أن يكون واعياً مُدرِكاً لِما يقول ، بشكل مبدئي قد يتظاهر بذلك ، وبشكل نهائي قد يكون مجرد آلة ، إن سلوكياته الخارجية أياً كانت ، لا يمكن أن تقيم برهاناً تحقيقياً على مكنونه ، حتى ولو كان يُعجب الذات بغلافه الخارجي. أوضح : قد لا يكون له وجود حقيقي إلا ضمن عالم إدراك الذات فقط ، وهذه هي الموضوعية الحقيقية ، أنك تستند إلى رؤية الراصدين المتعددين لموضوع ما ، وهم أنفسهم مجموعة مواضيع أخرى لإدراكك.

البون الثالث بين الذات المُدرِكة والعالَم المُدرَك \ امتناعُ المعرفة الحسية للعالَم بأسره :​

عندما تقع جميع المُدركات الموضوعية من حيث موضوعيتها موقع الشك والتحقيق ، بعد انتفاء معيار الموضوعية نفسه ، حُقَّ السؤال : إذن ما الدليل على أي شيء في الوجود المادي المُدرك حسياً ؟ هل سمعت من قبل عبارة : الحقيقة المُطلقة أنه ليس هناك حقيقة أبداً ... الحقيقة تتغير معنا وفينا ... مِثلُ هذه العبارة صادقة تماماً ليس فقط على الأخلاق والمعاملات والسياسة ، لا بل على كل شيء مُفارق للذات من حيث وجوده المعزول عنها ، لا يُمكنك أن تُثبت لنفسك أو لغيرك وجود شيء في هذه العوالم الافتراضية المُتداخلية التي تحياها ، بالاعتماد على الموضوعية ، لا يمكنك أن تجزم بوجود المادة أو كُنهها ، أو بوجود الآخرين ، أو التاريخ ، أو الأفلاك والنجوم ، أو ، غرفتك ، ثيابك ، أغراضك ، تحفك المفضلة ، الساعة الواقفة في مركز المدينة ، والساعة التي في حائط غرفتك وهي تشير إلى رموز غريبة لا تعرف ما قصتها ومن أين بدأت حكايتها ، ولماذا هذه الرسوم بالذات ولماذا اثني عشر رقماً ، ولما العقارب ... هذه أشياء لا تعرف عنها إلا ما حُكي لك من حكايا من عالم ، لا تستطيع الوثوق بأي معلومة تأتي منه أبداً ... انعدام الصلة الصلبة بين إدراك الذات للموضوع وإدراك الآخرين له ، وبين إدراك الذات للآخرين وجوهرهم الحقيقي ، يعني بالنسبة للذات المُدرِكة الواعية ، التي ترفض الانصياع للوهم وعبادة الغياب والظنون ، انقطاع حبل الموضوعية الحسية المنعزلة عن الإدراك ، في قدرتها على إثبات أي شيء على الإطلاق ... فلا يُمكن التعويل على المُراقبين بأي شكل كان تعويلاً كاملاً نهائياً ، ليس هنالك موضوعية حسية ، هنالك تأويل ذاتي للمُراقبين والموضوع ، يقوم بتوحيدهم في نظرية ذاتية ظنية ويسميها بالموضوعية الحسية وهي شيء من الغيب المُطلق الذي لا يدل على أي شيء في ذاته ، ويخلو من كل قيمة مُحتملة ، ولا يحتوي سوى الاحتمالات معدومة القيمة والدلالة والمعنى، أما التعويل النسبي فلا حاجة دائمة له طالما التوجه ليس من النسبي إلى النسبي ، بل من النسبي إلى المُطلق. وطالما أن الموضوعات الحسية الأساسية لا يُمكن إثبات موضوعيتها ضمن عالم الغيب ، فكيف يُمكن إثبات موضوعية التأويل الخاص بها ؟ كيف تتيقن من ثبات المُراقبين جميعهم على نفس التأويل ، وكيف تتيقن من جدوى هذا التأويل أصلاً ؟ صحيحٌ أن التجارب المادية تحقق نتائج جيدة في استقراء الأحداث ضمن الغيب ، ولكن ماذا عن هذه الأحداث نفسها ... هل لها معنىً أصلاً ، إذا كانت الأحداث تستمد معناها من المجتمع المُراقِب ، المسمى بالموضوعية الحسية ، وكان هذا المُجتمع غائباً عنك كذات مُدرِكة ، وكل ما تحمله هو تأويلك لهذا المُجتمع ، فكل ما تعرفه عن الموضوعات الحسية عبر المجتمع هو تأويل أيضاً ، لا وجود له إلا في نطاق التأويل ، لأنه لو كان حقاً لما دخل فيه الظن ، فالظن عندما يصيب بشيء ، يصيب في عالم الظن نفسه وضمن مساحة ظنية أخرى ولا يصيب في عالم الحق ، لأنه بمجرد أن يُكشف كحقيقة يتلاشى من كونه ظناً وإلا فليس هناك حقيقة فيه ، بل ترجيح احتمالي. إذن ليس هنالك شيء اسمه مُجتمع علمي ونظام تعليمي ، هي فقط تأويلاتك لما تراه ، لأنهم غير ثابتين لك في جوهرهم ، وإدراكهم غائبٌ عن إدراكك ، فلا أنت تستطيع معرفة ما يرونه حقاً ولا ما يؤولونه حقاً ، ولا من هم حقاً ... فطبيعة معرفتهم بالمحسوسات غائبة عنك ، وطبيعة تأويلهم لها غائبة عنك ، ولا شيء يُثبتها لك لأن مقدماتها المحسوسة غير ثابتة ، وطبيعتهم أنفسهم غائبة عنك ، ولا يبقى لك سوى صورهم الشبحية تحوم حولك بين حين وآخر ...

إن مبدأ البون على المُدركات ، لا ينطبق فقط على المُدرَكات الحسية ، بل على كل المُدركات بكافة المستويات ، اللغة التي تستخدمها لا تعلم معاني أحرفها الحقيقية ولا كلماتها ، ولا تعلم ماذا يُقصد بهذه الكلمات حقاً لدى مُدركين آخرين لديهم كيان داخلي مجهول المعالم ، واتفاقكم على عَرَض ما لهذا المعنى\الكلمة ، لا يعني أنكما تستخدمونها بنفس الطريقة والسياق ، وربما أنك لا ترى الرموز الرسومية للأحرف كما يراها الآخرون ، وربما أنك لا تسمع الأصوات كما يسمعها الآخرون ، ولعل البعض أن يُجادل بشأن وحدة النسق بالنسبة لراصدين مختلفين أن تكون دليلاً مُجدياً على صلاحية التعميم ، ولكن النسق نفسه غير ثابتٍ في وحدته ، كيف ذلك ؟

مُنطلقات المعرفة الوضعية ومصفوفتها :​

التصورات الحسية الأولى والقضايا التركيبية :​



انطلاقاً من كون الواقِعِ يَجب أن يكونَ موضوعياً مُفارقاً للإدراك ، متعلّقاً بشبكة المراقبين ، كانت المعارِفُ الأولى الممكنة لهذا البنيان هي العناصِر الحسية البسيطة ، التي تَقَعُ في نطاق رصدِ أي إنسان دون أن يقوم بتأويل جوهريتها أو قياسها بالأجهزة. وهي المكان والزمان والأجسام ، ومظاهرُ الطبيعة الكبرى كالشمس والقمر والأرض والسماء والليل والنهار ... والناس الآخرون ، والكائناتُ الحية الأخرى ، وما صنعه الإنسان من أجهزة ومعدات بسيطة ومعقدة ، كُلُّ تلك المحسوسات تتحول إلى مفاهيم راسخة في الذاكرة.

هذه الرموز المحلية وما ارتبَطَت به من علاقات محلية ، مع رموز أخرى ، تشكل البنية التصورية الأولى للعالَم ، والعلاقات الرابطة بين تلك الكائنات المحسوسة ، صحيحٌ أنها منطقية مُجرَّدة ، ولكن تدعي الوضعية أن الإنسان يستنتِجُها من الواقِع الملموس محلياً للحواس الخَمس المحلية ، فهي مُجرّد بُعدٍ آخرَ للمحليات. وهذه العلاقات الرابطة تنشأ من إسقاط نماذج الرّبط المنطقية للرموز ، على الاقتران الزماني والمكاني بين المُعطيات المحلية ، فإن العلاقة "إما \ أو" بالنسبة لرصد اقتران التغيير والموت مع المحليات ، تسمح أن تستنتج ان كُلّ شيء في صيرورة متغيرة مستمرة. واقترانُ القمر مع الفضاء والفضاء مع الأرض والسماء المحليان ، يجعَلُك تستنتج مفهوم الفَلَك ، واقتران الفلك مع قانون التغيير ، يجعلُك تستنتج إمكانية موت النجوم وانهيار الأرض وهذه هي "القضيّة التركيبية" التي تُعطي معرفة جديدة.

لأنك إذا علمت بإمكانية توفي النجوم بالطريقة السابقة ، فإنّك لم تكُن تُدرِكُ هذا القانون "تغييرات الأفلاك" حتى ربطت التصورين الحسيين الأصغرين "الأفلاك المحلية \ التغيير المحلي" لتكوين التّصور الحسي الأكبر "ذلك القانون". وكما ترى ، هذه المَفاهيم عقلية وليست حسية ، ولكنها مُستمدة من عالم الحس المحلي وليس من عالم التجريد ، وصِدقُها يعتمدُ على اختبار القضية الحسية المركبة ، اختباراً يزيل الاحتمالات الأخرى الأكثر شيوعاً وترجيحاً.

كما أنها لا تمثل بذاتها شيئاً مُستقلاً ، بل تحتاجُ إلى الواقِع المحلي لكي يتم استنتاجُها ، وإلى التجربة لكي يتم نسبها لذلك الواقع ، وتُشكّلُ في النهاية : مجموعة رموز لُغوية وإشارات للوقائع ، ولا تُشكّل الواقع نفسه.

إن التركيب في المذاهب المادية الوضعية ، لا علاقة له على الإطلاقِ بالتركيب بالمعنى الفلسفي والمنطقي ، لذلك كثيراً ما يحار الطلاب في دراستهما ... التركيب الوضعي هو ربط منطلقُه محلي حسي ، والتركيب المنطقي هو وِحدَةٌ عقلية يُكشَفُ عنها ضمن البُنية الموحدة للكائنات التي تم رَصدُها وإدراكُها.

التركيب المحلي \الوضعي الاسمي : أشبه بان تقول : ما هو الكوكب ؟ قِطعة شبهُ كروية من المادة ، تطوف حول قطعٍ أكبر ، ولهذه القطعة حقول قوى تضبط سيران الأحداث على أراضيها. هنالك أوصافٌ معينة لها مثل حجم معين وكثافة معينة ، وموقع معين في الفضاء ... وكما ترى فهذه كُلها صفاتٌ مُجزّأة تم رصدها في مجموعة معينة من الأجسام الفلكية وبسبب الاستقراء استُنتج منها مفهوم "الكوكب" هذا.

التركيب العقلي\الحقيقي الجوهري : ما هو الكوكب ؟ هو عَجَلَةٌ زمنية محلية تفاعلية ، تحتمِلُ عليها الكائنات التي تقلّ عن قوة جذبها في قوة الانعتاق ، وتفصِلُ تلك الكائنات عن الأزمنة الأُخرى وتربطها جميعاً بزمن الكوكب وميقاته ... في هذه الحالة ، لستَ تحتاجُ لرؤية عدة كواكِب لتستنتجِ إمكانية وجود نموذج الكوكب وقالبه الكوني المحلي ، لأنّك اكتشفت العلل المُباشِرة لتواجد الكوكب محلياً ، قد تفعلُها دون رؤية أي كوكَب من قبل ، عندما تُدرِكُ أن هذا المفهوم ممكنُ النشوء بل واجِبُهُ ضِمنَ ظروفٍ معينة ، عندما تستنتجُ المفهوم الموحد لتلك العلل ، ومن الممكن أن تستخلِص هذا المفهوم من رؤية كوكَبٍ واحد ، وذلك بِرَدّه نحو بنيانِه التجريدي بالنسبة لإدراكك له وعلاقته بلوح التصوير الذهني ، لأنه يندرج في الزمن ، والحركة ، والتفاعُل ، وينظُمُها في حَجمٍ محدد ونطاق تآثُرٍ مُحدد.

كلا التركيبين ينتج المزيدَ من المعرفة ، لكن معرفة الأول حملٌ على الغياب فهي ظنون وترجيح ، ولذلك تحتاجُ الاستقراء أثناء التجريب ... أمّا معرِفَةُ الثاني رَدُّ نحو الحضور ، حيث مُطلق العلم حاضرٌ متحدٌ بالذات ، فلا تفتقرُ إليه لتظنّه على الغيب.

التركيب العقلي في نموذج الكَشف الإدراكي السابق ، كان متعلقاً بالبنُية المعقولة للعالم الإدراكي ، وردّ المحسوس المحِّلي إلى العلّة المحسوسة تجريدياً عبرَ تمثّلها المحلي.

مبدأ أي معرفة وضعية واسمية : أنها تنطلق من الواقع المحسوس محلياً وتعودُ إليه ، غير مُعترفة بوجود شيءٍ خارِجَ نطاقِه ، ولكن ، ذلك الطرح يحتوي خَطَأين قاتِلين :

إلى أيّ حدٍّ يكون الواقع المحلي ... واقعاً ؟​


رَغبَتُك ؟

الواقع المحلي يأسر كامل زَمنِك الذي تعيشُه الآن ، ويحدّد رحلتَكَ ضمن هذا الزّمَن. بدون واقعٍ محلي ، لا يوجد تكنولوجيا ، لا أدوية ، لا حضارة ، لا طعام ولا شراب ولا جِنس ... أليس هذا ما تُفَكّرُ به ؟

ما رأيك إن أخبرتُك ، أن الإنسان دون تكنولوجيا كان يعيش أسعَد ، وأنها أسرتهُ في الأرضِ اكثر ، بل إن الترحال في هذه الأرض غدا يتناقَصُ أكثَر فأكثر كلما تكاثرت التكنولوجيا ... وقبل ابتداع الأدوية المِخبَرية ، لقد كانت صِحّة الإنسان أفضل ، ولقد كانت أمراضُهُ أقل في التنوع ، وأقل في الانتشار ... وما رأيُكَ ان أصدمك وأخبرك أن كثيراً من النُسّاك والراهبين يعيشون بسرور ورضى أعمَق من اغلب الناس على الأرض ، فليس كل راهبٍ هو تلك الصورة لمغتصب الأطفال الذي تم إكراهه على الرهبنة ، كما يحاولون أن يخدعوك ...

بل إن اسعَدَ اللحظات التي يَمُرّ بها الفِدائي ، لحظة الذاهب للتوفي لأجل قضيته ، والخلاص من بعض أغلال هذا العالم الدنيوي ... وتحقق من الموضوع كما تشاء ، بطريقة محايدة وصادقة.

وماذا عنكَ أنت ؟ هل ترغبُ بالاستمرار في نطاقٍ زمني يأسرُ إرادتَك ، ويضيق أفُقَ إدراكِكَ للجمال ؟ أترغب بالبقاء في أرض الدُّنيا ؟ وترضى بهذه المُتعة المزيفة التي تحسبُها شيئاً وهي ليست شيئاً.

عِلمُك ؟

أخبرني ... إلى أي حد ، تثِقُ بمعرفتك الشخصية للواقع الحسي ، ولمعرفة الذين يدعون معرفته ؟ بَعد هذه النقطة ، ارجع بذاكرتك إلى مُثلّث البَون ، ومعادلات الإدراك للرمز والدلالة ، لترى جيداً ما لا يريدك الوهمُ أن تراه ... إن كل معرفتك به ، معرفة بعالمٍ بعيدٍ عنك ، مُنفصلٍ عن ذاتك ، إنّك تُدرِك رموزاً ولا تعلَم إلى ماذا تُشيرُ حقاً ، وماذا يقبعُ وراء لوحِ الإدراك الذي أمامك ، الذي يستمِرُّ بعرضِ الأفلام والأزمنة التفاعُلية ، لكائنات رمزية شبحية ، محصورة ضمن نِطاق لوح إدراكك السمعي والبصري ، واللمسي والتذوقي والشمّي ... الذي تتلقى عبرهُ التأثيرات كنتائج وآثار.

مِثلُ هذا الواقِع ، كيف تُعول عليه كواقِعٍ نهائي ولماذا وما بُرهانك ؟ مبدئياً لتعلَم ، أيها القارئ ، أنّ كُلَّ ما يُعرَضُ على لوحِ إدراكك الذهني من صورٍ حسية ، يقعُ في زمن الغياب ، وتقعُ حقيقتُهُ في عالَم الغيب ، وأنتَ ذاتك ونفسك ، منفَصلٌ تماماً عن هذين الزمنين بإدراكك ... فهذه الصور ، الرموز المُدركة في عالم المحليات ضمن نطاق مراياك ، لا تُخبِرُ عن أيِّ شيءٍ مطلقاً سوى غياب حقائقها وحضور آثارها ، لا تُخبِرُ عن أحكام ، ولا عن براهين ، ولا عن عُلُوم ، ولكن ، أنت الذي تُنشئ كُلَّ ذلك بتأويلك لها وربطها بأسماء ثم ربط الأسماء معاً ... تجمعُ الصفات العرضية للمحسوس المحلي ، ثُمّ تربطها بقوانين المنطق الرياضي ، لتستخلص منها القضايا التركيبية ، وتعيد ربط القضايا التركيبية المحلية ببعضها دون وجه حق وثبوت ، مرات ومرات ، لتستنتج عالماً من معرفة الأوهام المُرَكّبة ، سميها علماً أو فلسفة أو سمها ما شئت ، ذلك لن يُغير شيئاً ، هذه مُجرَّدُ أسماء لا معنى لها ، ولا وجود لها سوى ضمن ما تحكي عنه وهو الواقع الظني والوهمي.

كَيفَ رَجّحتَ الرموز المحلية المحسوسة التي تُدرِكُها ، المُفارِقة لذاتك وإدراكك، وتأويلات الاحتمالية لها على عِلمِكَ بذاتك وإدراكِكَ نفسِه ؟ وعلى إدراكِكَ المُباشَر لحقيقة هذه الكائنات ، وحقيقةِ هذه التأويلات ، وإدراكِكَ المُباشَر لحقيقة العالم المحلي ، وحقيقة العالم العقلي والخيالي ، وإدراكُكَ هو نافذةُ رؤيتك للعالمين ؟

عندما يقوم المرءُ برَدّ المعرفة التي يعرِفُها بأسرها إلى نُقطة الصفر قبل أي أحكام ممكنة ، وقبل التأويل ، يجِدُ دائماً أن المعرفة تنحلّ إلى صفرية مُطلَقة ، وتتلاشى في مَتنِ الواقع المُدرَك ، وهنالك ، يستطيع أن يحكُمَ بإدراكك للواقع كما هو ، وليس كما تصفه ألسنة الناس وعواطفهم المنقولة إليك ، يمكنك أن تعرِفَ شيئاً حقّاً.

لذلك لا تبحث في المجال الخاطئ عن ضالتك ، لا تبحث عن حقيقة الواقع فيما يقصه عليك الآخرون ، بل في إدراكِكَ المُباشَر المُستقيم لهذا الواقع كما هو بذاته.

إعادةُ التأويل وفق مبدأ البون "المعرفة الحسية الحقة والقضايا الاسمية الحقة" :​

ما هو الواقِع : لن تصل لما وراء الغياب عبر الغياب نفسه :

تبدأ الوضعية بعالم الواقع المحلي ، الاسم الذي تستخدِمُه لوصف "المستوى المحلي من الزّمن الغيابي \ المُفارِق للذاتِ المُدرِكَة وإدراكها" ثمّ تسعى لاستكشافه بما هو زمن غائب لا يقود سوى للغائب ، لأنها حددت قواعدها البحثية في العلم والتجريب ، بأن لا تَخرُج بمعرفة لا تنتمي إلى هذا الزّمن المحلي ، المُنفَصل. وفوق ذلك تدعي زيفَ أيّ معلومة تخرج عن إطار عالم الأشباح نفسه ، الذي اتخذتهُ موضوعاً لبحثها.

فإنّ أول مُنطَلَقٍ للوضعية هُوَ حصرُكَ في عالم الغياب ، الذي يُشكّل ظنونك وتأويلاتك عَن الواقع المعروض على شاشة مرايا البَوْن ... ولَيسَ إدراكَك المُباشر لوقائع البَون ومراياك الزمنية ، إنّك مأسور بالبحث عن الغياب بما هو غياب ، وعن الغائبين من حيث غائبيتهم ، وعن المعرفة بوصفها كثرة في الظنّ والترجيح.

ولكن ماذا يُخبِرُكَ إدراكُكَ نفسه عن البون والغياب ، وعن الواقع المحلي بما هو موضوع للإدراك ، لا بما هو تأويلٌ للترميز ؟ تابع الصورة التالية وشَرحَها :

1648671964431.png

سرٌّ زمني : البون بين الحضور والغياب ... المرايا الكينيائية ... الرَّجعُ الإبوخي :​

ما العلاقة القائمة بين الواقِعِ المحسوس والمعقول ؟​

قَد يُجيب القائلون أنها علاقة الإشارات واللغة ، وخارجهما ليس هنالك سوى المَحسوس ، تلك وجهة نظر الواقِعِ المحلي المحسوس نَفسِه ، ولكن ، ليست رؤية "الإدراك" الذي تَعرَّفتَ من خلالِهِ على كل من الأُفُقين المعرفيين "المحلي والمُجَرَّد".

زَعَمَ زاعِمٌ أنها جميعاً علاقات تَنتُجُ من طبيعة عَمَلِ الدماغ ، وطبيعة تفاعُل الجيناتِ فيه ، بسبب تطور جرى على البَشَرِ في غابِر السنين ... وإنني لأسألُكَ أيها القارئ المُدرِكَ لما أقوله لك ، إلى أيّ حدٍّ يُقنِعُك مثلُ هذا الادعاء ؟ ما هو الإدراكُ أصلاً وما الفرقُ بينه وبين ما سِواه ، وهَل تعتَمِدُ الإدراك لمعرفَة المحيط والعالَم ، أم مِن خلال ظنونِ العالَم تَحكُمُ على إدراكك كيف يكون ؟ ما هو المَبدأ .. مَبدَأُ العِلم ...

إدرَاكُكَ المباشر للموضوعات الحسية ، والمعزول عن تأويلك الخاص لهذا الموضوع ، إدراكُكَ ليدك كنسيج ضام لكائنات وأحداثٍ محلية ، هو إدراكٌ لا يزوّد بأي معرفة عن اليد ، ولا يخبرك بوجود يدك ، أو بوِحدة أجزائها الكثيرة ، إنّه مُجرّدُ إدراكٍ للكثرة الذرية المحلية في هُناكَ الحالي وآنك الحالي ، الَّذَيْنِ تُدرِكُهُما من زَمَن الغياب. علاقَةُ الاقتران المحلي المكاني نفسها بينَ تلك الذرات ، نسبة إلى أنسجة أُخرى معزولة عن نسيج اليد محلياً وفق خصائصها الشكلية واللونية وتلازُمها بحركة زمنية ظاهرية خاصّة ، علاقةُ الاقترانِ هذه تَقَعُ خارِج الإدراكِ المُنعَكِس الذي تراهُ على مراياك عن يدك وما حَولها ، صورة يدِك ووراءَها لوحٌ أبيض ، لا تُخبِرُ بانفصال يَدِكَ عن ذلِك اللوح ، لكنّ علاقة الاقتران بين عناصِر يدك واختلافها عن الاقتران بين عناصِرِ اللوح ، وهي علاقَةٌ مُدرَكَة ، هي التي جَعَلَتك تَحكم أن هذه يد ، وهذا لوح ، وليسا مُجرّد نَثرٍ زمني مكاني خالي من المَعنى.

لا يختلِفُ الاقترانُ كموضوعٍ للإدراك ، عن النُسُجَ المحلية المنتثرة الذَّرَّات كموضوعٍ للإدراك ... ولكن يختلِفانِ كموضوعٍ للتأويل ... لك الحرية في اختيارِ تأويلك للاقتران ، هل هو وِحدَةٌ حقيقية بين الأجزاء في المكان ، وحينها ستُثبِتُ البعد العِلّيَّ لموضوع الإدراك ، الذي يعطيه الوِحدة ويخرجه من دائرة التناثُر العبثي في المحل المحسوس ، الذي لا يحتوي بظاهره على العلاقات والتفاعل والتآثُر ، بل على اللاشيء المحسوس. أو تدّعي أنه وصفٌ اسمي ، لأمر ظنّي ، من خلال تقييم الصورة المكانية وفق العلاقات المنطقية الاقترانية "العطف "قضية الواو" والنفي " قضية اللا" والترجيح "غالباً" والتخيير" إما .. أو" والشّرط " إذا ... فإنه" ... وهي جميعاً علاقات غير حاسمة ، تحكُمُ بها على يدك بأنها وحدة في المكان ، على سبيل الظن والشك والترجيح ، ومِن مُنطَلَق الرغبة النفعية والمكسب الواقعي المحَلّي ... استمرار أسرك بِنطاق زَمَنِك.

فإذا اخترتَ الحالة الثانية ، فاعلم أنّ إدراكَكَ للروابط المنطقية الظنية بين الرموز ، وإدراكك لمعاييرك التي اخترتها ومكاسِبِكَ النفسية ، لا يَرتَدُّ نحو عالم المحسوسات المحلية ، فهي نفسُها غيرَ موجودةٍ في واقِعِكَ الحسي ... قِس ذَلِك على الاقترانِ الزمني وفق رؤية المنطقي الربطي بين الرموز ، حين لا يُمكِنُك التأكُّد هل هذه اليد التي تراها هي اليدُ التي تُحَرّكُها وتتحسّسُها بإرادتك وشعورك ، أم أنهما واقِعانِ متوازيان لا ارتباط بينهما ، منفَصِلان عن بعضهما ، توافَق التقاؤهما لمركز إدراك الحواس المحلية ، وكذلك ، الروابط المنطقية الافتراضية في الزمان لا ترتَدُّ بإدراكِها إلى الواقِع الحسي ، وعلاقة الظن والترجيح والزيف والكَذِبِ والصِّدق بِما هي مُدرَكات ، ليست كائنات زمنية محلية ، بل واقِعات تنتمي لمستوىً آخر غير المحل الفيزيائي ...

ذلك هو الاقترانُ الزماني ، في عالم الأشباح والتأويل الظنوني ... ولكن "الوِحدَةُ الزمنية المُدرَكَةُ" لليَد أو أي موضوعٍ آخر ، ليست مُجَرّد تجميع أجزاءً على سبيل الظّنِّ والتّرجيح ، وقياسُها بالتالي لا يَعتَمِدُ الاستقراء التجريبي في المُختَبَر ، هذهِ الوِحدَةُ تكشِفُ عن نفسِها عندما تُدرِك حضرتك ، مَنشأ الاقتران المحلي في موضوع إدراكك ، بالنسبة للمرايا التي يُعرَضُ عليها هذا الاقتران.

، فبالنسبة لمذهب الوضعيين والإلحادِ العلمي ، والعلوم التجريبية القائمة على المادية المُطلَقَة ، هذا الاقترانُ ليسَ مُدرَكَاً بذاته من قِبلك ، وإنما يَنعَكِسُ على إدراكِكَ من تفاعُلات الدماغ العصبي مع الأشِعّة اللونية التي يرصُدُها والتي تبدو لك كعلاقاتِ اقتران ، ولكن .... ما حُكمُ الإدراك نفسِه على مِثلِ هذا القَول ؟ أيُّ نوعٍ من موضوعات الإدراك ، يكونُ ذلك الإحساسُ الباطني بوِحدَة الكائِن المُدرَك ؟

مرايا الإدراك والتقاءُ الزمنين :​

إحساسُكَ بالاقتران المكاني لا علاقة لهُ بواقعية اليد كما تُدرِكُها ، إنّك تُحسّ هذا الاقترانَ تماماً كما تحسّ محليات النسيج المُقتَرِن ، عندما تنصِتُ وتردُّ المعرفة إلى ذاتها وتسكنُ عن إطلاق الأحكام ، لفترَةٍ من الزمن.

تَظهَرُ اليد على شاشة العرض التي أمامك ، التي تستوعِبُ كامل الصورة البصرية التي تراها الآن وهنا ،فقَبلَ أن تُدرِكَ موضوعات الصورة ، تدرِكُ الشاشة نفسها التي تُعرَضُ عليها الصور باستمرار ، قد تتغير الصور في الزمان والمكان ، ولكن الشاشة نفسها ثابتة الوجود حتى في عالَمِ الأحلام والخيال والهلاوس ، إنها الشيءُ الوحيدُ الذي لا يتغير عن واقِعِك ، وهي البونُ بين إدراكِكَ وبين ذات الواقع ، وكذلك ، بين إدراك الموضوع وبين وذات الموضوع ... بالنسبَةِ لها ، يكون الانعكاس المحلي ... مُستقِلّاً عن الإدراك ، ربما تكون خلايا دماغك مبرمجة لإثارة انتباهك نحو الوحدات التي تجمعُ الكائنات المحلية في علاقات ، ولكن انتباهَكَ شيء ، وهذه الإثارة شيء آخر ، وعبر انتباهِك ، تُدرِكُ الوحدة كموضوع للوعي ، وتفصِلُها عن استثارة الانتباه نحوها ، أي أنك قد تُدرِك موضوعين بنفسِ الوقت فيلتبسُ الأمر عليك.

تُدرِك المعقول كوحدة إدراكية كُلية "غشتالت" ، وتُدرِكُ التنبيه الحسي العصبي نحوه ، من حيث هي تأثيرات مُفارِقة للوعي والإدراك ، لا اختلافَ بينها ، لكن من حيثُ هي موضوعاتٌ مدرَكة ، تحمِلُ كلٌّ منها دلالتها الخاصة ونكهتها الإدراكية المختلفة ، هنالك ، يقع الاختلاف ... لأن موضوع الإدراك الحسي يتميز عن العقلي ، لأن الأوّل محلي والثاني تجريدي ، والإحساسُ بالتنبيه العصبي الذي تحمله حزمة اليد إلى عينك ودماغِك شيء ، والوِحدةُ التي تُدرِكها كيد لك شيءٌ آخر ، لأن ذلك التنبيه لا يحمِلُ أي معنى بذاته للإدراك ، ولو لم يكن الإدراكُ موجوداً إذن لأمكن التعامُل معه بطريقة انعكاسية تماماً كما تتعامل مع التحفيز العصبي ليدك بالصعق الكهربائي ، حين تُبعدها مباشرة أو تتسمر في مجلسك. هنا لا من إدراكٍ يدرك معنى الصعقة ، ولكن الجهاز العصبي الروبوت في داخلك قرر وأنت بغفلة أن يسلك ذلك السلوك كاستجابة لها ، وكذلك لا تُحسّ بنبض قلبك ولا بنفسك ولا بأبعاد الصور التي تراها ، حتى تكُفّ عن الالتفات لما سواها وتلتفتَ لها.

وعلاقاتُ الاقترانِ التي تُعرَض على مرايا الإدراك ، تنتمي لعلاقتين ، "هنا" و"الآن" بمعنيين ، الأول من جهة زمن الغياب ... "هنا" في هذه الغرفة ، وعلى هذا الجهاز أو الكتاب ، "الآن" في هذه الساعة والدقيقة ... لكنّ كلمة الفَصلِ هي للهُنا والآن بالمعنى الأُم ، من وجهة زمنك ، زمن الحضور ، زمن إدراكك ، فلو أنك تزول عن الغرفة بإدراكك وتفكّر بأشياء أخرى ، وتتخيل أشياء أُخرى ، لا يبقى للغرفة معنىً مُدرَك لذاتِك ، تماماً كبقية أرجاء الكون التي لا تحضُرُكَ جسدياً في غرفتك ، وهذا هو الفرق بين أن تقول "هل الله موجود" بكسل وعجز وتقاعس ، وبين أن تسعى للقاء الله ربك ، بكل ما لديك من قوة ... عوض البحث في المحليات الزمنية الغائبة عن اللاهوت والجمال والحياة والقيمة ... ابحَث عنها في زمن الحضور ... ما وراء الزمن التنويمي على شاشة عرض الإدراك.

"هُنا" و"الآن" المحليان ، دون انتسابهما إلى "هُنا والآن" الحضوريان ، يغدوانِ بلا أي قيمة تُذكَر ، يغدوان عدماً ، ليس فقط حُلُماً فحتى الحُلُم لا يتم دونما أن ينتقل من عالم الغيب إلى "زمن الحضور للإدراك الواعي وللذات الوجدانية الحية" ... فكُلّ ما تعرفه ، لحظة معرفتك له ، إما يقع أمام ناظريك وسامعيك وحواس جسدك ، التي تنقُلُهُ إلى المرايا التي أمامك ، وإمّا أن تستدعيه بذاكرتك أو تصويرك وتخيلك إلى المرايا البونية ، التي تربِطُ زمن الحضرة وزمن الغيبة.

فالاقتران بين عناصِرِ اليد ، هو نِسبَتُها "كوحدة إدراكية" إلى مرايا الإدراك ، حيثُ تتأوّل اقترانات اليد ب"هنا والآن" مقابل الخلفية "اللوح الأبيض" بعلاقة الخلفية والصورة بأسرهما مع المرايا ، فتنتسِبُ العلاقة بين اليد والخلفية ، إلى العلاقة بين الصورة الكلية والمرايا التي تُعرَضُ الصورة عليها ، هنالك ، تفهَمُ جوهر اليد ، ككائنٍ إدراكي ، تراهُ على مرايا إدراكك ، وتُدرِكُ وحدتك الزمكانية بوساطة علاقته بالمرايا ، كذلك أدرَكتَ سائر المعقولات الطبيعية والعلاقات الفيزيائية.

عندما تغيب عن زمن الإدراك بغفلتك وسنتك نومك ، لن تستطيعَ أبداً إثباتَ شيء ضمن عالم الغياب ، كُلُّ ما سيتبقى مجموعة أشباح وروابط المنطق الرمزي التي تسمح بتصنيف الاحتمالات نوعاً ما ( مع أنها لا تُخبر من أين جاءت ولا من أين جاءت علاقات الاقتران الزمني المحلي.)

لا تَقُل لي ولنفسِك وللحياة أنّكَ لستَ مُتخَصّصاً في تلك المجالات المعرفية ... أحدثُك عن شيء أهم من التخصص ، أحدثُك عن مصيرك ، وأنذرك من عاقبة العيش في الأحلام ، وأُبشرُك بمغفرة وأجرٍ كريم إن أنت اتبعت الذِّكر ، وهو حقُّ العلم وحقُّ الواقع ... وإنّ المتخصصين لا يستطيعون إثبات شيء خارج نطاقِ مجالهم المعرِفي ، وخارج ما تسمح لهم أدواتهم ومناهجهم وقواهم العقلية ، أما أنا أحدِّثُك عن مبدَأ العلم والمعرفة ، ونقطة الوصل بينك وبينهم ، وليس المعارف البَعدية المترتبة على قرارك عبر هذه البوابة ، والتي جاؤوك بها وهم فرحون بما حققوه من علمٍ أغلبه إما وهمٌ وإما ظاهر ، وما كان لهم عليك من سُلطان علمي إلا أن دعوكَ لمثل هذا الضلال فأجبتَهُم دون تحقيق.


العَولمة والدين الوضعي الجديد :​

يمكن للوضعيين أن يقولوا ما يشاؤون عن تلك العلوم ، ولكن لا يحقّ لهم تعميم آراءهم الشخصية ، على المؤسسات العلمية والدينية والفنية والسياسية ، ذلك التعميم الذي يعرف بالدين العالمي "العولمة" والذي يُقصي إمكانية الآخر أن يُعطي رأيه حول العلم ، والفايروسات ، واللقاحات ، والتهجين ، والتعديل الجيني ، وفرض الرأي حول الأخلاق والحقوق الإنسانية ، وتقسيم المجتمع وفقَ انتماءه للوضعية والعَولَمة أو رفضه لها ، فيكون عالماً وجاهلاً ، ومدعاة للفخر ومروجاً للخرافة ، ومدافِعاً عن الحقوق ومجرماً بحق الإنسانية ، وتلكَ كُلها ... أسماءٌ شبحية سموها بأنفسهم ، ما أَنزَلَ الله بها مِن سُلطان ، في الأرض ولا في السماء.
 
التعديل الأخير:
أشكرك أخي الكريم ....
سأقدم ما أستطيع ...
في مثل هذه العلوم لابد من التسلسل الصحيح ، للوصول للغاية الصحيحة ، التي يريدها مُطلق الوجود عز وجل.
لذلك قدّم المعرفة والعلم ، على العلوم التطبيقية ، حتى لا يساء استخدامها ، وحتى يمكن للمرء فهمها.
هنالك حرب قادمة والكثير من المشاكل ، أحتاجُ لدعم ، أحتاج لمساعدة في النشر
ها أنا أضع أمامكم كل ما بوسعي ، كُلُّ ما أرجوه ... مساعدتي على النشر إن كنتم تحسون بقيمة ذلك ورغبة حقيقية.
 
التعديل الأخير:
معاني عميقة تحتاج الى الغوص فالذات عميقا بعيدا عن الفوضى
ذكرتني بشريدي
أرجو أن تخبرني ...
إلى أيِّ حد ، يُمكنني الوثوق بالنشر هنا
لا أهتمّ لما سيحدث لي ...
ليس لدي ما أخسره ... ولكنّ الناس لديهم
هنالك أمانة أثقلت ظهري وأحتاجُ إيصالها فهل هنا من أثق به ؟
ما سأعرضه أمامكم مستقبلاً صعبٌ جداً ولن ترتاح النفوس له إلا بشقها ، والكثير منه سيحطم كل ما تعرفونه
لقد كانت لدي رغبة ، أن أنشُره بطريقة أخرى ، تم حجزي ومنعت من ذلك ، ليس أمامي الكثير من الخيارات.

هذا الكتاب سيكون واحداً من ثلاثة كتبٌ رئيسية ، لن تقبل أي دار نشر بما فيها ، ولن يقبل أيّ موقع بعرضها ، ولا تتوقع أنّك ستكون مسروراً في نهاية القراءة ، ولا تتوقع بالضرورة أن تحرز السيطرة والسطوة والقدرة ، وكُلُّ ما أعدك به ، أنّك ستلامس الحقيقة على قدر عزمك ورضاك
وفي تلك الحالة ، ستبدأ المعاناة ، والألم ... ولـكن ستصل للحق المبين في مسألتك.

أريد نشره على أوسع نطاق فهو أمانة ، وإنّ أكثر مدربي العالم لن يعطوكم شيئاً منه ، وحتى أكثر الماسونيين حِنكة لا يستطيعون المجيء ببيان مثله ، إنّي على بيّنة من أمري ولن أنشر المزيد ، حتى آخذ عهد الأمان لما أنشره أن يُحفظ.
 
التعديل الأخير:
أرجو أن تخبرني ...
إلى أيِّ حد ، يُمكنني الوثوق بالنشر هنا
لا أهتمّ لما سيحدث لي ولجسدي الفاني
ليس لدي ما أخسره ... ولكنّ الناس لديهم
هنالك أمانة أثقلت ظهري وأحتاجُ إيصالها فهل هنا من أثق به ؟
ما سأعرضه أمامكم مستقبلاً صعبٌ جداً ولن ترتاح النفوس له إلا بشقها ، والكثير منه سيحطم كل ما تعرفونه
لقد كانت لدي رغبة ، أن أنشُره بطريقة أخرى ، تم حجزي ومنعت من ذلك ، ليس أمامي الكثير من الخيارات.

هذا الكتاب سيكون واحداً من ثلاثة كتبٌ رئيسية ، لن تقبل أي دار نشر بما فيها ، ولن يقبل أيّ موقع بعرضها ، ولا تتوقع أنّك ستكون مسروراً في نهاية القراءة ، ولا تتوقع بالضرورة أن تحرز السيطرة والسطوة والقدرة ، وكُلُّ ما أعدك به ، أنّك ستلامس الحقيقة على قدر عزمك ورضاك
وفي تلك الحالة ، ستبدأ المعاناة ، والألم ... ولـكن ستصل للحق المبين في مسألتك.

أريد نشره على أوسع نطاق فهو أمانة ، وهو غير مأجور ، أجري على خالقي ، وإنّ أكثر مدربي العالم لن يعطوكم شيئاً منه ، وحتى أكثر الماسونيين حِنكة لا يستطيعون المجيء ببيان مثله ، إنّي على بيّنة من أمري ولن أنشر المزيد ، حتى آخذ عهد الأمان ، بالنسبة لما أنشره وليس لنفسي.
نحن كنا معا من ايام سايكوجين القديم و الفا زمان و سيايكوجين الحالي كنا معا من سنوات و انقطع من مدة ليست بالقليلة ثم عاد و عدنا بنفس الفريق تقريبا لثبات ذواتنا في البحث عن الحقيقة و انارة اصحاب الادراك العالي. لا ارجو ان تثق بل عليك ان تثق. انا اثق بادارة سيكوجين جدا. ارجو ان تستشيرهم ان ارتبت من خطورة المحتوى
 
نحن كنا معا من ايام سايكوجين القديم و الفا زمان و سيايكوجين الحالي كنا معا من سنوات و انقطع من مدة ليست بالقليلة ثم عاد و عدنا بنفس الفريق تقريبا لثبات ذواتنا في البحث عن الحقيقة و انارة اصحاب الادراك العالي. لا ارجو ان تثق بل عليك ان تثق. انا اثق بادارة سيكوجين جدا. ارجو ان تستشيرهم ان ارتبت من خطورة المحتوى
نعم أعلم ذلك ، ولهذا السبب اخترت النشر في هذا الموقع ، الوحيد الحُر على الشبكات العربية.
كنتُ معكم لفترات قصيرة أيضاً ولكنكم لن تذكروني بالطبع.
تم ... شكراً لاهتمامك أخي الكريم ...
 

البَوابة الثالثة : إدراكية الدماغ ضمن الغياب والتجارب العلمية المحلية

1648752366402.jpeg

المعرفة بوساطة الدماغ تحكم على نفسها بالفشل​



وكما يقال ، ومن وجهة نظرٍ موضوعية بحتة ، ما يُدرِكُهُ الدماغ ليس إلا مجموعة أمواج متداخلة تلعب بالأعصاب وتغير صور الإدراك الحسي بتغيرها ، وإنك لا تُدرِك كل ما يصدر ضوءً ولوناً ، وإنك لا تُدرِك كلما يُصدر صوتاً ، ولا كل ما يمكن لمسه وشمه وتذوقه ، لا من ناحية النطاق الزمني لحواسك والذي لا يسمح إلا بمدى ذو كم محدود من المُعطيات ، ولا من ناحية القدرات العصبية على التلاقي مع جميع المُعطيات الأخرى ، كذلك هي الآلات ، مُقيدة إدراكها بالزمن المحيط بها ، مقيدة قدرتها على الرصد بقوى التآثر الفيزيائية التي تتعامل معها ، وبالدلالات التي توجه معالجة المعطيات وهي قدرات دلالية محدودة.

من حيث المبدأ لا دليل يمنع ذلك ، ومن حيث التجارب فقد دلت على ذلك باستمرار ... وإذا كان الأمر كذلك ، فإنك لا تعرف إلا القليل جداً بحواسك ، وبحواس أجهزتك ... قليل لدرجة أنه قد لا يكون له أي قيمة تُذكر ، وأيضاً لا تنسى ، أنك مُعرض للخيانة والغدر من هذه الحواس بما هي موضوعية ، ألم يسبق لك أن رأيت شيئاً تظن أن لا وجود له ، أو سمعت صوتاً تظن أن لا وجود له ، أو حلمت بحلم تلاشى عند استيقاظك ، ألم يسبق لك أن تخيلت شيئاً دون أن يعرف الآخرون ما الذي تخيلته ، ودون أن يؤثر بشكل مباشر على واقعك الموضوعي ، هل تستطيع أن تميز لي الفرق بين ما تتخيله وما تحسه موضوعياً ... أنا ، أستطيع

الخيال محسوس تماماً كالواقع المحسوس ، ولكن الخيال ، لا يحتاج إلى بُعدك الذي تعيش فيه ، بُعد الأرض ، الخيال حر مُطلق ، لا قيد عليه ، يمكنك أن تتخيل ما تشاء ، أما الأرض فهي مُقيدة بالأغلال ، مثقلة بالأحمال ، جاذبيتها لك تأسر حياتك على أرضها ، قوانينها الفيزيائية تمنعك من فعل أي شيء تقريباً ، أي شيء يمكنك تخيله ، وتحيلك إلى منطق الأخذ بالأسباب ، وصناعة الآلات ، والأدوات ، وقياس المقادير ، تحيلك إلى التفكير بالمُستقبل ، وتحليل الغيب ، والغياب عن الواقع ثم ادعاء ، أنك عندما تحسب ألف حساب للمستقبل ، تكون إنساناً واقعياً ، مع أن جميع حسابات لا فائدة منها وهل يمكنك أن تخبرني ما الفائدة من مقاومة الموت في عالم وهمي ، ولماذا تخاف من العذاب والظلام ، وهي مجرد أحلام زائفة ... ثم من هذه الأسباب تعبُد الآخر ، تعبد الناس والشياطين والآلات والذكاء الاصطناعي ، لأنك ترغب بالاستمرار في الوهم ، وتخاف من موته ...

الخيال حُر ، يمكنك تخيل ما تشاء ، يمكنك أن تعيش في العالم الذي ترتاح فيه ، والمشكلة الوحيدة في الخيال أنك لا تستطيع العبور نحوه من أرضك المُقيدة ، ولذلك تلجأ للأرض وتخمد شعلة الخيال ، وتجعل خيالك خاضعاً لأرضك عوض العكس ، دون أن تسأل نفسك من أين أتيت قبل أن أكون في هذا النطاق ؟ ولما لا يوجد سواه من نطاق ، وإذا كنت راحلاً ، فما الذي ينتظرني بعد الرحيل ... الخيال على عكس الإدراك الدماغي ، لا يأتي من المجالات الموجية الخارجية نحو الأعصاب التي تعكسه ، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ستحكم على خيالك بما يتلقاه دماغك الضعيف ؟ وإذا كانت الموجات الخارجية التي تُعرض على دماغك هي التي تعرف من خلالها العالم الخارجي ، فإن موجات أخرى يتم تسليطها عليك كافية لجعلك مسحوراً محكوماً بالأكاذيب والضلال ، فالحقيقة تغدو الموجة وليس ما تخبر عنه الموجة ، والموجة مجرد معادلة رياضية مطبقة على قوة فيزيائية كما تخبرك المعرفة الدماغية ، وحينها فكيف لك أن تعرف دماغك أصلاً وكيف يعمل ، وكيف يعالج المعطيات ، وكيف لك أن تعرف ما هي الموجة ولها وجود أم لا ولدماغك وجود أم لا ... المقدمة التي تستند إليها في استدلالك ، وهي ما تصفه بالمعرفة الحسية ، وهي غير ذلك إنها ، معرفة تأويلية للحس مبنية على المُفارقة والغياب لا الحضور ، المقدمة التي تستند إليها في معرفة دماغك ، هي ما يوفره الدماغ من عرفة عن دماغك ، فتسبق النتيجة السبب والدليل ، ولا تحتوي في ذاتها تبرير أي شيء ، إنه ليس تحسس مباشراً صامتاً وهادئاً ، هذه المُقدمة غائبة عن إدراكك ، وهي نفسها النتيجة ، فهذا استدلال دوراني ، يبدأ من نقطة غائبة تقول أن المعرفة تأتي عبر الدماغ ، وينتهي بنفس النقطة عندما يعرف الدماغ كما يعرفه الدماغ ... هذا عبثٌ وتهريج ، مضخم كشيء تم نفخه ليضاهي أحجام الكواكب والمجرات ، ليفقد وجوده بأقرب اصطدام ، بنكشة دبوس.

ولأن الخيال حرٌ فالإنسان لا يؤمن به ، ولأن الأرض مقيدة بقيد المحل الموضوعي ، ورؤية المفارقين فهي إذن تشكل واقعاً لك ، ليس من حيث هو واقع ، بل من حيث المعيار الذي اتخذته كمنطلق ، معيار الموضوعية ، رؤية الآخر ، التي تنقسم إلى كثرة ... ذلك الآخر المُستقل بوجوده عنك والغائب ، والذي يحتجب عنك بذاته وتلاحق أشباحه وظلاله التي تمتصك يوماً بعد يوم.

ماذا عن التجربة ؟​



هل تُدرِك المشاكل التي تطرحها التجارب العلمية التي تستخدم أجهزة القياس ؟

أولاً من حيث الضباطة :​

فقُدرة الجهاز القياسية تستخدم وحدة قياس معيارية افتراضية ، كالثانية ، ولكن هذه الثانية غير موجودة بشكل مثالي ، فقد تم قياسها باستخدام الحدس البشري الاعتيادي وساعاته البيولوجية ، ثم تم إسنادها إلى معيار أكثر دقة ، وهو الساعة الميكانيكية ، ونسبة الخطأ فيها شبه معدومة على مستوى الراصد البشري ، ولكن ، ليس على مستوى راصد يُدرك التكسرات الزمنية المتناهية الدقة للثانية ، ولذلك تُخطئ بعد فترة معينة بكمية غير ملحوظة ، طالما أنها تعتمد التطابق بين الأحداث الداخلية والخارجية بطريقة ميكانيكية ، لأن الآلات الداخلية لها قدرة محددة ، فالمسننات والعجلات قد صيغت بأيدي بشرية وأثناءَ تصميمها احتملت اضطراباتٍ في عملية البناء ، مهما كانت ضئيلة.

واحتَمَلَت أيضاً دخول تأثيرات خارجية من المحيط الإشعاعي الكوني ، ومن الجوانية للمواد المُستخدمة ، تقوض انتظام العَمَل ، ولذلك كانت الثانية الميكانيكية حالة مطورة للثانية البشرية ، ومع وصول الساعات للمرحلة الالكترونية ثم الذرية ، أصبح معيار الضباطة أعلى ، ورغم ذلك ، نسبة الخطأ واردة ولا وجود لضباطة تامة ، إلا في عالم المُثُل الأفلاطونية.

ثانياً : من حيثُ التفاعُل مع الزمن :​

تفاعُل الزمن المُنتِجُ للوحدة نفسها :

لأن الثانية أصلاً ليست موجودة في الكون ، إنها مفهوم وضعي ، فقد تم تقسيم اليوم إلى ساعات والساعة إلى دقائق والدقيقة إلى ثواني ، لكن دالة التقسيم هذه غير واضحة ولا دليل على فحواها ، وإذا كانت الأمور هكذا ، لا يمكن أن تقيس الثانية بعامل طبيعي بحت ، إن كلمة اليوم الأرضي طبيعية ، وكذلك السنة الشمسية ، وهي معايير موجودة بذاتها ولا تحتاج لصناعة ، بل فقط للملاحظة ، ومن الممكن اعتبار الساعات اليومية كذلك باستخدام تحورات الشمس ، لكن ليست كل ساعة ستون دقيقة ، وليست كل دقيقة ستون ثانية ، فهذا التقسيم ليس له وجود في الطبيعة ، فتغدو الثانية رمزاً لما يمكن القول عنه : قسمة اليوم على 86400 وحدة.

إلا أن اليوم الأول واليوم التالي ، يستحيل أن يكونا طبوقين نسبياً إلا إن تطابقت كل العلاقات ، فالوحدات ال86400 لليوم الأول تختلف عنها في اليوم الثاني ، وبنفس الوقت في نفس اليوم ، كل منطقة من كوكب الأرض تعيش كل وِحدة من الوحدات بطريقة تختلف عن بقية المناطق ، وببرزخ فاصل بينها وبينهم ، لأن كل نقطة نشأت تلك الثانية فيها بتفاعلات خاصة بها وتحولت إلى أحداثٍ خاصة بها ، وإدراك ذاك الأمر قد يكون متعذراً عليك إن لم تحس بدقة بتباطوء وتسارع الزمن ، لكنه حقيقة فيزيائية ومُنطَلق إدراكي لا التباسَ فيه ، والجامِعُ الوحيد لهذه الوحدات هو رصدها كعناصر نسقية لمصفوفة كُبرى لها نسقٌ زمني جامع ، وهي الأرض التي تسمحُ بسهولة نسبية للتآثر بين كائنات تلك الأزمنة. فعندما تقيس ثانية في غرينيتش ، وتتصل بشخص في براغ وآخر في طهران ، بنفس الثانية ، فإن الرابط الوحيد بين أزمنتكم هو ذلك الاتصال ، والذي يتخذ شكلاً مختلفاً لكل راصد ، من حيث التفاعل الوجداني والنفسي ، والفيزيائي أيضاً ، حتى إن لم تحسّ بذلك.

تفاعُلُ جهازِ القياسِ مع الزمن :

وعندما تحاول صناعة شيء يمكنه فعل ذلك ، تلجأ أولاً ليديك وعينيك ، وأياً كانت طبيعة الآلة التي اخترتها ، دائماً ستبدأ من يديك وعينيك الأرضيتين إن كانت آلة أرضية ، وهذا سوف يُدخِل نسبة ارتياب في الضباطة ، والتي ستحاول التغلب عليها مع مرور الوقت والثواني ، ستقل طبعاً لأنك تحاول بجد وإصرار ، ستصبح 1 من ألف ، 1 من 10000 ، 1 من 100000 ... 1 من 1000000000 ، وربما يبدو هذا إنجازاً مهماً ، وهو كذلك إذا رأيت بعين من سبقك في التاريخ الافتراضي.

لكنه بلا قيمة أمام أرقام الكون ، من حيث المبدأ ، لا شيء يمنع الوصول لنسبة ضباطة هي واحد من غوغول ، ولا شيء يمنع تقسيم الثانية إلى غوغول ، ولكن هذا أمر مستحيل على الإنسان ، ومن الممكن تقسيمها أيضاً إلى مئة غوغل مربع أو مكعب ، وقد يبدو ذلك بلا فائدة وحينها لابد من السؤال عن فائدة ضباطة قياس الثواني من الأصل وماذا حققت للبشرية من قيم سوى التسبب بإنتاج المزيد من الآلات والبرامج التي لا يتم توجيهها نحو أي شيء يخدم حياة الإنسان بما هو إنسان ، وليس بما هو فجوة تتوق لبلع أكبر قدر من المعارف الغائبة عنه.

الآلة نفسها تخضعُ أثناء قياس الموضوع للانحراف بسبب تراكُب القوى في بحر الكون ، بعضها قوى معلومة وهي الرئيسية الأربعة ، وبعضها قوى مجهولة ، وما من شيء يمنعُ أن تكون القوى المجهولة لا حدود لها ولقدرتها على تحريف سياق القياس ، فشعاع ضوء الشمس في عين المقارب الفلكي عُرضة للانحراف بفعل تأثير الطاقات التي يمكنها أن تشغر الفضاء الفاصل بين الشمس والمقراب ، وهذا ما قد تبين تجريبياً في الآونة الأَخيرة ، وكذلك شعاعُ عينك وأقرب ضوء قد يتحرف عن مساره ولكن لا تشعر بعد.

كل شيء في الكون هكذا ، الكُتلَة التي تقيسُها الآن ، تتغير بعد مرور حدث متناهي الصغر ، لتنتج كُتلة أخرى دخلت فيها عوامل أُخرى ، هذا يظهر في الأجسام عالية الكثافة على نحو خاص ، كبعض العناصر المشعة والكواكب والنجوم في الزمن المحلي ، انتقال الصورة من حاسوب لآخر ، لابد أن يعقبه تشويش ، حتى لو لم تلاحظه ، لأن الكهرباء لم تمضي بين الحاسوبين في فضاء صافٍ نقي ، بل ببحر الكون الممتلئ بالتفاعلات ، وبعد مرور الفترة المناسبة تنهار دقة الصورة ويلزم تعديلها وترميمها ، ولكن عبر تعاقب الأجيال قد تختفي الصورة القديمة وتبدأ صورة جديدة ، طالما كانت وسيلة النقل مرهونة بالزمن المحلي.

وكذلك الثانية ، التي يقيسها الجهاز لتفاعلات داخلية ، فإن تفاعلاته تتأثر قليلاً وكثيراً بمدى تآثره مع طاقات الكون التي لا تنتهي ، وأولها الوعي واللاشعور نفسه. والعالم حول الجهاز يتغير ، ولذلك لا يعود التوافُق الافتراضي الذي بُني عليه الجهاز ، سوى مسألَةَ ظنٍّ وترجيح. عدا عن أن المُعادلات التي يُفترض أن يعمل وفقها الجهاز ظنية هي الأُخرى.

الملخص السريع :​

دائماً ستكون هناك نسبة ضباطة تقريبية ، لأن الآلة بدأت من أدوات غير دقيقة ، بُنيت بنسبة ضباطة منخفضة جداً ، لأن الآلة أصلاً تم بناؤها لغاية خاطئة وهي : قياس موضوع محلي إلى وحدة قياس محلية ، وأنت تعلم من النسبية ، أن كلاهما غير موجود في الزمن المحلي ، فالثانية الآن حتى ولو تم قياسها بنسبة ضباطة صفرية ، لن تتطابق مع الثانية التي تليها في نفس النسيج الزمني ، ولن تتطابق مع ثانية أخرى في نسيج آخر ، لأنها هي أصلاً غير موجودة ، إنها مجرد علاقة بين الأشياء التي تتحرك ضمن النسيج وتتآثر مع بعضها ، علاقة نسبية ، تتغير بتغير النسب ، فالكون ليس فيه مقادير فيزيائية ، فيه قوانين ، تنظم العلاقات بين القوى ، وهذه القوى متغيرة ومجهولة الكُنه ، لا وجود لها في الزمن المحلي ، يوجد آثارٌ لها فقط ، وبما أن الثانية علاقة زمنية ، وبما أن الزمن غير محلي ، فالثانية غير محلية المقدار ، مقدارها محدد بالعلاقة فقط ، وهذا هو السر ، في فوضى الرياضيات للمعادلات الفيزيائية التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم ، لأنهم لن يجدو غير الفوضى وهم يبحثون بهذه الطريقة الفوضوية ، التي ليس لها منطلقات ... أي أن الثانية هي رمز ليس له دلالة طبيعية كونية ، وبالتالي يحتمل التأويل في القياس ، لأنه لا يوجد شيء يمكن أن يقسم اليوم في منطقة رصدية معينة إلى 86400 جزء بالتحديد سوى التواضع الاسمي ، ثم يقرن هذا الجزء بجميع نطاقات الأرصاد الأخرى ، لأنه حتماً ، الجزء سيختلف بين منطقة وأخرى على كوكبك من حيث الإحساس به والتأثير ضمنه ، ومن الممكن لانفجار كبير نوعاً ما أن يُسرع عجلة الزمن في محور الانفجار ولكنك لن تحس بذلك إلا عندما تقارن ما أحسست به في داخل الانفجار بالنسبة لسير أحداث شيء ما ، بما أحسست به خارج الانفجار أثناء سير نفس الأحداث لنفس الشيء ، فالانفجار الذي أخذ عشر ثوانٍ بالنسبة لراصد خارجي ، ربما أخذ ثانيتين لراصد داخلي ، قاس الأول سرعة الانفجار استناداً لحسه وللساعة ، وقاس الثاني سرعة الانفجار استناداً لحسه فقط ، ساعة الأول دقيقة فقد مر بالفعل عشر ثوانٍ في محيط الانفجار ، لكن هذه العشر ثواني كانت مجرد ثانيتين في محوره ، دق قلب الثاني ثلاث مرات فقط ، وهي مدة غير كافية لمرور عشر ثواني بساعة الأول.

وبما أن الثانية تحتمل التأويل في القياس ، ليس من الممكن أن تكون هنالك ثانية معيارية ، كما أنك لن تجد الوسيلة المناسبة لقياس الثانية المعيارية ، وعندما تقسم اليوم بذلك الشكل ، لن تجد طريقة لإثبات أن كل قسمين في جهاز القياس كانا متطابقين تماماً ، لأن الجهاز في كل مرة كان يقيسهما نسبة لشيء ما تمت برمجته مسبقاً أن يعزو الكميات نحوه ، ولكن هذا الشيء سيتغير بين ثانية وأخرى ولو كان ذلك بشكل غير واضح للعيان ، وكذلك ، لذا ، لا تتوقع أن يستطيع الجهاز قياس الثواني بشكل مطلق ، إنما وفقاً لعلاقات بين متغيرات ، يترجمها لثواني من وجهة رؤيته وليس من وجهة رؤية مطلقة ، فهو أيضاً بما هو جهاز يخضع لقانون التغيير ، أيضاً ليس يمكنه النفاذ نحو المطلق في معادلته التي يستخدمها للقياس ، أي ليست الارتيابية بسبب التغييرات في الأرصاد فقط ، بل في جوهر جهاز القياس أيضاً ... وهو نفسه قد تم تصميمه بشكل تقريبي ، وليس بشكل مطلق ، في خدمة مُعادلته ، فهو لا يوفق في معالجتها تماماً ... كل هذا ينبع من علتين رئيسيتين ، الأولى هي غياب المعايير المُطلقة المراد قياسها لأنها وضعية ، كُنهها لا وجود له ، هي فقط مقارنات تقريبية ، لعلاقات نسبية بطبيعتها ، وليس لكائنات موضوعية مستقلة بذاتها ، والثاني هو أن الجهاز نفسه مجموعة من العلاقات المبنية بأسس وضعية ، لأنه مصمم لمعالجة موضوعات وضعية.

تكرارُ التجربة :​

مهما كررت التجرُبة ونجحَت ، فإن عدد مرات التكرار بالنسبة لفضاء احتمالات القانون ،وفضاء احتمالات تأويلاته ، سيمنعك من تعميم نتائجك استناداً على معايير موضوعية بحتة. ليس مُهماً أن تقوم بالتجربة خمسين ألفَ مرة لإثبات قانون جذب نيوتن ، لأن فضاء الاحتمالات لا نهاية لهُ أبداً من حيثُ التكرار ، ولكنّ قانون الجذب العام لا يأخذ دلالته من التكرار التجريبي ، بل من إقصاء الاحتمالات الأُخرى الممكنة ، وهذا الإقصاءُ منطقيٌّ وليس موضوعياً ، ولقد اختلفت قيم القياس الفيزيائي والثوابت المستخدمة عبر التاريخ بعد نيوتن ، والثابت الوحيد الذي بقي أن الجذبَ مُتعَلّقٌ بالكثافة ، والمسافة الفاصلة بين الجسمين ، وتأثيرات الطاقات الأخرى على التفاعل القائم بينهما. هذه الثوابت لا تتعلق بالتجريب بل بالمنطق الذي استند إليه نيوتن ، منطق تجريد التفاعلات الطبيعية المرصودة ، فظاهرة الجذب عند تجريدها تتحول إلى سعي للالتقاء عبوراً للمسافة ، بين الأرض وأي جسمٍ عليها ، ولأن الأرض هنا هي جِسمٌ أيضاً فقد عمّمّ ذلك على الأجسام ، والتفاعل بينها ، ومن خلال قوانين الحركة المنطقية التي ثبتت بالتجريب ، كشفَ سر التفاعل بين الأرض بالذات وبقية الأجسام وهو الكثافةُ وليس الحجم الفارغ متبعثر القوة.

ليس تكرار التجربة شيئاً يُثبِتُ نجاحها إذا كان مسنده الوحيد هو التكرار ضمن نطاق الاحتمالات ، فكينونتك الزمنية التي عاشَت ملايين أو مليارات الثواني ، لا تُثبت أنها ستعيش عشر ثواني أخرى لمجرد التكرار وكذلك البشرية بأسرها والطبيعة بأسرها.

التجربة الموضوعية في السياق التاريخي :​

لو أنك الآن اكتشفت تفاعلاً خاصاً بين اليود والوسط الحيوي الفوضوي " الجراثيم والفايروسات" وأن الأول يحرق الثانية ، وقمت بتكرار التجربة على امتداد زمن الكون اللاحق وحتى نهاية الأيام ، لن تستطيع أن تُثبِتَ موضوعياً أن هذا القانون والتفاعُل كان موجوداً قبل القياس الأول الذي قُمتَ به ، وكذلك لو قمت بالتجربة من نقطة محددة عبر تاريخ الكون وحتى هذا اليوم لن يمكنك أن تبرهن على استمرار ما اكتشفته في المستقبل ، وكذلك في بقية الكواكب والمجرات ، وكل ما لم تعرف بعدُ من أمكنة ولم تجرب نفسَ التجربة فيها ، بل إن التجربة بذاتها لا تثبت سوى حدثيتها المحلية ، فتكرارها لا يُثبت أي شيء ، فالتجربة لا تدخُلُ في الواقعة الكونية من حيثُ المكان والزمن والتاريخ.

فلا تقل أن نظرية التطور قد برهنت تجريبياً ، لأن القوانين الحتمية نفسها لا يمكن برهنة عموميتها تجريبياً ، فكيف بحدثٍ تاريخي مُتغير وغير خاضِع لقانون حتمي ، مثل الطفرات الوراثية المفيدة والخلية الواحدة التي نشأت من مستنقع الكيمياء وعبرها بالذات نشأت كل الخلايا الأُخرى.

تأويل التجربة :​

ومن جهة أخرى ، أي جهاز رصد هذا الذي لا يقع تحت إشراف غائب عن وعيك ، ولا تقع نتائجه ضمن معرفة غيرك الذي ينقلها لك كما يُنقل الحديث عبر التاريخ ، سوى أن تكون صاحب كل الأجهزة التي تحتاجها ، وحتى حينها لن تسلم من افتراض التلاعب بالجهاز من جهة خارجية ما ... إذن ، استخدام الجهاز لرصد اي شيء لا يقوم بأي شيء سوى تسهيل بعض الأمور ضمن عالم الغياب لمن لا يقوى على تسهيلها إلا بالجهاز ، ولا يريد التضحية بها. وليس ميدان الجهاز هو الحقائق ، لا في عالم الروح ، ولا في عالم الطبيعة أيضاً ...

سؤال : هل يُمكنُ إيجادُ دليلٍ علمي تجريبي على وجود الحق ؟​

عدم قدرة العلم "التجريبي" على التثبت من شيء "خارج إطار العالم المادي"

يعود إلى المباني المنهجية التي تسير من خلالها التجربة

لا تنسى أن معايير التجربة وضعية بالكامل … وأن التجربة نفسها تجرى على الأثر وليس على العِلّة ، وأن العلة غائبة عن إدراك الجهاز ، وعن إدراك الباحث العلمي.

إن ما تقوله قولٌ عظيم ، أنك تقارن الله بتلك الأشياء التي تجرى عليها الاختبارات في المختبر … ولو أنك سألت أي عالم أن يعطيك البرهان التام على وجود جرثومة أو فايروس فلن يستطيع وسيعترف لك : العلم التجريبي يقيس الأعراض المحسوسة بالأجهزة وبالحواس الراصدة ، ولا ينفذ لما وراء الأعراض.

وجود الجرثومة نفسه ، هو صورة تنطبع على مرايا المجهر ، ولكن تلك الصورة لا تخبر بحقيقة الكائنة وراءها ، وسلوك الجراثيم لا يخبر بثبوته في كل زمان ومكان ، وتكرار التجربة عليها ، مجرد تكرار عددي في نطاق اللانهاية المفتوح ، لن تستطيع التعميم بالتكرار وحده.

الجاذبية ، ليست حقيقة أثبتتها التجارب فآمن بها الناس ، بل واقعاً يعيشونه تم تأويله بعلاقة الكثافة الكُتَلية ، والتأويل الآخر تم بالتجريد لا بالتجريب ، فنيوتن جرّد الواقع المحلي نحو العلل المنطقية الطبيعية ، وآينشتاين كذلك ، وانتهى الأمر إلى التجارب ليس لإثبات رؤيتهم بل لتطوريها ، لأن عالم العلل مستقل عن عالم المحليات ومنفصِلٌ عنه في الأُفُق الإدراكي، ومن المستحيل أن تُدرِكَ العلة والسبب ضمن دائرة النتائج والآثار.

هذا الذي يسمى علماً ، وهي ترجمة غير دقيقة أبداً فالعلم ليس الساينس ولا اللوجي ، هذه المعرفة ، أعجز من أن تُثبت وجود إصبعك الذي تكتب به ، وأعجز من إدراك كُنه الهواء الذي تتنفسه ، ما وراء التوصيف اللغوي لمعادلات سلوك الغازات … وعناصرها.

ابحث عن الحقيقة في مبدأ العلم "الشهادي" ، وليس في منتهاه "الغيبي" الغائب عنك. تجدُ الله أحاطك بآياته في علم الشهادة ، الذي لا تستطيع المعرفة الموضوعية التجريبية أن تصل لأعتابه حتى … لأن الحقائق المُطلقة تتطلب أدلة مُطلقة ، والوقائع النسبية لا تحتاج لأكثر من الظن والترجيح.
 
التعديل الأخير:

البوابة الرابعة : إدراكية العقل ضمن الغياب


المنطق ونظرية المعرفة :​

كذلك الأمر بالنسبة للعقل والمنطق كأدوات غيبية تستخدم في معرفة للغيب ، فكونها مجردة عن المادة الحلية ، لا يؤثر على الإطلاق في ضعفها وافتقارها للعلة الجوهرية التي تُنشؤها وتقيمها ، وبما أن العقل لا يعرف شيئاً سوى بالاستنتاج ، لأن كل معارفك ترجع لكونها أحكاماً بالإثبات لأنساب معينة ، ما يسمى بالتصديقات ، والحُكم يستدعي إيجاد الرابط ، والرابط يعني نسبة عِلية تُثبت الشيء بالاستناد لشيء آخر هو علة إثباته أو وجوده بهذا النحو ، والعلة أشمل من نتائجها تماماً كما تكون المجموعة أشمل من عناصرها ، لأنها أسبق في الوجود منه ولأنه يعتمد عليها في وجوده ، كان المعلول جزئياً من العلة. فكان الاستنتاج من المقدمة الكبرى إلى النتيجة عبر الوسيط هو ما يكشف طبيعة وجود الشيء على نحو من الأنحاء نسبة لشيء آخر ، وهو السير من الأعم الكلي نحو الأخص الجزئي.

قد تقول إن تجربة علمية تسير من الأخص نحو الأعم ، لتنظر فيما قلته جيداً ، التجربة العلمية قائمة على مقدمات كبرى : أن نسبة معينة من تكرار الحدث تفضي إلى تعميمه على كل الكائنات الداخلة في النوع الذي تكرر سلوكه ، وهذه المقدمة الكُبرى الخفية والوضعية ، هي السبب الوحيد في قبول الاستقراء ، وعند نُكرانها لا يعود معنىً لا للاستقراء ولا للتجارب ... وتغدو التجارب مجرد لغو ، وهذه المقدمة تشمل جميع الأنواع التي تدخل في التجربة فتغدو أي تجربة تحليلاً لها ، فيكون العلم التجريبي الوضعي تحصيل حاصل حاله حالة الفلسفة ... فكل معرفة تُثبت شيء لشيء آخر كاشفة عن وجود الأول من خلال فرزه ضمن وجود الثاني ، تكون استنتاجاً ، وبدونها لا يعود هنالك معرفة أصلاً لأن ما يبقى هو الصمت ، وليس أي صمت ، إنه الصمت الذي يرجع كامل النظام المعرفي الذاتي إلى نقطة الصفر ، والمنطلقات ، والحضور ، ليس فقط حضوراً في عالم الغيب ، بل أيضاً في عالم الشهادة.

وبما أن الاستنتاج لا يكون حقاً إلا إذا كان برهاناً ، وبما أن البرهان لا يكون كذلك سوى بتوفر المقدمات القطعية والقياس الضبوط ، فمن أين للبرهان أن يبرهن نفسه كأداة للوصول إلى الحقيقة ؟ ما هي المقدمة الأولى التي ترجع إليها كل القضايا المنطقية التي يمكن استخدامها في سبيل البرهان ؟

هل يمكن للذات أن تكشف ذاتها ... وهل المنطق والعقل والبرهان الموضوعي يساعدون في ذلك ؟​



لتعلم أخي القارئ ... البرهان لا يبرهن نفسه ، من حيث هو نفسه أداة موضوعية تستخدم لاكتشاف شيء موضوعي ، ذات مستقلة عنك ، غائبة عن إدراكك بذاتها ، راصدٌ أنت إدراك أثرها نحوك ... فالموضوعية الحق لا تكون رصداً لموضوع ذاتي الوجود ، بينك وبينه بون عتيد ... بل لموضوع أثري حاضر لذاتك ، بينك وبين ذلك الموضوع ، فمن هناك تبدأ الموضوعية ، وليس من الموضوع نفسه كذات لا تملك إلا التأويل الظني لحضرتها ... وتعيش في هذا الوهم على أنه عين الواقع والصواب.

اكتشاف الذات أمر نادر جداً بين الناس ، نادر لدرجة أنك ( قد ) لا تجد في العالم كله من يمكن أن يساعدك ، وربما حتى ضمير الغائب المتكلم الذي أمامك الآن … لأن الذات ليست مجموعة من الأفكار والمعتقدات والأحاسيس والسلوكيات ، إنها ليست ربطة العنق التي ترتديها ، أو تلك الآلام والدموع التي اختبرتها يوم تآمرت زوجتك مع أحد مسؤولي الشركة لكي تطيح بك وتتركك نهائياً …

رحلة البحث عن الذات الحقيقية هي رحلة فلسفية وعرفانية 0جة امتياز ، ولكي تعلم من أنت حقاً عليك أن تعلم كيف تعلم ذلك ، كيف تعلم الحق ؟ ما هو العلم بالشيء أًصلاً ؟ هل هو رصده بعينيك ؟ هل يمكنك حقاً أن تثبت أن ما تراه أو تسمعه حقيقة مطلقة وأنه ليس حلماً أو نوعاً من المحاكاة ؟ وبالنسبة لؤلائك الفلاسفة المشائين الذين يؤمنون أن العقل والمنطق كفيلان بالوصول للحقيقة : هل يكفي أن تثبت الشيء من خلال القياس المنطقي ؟ هل أثبتت أصلاً أو حتى فكرت بإثبات المقدمات الأولى التي بنيت عليها قياسك …!! عندما تقول بأن العلم التجريبي سيوصلك إلى الحقيقة المطلقة ، وأنه لا شيء في الوجود إلا المادة ، فهذه أمور تسمى ب"الأحكام المنطقية" والحكم هو إثبات صفة لموصوف ، كما يقولون أحياناً حمل محمول على موضوع ، وأغلب الناس يقوم بهذا الأمر دون أي وعي أو تدبر لمكامن الضعف في حكمه ، وبالعودة للمثال السابق ، أحب أن أقول أن الثقة في العلم التجريبي لم تأتي من الهواء الطلق ، وبالنسبة للعلماء فهي لا تعني ما تعنيه بالنسبة للناس ، فلو سألت عالماً حقيقياً عن قدرة العلم التجريبي على إثبات شيء أو نفيه ، أياً كان هذا الشيء ، فسيخبرك بأن العلم غير قادر على ذلك ، وحتى ريتشارد دوكينز نفسه ولأنه بالنهاية عالم تجريبي حقيقي فإنه يعترف بذلك :

اقتباس من محاضرة للسيد كمال الحيدري :​

"تعالوا معنا إلى صفحة 27 من كتاب حوارات سيدني : يقول هي في مقابلة تلفزيونية اتصل به واحد مباشر سيد من الجمهور … سؤالي إلى دوكنز في مقابلات سابقة لك سبق أن قلت انك غير قادر على أن تثبت عدم وجود الله عجب يعني ماذا؟ أنت رأس الإلحاد لابد كل أدلة عدم وجود الله موجودة في جعبتك في جيبك …!! وانك تعد نفسك أكثر مما تعد نفسك ملحداً (تعد نفسك لا ادرياً لكن لماذا تظهر نفسك وكأنك بطل حركة الإلحاد حول العالم؟ وتخدع الناس في عروض تلفزيونية تظهر فيها وكأنك مجالد أبروتستانتي من اجل قضيتك التي هي الإلحاد أليس هذا ملمحاً فيه من اللا علمية والنفاق الشيء الكثير ؟!"

الجواب الصاعق : "أنا أعيش حياتي كما لو لم يكن هناك إله ، لكنكم لن تجدو أي عالم من أي اتجاه عقلي يمكن أن يبرهن لكم على عدم وجود أي شيء ، ليس باستطاعتي أن أثبت لكم عدم وجود الله ، وليس باستطاعتي أن أثبت لكم عدم وجود أرنب عيد الفصح مثلاً" …!!

لماذا العلم التجريبي غير قادر على ذلك ؟ إن القول بقدرة العلم التجريبي أو بعدم قدرته هو حكم منطقي ، يسبق العلم التجريبي نفسه ، ويؤسس له ، ويعطيه هيكله العام ومناهج البحث الخاصة فيه ، جميع تلك الأمور أتت من الابستمولوجيا وليس من علم الفيزياء أو علم التشريح ، وهذا الحكم المنطقي بدوره هو حصيلة سلسلة من الاستدلالات ، فعندما تقرر أي قرار في حياتك ، تفعل ذلك بناء على قرار قبله يتعلق بموضوع آخر ، الذي يكون أكثر عمومية من موضوع القرار الآني ، وهكذا الأمر إلى أن تصل للقرار الأول الأكثر شمولاً وحيطة بين كل القرارات ، والذي يتعلق بالحياة بأسرها.

نفس الشيء مع العلم التجريبي ، الذي تطور عبر التاريخ من خلال مضاربات الاستدلال المختلفة للفلاسفة الغربيين والذين لم يسعفهم الحظ في إيجاد طريقة منهجية للوصول للحقيقة المطلقة مما جعل بعضهم يهمل ذلك المسعى الإلهي ويتجه نحو الغايات الدنيوية ، ليتدارك ما يمكن تداركه ولا يخرج من المولد بدون حمص ! وهكذا نشأت مسلمات كبرى تقود الحركة العلمية ، مثل مبدأ "النفعية" و"البراغماتية" و"الوضعية" والتي قادت بدورها إلى مسلمات الطبقة الثانية مثل "المادية" و"الحتمية" و"التجريبية".

وبالعودة إلى سياق الحديث فإن "الحكم المنطقي" ليس بالضرورة أن يكون يقينياً ، حتى ولو بني على استدلال تام وسليم ، لأن يقينية الحكم المنطقي تعود إلى يقينية المقدمات المنطقية التي يستند إليها الاستدلال الذي نتج عنه الحكم ، من الطبيعي أن تستنتج أن الأرض ثابتة إذا كان استدلالك على هذه النتيجة آتياً من مقدمة تقول : الأرض المتحركة ستمتلئ بالأعاصير ، هذا استدلال سليم وتام ولكنه ليس حقيقياً وبالتالي فإن نتيجته ليست يقينية.

المشكلة الجوهرية هي أن عملية الاستدلال نفسها ، لا يمكن أن تثبت نفسها ، وذلك لسببين رئيسيين :
  1. إشكالية المقدمات المنطقية الأولى ( القضايا الأولية ) : هي قضايا افتراضية لا يزال البحث عنها قائما حتى هذه اللحظة ، وهذه القضايا هي البذرة الأولى الوحيدة الممكنة للاستدلال اليقيني ، فلو عادت جميع عمليات الاستدلال الفلسفية والعلمية إلى المقدمات الأولى لها ، ولم يكن أياً من تلك المقدمات حقيقة مطلقة ، فإن صرح المعرفة البشرية بالكامل مشكوك فيه ولا يعني أي شيء ، وكل ما نراه هو محاكاة كونية حاسوبية من نوع ما ، أو أي شيء آخر سوى أن يكون حقيقة. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا هو : "كيف من الممكن أن نثبت حقيقة تلك المقدمات المنطقية الأولى التي يمكن من خلالها الوصول إلى معرفة حقة ؟ لاحظ أنه لا يمكن الاستدلال على ذلك لأن عملية الاستدلال تبدأ بعد أخذ تلك المقدمات واستخدامه للوصول إلى كثرة في المعرفة. ينبغي أن تلاحظ أن العلماء والفلاسفة وحسب ما يعلنون ، فإنهم حتى هذه اللحظة لم يكتشفو تلك المقدمات ولم يعلموا عنها شيء ، لكن يفترض أن تكون تلك المقدمات من مثل قوانين أرسطو الثلاثة وقانون السببية ونحو ذلك ، هناك محاولات جادة قامت للبحث عنها عبر التاريخ مثل اعتبار المقدمة الأولى في الوجود هي قانون عدم التناقض ( لا يمكن أن يجتمع وجود شرط كوني ما مع لا وجوده بنفس الكيان الحامل لذلك الشرط ، أو ببساطة لا يمكن أن تكون A هي B ولا B بنفس الآن ) وهذا الأمر بالتأكيد لا دليل عليه ولا يمكن إقامة الدليل عليه ، ولا يعدو كونه رجماً بالغيب ، الأمر الآخر المثير للتحفظ هو أن اأغلب الفلاسفة الذين آمنوا بالحقيقة المطلقة ارتأوا أن المقدمات الأولى بديهية بشكل لا يمكن فيه سوى تقبلها كما هي ، وبعد أن تتقبلها دون أي ذرة شك ، يمكننا أن نناقشك ونبني معاً المعرفة الحقة !!!!​
  2. إشكالية عملية الاستدلال نفسها : فلو أنك وجدت المقدمات الأولى التي تسعى لها ، كيف يمكنك أن تقيم استدلالاً قياسياً مبنياً عليها ؟ عملية القياس المنطقي نفسها لا يمكنها إثبات كونها توصل لأي شيء سوى المحاكاة الذهنية التي لا نعلم كم هي متصلة بالحقيقة ، لأن القياس الأول على الإطلاق لا يمكن إثباته بقياس سابق له ، فيلزمه ما يفوق القياس ليثبته …هذا كله سوف يجبرك على ترك أي أمل في الوصول لمعرفة ذاتك من خلال المنطق والفلسفة والعلم ، بكلمات أخرى ، لا يمكن أن تصل لذاتك الحقيقية من خلال العقل والجسد.
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة لكي تستطيع أن تفهم ما يدور في ذهني الآن والذي أريد نقله لذهنك :

بالعودة إلى السؤال الرئيسي ، فإنك عندما تجد تلك الأداة العلمية التي توصلك إلى الحقيقة ، سيكون العلم بذاتك سهلاً كما لو أنك تعد إبريق شاي أسود مع الهيل وأنت وحيد في بيتك الذي يطل بشرفته على الحديقة الممتلئة بالقناديل ساعة مساء خريفي مفعم بالرياح اللطيفة ، وهذا العالم الخيالي الجميل له بوابة من بوابات الجحيم تسمى بالشك المطلق ، دون أن تمر بها لن تصل ولن تشرب الشاي بالهيل أبداً …

كيف يمكن أن أجد الأداة العلمية المنشودة ؟ عليك أن تتوجه نحو العلم نفسه ، ماذا يعني بعيداً عن كل ما قاله البشر عنه ، يمكنك أن تكتشف ذلك أنت ، وحدك … لا أريد أن أحرق عليك الأحداث لكنك عاجلاً أو آجلاً ستكتشف أن كل ما ترصده هو فعلاً محاكاة لا وجود لها وليس هناك وجود لشيء من حولك على الإطلاق ، يوجد فقط ذاتك الواعية المدركة التي بدأت للتو بإبصار هذا العالم والبحث عن رفيق درب حقيقي بين أكوام الروبوتات وجيوش الزومبي التي تملأ الواقع المحاكي الذي تعيشه ، هناك بعض الكتب التي ستشير إليك كما يشير شخص ما لشخص آخر نحو الشمس ويقول له : هل تعلم أن هناك شمساً في هذا العالم ؟! انظر بنفسك إلى ذلك الاتجاه … الأمر يتطلب الكثير والكثير من الاستبطان والتأمل الجاد والمفعم بالرغبة والمتعة والاسترخاء …
  • Raja Yoga by Yogi Ramacharaka​
  • Gnani Yoga , Yogi Ramacharaka​
  • العرفان النظري : مبادؤه وأصوله , يد الله يزدان.​
  • قوة الآن , إيكارت تول ( أنصحك بقراءة الأصل الانجليزي وهو متوفر مجانا أون لاين ).​
  • حي بن يقظان : النصوص الأربعة ومبدعوها , يوسف زيدان.​
أسأل لك الوصول لما ترغب به ...​

النتيجة ...​

فإن بين العقل والإدراك بوناً أيضاً ، لأن العقل من حيث موضوعيته المُفارقة للذات ، ليس له وجود حاضر ، إنه أيضاً نوعٌ من الغيب الذي يقع بينه وبين الذات بون يسمح بتسرب جميع أنواع الشكوك إليه ، وإن الوضعية تدخل مباشرة في العقل عندما يبدأ من مرحلة غير يقينية ، وهنالك تتفرق الطرق ، وتحدث الفِتن ، وتتسرب الحياة بتسرب زمن البحث ، في تلك اللحظة من الزمن ، التي تظن فيها عقلك قادراً على إثبات صدق أي شيء من منطلقات عقلية بحتة ، ستسمح بتكوين رموز دلالية وضعية وتأويلات وضعية تماماً كما حدث مع التجريبيين ، ورغم أنك تفعلها الآن بشكل أكثر تجريداً ولُطفاً ، إلا أنه سيقودك في نهاية المطاف لطريق مسدود ، لن يقوى عقلك ولا أي عقل معزول عن الإدراك ، على أن يستنتج أي حقائق يقينية ، أولاً لأنه اعتمد مقدمات غير يقينية ، وأسلوباً غير يقيني ، ومعطيات غيبية ، وثانياً لأن أي نتيجة سيصل إليها ستكون مجرد نتيجة منطقية تُختزن في الذاكرة كحل لمعادلة ما ، وهل تسمي هذا يقيناً ؟ اليقين ليس حلاً للألغاز ، لأن أي حل من هذا النوع لن يكون حاضراً إليك ، سيكون غائباً تماماً كأي شيء غائب ، وحينها ، لن تحس بالرضى ولذة اليقين ، ربما تحس ، ببعض الأمان المؤقت الذي يُهدئ توتر عقلك وتشنج عصبك وهرموناتك ، لكنه سيبقى مجرد خدعة مؤقتة في طريقها نحو الزوال مع الوقت.

{( كُلُّ من عليها فان (*) ويبقى وجه ربِّكَ ذي الجلال والإكرام )} كل شيء ، الأشخاص ، الأفكار ، المعارف ، الذكريات ، الروابط ... التواريخ والعائلات والمُدُن والقرى ... النظريات والافتراضات ، ومشاعر الظلم والقهر والنشوة بالنصر ، ومشاعر الطمأنينة والتحدي والرغبة والسعادة والحزن والاكتئاب ، الأمراض والعلل ، والصحة والسلامة ، والأكاذيب والتزوير ، والافتراءات ، والطمع والضيق ، واللوم ... سيفنى كل ذلك الغياب ، ليبقى وجه الله الحاضر ...

العقل ... ماذا تعني لك هذه الكلمة ؟ آلة عظيمة قادرة على استنتاج أي شيء بإعطاءها المقدمات اللازمة والأسلوب الذي تحتاجه للاستنتاج ، أليس كذلك ؟ هو ما أنتج كل شيء تراه اليوم ضمن المعرفة البشرية ، هو ما أنتج التقانة ، الأسلحة ، النظريات ، المذاهب ، سياسات عابرة كطيف الدول المارق عبر الزمن ... وتأويلات لا تنتهي لكل ما يمر معك من أحداث ، أخذ على عاتقه تأويل رغباتك ، ومستقبلك ، وماضيك ، بل حياتك ... وها هو الآن ساعٍ لتأويل ذاتك ووعيك ، ساعٍ لابتلاع الحضور فيه ، لكن ذلك لا يمكن أن يحدث أبداً ، لأن الحضور ليس له نقيض ، وليس أمامه مستحيلات ، وليس له قيود تقهره ، وكل ما يتوهمه العقل عن ابتلاع الحضور ، نابع من العقل ، ليس من الحضور ، والله مهيمن على العقل تماماً ، فهو من خلقه وهو يعلم ما نهايته ، ولكنك انت الذي تخسر ، فالعقل غياب ووهم لذلك لن يخسر الكثير ، والله غني عن العالمين ، ولكنك أيها العالق بين العالمين ... وحدك تخسر ، في كل مرة تتعلق فيها بشيء غائب ، وما بوابة الذات على الغياب ؟ إنها العقل فحسب ، الحس لا يغيب ، ولا يحتوي أي باطل ، تأويلك للحس ولغير الحس هو سبب الباطل الوحيد ... فلتتحرر من تأويلك ، لن يتم بغير صمت العقل ... وسماع صوت الحق ... ورؤية الشمس ... تشرق من جديد.

{ الإدراك كغشتالت }​



أعلى درجات التظاهر باليقين ، هي الاتكال الكامل على الأسباب لمواجهة الخوف وتحقيق الرغبات ، بحيث تغيب أنت ، ويحضر الغياب ... وأعلى درجات اليقين الحقيقي ، ترك كل سبب وراءك واتبعني ليس أنا الشخص ، بل أنا الحاضر.

ولعلك يوماً تشاهد فيلماً سينمائياً ثم توقفه وأنت متكئ لوحدك في الغرفة ، ترى الشمس صباحاً من وراء الستار الرقيق ، توقف الفيلم ، وتبصر في إحدى الشخصيات لتسأل نفسك : ما حقيقة ما أراه الآن ... ما هذه الصورة التي أمامي وإلام تشير ، حقاً هي ما في ذهني ، ممثل يقوم بدور يتم تصويره لينتقل إلي في هذه اللحظة بالذات ، أم لعلها شيء آخر ... هل حضرت لي بالاتفاق التصادفي والعبث حقاً ، أم أن هذا الكلام مجرد ثرثرة يُقال أنها علمية ... هل سبق لي وأن رأيت وجهي دون انعكاسه في المرايا وأجهزة التصوير ، ترى كيف يبدو ... لماذا لا أرى عيناي ، ولما لا أسمع سمعي ... هل أنا أسير في الاتجاه الصحيح ، أين أنا ذاهب بعد كل هذا ؟ وما الذي أريده وأرغبه أصلاً ...

كل ذلك غيب ، الغيب ليس الله وليس المستقبل ، الغيب هو الماضي والتأويل.

الغيب ليس الملائكة والسماوات ، بل تأويلك لها ، أنت محتجز عنها وعن العالمين ضمن نطاق التأويل الذي تعبده وتتبعه. أنت تجعلها غيباً لأنك تقرر أنها كذلك وهي ليست كذلك ، فتكون كذلك بالنسبة لك فقط.

لكنك تُدرك الغشتالت : ولكي أشرح لك بالضبط ، ما الغشتالت ، لابد أن تعرف أنواع المُدركات التي تتعرض لها باستمرار في لوح الذهن المرآتي ، الذي يعكس الزمن الغيابي على رؤيتك ، وذلك مِن حيث استبطانك لهذا المعنى :

... بالنسبة لعدة راصدين للرمز ، كيف برأيك سيثبتون لبعضهم البعض أنهم يدركون الرمز بنفس الطريقة ؟ مستويات التآثر الإدراكي ...
  • المعنى المباشر : الذي يدور في خلد صاحب المبادرة في الحديث. الذي لا تدركه إلا القوة الذاتية الحضور ...​
  • مرحلة في الغيب بين صدور المعنى وتحوله إلى رمز ، ووفق مبدأ التآثر في مرايا البون ، لا يصل المرء للمعنى الذي لا يطلبه ، لكن الطلب قد يكون غيابياً بعقله اللاشعوري أو حضورياً بوعيه ، وبينه ذلك درجات كثيرة ، والتقاء معنيين لا يكون بغير التقاء طلبين خالصين من قيود البون ، ودون ذلك ، ستمر التآثرات بهذه القيود ، وجميع الأرصاد الإدراكية والوجودية لا تكون إلا بتفاعل الذاتين المفارقتين لبعضهما ... .​
  • الرمز الدال على المعنى : بعد أن تحول لكائن زمني مقيد بعلاقات زمنية قد تشكلت في رحم عالم الغياب ، بطبيعة الحال لأنه غياب قائم على التآثر والنسبية والتقييد والتعليل.​
  • الرمز المُدرَك : بعد أن تتم معالجته من قبل قواك المُدرِكة ونطاقات أرصادها ، وأشباك الزمن المؤثرة عليها.​
  • المعنى المؤوَّل : والذي يفهمه المتلقي ، ومن الصعب تحديد العوامل التي تدخل في خلق هذا المعنى بطريقة "موضوعية حاسمة" ، وذلك لأن الموضوعية نفسها تتبخر عند التحقيق الهرمنيوطيقي معها. إلا أن "الخبرة الذاتية" كفيلة بإيضاح ما نقصده عندما نقول : يتم فهم أي رمز من الرموز من خلال "المعجم الدلالي الفردي" والذي يحتوي ذاكرة الإنسان "الشعورية واللاشعورية" حول كل ما يرتبط بهذا الرمز ( أو اللفظ ) ، وهذه الذاكرة هي ما يشكل "المعنى الحقيقي للرمز من رؤية المتلقي" ( العامل الثاني في الدلالة ). وكما ترى ، يتم إدراك مجموع الأجزاء ككلاني جديد ، لا علاقة له بالأجزاء مجتمعة في مستواها المحلي ، بل تنبعث منها مستويات جديدة ، لها دالتها الخاصة ، قد يقول قائل أن ذاك مرده نحو التعقيد المتزايد والذي يصل لرحلة من التراكم لينشئ شيئاً جديداً ، والحقيقة أن التعقيد المتراكم لا ينشئ أي شيء سوى الرُكام العشوائي الذي يحتويه والذي قد يتفق أحياناً ويكون بعض المعاني أو التجريدات ، إلا أن ذلك لن يحدث أبداً بالنسبة لمجرد التعقيد ، بل لموافقة التعقيد لكائن أكثر تجريداً من القيود ، أكثر تحرراً ، أكثر عمومية ... عندما تجتمع أجزاء الدائرة لتكون دائرة ، من حيث المنطق الفيزيائي المحلي التطابقي ، لن يكون هنالك سوى أجزاء متجاورة ، لكن العقل أدرك ما لم تدركه عين الجسد ، فرأى علاقة غير محلية قد تنظمت بها تلك الكائنات ، هذه العلاقة غير موجودة أصلاً في عالم المحل ، ولكنها أكثر لطافة فهي تحل به بكامله ، وتظهر عند بعض الأوفاق ... إنها دالة ، إنها نوع من النُظُم وليست مجرد تراكم عشوائي ، حتى لو كانت العشوائية هي ما يخرجه إلى الظهور ، فما حدث من تفاعل الاحتمالات ، هو اتفاق الاحتمالات جميعها مع القالب الوجودي الأساسي ، الذي يكون وجوداً بشكل مجرد عن الاحتمالات الشاغرة له ... أي أن الدائرة لم توجد لحظة اجتماع الأجزاء ، لقد وُجد مصداقها فقط ، ولذلك كانت دائرة الغشتالت منقوصة من أطرافها بشكل تناظري متوازي ، ورغم ذلك لا يعجز العقل عن رؤيتها كدائرة ، ورؤية المثلث غير المكتمل ، بل لا يستطيع رؤيتهم إلا وفق ذلك النَظم. إن الكائن الغشتالتي يقع في مستوىً أكثر تجريداً من المستوى المادي وليس العكس ، ولذلك يكون أقرب للآن والحضور ، وأبعد عن تفاصيل الزمن الغائب ، وعن المحلية والوهم ، ففي الحقيقة ، لم تكن الذرة أصغر جزء من العنصر الكيميائي ، بل كانت الوِحدة الأولية للكيمياء ، تقع في بُعد أكثر شفافية ، ثمّ تأتي الكموم المُنتشرة في كامل الزمن المحلي منذ بدئه إلى نهايته ضمن جميع النطاقات الوجودية والعدمية ، وهذا سر قانون الارتياب ومعادلات الاحتمالات.​
  • المعنى الموضوعي : وهي فرضية مثالية ( بمعنى سفسطائية ) ، إلا أنها هي المستخدمة من قبل ما يسمى بالعلماء التجريبيين ومنظري المادية والموقف الطبيعي الساذج ، وبشكل انطلاقي ، إنهم يفترضون وجود رموز ذات دلالات موضوعية لا تتغير من مراقب لآخر ، ومثل هذه الرموز هي التي يمكن من خلالها إحداث اتصال معرفي بين المُصدِّر للمعنى والمتلقي له. وقد تتساءل عن طبيعة مثل هذه الرموز ؟ وسأجيبك بأنها ( المعطيات الحسية المادية ) التي يٌفترض أنها مشتركة بين جميع الراصدين الذين يمتلكون أدوات مادية للرصد.​
هذا يعني أنك لن تستطيع انطلاقاً من الزمن الموضوعي الغائب ، أن تُدرك المعنى الحقيقي القادم إليك من قبل أي كائن له ذات حقيقية ، وكذلك لا يمكنك إيصال المعنى للآخر ، لأن بينكما أربعة مراحل بونية واضحة بذاتها ، وكل مرحلة قد تمر بعلاقات وتغييرات زمنية لا نهاية لها تقريباً ، أو حرفياً ... وبعبارة أخرى بينما تقوم بالتشاجر مع شخص ما ، ضع في اعتبارك ... قد يكون في عالمه يُمازحك أو يشاهد السينما معك ، وقد يكون قاطناً في سنة 1994 وأنت في سنة 2022 وفق التاريخ الافتراضي لهذه الحُقبة ... وعندما تقتل شخصاً ما ، رُبما يكون مجرد نملة ضلة الطريق ، ربما يكون رجلاً آلياً أو شبحاً وهمياً ، بل رُبما ، لم تقتله أصلاً وإنما نقلته لحركة زمنية محلية أخرى. وبينا تراه يبكي يراه يضحك ويسخر منك.

العِرفان تصفية المرايا :​

الفرق بين العِرفان والفينومينولوجيا ، أن الأول يبدأ من رغبة الوُجدان بحلول الجمال الإلهي فيه وفي عالمه ، والثاني يبدأ برغبة الوجدان بالتخلص من القيود التي تمنعه من الرجوع لذلك الجمال الذي ينتمي إليه هو وعالمه المحيط ، فبينما يعلق المنهج الإدراكي سائر الرغبات والمعارف ليخلي القلب من كل الفساد ، فيبدأ من منطلق عن علاقة الوجدان التفاعلية بالعالمين ، ويتخلق بالأخلاق الكاشفة لحقائق الأشياء وفساد الأحوال ، يبدأ السعي العرفاني بتحلي القلب بالجمال والحضرة بذكر عالم اللاهوت والتآثر والتفاعل معه ، وتغليبه على قوى الظلام التي تحاول سلب النور من أشعة الإدراك ، فتكون الأخلاق هي الإخلاص لله وتحمل كل ما ينشأ عن ذلك ، لأن الوجدان يقع في نون بين عالمين ، عالم الحضرة ، وعالم الغيبة. لقد كان التصوف الإسلامي مثال المنهج العرفاني ، وكان التصوف الهندوسي وتصوف الفلاسفة الغربيين الحقيقيين مثال المنهج الفينومينولوجي ، ولكن كلاهما يسعى لنفس الرغبة الجوهرية ، ويلتزم بنفس التوصيف لساعته ، ويصل في النهاية لنهس الوجهة. الوحدة المُشتركة بين أي سبيل للحقيقة هي حلول الآن في الإدراك وخلوه من الغياب ، حتى يصير الغياب فيما بعدُ آناً كاشفاً عن حقيقته.

إن عامل التصفية للمرايا عُنصُرٌ حاسمٌ لِكسر جدار الغياب عن الوعي ، الموت ، والقيود على الالتفات للحضرة ، ما الذي تحسب أنك ستعرفه من عالمٍ غائبٍ عنك ؟ إنك من المبدأ تبدأ بالغائب ، ولا يكون الغائب حاضراً أبداً من باب ذات الغياب الذي تُدرِكُه به ، فمن تفكر بهم لا يكونون حاضرين لمجرد التفكير ، وإنما ترى فقط أشعة الآثار على مراياك من ذواتهم الغائبة عنك والتي لا تمتلك أدنى معرفة عن حقيقتها ، بل كل ما تأكل وتشرب وتجانس وترتاح له جسدياً ونفسياً أو تكرهه جسدياً ونفسياً ، ليس له وجود إلا كغياب ، هل جاء هذا الغياب من ذاتك نفسها ، أم من الآخر الذي لا تفهمه ، أم هو مجرد ضباب ، لن يجيبك الغياب نفسه أبداً. تعلقك بالغياب والآخر هو تعلق بالوهم ، كما رأت أليس الناس والكائنات أوراقاً للعب في نهاية الحُلم ، ترى أنت هذه الحقيقة ، حقيقة الغياب. فالمرايا التي تنشغل بعرض السراب باستمرار لن تسمح لك أبداً أن تستيقظ من حلمك وأن ترى النور ، وهذا السراب تمتلك أنت القدرة على إحضاره أو تركه ، لأنك تمتلك القدرة على الحضور للحضرة أو الحضور للغياب.

وأول ما ينبغي فعله تخلية الحواس من ضجيج المُجتمع ، والبحث عن أفضل مكان للانعزال {( أن تقوموا لله مثنى وفُرادى ثمَّ تتفكروا )} ، وستطول الخلوة أو تقصر بحسب سعيك ، بعد حين ، لابد أن يتخلى لسانك عن الحديث ، وعقلك عن الثرثرة والتخيل والتصور ، ومن ثم ، يتخلى قلبُك عن البحث ، وحينها تبدأ بالسمع جيداً ، لأن أذنيك زالت عنهما الأوساخ ، وعينيك نظُفتا من الأخشاب والقذى ، وتوقفَت رغبة الجنس ، ورغبة الطعام ، ورغبة المال والسفر والأثاث والسُمعة وحتى الحُب ، الذي تقيده شروط الامتلاك ، لقد مات الوحش الذي فيك ، واستيقظ الملاك.

إنما يموت فيك ، هو رغبة معرفة الآخر الغائب بما هو غائب لا بحقيقته الخالية من الغياب ، وما يلحَقُها من رغبات الزمن التي تختلطُ بالوجدان وتضلل سعيه ، وهكذا تُصقَل ماستك بعد أن تتكسر عليها أصابعُك الزمنية وتبيَضُّ عيناك من الدمع ...

 
التعديل الأخير:
الباب الأخير في عتبة فلسفة العلم : التحقيق الفينومينولوجي في أصول البحث العلمي

والآن ... بعدَ وصولك مع البحث لهذه النقطة من البَحث ، قد تسأل ... "لماذا تم طرح هذا النقد لأجهزة وأدواتِ العلم التجريبي الحديث ، هل هذا شيء واقعي ، أم "نوعٌ من الخيال"


ما الذي سيفيدُك كقارئ بشري يعيش في هذا الكوكب ، عملياً وفي حياتك ، أن تعلَم حدود قدرة الجهاز وقدرة التجريب العلمي المحلي والإجرائي ... وحقيقة واقعية العالم المرصود ؟ ما الذي يمكن أن يتحقق عندما ترى الارتياب يتسلل لكلِّ تلك العوالم والكائنات ، سوى مزيداً من الشك والقلق ... وما هو البديل ... الذي يغنيك عن هذا الحال ... أين البُوصِلة ؟

قبلَ بلوغك إجابات هذه الأسئلة ، لابد لك لتعلم ، أنّ تشتُت أُفُق أفكارك وتصورات ذهنك بعالم المعارف الدينية والعلمية والباطنية ، سيجعَلُك دائم الانشغال في أحداثها ، أخبارها ، دراساتها ، وتفاعلها الزمني معك. سيجعَلُك تنفعلُ من أتفه الأسباب التي تتعلق بها ، وتتعلق بك ، وتتعلق بأشخاص ضمنها وأماكن ، وأحداث، وذكريات ، وكائنات ... إنه ضباب يشتت إدراكك الصافي ، تماماً كشؤون الحياة الأخرى ، تماماً ، كوابل من الدبابير الطائفة حولك، تمنعُك من التنفس ، تمنعُك من الحياة.

إنّ إفراغُ الكوب من الأوساخ وإزالة غطائه سابِق لملئه بماء جديد ، تصفية المرايا وزوال وسخ شاشتها هو مُقتضى عكسِها للنور ، ومهما حاولتَ رؤية النور ، عبر مرايا مغطاة بطبقة وحل ، فيها دوامات وتعاريج متحركة ولانهائية ، لن تستطيع ، سترى الوحلَ فقط ... سترى الوحل فقط وعلى قدر ما تزيله من تلك الأوساخ التي تسمى معرفة ، يمكنك أن ترى النور.

ربما تلك المعرفة تسهل حياتك الدنيوية ، ولكن ، أين معنى هذه الحياة التي تبدأ من نقطة وتنتهي بأخرى ، دون أن تتطلع للعالمين وعبرة الزمان ، دون أن تشتعل نار نورك الوجداني المقدس لطلب الحق المُطلق ، ووجه الله ربك والجمال ... دون البحث عن القيم التي بها تكون وبغيرها لا تكون ، لا تكون سوى رقم ومعادلة ، وجسد حامل لها ، وتبريرات منطقية تتصارع باستمرار.

لقد كان من أعصى ما غطى مرايا البشر بأسرهم ، نسيجُ عنكبوتٍ يسمى "العلم\science". هذا العلم ، مجرد اسم فضفاض لامِع ، لمستنقع فخاخ لغوية ، تربطُ الواقع بالنموذج التجريبي ، وتربط النموذج التجريبي بالنموذج الوضعي ، وتربط النماذج بالسلطة ، وتربطُ السلطة بعناصرها الإعلامية ، ومن تلكَ العناصر يسوقون ما يشاؤون ... فيغدو ما تُخرجه ناسا ، مُعادلاً لغوياً لما يراه المرء أثناء التجريب النظيف المُباشر ، وكأن أخبار سلطة ناسا ، وواقعية معادلات الكهرباء القياسية ، هما سواءٌ في معيار الواقعية ، بل إن رفضك لفرضيات ضعيفة جداً أمام أبسط أنواع التحقيق ، كفرضية تلازم السعادة الوجدانية ، مع المُفرزات الكيميائية الدماغية وأن تلك المفرزات جوهر حقيقة السعادة ، يغدو كرفضِك للتجارُب التي تبرهن قوانين الحركة ، أو كرفضك لواقعة تفاعل الأوكسيجين والهيدروجين ، مع أن الفرضية الأولى استخدمت مناهِج وأدوات وقياسات ، تختلِفُ جذرياً عن الواقعة الثانية. ولكن ، تمّ إلصاق الفرضية المزيفة بالواقعة التجريبية عبر اعتبارهما "لغوياً" نتاج منهجٍ واحد ، وعِلمٍ واحد ، وطريق معرفي واحد.

هكذا تمّ جمعُ أهمّ وقائع التجريب النظيف ، وأكثر الفرضيات بُعداً عن الواقع التجريبي ، ضمن كيانٍ ضام يسمى "العلم التجريبي". وكُلُّ ما يجمع شتات شملهم هو التأويل الحالي الذي يُستخدَم لعرض نتائج وتأويلات التجارب والفرضيات المتعلقة بها وكأنها تأتي بطريقة واحدة وتشير لواقعٍ واحد ، وكأنها جميعاً تنبعثُ من نفس المصدر ، ولذلك كان لابُدَّ من التحقيق العلمي والفلسفي العرفاني في الأمر :

من هذا المُنطلق يستدعي الأمر إعادة تصفية مرايا الواقع ، وبشكلٍ طارئ ، ورؤية التجريب بعين الإدراك الباصِرة ، لكشف منهجه المناسب ، وكشف التلاعُب الممارس والاستحواذ على العقول ... فكانت أبواب الكِتاب الثلاثة الأولى جميعاً هي "رَدّاً فينومينولوجياً \ إدراكياً" للمعرفة التجريبية إلى صحيحِ عبارتها وتمام كاشفتها الإدراكية النقية.

لا ينبغي أن تفهَم من ذلك أيها القارئ ، أنّ التجريب شيء خاطئ أو مُزيف ، وأن الواقع الذي تُدرِكُه مجرد حلم ، ولكن ، ما يجب أن تُدركه تماماً أن الواقع الذي تحسه وأحكامك عليه يجبُ أن ترتَدَّ جميعها نحو المُنطَلق الذي يصلُ بينك وبين أحكامك من جهة ، وبين الواقع الذي تحكم عليه وتتفكر فيه من جهة أُخرى ، ولكي أوجز لك كُلّ ما قدمته حتى الآن - استعداداً لمرحلَةٍ جديدة - فتبصر :

العِلمُ والواقع ... والنموذج العلمي :


"إنّ رؤية الإنسان للعالَم تحددت كُلُّها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، من قبل العلوم الوضعية وحدها ، وانبهر المرء بالازدهار الناجِم عن هذه العلوم وهذا أدى إلى الإعراض في لا مُبالة عن الأسئلة الحاسمة لكل بشرية حقة ، إنّ علوماً لا تهتمُّ إلا بالواقع المحلي تصنع بشراً لا يعرفون إلا الوقائع المحلية" إدموند هوسرل - أزمةُ العلوم الأوربية الحديثة.
عرَّف بول فيرابند العلم على أنه تلك الفكرة القائلة بأن العلم يمكن له، وينبغي له أن ينتظم وفقا لقواعد ثابتة وشمولية، هي في آن واحد، فكرة طوباوية. وذات بريق خادع. هي طوباوية لأنها تتضمن تصور مفرط البساطة حول استعدادات الإنسان أو قدرته. وحول الظروف التي تشجعها على النمو أو تسببه. وهي براقة خادعة من حيث إن محاولة فرض مثل تلك القواعد، لا تخلو من جعل ازدياد في كفاءتنا المهنية لا يكون إلا على حساب إنسانياتنا.

العلم والنماذِج ... تحقيق كينيائي في رؤية توماس كون :

لابد لك أيها الباحث ، أن تفرق تفريقاً حاسماً بين "العلم" كتوصيف للواقِع ، يأخُذُ قيمته من إنجازاته التي يُحققها ضمن واقعٍ نسبي محدد ، وبين "العِلم" كعلاقةٍ تفاعُلية بين الإدراك والواقِع نفسه ، والتي تحكُم كافة العلاقات والتوصيفات الأُخرى وتحددها من حيث المُنطلق ومن حيث النموذج ، ومن حيث الغاية والقيمة المُحققة منها. إنّ كافة مجالات العلوم ، النظرية والتطبيقية ، الطبيعية والإنسانية ، التجريدية والمحلية ، الحقيقية والوضعية ، وبالتأكيد ... الأخلاقية والآلية ، تعودُ جميعاً إلى ذاتِ المنطلق الذي يحكمها ويصنفها ، وموقِفك كإنسانٍ من هذه العلاقة بين إدراكك وبين الواقع الذي تُدرِكُه بكُلانيته الوجودية هو الفصلُ في أي موقفٍ علمي تتخذه ضمن أي إطار زمني مُمكن.

تماماً كأي فِعلٍ زمني ، العِلمُ كتفاعُل زمني بين الذات والزمن ، مُكوّن من ثلاثة مُنطلَقات :

نواةُ التفاعُل العِلمي :

في كلّ حركة ضمن الزمن ، يبدَأ الأمر بنواة تحدد منطلقات "الحركة الزمنية" ، التي تتخذ طرقاً متشابكة عبر تفاعلات مع الكائنات الأخرى وسط الانتشار الذي تتحرك فيه ، تماماً كاللولب الطائف ، هكذا يكون هنالك زمنٌ وواقع تفاعلي ... والعِلم هو حركة زمنية تنقُل الواقع إلى الإدراك ، ومن الممكن حينها أن تعتبر نواة العلم ضمن الواقع المُدرك فقط. ولكنّ الكائن الذي يقوم بالإدراكَ ، مُشاركٌ فعّالٌ في هذا التفاعُل الزمني الذي يسمى بالعلم ، فهو الذي يحدد المجال الذي سيقعُ عليه فعل العلم ضمن الواقع ، وبدون الكائن المدرِك الذي يسمى وعياً وروحاً ، ليس هنالِكَ علم فعلي. هذا هو السبب ، أن حالةُ الإدراك الذاتية البسيطة ، التي توحّد بين المُدرِك والمُدرَك ... هي تلكَ النواة.

هذه الحالةُ الوجدانية جَوهَرُ العلاقة التي تتخِذها بين ذاتك وزمنك، تلك العلاقة بين الذات بإدراكها ، وبين الوجود بمُدرَكيته ، وكما سبق وتم البيان ، إنّ جميع العلوم والعلماء والموجودات يرتدون نحو مرآة إدراكِك التي تُحسّها بالاستبطان والحدس الصافي المُباشر ، كلما عزَلتَ نفسَك عن الأحكام المُسبَقَة ومُلهيات الإدراك ...

يقولون في الغشتالت ، إنّ رؤية الموضوع المُدرَك بحاسة ما ، لا تتم بانفصال عن الخلفية الزمكانية التي تحتويه ، فلو هجمتَ على شخصٍ ما لتطعَنَهُ بموزة بشكلٍ مباغت ، فلن يتخيلها سوى سِكيناً ، كذلك عندما ترى مُثلثاً متناسِقاً طويل الأضلاع على لوحٍ أبيض ، لكن من دون زوايا متصلة بالأضلاع ، لا تستطيع إدراكه على أي نحو سوى أنّه مُثلث ، كذلك الأمر ، بالنسبة لشخص ما عِشتَ معه فلن تقدر على تخيله شيئاً سوى الذي تعرِفه مُسبقاً ، حتى ترُدَّ الخلفية لحالها المُدرَك ، أو تغيرها.

لقَد استخدَمَ فيلسوف العلوم توماس كون هذه الخلفية ، لكي يوضحَ حقيقة العلم التجريبي ، إنّ ما تراه من مجموعة إنجازات عظيمة تملأ الكوكب ، لا يعودُ لنوعٍ واحدٍ من العلم ، أو من فلسفة العلم ، إنّهُ بالأحرى يشتركُ فيه ، أربعةٌ خلفيات\نماذِجَ علمية مختلفة جوهَرياً ، إنّ ما تُدرِكُه على أنّه إنجازٌ للعلم التجريبي كحاسوب الكتروني ، يعود لفيزياءٍ أُخرى لا علاقة لها بالفيزياء التي قبلها ولا التي بعدها ، إنّ فيزياء الحاسوب نوعٌ من الفيزياء الإجرائية المحلية القانونية ، التي تمتَثِلُ لمذهبَ آينشتاين ونيوتن ، أمّا نظرية الارتياب التي يؤمن بها الفيزيائيون ، وما تفرع عنها من جميع المعضلات والمشاكل ، وجميع الآراء المادية التي تهاجم الميتافيزيكس بناءً عليها ، هي فيزياءٌ مُختلِفة تماماً ، من حيث المنهج والمبادئ والنتائج ، وإنّ دَمجَ نوعي الفيزياء السابقين في عِلمٍ واحد ، لهو عين التضليل الإعلامي والشيطاني وخدمة الظلام باسم العلم والمعرفة والحقيقة.

وقَبل شرحِ ذلك بالتفصيل ، لترافقني في هذه الرحلة السارية ، نحوَ عوالِم المُطلق كما عُرِضت عليك بوابتها البونية ...

تجلي النواة الأُوّل : علاقة الوحدة بين الذاتِ المُدرِكة وموضوعِ الإدراك :



يسمى بالعِلمِ الوجداني ، أو الحضوري ... حينَ يكون الموضوع حاضراً بذاته الحقيقية للذات التي تُدرِكُه ، دون وساطة ذهنية بين الذاتين ، فهما الآن ذاتٌ واحدة في الزمن ، هذا الزمن لا يعود فاصلاً بل واحدياً ، فلا يكون تعرفك على المعلوم مُجرَّد خبر عن الواقع أو تأثير مُمارسٍ على الإدراك يؤدي لصورة ذهنية من الأثر ، بل هُو حاضرٌ إليك دونما وساطة ، كقيمة وجدانية كريمة ... فكما تعرف بهجتك الحقيقية ، وجماليات الحزن والزمن ، تعرف حقيقة الحضور ، حين لا تلتفِتُ لعوالم الغياب ، تُكْشَفُ لكَ عوالم الحضرات والأنوار العليّة ... جميعُ القيم الأولية للحياة جاءت من عالَم الحضرة ، وكل ما تتفاعلُ معه ضمن عالم الغياب تفعلُها من منطلق الحضور ... إحساسُك بالعلم كحالة وجدانية تسبِق على المحتويات المعرفية التي تحضُر إلى تلك الحالة ، ذلك الإحساس ، هو الأصلُ في العلم والذي ترتدُّ إليه كل العلوم والمعلومات فيكون هوَ الحَكَمَ العدلَ عليها.

ثانياً : علاقة الوِحدَة في موضوع الإدراك :



حينَ يحضُر لك أثر الشيء أو تأثيرهُ على حواسك الذي يترجمُه عقلك ويعرضه على مرايا بونك كزمنٍ محسوس تسميه صوراً ذهنية ، فتذكّر أّنّ هذا الإحساس بالحضور "حضور صورة الشيء الذهنية حسياً وعقلياً" ، هو عِلمُكَ بالزمن المُدرَك ، المُفارِق للإدراك المباشر ، الخالي من الوحدة الذاتية ، إنّه علمٌ تفاعُلي ، وليس علماً فاعلياً ، لأن العالم والمعلوم منفصلان بقيود ، تمنع وحدة الفِعل ، وتمنعُ وحدة الزمن ، ولكنها تُبقي المعلومَ كأثرٍ قابلاً للإدراك المباشر ، الذي يوحد بين الذات العالمة والموضوع المعلوم في زَمن التفاعُل ، زمن البون. إنّ مرايا البون هي نواة هذا العلم ، وهي حِجابُكَ عن الواقع الحقيقي ، وبوابة العبور نحوه أيضاً وفقاً لسلوكك معها ... هاتين العلاقتين ، هُما علاقات علوم الشَّهادة الحقيقية بأنقى صورها ...

خارِجَ علوم الشهادة ، ليس هنالك علمٌ يقيني للبشرية ولن يكون ، إنه بالطبع ، خيارُك أن تبحثَ عن العلم الحق ، أو ترضى بالعيش بواقع ظني في أحسن الأحوال ، ووهمي في أسوئها .... هذا خيارُكَ وحدك ، وليس مناظرة علمية مع شخص آخر ينتصر فيها أحد الطرفين ضمن زمن غائب ، لا يقدم ، ولا يأخر.

وإذا كُنتَ ترى ترف العيش ورغده ضمن هذا الواقع الذي أمامك يرضيك ، وما حققه العلم الظني التجريبي كافٍ ، وشهاداتك التي تتفاخر بها ، أموالك التي تجمعها ، وبقية الأملاك التي لا تستطيعُ إثبات وجودها كافية لتحقق إنسانيتك ، وتحقق روحانيتك وترضي وجدانك ، حينها لن ينفعَ الحوار أصلاً ولا أملك لك من الله شيئاً.

ثالثاً : التفاعُل بين الموضوعِ المُدرَك والذاتِ المُدرِكَة :



هذا هو العلمُ الثالث ، من حيثُ المُنطلَق العلمي الوجودي ، حينَ يكون موضوع الإدراك هو الواقع المُفارِقَ للإدراك ، الذي يكشفهُ بالحُكمِ عليه ، وتأويله والتفكّر فيه ، هذه الأشياء "الثبوت\الفهم\الإدراك" هي أداتُكَ لكشف العالَم من حولك ، الثبوت لا يتحقق دون رَدّ الكائن ضمن غيابِه ، إلى هويته كقيمة حاضرة للذات ، تستطيعُ من خلالها الحكمَ على غيابية الكائن ، فإن انقطَع اتصال الذات المُدرِكَة مع الكائن المُدرَك انقطع العلم ، ولذلك لا تعلمُ شيئاً خارج حيز مجالك الإدراكي ونطاق أرصادك الحسية وما تستطيع استرجاعَهُ من ذكريات ، إنّك لا تعلمُ ما في الحجرة التي وراءك وبجوار غرفتك ما لم يكن هنالك "وسيلة" توصل ما يحدث فيها " نحو حواسك التي تعرض عليك المُدرَكات" هذا هو السبب الحقيقي في نسبية المعرفة البشرية جمعاء والتي لا يمكن أن تتغير من نطاق المجموع والمجتمع والدول ، بل من نطاق الذات فقط ، لأن المجموع حاضرٌ لبعضه البعض على نحو الظن ولغة التواصل بينهم ظنية بالكامل ...

لذلك كانَت قواعِدُ المنطق تمنَعُ التسلسل في الإثباتات للانهاية ، دونَ أن توفّر بداهة منطقية تقوم عليها المعرفة ضمن نطاق المعرفة نفسه – كما تم عرضه في الباب الرابع – ، إنّ قوانين المنطق الأوّلية تظهر جميعاً معاً وبنفس اللحظة المعرفية ، وفقط عبرَ تفاعُلها يمكن بناء برهان أو استدلال ، وغياب أحد البداهات المنطقية "مبدأ التناقض \ الهوية \ السببية \ الحُكم \ التحليل التجريدي \ تركيب المُجرّدات ...." سيكفي لمنع أي استدلال أو قياس مُمكن ، سيحول دون وقوعِ أي معرفة.

إن جميع المبادئ المنطقية لا يُمكنُ ردها إلى صيغة منطقية أبسط ، إنّها كـحالة الكموم الفيزيائية ، كموم في مجال المنطق ، وغيابُها يحول دون وجود عالم منطقي أو ذهني ، ويحيل الواقع الحسي لعالم عدمي. ولكنّ هذه الكموم المنطقية "البداهات" بما هي كائناتٌ مُدرَكةٌ ومفارقة للإدراك فلا يمكنها تعليل حالة حضورها العلمي للذاتِ العالِمة ، لذلك لا أحد يستسيغُ فكرة البداهات ، لأنه ملم يتم تحديد معيار فاصلٍ بين البديهي والنظري ، فمن الممكن الادعاءُ عن أي قضية أنها بديهية ، ولذلك كانت ظواهر ميكانيك الكم تبدو وكأنها تكسرُ البداهات ، لأن امتناع التاقض في الذهن ، وفي الواقع الفيزيائي المحلي ، لم يقدر الفلاسفةُ على إثبات وجود فرقٍ بينهما.

وهكذا احتاجَت قوة أعلى من الزمن المفارق الغيابي ، تصلُ بينه وبين الحضور ، وهي البون الإدراكي نفسه ، وهذا البون "المرايا التي أمامك" ترتدُّ إليها كل الكائنات الحسية والعقلية ، فتغدو مُجرّدَ علاقات ، أي "وحدات إدراكية" معروضة على المرايا ، تتعرّف حضرتك عليها بشكل أولي حين تردُّها لنسبتها "موقعها التفاعلي الحقيقي" ضمن المرآة. كما مرّ من قبل. هذه العلاقة ليست اختزالاً مكانياً كالذي يمكن أن تتصوره. إنّ العروض التي تراها "تكشِف جوهرها المكنون" من خلال ردها للمرايا لأن وجودها في المرآة متحدٌ ذاتياً مع وجودها خارج المرآة ، رغم أنه هنالك قيود تمنع التعرف على كامل الحقيقة الموحدة بين الشيء المُدرك والشيء الواقِع ، لكن الوحدة تبقى محسوسة ، لأنّ الحضرةَ أصلُ الوجود وليس الغياب ، فمتى كانت حضرة فلا يعود من معنى للغياب سوى عدم التفاتك لحقيقة حضور الشيء ، فمتى حضر الأثر الفيزيائي لإدراكك على مراياك البصرية ، فإنّه من حيث هو حضور ومن حيثُ أدركتَ حضوره في "الآن" دون تأويل وأحكام مسبقة ، فهو متحدٌ بالحضور المُطلَق لكل الأشياء ، هكذا فقط يمكنك بناءُ حكم حقيقي دقيق على كائنٍ مُدرَك برده نحو وجوده الحاضر لك ، واستنتاج غيابه من وجوده الحاضر.

وفي غيابِ هذا الرّد ، تغيب الكائنات عن أن تكون ثابتة الوجود ، أو معروفة الكُنه ، بالنسبة للإدراك ، تبدو العوالِمُ بالنسبة لك غريبة مجهولة مخيفة ، تبدو كمتاهةٍ مُطلقة ، ومن خلال بحث المرء ضمن هذه المتاهة عن نقطة عبور ، عَلِقَ ضمنها ، وتحللت هُويته الحضورية إلى مجالات الحياة الدنيوية ، وهذه المجالات شملت المعارف والعلوم وسائر الأشياء والأحوال. أي أن علمك بأي شيء سيبقى مشوشاً طالما لا تردّه لأصله المِرآتي الحق.

ساعة التفاعُل العلمي \النماذِج :



بعدَ بدء الحركة الزمنية البنائية ، من نواة الحَدَث ، تتسعُ الحركة بشكل لولبي ، لأن اللوب هو التفاعل الزوجي ، بين النواة وبين المُحيط الزمني ، استمرار هذا التفاعل من النواة إلى المحيط وبالعكس ، يؤدي للقطبية ، التي تنسج اللولب ... مع استمرار التوسع ، يوماً بعدَ يوم ، يتحوّلُ اللولب إلى شبكة من العلاقات الديناميكية ... هذه الشبَكَة تحدد ما سوف يتجسّدُ من تلكَ العلاقات والفعاليات ، من نتائج واقعية.

في إطار النمو العلمي ، وتأسيس العلوم، تكون هذه الشبكةُ التي تُنظّم النتائج والتفاعلات العلمية ، سواء في المنطق أو الفلسفة أو العلم التجريبي ، هي "النموذج" الذي يرسُمُ خط الأفق ومصير العلم. وفق تعبير توماس كون ، فإنّ النماذج ليسَت مُجرّد كائنات هامشية ، فكل ما ينتجه العلم يمشي وفق ساعة النموذج ولا يخرج عنها بشيء ، وحين تصل هذه الساعة لنهاية طورها ، تنهار لتبدَأ ساعةٌ جديدةٌ بالظهور ، ساعة كانت كامنة في رحم تلك الساعة الناظمة القديمة ، ظهور الساعة الجديدة من شأنه أن يغير مسار العلم بأسره ، وذلك بالتأكيد ، ليس دائماً للأفضل.

في عالَم الغياب ، وضمن إطار البحث عن الواقع بما يكون واقِعاً غائباً ، البحثُ عن الدواء الغائب ، وعن طريقة الانتقال لمكان غائب ، وعن الحجارة الكريمة الغائبة ، والحقائق التاريخية الغائبة ، وعن تشريح الجسَد الغيابي ، وكُنه المادة الغائب ، وكُنه العقل الغائب ، والبحث عن الوعي من زاوية الغياب ، وعن الحقيقة المُطلقة من زاوية الغياب ، أنشأ ذلك الفلسفة ، والعلم ، وطرائق الدين ، والطب ، والفيزياء ، وكُلّ شيء آخر بدأ من نواة الغياب وساعة البحث.

لكُلّ ساعة نماذِجُ تُنظّمها ولكن تلك النماذج ليست عشوائية وفوضوية ، فأياً كان النموذج الذي ستختاره فإنّ احتمالية وجوده ترجعُ لمقدمات وأصول ، هي قاعدة احتمالات النموذج ، ومنها ينبني النموذج بالكامل ، تلك القاعدة أيضاً لا تأتي من العدم ، ولا بشكل عبثي ، هُنالك نماذجُ كبرى لا تتغير ، وهنالك نماذج تتفرّعُ عنها باستمرار ... إنّ نماذج ساعة البحث عن مزيدٍ من المعرِفة الغائبة ضمن عالم الغياب ، والمُفارقة للإدراك والقابعة ضمن الواقع المحلي ، دون ردها إلى أصلها الحق عبر توحيدها بعالَم الإدراك ، يكوّن أربعة إمكانات رئيسية لظهور هذه الساعة :

الواقع المادي الذي يُمكن البحث فيه موضوعياً وتجريبياً :



يجادلُ الماديون كثيراً وهم يدافعون عن اختزال العالَم في واقعته المادية ، دون أن يعلموا أن هذه الواقع مُجرّد لفظٍ لغوي لا يحكي أي شيء ... إنّ الواقِعَ المادي الحقيقي خارِجَ نطاق الإدراك ، سيقعُ أيضاً خارج نطاق التواصل بين المدركين ، ويخرج عن توصيفهم الرياضي والمفاهيم الطبيعية التي يستخدمونها ، بحيثُ ما من أي دليل على تطابق العالميَن.

الواقعُ بحقيقته خارج نطاق تأويلات مجموعة المراقبين ، ليس متصلاً بمراقبتهم ، إلا عن طريق وسائلهم الحسية والآلات التي بُنيت عليها ، فما تعنيه الفلسفة المادية والوضعية ، ليس أن تعترف بواقعية العالم ، بل بواقعية "المفهوم الفيزيائي المتواضَع عليه" عن عالَمك.

هذا الاعتراف يأخذ مناحي خطرة جداً مع تطوره في النفس عبر الزمن ، مناحي أخلاقية وسياسية سلطوية ، مناحي تقويض الحريات ، ضمن إطار الأخلاق الوضعية ، ونظرية الإنسان الآلة ، وبقية الهراء الذي يروج باسم العلم. لذلك ، قَبلَ معرفة النماذج المُمكنة لدراسة الواقع المادي دراسة مُفارقة ، لابدَّ أولاً أن تعرف حقيقة هذا الواقع ، كما هي للإدراك ...


الكائنُ الفيزيائي يتميز بثلاثة شروط :

أوّلاً : مُفارقته للإدراك :

كُلُّ شيء ينتمي للعالم الموضوعي ، الذي يُمكن التعرف إليه بأثره على الراصد أو على جهاز القياس ، أي الذي يغدو موضوعاً للإدراك ، ولكنّه موضوعٌ مفارق لملكة الإدراك وطبيعة الوعي ، حينها يكون موضوعياً ، بعض الموضوعات فيه يُمكن التكهن بأنها كائنات واعية مُدرِكة أيضاً ، والمعرفة الناتجة عن مقارنة رؤيتك الموضوعية مع رؤية بقية الكائنات تلك ، ضمن إطارٍ لغوي موحد ، هي عِلمُ الفيزياء الذي نَعرِفه ، وسائرُ العلوم الأخرى.

أيّ شيء يخرج عن الرؤية الموضوعية لجماعة الراصدين ، ليست بعلمِ الفيزياء التجريبي ، والإدراك نفسه يقع ضمن تلك الفئة ، ولكنّه ليس بالضرورة العُنصُر الوحيد … ولكن الإدراك لا يُمكن أن يكون موضوعياً لجميع الراصدين لأنّ طبيعة المقارنة خارجية ، وتعتمد على اللغة المُشتركة وهي مراحل تأتي بعد الإدراك وتسلّم به ، إدراكُكَ لوجود وعي آخر يدرك شيئاً ما ، يستلزِمُ اتحادَ الإدراكين معاً فلا يعود من زمنٍ فاصل بينهُما على أي نحو ، هذا يعني استحالَة اجتماع غياب الإدراك وحضوره بنفسِ الوقت لمرايا إدراكك ، والمعرفة الموضوعية هي نوع من التصورات الذهنية المشتركة في الدلالة الرمزية بين المراقبين ، الغائبة في جوهرها ، فكما تعلَم من المُمكن أن ترى تفاعُلات الدماغ ، ومن المستحيل أن ترى المعنى الحقيقي لهذه التفاعُلات ، كما ترى عين الذي أمامك ولكن لا ترى بعينه ، ربما تخمن من حركة عينه وسلوكه أنه ليس دمية أو آلة ، ولكنّ هذا الترجيح يستندُ إلى مسلمات قبلية ، بشأن أوصاف الآلة وأوصاف الوعي الممكنة ضمن زمن الغياب ، وهذه المسلمات عائدةٌ إلى زمن الغياب نفسه ، وإلى تأويلك الذي يقوض احتمال صناعة آلات ذات سلوكيات مُعقدة أو حسية تفاعلية ، وهكذا فقط يكون هنالك معنى للترجيح والاحتمال ، ففي الواقع ، لا معنى للاحتمال إلا ضمن إطار إمكانات محدود ، وبما أنّ عالم الغياب المفارق للإدراك بلا حدود ، فأي ترجيح أو احتمال سيكون مُجرّد القيمة خارج المسلمات القبلية الافتراضية التي اعتمَدَ عليها.

ثانياً : مُفارقته للإرادة والاختيار الحُر :

الفرق بين الخيال والواقع ، أنك تتحكم بالتخيل ، وأن الواقع يتحكم فيك ، يمكنك الآن أن تتخيل كرة زجاجية لامعة ، ومتى يتم قرع جرس الهاتف تستيقظ من تخيلك لتجد الواقع يرغمك على ما فيه ، جرس الهاتف لم يكن خيارك ، لقد كان جبرياً على حواسك ، أما صورة المرايا والكرة الزجاجية فقد اخترتَ أن تراها ، بمعنى آخر : الفرق بين الخيال والواقِع ، ليس أنّ الأول تدركهلوحدك والثاني يدركه جميع المراقبين ، بل أنّ الأول ليس جبرياً ، والثاني جبري ، والسبب هو قييود جسدك المادية ، وهذه القيود مطبقة على الآخرين الذين يشتركون في رصد نفس الموضوع ، هذه القيود تسمح بإمكانات معينة لتختار ضمنها ، ولا تسمح لك فالنفاذ ، وأحياناً تجبرك على رؤية ما لم تختره مباشرة والإحساس بما لم ترغبه مباشرة.

العالَم الفيزيائي مبدئياً هو جميع المعطيات المُفارِقة للإدراك ، والقابِلة للرصد من عدّة مراقبين آخرين "افتراضيين" وكذلك ، يختَلِفُ عن الخيال والشعور بأنّه "جَبري" بالنسبة للراصد ، ينعكسُ على حواسه رغماً عن مشيئته النفسية ، تماماً كانعكاس النور على المرايا.

كُلُّ ما لا يُحقق هذين الشَّرطين ، ليسَ عالماً فيزيائياً ، لذلك كان السؤال الأول : أيوجَد عالم غير الذي يمكن رصده رصداً مُفارقاً وينعكس جبرياً على الحواس ، من حيثُ المبدأ يعتمد ذلك على تعريف الوجود ، هل تقبلُ بالتعريف القائل "الوجودُ يسبق مرحلة التعريف اللغوي ، لأنّ جميع اللغات والتصورات تعتمِدُ عليه في أخذ معناها" ؟ أم ترى الوجود هو عين ذلك العالم الفيزيائي وأنّه محصورٌ به ، وأنّ إدراكك انبعث من ذلك العالَم وليس من شيء سواه وحينها ، سيغدو العالم الداخلي برؤيتك مختزلاً ضمن العالم الموضوعي ؟…

تحاول الوضعية وكذلك الماديون أن يفرضوا بالقوة ما أمكن الفكرة الثانية ، أنه لا يوجد ولن يوجد سوى عالَم مادي واحد ، تنبعثُ منه الأشياء الأخرى كنوعٍ من المُحاكاة.

انتبه بهدوء ... الواقع الذي أمامك ، الجبري على الحواس ، هو إدراكك للواقع الذي تسمحُ به الحواس ، وأنت لا تعلم عن الحواس شيئاً سوى أنها قيود ، إن نطاق الرصد الحسي نفسه مجرد فرضية تأتي من الحواس نفسها ، إنك تعلم قدرات حواسك عبر حواسك ، أو بالأحرى : عبرَ قيود حواسك.

العالم المادي ، أو ما يسمى كذلك ، لا وجود له إلا ككائنٍ مقيد ، إن العالم المادي والواقع المادي ، هُو فقط ما يُمكن تقييده بقوانين المادة ، إن الفيزياء تغدو علمَ دراسة القيود ، والإمكانات التي تسمحُ بها تلك القيود ، ومن ثمّ ، صناعة الآلات التي تخدم حياتك المقيدة ، وهذه الآلات تخضع لتلك القيود. وإن القول بأن العالم كله فيزيائي ولا وجود إلا للمادة ، يُعادل القول إن العالَم كله مجرد كتلة من القيود التي نظمت بشكل رياضي يسمح بإمكانات معينة ، ولكن هذه القيود ، قيود على ماذا بالضبط ؟

لماذا يحتاجُ الضوء سرعة معينة لينتقل في الفضاء ، وتحتاج سيارة لتنتقل في الأرض ، وتحتاج الأرض إلى الشمس لتحفظ توازنها الفيزيائي والبيئي ، والشمس تحتاجُ للتفاعلات النووية ، والتفاعلات النووية تحتاج للتفاعلات الوترية مثلاً ، وتحتاجُ الأوتار الفائقة إلى توصيف رياضي دقيق تنوجدُ ضمنه ، وإلى حدودٍ دنيا من الخصائص المادية "القيود" تحفظ علاقتها بالعالم ...

هذه الـ "لماذا" ، لا علاقة لها بالسؤال عن "ما الغاية من ذلك" بل بالسؤال "ما العِلّة في هذا الاحتياج والقهر" ما منشأ تقييد الطاقة والحياة ، ضمن نطاق المصفوفة الفيزيائية التي نعرفها. كُلُّ هذا يعني شيئاً واحداً ، العالَمُ المادي هو "قيد على الوجود المُطلَق" وأنت تُدرِك ، أن القيد لا يمكن أن يفسّر نفسه ، لأنه مجرد يد زمنية تحجبُ القوة والقيمة ، وبدون قوة وقيمة وطاقة ، يفقِدُ القيدُ وجوده.

أي نوعٍ من القيود إذن تكون المادة ، إنها تتعلقُ بطبيعة القيود التي تحكُمُ حواسك ... أنتَ تُحسُّ على مرايا بونك بشيءٍ واحد ، إنّه "الزمن المحلي" المُحدد بـ"هُنا" في هذا المكان و"الآن" في هذا الزمان ، مكانٌ مفارق للإدراك ، ومقيّد بقيد المحلية ، أي الاصطفاف في نموذج قوانين الفيزياء التي تعرِفُها ، حيث أنه تجسيدُ التجريد ، تحويل العالَم المحرر والمُجرّد إلى وسيلة أرضية "تحَقُّق آلي" لاحتمالٍ في عالَم التجريد. وهذا يقول للحقيقة الثالثة من مقتضيات الواقِع المادي :

ثالثاً : مُفارقة القيود المادية لأُفق التجريد وتقيّدها بشبكة العلاقات النسبية المحلية :

دائماً يقال ، هنالك ثلاثة أبعاد مكانية "يمكن" من خلالها الحركة والانوجاد ضمن المكان ، وكأنّه كُلّما زاد تعدادُ الأبعاد ازداد الأُفُق رحابة واتساعاً ...

وهذا يرجِعُ إلى تصور البُعد كـ"حاوي" للموجودات ، ولكن الحقيقة الإدراكية تخبرك بغير ذلك ، فلو أنّك ترسم الآن خطاً مستقيماً على ورقة بيضاء ، ستستنتجُ كما استنتجَ الفيزيائيون ، أنّ هذا الخط ذو بُعدٍ واحد ، وأنّ هذه الورقة ذاتُ بعدين ، وبالتالي كلما قَلّ عدد الأبعاد ضعفت إمكانات الوجود وقلت نماذج احتمالات الموجودات والأحداث ، واضمحلّ الزمن ...

ولكن ، إنّك عندما تقوم بهذه العملية الاستنتاجية ، فلا تحسن لا أن تنسُب عالَمَ البعدين والبُعد الواحد ، إلى عالَمك ثلاثي ورباعي الأبعاد ، لأن الخط المستقيم لم يظهر ككائن ثنائي الأبعاد ضمن عالم ثنائي الأبعاد ، بل ظهر كتمثيلٍ ثلاثي الأبعاد يُفهَمُ منه علاقةٌ كُلية تنتمي لعالَمٍ مُجرّد ، إنّك لا تستطيعُ تخيّل البعد الثنائي ولا ستطيعُ تمثيله بعالمك ، دون أن "تُقيّده" بعلاقات ضمنَ بعد ثالث ورابع.

نقطة على الورقة ، كفيلة بإيضاح الموضوع ، هذه النقطة ، بالنسبة لك ، موجودة ككائنٍ متناهي الأبعاد ، وعديم القدرة أمام الورقة ذات البعدين ، ولكن الحقيقة أنّ الورقة كائنٌ رباعي الأبعاد ، يعتمد على وجوده في الغرفة والكون ، لأخذ قياساته وقيمه الفيزيائية ، وهذا يعني أن ا يُرسم على الورقة ليس أشياءً أقلّ في سعة الأفق الوجودي كيفياً ، بل أقل في درجة السعة ضمن الأفق المكاني نفسه الذي تنتمي إليه ، وتنتمي الورقةُ إليه.

1649009133970.png

في الصورة المعروضة الآن ، ثلاثُ كائناتٍ يفترض أنها ثنائية الأبعاد ، ومن ذلك المُنطلق ، لا يمكن للنجمة أن تتصل بالدائرة والمسدس بنفس الوقت والآن ، بينما يُمكن للمُراقب الذي هو حضرتك أن يراهم ويؤثر عليهم بنفس الميقات ... هذا الخطأ في "تأويل" البُعد على أنّه أفق ، بينما يكون غير ذلك ، يعود لك أنت كمراقب محلي ، إنّك لا ترى كائناتٍ ثُنائية الأبعاد ، إنّك ترى كائناتٍ رباعية الأبعاد ولكنّها بسيطةُ العلاقات المحلية ، أنت ترى الأشكال الهندسية السابقة ، ضمن نطاق الورقة والغرفة ، وهذا يُخضعها لقيم الورقة والغرفة ، وهذه القيم زمكانية رباعية ، لن تسمَحَ لها بالحركة ثنائية الأبعاد إلا ضمن ما يسمَح به الزمكان المحلي.

تفترض حضرتك بأن النجمة يجب إما أن تتحرك نحو المثلث أو نحو الدائرة ، ولا يمكنها الحركة نحو الاثنين بنفس الوقت ، وذلك صحيحٌ في عالمك ، وليس في عالم الهندسيات المُجرّدة ... عندما تظهر حركة الهندسة ضمن عالمك ، تتقيد بعلاقات عالمك ، فلا تعود حركتها ثنائية الأبعاد "كما تظن" بل حركة رباعية الأبعاد ضمن إطار أحداثٍ يسمحُ ببعدين.

ولولا الورقة التي تم رسمهم عليها ، أي لو جردتَهُم من علاقة الورقة ، وعلاقة الغرفة والكون الذي تجسدوا فيه ، حينها لن يتحركوا ببعدٍ ثنائي ضمن عالم رباعي ، بل ضمن عالم ثنائي الأبعاد ، مُجرّد عن البُعدين الآخرين ... لطالما تم فهم الكائنات الهندسية البسيطة على أنها "مُقيدة بانعدامِ البعد المكاني الثالث" ، عوض إدراك أنّها ليست ضن علاقة صفرية سالبة مع ذلك البُعد ، بل بالأحرى ، ليس لها أي علاقة تربطها به رياضياً أصلاً.

الكائنُ ثنائي الأبعاد ، ينتشرُ عبر كامل العالم ثلاثي الأبعاد بنفس الوقت ، ولذلك لا يمكنك قياس حركته بالزمن الذي في عالمك ، ولا منطق الوجود ثنائي الأبعاد بمنطق وجود المادة ، لقد تجرّد الكائنُ ثلاثي الأبعاد عن "قيد البُعد الثالث" والعلاقات النسبية التي تقوض حركته مع حركة الكائنات ضمن ذلك البعد ، فصار كائناً ثنائي الأبعاد ، صارَ أكثر حرية ، وقدرة ، وقوة ، صار محرراً من ارتهان زمنِ المادة.

هذا الكائن ، ليسَ بالضرورة أن يشبه شيئاً مما ترسمه أو تتخيله ، فإنك لا تستطيعُ أن ترسم شيئاً دون أدوات من عالمك المقيد ، إنك تستطيعُ أن ترسم رموزاً تعبر عنه ، ولكنها ستبقى مقيدة بعالَمك ، ليس بالضرورة أن تفهم الكائن ثنائي الأبعاد على أنه "عديم" البعد الثالث ، بل هو مُحرر من ارتهان ذلك البُعد حيثُ أن البعد قيدٌ على الأفق ، فكل التجسيدات الممكنة للبعد الثالث تنطوي في قدرة الكائن ثنائي الأبعاد على التجسد ، الأمر نفسه بالنسبة للكائنات أحادية الأبعاد ، ومُطلَقَة الأبعاد.

لو شققتَ الورقة التي عليها نجمة ومربع ودائرة ، فإنك تستطيع التأثير على تلك الكائنات ثلاثية ورباعية الأبعاد ، لأنّها "معدومة \ صفرية" البعد الثالث والرابع ، ولكن كائناً ثنائي الأبعاد حقيقي ، يمكنه التحكم بك وبعالَمك ، كما تتحكّمُ أنتَ بالورقة تماماً – من منظور فيزيائي بحت.

المعنى الحقيقي للفيزياء الموضوعية الاتفاقية :

كعلمٍ يدرس الواقع المادي المحلي بشكلٍ موضوعي مُفارق للإدراك :

إنّها ذلك العلمُ ، الباحث في الواقع الغيابي – المفارق للإدراك – والمقيّد بقيد المحلية المصداقية – المفارق للإرادة والعوالم الحُرّة - ، وبهذا التعريف تتحدد النماذِجُ المُمكنةُ لدراسة الفيزياء من مُنطلَقٍ واقعي ، تستمدُ منه المقدمات والأحكام ، ثم تكتشف بالتجريد علاقاتها ومُعادلاتها.

النموذج الشبحي للعالم "الساعة الشبحية \ بطليموس وفلاسفة الطبيعة الأوائل" :

بالطبع ، وفق التأويل الذي يتم استخدامُهُ من قبل فيزياء عصرنا لفهم فيزياء عصور الطبيعيين الأوائل ، فإن مفاهيمهم عن الأشياء الطبيعية والمادية كانت "شبحية" حمالة للعديد من وجوه التأويل ، فلم تكُن ذات نفع ، الحقيقة بالطبع أنّها كانت "بسيطة" تتعلق بالمعاني الأوّلية للأشياء ، بالنسبة للإدراك الخالص ، وليس بالنسبة للواقع نفسه.

الضوء بالنسبة لهم كان شُعاعاً منبعثاً من العين والإدراك نحو الواقع يخرجه من حيز الظلام إلى حيز النور ، ولقد كان لهذا معاني غير موضوعية ، لذلك عندما تم التحقيق الموضوعي المستند إلى الواقع المحلي ، لم يكُن لذلك أي معنى ، إن معنى المفهوم يتوقف على مسلمات تأويله ، وعلى الواقع الذي ينتَسِبُ له.

وبما أنك الآن تدرُس "النماذج الفيزيائية الموضوعية" فسيتِمُّ اعتبار نموذج بطليموس نموذج الشبحية ، وليس نموذج التجريد الإدراكي. وفي هذا النموذج يتخذُ الكائن موضوع الدراسة أبعاداً مكانية وتحركات زمانية مُبهمة ، بحيثُ لا يُمكن اشتقاقُ مُعادلات رياضية لقياس قيمه الفيزيائية قياساً فيزيائياً محلياً ، ولا يمكن استخدامُهُ في صناعة الآلات والأدوات ووسائل خدمة البشرية. أي أنه سيغدو مجرّد اسم وتوصيفٍ فيزيائي بسيط للظواهر التي يتعلّقُ بها ، فيكون الضوء مقتضى زوال الظلام وكشفه ، وتكون النار عِلّة الإحراق المادي ، ويكون الجسمُ حامل الحركة في المكان.

النموذج القياسي العقلاني الشبحي "الساعة الميكانيكية\ نيوتن وكوبرنيكس" :



حين استنتج نيوتن قوانين الحركة والجذب ، لم يفعَل ذلك في المُختبر والتجربة ، بل أسقط قوانيناً تجريدية عتيقة على عالم الفيزياء المحلي ، وذلك أمر معروف لكل محقق في سيرته ، فقانون الجذب هو ربط لقانون الذبذبة والتآثر في الكابالا الهرمسية مع واقعة الجذب المرصودة على الأرض، فكونه حدثاً محلياً فلابد من قوة تأثّ وتأثير ، ازدياد قوة جذب الأرض أمام جذب الأجسام تشير لطبيعة العوامل المتحكمة بهذه الظاهرة ، وبعد إقصاء الحجم والعناصر الكيميائية وبقية العوامل التي قد تكون هي السبب ، ومراقبة الظاهرة نفسها في الفلك ، واكتشاف أنها علاقة أساسية في عالم المادة بما هي مادة ، والبحث عن الصفة التجريدية التي تنطبقُ على كل المواد ، تم استنتاجُ قانون الجاذبية ، كمعادلة لعلاقة بين كُتلتين. ولأنّ وجود الكتلة مرتبط بوجود الكثافة ، التي تجعَلُ للكتلة علاقات داخلية تسهم بتكوين أثرها الخارجي ، استطاع اشتقاق مفهوم الجذب الثقالي التكاثفي ، وهذا ما حلَّ محل المفهوم الشبحي عن ظاهرة الجذب ، على أنها مجرد تأثير للأجسام الثقيلة ، وأنّ الأرض عامِلٌ مُطلق محايد خارجَ نطاق المعادلة.

وأما قوانين الحركة فهي ربط لقوانين السببية مع الحركة المحلية ، بل بالأحرى هي "ردٌّ" لحركة الواقع المحلي إلى أصلها الميتافيزيقي ، واستخدامُ ذلك الأصل لاستنتاج علاقة مفيدة قابلة للتجريب والاختبار. هذه حقيقة راسخة تاريخياً رغم أي إنكارٍ ممكن ، نيوتن كان قد درس الكابالا ، صحيح أنك لن تجد ذكره في كتب الفيزياء النظرية ، ولكنها الحقيقة ويمكنك البحث بنفسك.

ليس الخطأ في القانون ومعادلاته ، بل في القيم والمتجهات الفيزيائية التي أسقَطَ عليها القوانين :

لقد افترض نيوتن أنّ جاذبية الأرض للأجسام لا تتغيّر ، وجاذبية الكواكب لبعضها لا تتغير ، وأنّ قانون الجذب العام يعتمِدُ على قيمٍ مُطلَقة ، وليس ذلك فحسب ، بل أيضاٍ الواقِعُ الذي يحمل القانون على أحداثه ، هو أيضاً مطلق.

لم يكن نيوتن – وفق ما وصلنا عنه – ليُفكر بأنّ العالَم الواقعي مجرد محاكاة تآثرية لقوى عليا ، وأنّ الكواكب هي أيضاً كائناتٌ تآثرية في بنيانها ، وأنّ علاقة التآثُر بين طرفين تدخل فيها عوامل خارجية تعملُ على تشتت مسار الانزياح الحامل للتآثر ، فلا يكون الاتصالُ بين الطرفين مُستقيماً ومُطلَقاً ، ولأن العلم لم يتقدم ليقيس المستويات الأصغرية من الواقع الفيزيائي ، عالم الكموم والذرات ، والأكبرية "عالم الأفلاك والمجرات" فقد كانت قياساتُ نيوتن تبلي بلاءً ممتازاً في كل قياس وتجربة ، لأنها احتوت جزءً من الحقيقة.

وما كان ليفكّر بعِلة حملِ الجِسمِ لكتلته وخصائصه الفيزيائية ، وللقِوى والقيم والمتجهات ، ثمّ ردها إلى قانونِ التآثُر هي الأخرى ، والذي سيجعلُ كلّ شيء في الواقِعِ المادي نسبياً. لقد كان قراراً بالغَ الصعوبة ، سواء في اتخاذه أو مجرد الالتفاتِ لحقيقته ، أن يرى الكَونَ كله بكل مظاهره الطبيعية والفلكية ، مُجرّد آثار ... آثارٌ تحكي عن قِوى أعمق بكثير.

كُلُّ شيء على الأرض وفي المجرة ، يجبُ أن يتحرّك بتزامن آني ، لأنّ المتجه الزمني "المحلي" الذي تقعُ ضمنه الأحداث واحد. حركة كرة تتدحرج على الأرض ، وطائرٍ عملاق يحلق في كوكب بمجرة أُخرى ، كلاهُما يحدثان بنفس التوقيت المحلي ، لأنّ المتجه الزمني لكلا الحادثتين غير نسبي ، فالتآثر والحركة

عندما ترى القطار أمامك يتحرك بسرعة منتظمة ، تظنّ أنه يتحرك بنفس توقيت رصدك له ، لأنك تهمِل "البون الفيزيائي" بين زمن الرصد وزمن الحركة ، وعندما ترى الشمسَ تشرق في الصباح تحسبها كذلك لأنك تهمل الطريق الذي قطعته أشعتها لتصلك ، فالراصد يوحد بين "الكائن المرصود" والشعاع الذي أطلقه ذلك الكائن وأثر على الراصد ، ليس فقط توحيداً في كنه الشيء المرصود ، بل أيضاً في الواقعة المحلية له ، فيتوحّد الزمنين "زمن التأثير وزمن التأثّر" في الإحداثيات ، ليكوّنا زمناً وهمياً شبحياً يجعلك تظن أن ما تراه الآن يقع فعلياً الآن.

هذا التآثر المُطلَق ، يجعَلُ العالم المحلي يبدو كما هو عليه بالضبط ، بالنسبة لراصد محلي ، شعاعُ التآثُر أهمل القوى الأخرى التي تتدخل في عملية التوصيل ، وأهمل أيضاً "تكوين" طرفي التآثر من مجموعة قوى متداخلة تؤسس لواقعتهم المحلية ، والتي ستنعكس على طبيعة التآثر ، لقد ساوى بين القيم الفيزيائية وبين الكانات المحلية الحاملة لها ، فصار شعاع قوة الجذب ثابتاً لا يتغير ، مستقلاً عن العوامل الأخرى ، وصارت الكهرباء مقننة بإحكامٍ مطلق ، والصوت مقنناً بشكل مطلق ، وجيع المعادلات لابد أن تعطي مقادير ونتائج مُطلَقة ، وصار الفضاء خالياً من القوى تماماً إلا ضمن أشعة مستقيمة أو منتظمة.


التفاعلات والحركات والأحداث والكائنات ضمن ساعة الكون المحلية المغلقة :

أيَّ حدث يقع في العالم المحلي ، مهما كان نوعه ، يقعُ ضمن شبكَة زمكانية ، تصِلُ بين سبب الحَدَث ونتيجته. هذه الشبكة هي خلفية وقوع الحدث ، وبدونها لا يكون الحدث محلياً ، إن خلفية الحدث ، هي مصفوفة تعطيه أوصافه المحلية ، عند رصدِ واقعة محلية ، فهنالك علاقات أساسية تحددها ، تتعلق بالزمكان ، وتوصيفات فرعية تُسمى بالكميات المتجهة تنظّم علاقته مع الزمكان لتعطيها الواقعية في عالمه النسبي ... بعضُ علاقاته قوىً فيزيائية محضة ، ومن تفاعل القوى والزمكان تتولد الكمياتُ المتجهة ، والتي تتقيد ضمن الزمكان المحلي بسلوكيات تبدو ثابتة ، خارج هذا الإطار لا وجود للحدث والزمن في العالم المحلي ، ولا وجود للواقع الفيزيائي.

عبر هذا الإطار لابد أن تستدرك أن الكائن نفسهُ حدثٌ تفاعلي أيضاً ، فلا يجب أن تكون الأرض مطلقة القيم الفيزيائية ، ولا الشمس المحلية والكواكب ، والآلات وأجهزة الرصد والحواس والأجسام ... هذا ما تمّ إهماله في نموذج نيوتن فكان هو "التجريد القياسي الشبحي" الذي حقق التجريد والقياس ، ولم يلتفت لحقيقة التآثُر فكان التآثر شبحاً مفهومياً يحوي افتراض مطلقية المحل.

لقد درس نيوتن الكون بوصفِهِ مطلقاً معادلاً للمطلق الباطني ، وافترض مسبقاً أن لا شيء ضمن الكون نسبي أو جزئي ، هذا الافتراض يعني أن المتجهات الفيزيائية لا تتغير ، وبالتالي لا يجبُ أن تتغير الأحداث ، حركةُ القطار دائماً ستأخذ نفس المنحى عند قطعِ نفس المسافة بنفس السكة وبذل نفس مقدار الوقود. الإجراءات الفيزيائية التي تقعُ ضمن العالم المحلي الذي كان يراه الناس كل يوم ، تبدو ثابتة ومُطلَقة وغير عارضة لأي ارتياب إلا بالنسبة للمثاليين والروحانيين.

كان ذلك بفضلِ نقوص في التجريد ، فحين جرّد نيوتن الواقع المحلي الذي يرى فيه الجاذبية والحركة ، جرّدَ الواقعة المحلية المحدودة ، توصل للمفهوم الخاص بالحركة ، والخاص بالجاذبية ، الذي يصفُ ما يراهُ محلياً ضمن زمن القياسِ المحدود ، مع إهمال العلاقة الرابطة بين زمن الحدث وزمن القياس ، ثم حول ما وصل إليه لمعادلة رياضية.

أي أنه حوَّلَ مُعادلة حدثية الجاذبية على الأرض ضمن زمنٍ مرصودٍ محدد "وهي شيء جزئي مصداقي للكلي الذي يحكم الجذب" بما حوته من صفات رياضية وفيزيائية ، إلى "حقيقة الجاذبية وكُنهها الأخير" فالتصقت بالجاذبية قيم فيزيائية نسبية ما أنزَلَ الله بها من سلطان ، صار كل شيء يخضع لنفس ما تخضع له التفاحات التي تسقط من الشجرة على الأرض ، هذا الخطأ الفادح ، تكرر في جميع قوانين الفيزياء الأخرى بعد نيوتن ، وأدى لاستنتاج قوانين مصونية الطاقة والحركة بصيغها النيوتنية الصلبة.


"التطابق المحلي بين السبب\العلة والنتيجة\الأثر المرصود" :

هو نموذج فيزياء نيوتن ، حين يكون الكائن المحلي ليس فقط محتوىً ضمن محليته ، بل أيضاً تكونُ محليته ثابتةً بقيمها الأساسية التي تجعلها مستقلة عن باقي المحليات ، لأنها ليست مكونة من علاقات نسبية هي الأخرى برأيه ، ليست مجرد آثار ، فلا يمكن للجذب على الأرض أن يتأثر بالجذب على المشتري ، ولا يمكن أيضاً لجسمٍ على الأرض أن يغير مسارَ جسمٍ آخر بدون تأثير مباشرٍ منه ضد قوة جذب الأرض للجسم الثاني.

هذا التصور المُطلق للعالم المحلي ولد مشاكلاً ، لا زال العلم التجريبي والإنسان بكليته يعاني منها حتى هذا اليوم ، لأن الحدثية في عالم محلي مطلق ، تكون سائرة بشكل يبدأ من حدث محلي لينتهي بحدث محلي آخر ، دون حضور قوة أعلى من الواقع المحلي ، أي أن السبب محلي والنتيجة محلية أيضاً ، وكِلاهما معادلٌ لبعضهما البعض تماماً … وبما أن الأمر كذلك فلابد لحدثٍ معين على الأرض أو في أي مكان ، أن يسببه حدثٌ محلي وليس شيئاً آخر ، حدثٌ محدود زمكانياً وذو قيم محددة ينتج حدثاً آخر بعلاقاتٍ ثابتة لا تتغير. هذا المبدأ يسمى بالتناظر الطبوق "الطوبوغرافي" أو "1:1".

1649009049472.png
بنفس طريقة انعكاس أشعة الضوء على العدسات والمرايا ، تكون التأثيرات متفقة مع المنعكسات في القيم الفيزيائية ، ومختلفة في جهة العرض وأبعاده واستدارته ، هذه هي رؤية نيوتن للعالَم الفيزيائي ، ومن استطاع تحقيق قوانينه.

فإذن ، أنتَ أمام كون حتمي مُغلَق ، ليس فيه مجالٌ لأي حدث ، ساعة ميكانيكية لا تتغير أبداً مهما فعلت ، قاد تعميم هذا المبدأ على العلوم ، إلى نتائج خطرة ومدمرة ، قاد لوصف العقل وحتى الروح والوعي على أنها كائنات محلية حتمية ، فصار العقل دماغاً ، وصارت الجينات تحدد المصير ضمن احتمالات محدودة ، وانعكس ذلك على الصحة والطب ، وعلى الاقتصاد والاجتماع وعلم النفس الذي بات مجرد دراسة للسلوك الخارجي للإنسان.

وهكذا رأت نظرية التطور أن الحياة البيولوجية كائنة محلية محدودة النطاق ، لابد أن يمكن تفسيرها أيضاً وفق الطوبوغرافيا ، وحتى هذه اللحظة التي تكتب بها الكلمات ، كل ما يعيق المعارف البشرية عن تقدمها يتعلق بمبدأ الطوبوغرافيا بشكل أساسي ، ومن ناحية أخرى كُلّ ما يوصَفُ بأنه علوم زائفة يستند توصيفه بشكل أساسي على هذا "الافتراض".

عانت نظرية نيوتن في الجاذبية من أخطاء كارثية في الأرصاد الفلكية والقياسات الدقيقة ، وكل قوانينه الأخرى احتوت نفسَ الثغرات ، لأنَّ مفاهيمه عن الحركة والزمن والقوة ، لم تراعي نسبية الواقع المحلي ، وتعاملت معه كأنه حقيقةٌ مطلقة ، صار العالم المادي علة كفايته من وجهة نظر الكثيرين ، وأصبحت طريقة البرهنة على وجود الله عز وجل ، محصورة بكيفية "خرق" نظام الساعة الميكانيكي الجبار ، سواء من حيث إنتاجها وصناعتها الأولى ، أو من حيثُ إرسال الأنبياء بمعجزات تكسرها.

ولكنّ الحقيقة دائماً تكون أبسط من المشكلة ، سلمت قوانين نيوتن مسبقاً بافتراضَ عُزلَة القيم المحلية الأساسية ، والمتجهات الفيزيائية الأساسية عن أي تأثيرٍ ممكن ، فكانت الجاذبية تامة كما هي ، ولم يخطر بباله أن هذه الجاذبية التي وصفها بمعادلاته ، تتعلّق بحدثية "التآثر" وأن التآثر يمُرُّ ببون غيبي بين طرفيه ، وهذا البون هو شبكة التآثرات الأخرى الممارسة على التآثر القائم بينهما ... وهذا ما ولّد النموذج العلمي الثاني.

النموذج التجريدي الإجرائي "الساعة التآثرية \ آنشتاين – ماكس بلانك – ماكسويل" :

بعدَ اكتشافِ آينشتاين وماكس بلانك لنظام التآثُر النسبي الذي يحكُم سائر الإجرائيات المحلية ، ودمجه بقوانين الكهرباء والميكانيك ، أمكن انتقالُ الإنسانية إلى فجرٍ معرفي جديد يسمحُ بالتّعرّف على طرقٍ لقياس القوى الفيزيائية واختبارها وتصميم آلات تستخدمُ سلوك تلك القوى ضمن نطاق الهندسة الزمنية المحلية ، وهكذا وُلدَت سائرُ الاختراعات الكهربائية التي تمّ التعرف عليها حتى الآن ، وخدمت البشرية ، باستخدام تصاميم الكون الهندسية الربانية.
1649009220961.png

التآثر الحقيقي ضمن أبسط صوره ، أشبه ببحرٍ تعصف فيه القِوى

1649009285648.png
تتفاعل جهاتٌ لانهائية لتكوين خط التآثر الزمني بين منطلق مؤثر ومستقر متأثر ، وكذلك بالنسبة للكيان المؤثر والمتأثر فإنهما بواقعتهما المحلية ، ليس لهما بنيانٌ مادي سوى شبكة التآثر ، التي يُمكن تحويلها لمصفوفة

وبدأ عالَم الماكينة الميتة التي تغلق أفق كل شيء ، يضمحل رويداً رويداً ، لقد وجهت نظرية النسبية ضربات قاتلة لأي نموذج ميكانيكي مُغلَق للعالم ، حيث ردّته إلى علّته التآثرية ، وصار الحوار قائماً حول أصل التآثر ، هل يُمكنُ ردُّه للعالَم المحلي ، أم لابدّ من واقع فوق فيزيائي ينبع منه التآثر الذي تراه وترصده وتحسّه محلياً ... فتحَ هذا الباب نطاقاً جديداً لا حدود له للتأويل ، وأزال النموذج العلمي القديم إزالة نهائية ، مع أن تأثير الطوبوغرافيا والكون التوصيفي المُغلَق الذي لا يحتاجُ لعلّة غير محلية "أو غير إجرائية على الأقل" لا يزالُ حتى هذه اللحظة يفعلُ فعله بالعلماء والباحثين.

هكذا أصبح الوصف الوراثي قابلاً للتغيير ، أصبح قانون مصونية الطاقة قابلاً للتبديل ، أصبحت الحياة البيولوجية قابلة للنشأة من علل غير مادية ... في رؤية الباحث العلمي ، وازدهرت مجامعُ البحوث الروحية مرة أخرى بعد انقطاع طويل.

أصبح العالمُ مرناً وحيوياً ولم يعد تلك الصخرة الثقيلة الجافة التي أرهقت الباحثين في التوفيق بين التجارب ، كما أرهقت الباحثين عن الحق والداعين إليه ، الذين حاولوا كسر حاجز الكهنوت العلمي للقرن التاسع عشر ، الذي كمم أصوات الحق البشرية.

النموذج التجريدي البنيوي المحلي "الساعة العدمية \ هوكينغ – هايزنبرغ – اللاحتمية المُطلَقَة – تعدد الأكوان – المحاكاة" :

لم يُعجب النموذج العلمي الجديد ، أغلب العاملين في المجال العلمي ، الذين بدؤوا البحثَ الدؤوب عن أصل التآثُر ، في محاولة لربطه بمفاهيم مادية جديدة من نوعٍ خاص ، فنشأت علوم الفيزياء النظرية الحديثة المتعلقة بميكانيك الكم والأوتار الفائقة ، والتي بمُجملها لم تقدّم أي خدمة حقيقية للبشرية ضمن الإطار الإجرائي العملي ، لأنها حصرَت نفسها بمحاولة ردّ العالَم المحلي ومراكزه التآثرية ، إلى علّة لا تتجاوزه ، وبعدَ اكتشافِ الكموم التي تظهرُ لحظة رصد القوى ، كتأثيرات يمكن قياسها نسبياً ولحظياً للقوى ، ضمن أبسط نطاق يمكن فيه للقوة أن تؤثر على الكون المنظور تأثيراً مرصوداً ، تعرفوا غلى هذه الكائنات الجديدة ، كشيء يقهرُ قيود المحليات ، ولا يخضعُ لها ، كأنه بوابةٌ لعالمٍ آخر.

لقد كانتِ الكموم متعلقة تماماً بطبيعة الرصد ، يمكنها أن تفعلَ ما تتخيله أياً كان ، بدأ من سلوكها المحلي ضمن سحابة الاحتمالات ، وانتهاءً بالتشابُك الكمومي والزمني الذي يقهر قيد الزمن المحلي كليةً ، شرط محاولة رصده على هذا النحو ، وليس على نحوٍ آخر.

أعطى هذا مجالين لتفسير الظواهر الكمية "مبدئياً" ، الأول يتعلّق بنموذج الكون الميكانيكي المُغلَق ، ولتجاوز مبدأ الطوبوغرافيا كان لابدّ من إيجاد بديل يجعُ بين انغلاق الكون وبين تفسير الظواهر اللامحلية ، وكان هذا البديل هو :

"الكون التوصيفي المُغلَق" الذي يتمّ التعامل فيه مع الظاهرة اللامحلية على أنها "وصفٌ رياضي للاحتالات المحلية" دون البحثِ عن كُنه الواقع اللامحلي ، وعلة الإجراءات الرياضية ، عدة مشاكل طرأت على تفسير اللاحتمية المُطلقة هذا ، حيث كان يمكن للكَهرَب أن ينتشرَ في الفضاء بنفس الميقات ، لأنّ تراكب الموجات الكهربية المنبعثة من الذرة بشكل لاحتمي يسمحُ لها باتخاذ أي صفة فيزيائية مُمكنة ، قامَ بورن بحل الموضوع رياضياً وفق نظرية تقوض الاحتمالات ، هذه النظرية تحاول أن تصف الواقع الذي ترصده دون أن يختلف مع الواقع الذي تُدركه ضمن عالم الكموم. ولكن مشاكل اللاحتمية في الكموم ، التي تتعلق بالواقع المحلي ، بقيت تتكاثر وتتكاثر وامتدت إلى سائر المجالات المعرفية ، ويوماً بعد يوم أصبح الوضعُ متفاقماً ، صارت أرض إليس العجائبية متحدة مع واقع الجامعات المرموقة والمدن المتحضرة الراقية المنضبطة ، إنهما واقعان منفصلان بالنسبة للرصد فقط ، ولكن بالنسبة للفيزياء التجريبية ، لا اختلافَ بينها.

أصبحت الطوبوغرافيا إجرائية واحتمالية ، سمح هذا بنظريات المحاكاة والأوتار الفائقة والأكوان المتعددة أن يصفوا نظاماً طبيعياً سرمدياً مغلقاً ، ليس فيه سوى تلك المادة التي غدت أخيراً مجرد احتمال ووصف وظيفي ، وسائر التهريج الذي يروج باسم العلم ...

ذلك لتعلَم ، أنّ ما تروجه ناسا شيء ، وأن قياسك للقيم المتعلقة بالتجارب الكهربائية ، شيءٌ آخر تماماً ، وأنّ ما يروج باسم العلم اليوم ليس علماً تجريبياً ، بل محاولة تأويل تختزلُ العِلل في الآثار ، عبر لبس الألفاظ اللغوية ببعضها البعض ، وأنّ هذا التأويل لا يقبل الاختبار الصريح المُباشر ، ليسَ من حيثُ قدرة الجهاز المحدودة فحسب ، بل من حيثُ أنه يفترض عن الكنوه والعلل افتراضات مادية وإجرائية ، وبما أنّ الكنوه والعلل منفصلة عن آثار التجارب والقياس ، فمن المستحيل ردها إلى العالَم المحلي والإجرائي إلا إن "استسلمت استسلاماً" لتلك الافتراضات "الافتراءات" ، واعلم بأنّ سلوك الواقع المحلي على هذا النحو الذي يخبرونك به ، ما كان ليروج لولا لمعان الطقوم ومدرجات المراكز البحثية وأطوال أبنيتها الشاهقة ، إن الصورة الإعلامية الطويلة العريضة التي يرونك إياها هي سلاحهُم الوحيد لإقناعك.


غاية التفاعُل العلمي بين الإنسان والواقع :

لم تكُن يوماً غاية العلم مجرد المعرفة الظنية وإشباع الفضول ، لا من حيثُ علوم الشهادة المقدسة ، ولا مِن حيثُ علوم الفلسفة والرياضيات ، ولا من حيث الطبيعيات ، ولا حتى علوم الآثار والتاريخ والأديان ، والعلوم الإنسانية والأدبية والفنية.

لكلِّ علمٍ غاية لابد من بلوغها ، غياب الغاية عن الباحث العلمي يحتّم عليه "تغيير نموذج العلم" الذي يتبعه ، ففي الطب اليومَ مثلاً ، لا يزالون يتبعون النموذج النيوتني المطبق على البحوث الطبية ، التي ترد العلل إلى أحداث كيميائية محلية ، يمكن علاجها من نفس طبيعتها "الافتراضية" وحسب. هذا المبدأ الطوبوغرافي المعرفي ، منعَ الطب من تبني أي بحثٍ يحاول كسر صخرة المادة الجاثمة على قلب المريض ، أزهارُ باخ ، علاجات الإيورفيدا والطب الصيني ، علاجات الدكتور جون كريستوفر ، جميعها تم التحقق منها تجريبياً بأفضل الوسائل الممكنة ، ولكنّها أُهملت بسبب تلك الصخرة.

رُغمَ أن الطب لا يحسنُ به أن تكون غايته مجرد الانتصار لنظرية ما ، على حسب فهم المرء ، لابد أن تكون الغاية الحقيقية من أي دراسة طبية ممكنة هي الوصول لعلاج حقيقي للمرض ، لأن الغاية ليست متضمّنة في نموذج العلم ، بل النموذج قائمٌ لخدمتها ، ولكن الأنانية والتفاخر والتكبر والمصالح الشخصية الضحيلة ، حالَت بين التطبيق الطبي العملي وبين تبني الطب لأي نموذج علمي جديد. وانعكسَ ذلك في دراسات إحصائية لانهائية مملة لم تحسُن بشفاء مرضٍ واحدٍ شفاءً تاماً حتى الزكام. هذه حقيقة معروفة جيداً ، الأدوية تفعل مفعولاً وهمياً أو مفعولاً يؤثر على الأعراض الأخيرة لسلسلة أسباب المرض ، بينما تكون العلّة الجوهرية خافية تماماً عن إدراك الطبيب ، ورغم ذلك ، أكثر الأدوية النفسية والجسدية يؤدي لأخطاء علاجية قد تكون قاتلة "لأنها مبنية على نموذج نيوتن الميكانيكي الذي لا يراعي طبيعة التآثر المعقدة والعوامل الدخيلة".

في القدم ، كان تعيين غاية العلم سابقاً حتى على تعيين النموذج ، لأن العلم الذي لا قيمة ولا أخلاق له ، لا حاجة لوجوده أصلاً بين العاقلين والأسوياء. قيمة العلم تتوقف على الغاية المحققة منه ، هل هي مجرد الدراسة النظرية واكتساب مهنة وفخر بين الناس ، أم تتعدى ذلك لتصل لعمق الحياة والوجدان ، لا تحتاجُ لنماذج إحصائية رياضية لتثبتَ أنك سعيد من زهرة ، كذلك لا تحتاجُ لتلك النماذج لتعالج نفسك ، أو لتصل لحقيقة الواقع ، لأن هذه الأمور ليست مجرد نظريات وتخمينات رياضية ، هذه ... حقائق يُدركها الوجدانُ الحي.

جميلٌ أن يكون لكل نموذج علمي نطاق وجودٍ ممكن ، فإنه من الخاطئ إقصاء أي وجهة نظر أياً كانت طبيعتها ، لأن ذلك سيؤدي في النهاية إلى الثورة والتمرد ، لستُ أدعو إلى فرض نموذجي العلمي على الأوساط الأكاديمية ، ولكن ، من حق أي نموذج علمي أن يوجد ويحيا وليس من حق أي سلطة في العالم منعه من الانتشار ، أياً كان موضوع العلم ونموذجه ، وأياً كانت طبيعة السُلطة ومبرراتها.

في نطاق الفيزياء ، خدمت التجارب البشرية خدمات لا يمكن تنسيانها أو التغاضي عنها ، والتصق بها المذهب الوضعي الذي ما قدم شيئاً نافعاً عملياً للبشرية بشكل مباشر، إنّ مشكلة العلم ليست في معيار التجريب ، بقدر ما هي في نمذجة التجريب وتأويله. جميعُ نظريات الفيزياء الإجرائية عاملٌ أساسي لا يمكن الاستغناءُ عنه ، وبنفسِ الوقت ، لا يمكنُ اتخاذه علة كفاية ، أما نظريات الكون التوصيفي المغلق والوضعية في نطاق الفيزياء ، فرغم كل ما أدت إليه من فساد في المعرفة والعلم ، ومنعٍ لحرية الرأي وحق التعبير بحجة العلوم الزائفة ، لكنها أيضاً خدمت بطريقتها ، لقد أقصت الكثير من الشبحية التي تربط العالم المحلي بالعالم التجريدي ، وساهمت بذلك بإمكانية الاتصال بين العالمين ، ومهدت الطريق لنوعٍ من الفيزياء ، هو موضوع هذا الكتاب.
 
التعديل الأخير:

بسم الله الرحمن الرحيم ...............​

مقالة مقتبسة في المرحلة الثانية : منظومة العالمين والمصفوفة الوجودية

ما الذي تعنيه حقاً الثوابت الكونية وعلى أي نوعٍ من التصميم تدُل ؟​

كيف يعملُ الثابت برؤية الفيزياء وعِلم الاصطفاَف :​

للثابت الفيزيائي ثلاثةُ أبعاد :

"قاعِدةُ المصفوفة" : ميزانُ الثابِت في تصميم الكَون بما هُو قوى فيزيائية لها واقعٌ محلي

"ساعية المصفوفة" : ميزانُ الثابِت في تصميم الأنظمة الفرعية للكَون

"قيمة المصفوفة" ميزانُ الثابِت في تصميم الأنظمة الغائية للكون


فالكون بما هو نظامٌ يسمَحُ بوجود "هذا النوع" من الحياة البايولوجية ، فإنها جُزءٌ من قيمة المصفوفة الخاصة به ، أن يتآثر الإدراكُ الواعي مع التكوين المحلي الواقعي عبر وساطة الجَسَد المادي ، وهذه القيمة التي حققها الكون في النهاية ، وهي ليست القيمة الوحيدة من انوجاده ، هي التي يلتَفِتُ إليها الباحثون التجريبيون ... أكره الاعتراف بهذا وللكن ، لقد أساءت فلسفةُ العلوم التجريبية للبشرية وللمعرفة أيضاً ، لأنها قوقعت انتباه الإنسان وحددتهُ بـ"دُرجٍ لغوي ميت"، وفوق ذلك يتمّ الترويج لها بأنها قِمّة الإنتاج البَشَري وما يصلُ إليه الإنسان ، ولكن الحقيقة ، إنها مُجرّد لغوٍ لا ينفعُ المرء والوجدان ، في الحياة الحق ، وليس ضمن نطاق زمني محدود.

من جِهة أخرى ، ليسَ الصحيحَ أن تَدرُسَ دقة وتصميم النُظُم الفرعية لمصفوفة ما ، وأنتَ لا تَملِكُ مفاتيح قاعدة المصفوفة ، فإنّك تنظر للخلية البيولوجية فتراها أكثر تعقيداً من أي جهازٍ يمكن اختراعه ومهما بلغت حجميته وتقانته ، حتى السفن الفضائية الخارقة للجاذبية ، وحتى آلات السفر عبرَ الزمن ، لا شيءَ منها يُمكن أن يُحاكي دقة الخلية الحية وتصميمها الهندسي الفائق ، والعلاقات المنتظمة بين عناصرها الفئوية وتكامُلِ وظائفهم لإنتاج الجسد المادي الذي يسمح بكل ما يسمح به كما تعلم ، ولكن ومهما بلغت التعقيداتُ المُدهشة للخلية الحية ، فإن غياب إدراكك لمفاتيح المصفوفة وقاعدتها الزمنية ، التي سمحت بالكون والخلايا الحية ، سيجعَلُ دخول الشك والارتياب أمراً سهلاً للغياية عند الإصغاء لصوت العقل المنطقي الاحتمالي ، يُمكنه أن يوجد لك ألف ألف احتمالٍ بديل ، وعوضاً عن تفنيد الاحتمالات واحداً واحداً ، وهذه الرؤية التجريبية الاستقرائية ، تستطيع ، رُدّ التصميم الفرعي إلى مفاتيح المصفوفة القاعدية ، وهي الثوابت الكونية التي تُنتِجُ كُلّ هذه الاحتمالات والأرصاد. حينها لا داعي للتَكَهُّن حول علة التصميم ، لأنّك ستكتشفُها برهاناً ويقيناً.

السؤال الحقيقي لأي باحِثٍ صادق : ما هو الجوهر الذي انبعثت منهُ قاعدة المصفوفة تلك الثوابت الكونية ، التي سمحت بالآفاق الزمنية التي احتوت كُلّ ذكرياتك بطولها وعرضها منذ طفولتك إلى هذا اليوم ، في عالم الخيال كما في عالم الواقع ، والأهم من ذلك ، توَحّدت مع وجدانك الحي ووعيك القيمي الفعّال.​

عِلّة الثابت الكوني \ جوهَرُ المصفوفة :​

المُستوى الذي يقع وراء قاعدة المصفوفة ، هو الجوهَر الحقيقي لها والذي تنبعثُ عبره كافة ثوابِت المصفوفة وتعقيداتها ، كما تعلَمُ من قوانين الفئاتِ المنطقية والرياضية ، كُلّ مجموعة أو فئة أو مصفوفة تنتهي في عُمقها بقاعدة من الدوال التي تُنظّم سعي العناصِر فيها ، وهذه الدوال لا تستقِلّ بوجودها المنطقي المُبرهَن ، ولا الفيزيائي المحسوس ، ولا الكُلّاني المُدرَك بكليته ، بل هي امتدادٌ لقوانين وقواعِدَ أكثرَ عُمقاً ، وأكثر بساطة ، لأنّ البساطة والأوّلية تَسمَحُ بفيض أكبر من الإمكانات ، فمفهوم الذرة البسيط يشملُ كُلّ ذرة ممكنة ، ومفهوم الإبريق البسيط يشمَلُ كُلّ إبريق مُمكن وكل مصفوفات الأباريق التي تحكم التعبيرت المختلفة لحالة "الإبريق" الأوّلية ... فكُلّما زادت البساطة اتضحت الرؤيا واتسَع الأفق والتأويل والتفسير ، هذا هو السبب الحقيقي ، أنّ المعادلات الأكثر أناقة أكثر تفضيلاً من قبل المجتمع التجريبي.

كثرَةُ الضجيج والأفكار ، تُعقّد الأمور وتمنعُ التفسير ... كثرةُ المعارف الطائشة عن مُختلف مجالات الحياة والعلم لن تُقدّم لصاحبها فهماً للعُمق والمبدَأ ، لمجرد الكثرة ، بل ، لابُد له أن يستوعِب قاعدة مجال الدراسة ، ثُمَّ يرُدها لأصلها في القوانين التي أنشأتْ مصفوفتها ... مِن حيثُ المبدأ ، ما مِن شيءٍ يمنَعُ أن تكون مصفوفة الظاهرة المادية بأسرِها ، بِكُلّ ما حَوَتهُ من أكوان واحتمالات وقوانين فيزيائية ، مُجرّدَ تعبير جزئي لمصفوفةٍ أكثَرَ عُمقاً في هياكِل الوجود ... إنّ رفضَ وجودِ مصفوفاتٍ أعمَق من المصفوفة المادية الظاهرة لهو تعصُّبٌ ديني واضح وشديد ، بل أكثرُ من ذلك إنه ، تقديمُ رؤية ذاتية بدوافِعَ نفسية ، على أحكام قوانين المصفوفات الوجودية ، التي تَمنَعُ اكتمالَ المصفوفة غير المُطلَقة ، أي مصفوفة محكومة بقوانين المنطق والتناقُض ، وحتى اجتماعُ النقيضين ، هي مصفوفة غيرُ مُكتمِلة وتفتقِر بذاتها لعِلّة وجودها الحق.

ستجِدُ دائماً أن نطاق المصفوفة التي تدرسها وتعكف على التفاعُل الحيوي معها ، محصورٌ في فضاء احتمالات مصفوفاتٍ أُخرى وراءها ، أكثرُ دقة وحكمة وانتظاماً ، وأعلى في نطاق الوجود ... وبانتقالك من مصفوفة البيولوجيا إلى مصفوفة الفيزياء والكون أو مجموعة الأكوان ، فإنّك تخطو خطوة لا بأسَ بها ولكن ستغدو مُجرّد شكليات لا قيمة لها إن أنتَ توقّفت عند حدود الفيزياء وعالمك المحلي.

لأنّ العالَمَ الفيزيائي لا يستطيعُ تبرير وجوده بعلة تنتمي إليه ، وسترى ما الذي أقصِدُهُ بالضبط قريباً بإذن الله ... ولكن انتبه الآن ، أنّ إحساس المرء المُستمر بهذا هو السبب الحقيقي في إيمانه بالله وبحثِهِ عن مخرج أو بوابة ما ينفذ عبرها ، إنّ الزّمان المحلي يفتَقِرُ في وجودهِ لعلّة أعلى من الواقع المحلي ، ليس وِفقَ نظرية أحجارِ الدومينو ، ليست المسألة أنّه يبدأ من نُقطة ليس قبلها محليات ، ثم تتعاقب المحليات بلا نهاية مُستَقِلّة عن تلكَ النُّقطة ، ذلك القول أشبه بالقول أنّ الرحمن اتخَذَ ولداً مُستقِلّاً بوجوده وكينونته عن الله ولم يعُد ، ذاتاً مُتصلة برحمة الله ... بل صار كائناً غَنِيّاً عن العلل التي تكوّن هيكَلَه ، لكنّ الحقيقة غيرُ ذلك بالطبع ... إنّ أحجارَ الدومينو هذه ، هي مُجرّد "تَحقّقٍ زمني" لمصفوفة القوانين الناظمة لترتيب المكونات التي دَخَلَت في الظاهرة ، وكُلّ حدثية فيها تشهَدُ بهذه الحقيقة ، إنها امتدادٌ لمصفوفة أعمق ، وإذا غاب حضور تِلك المصفوفة لأي سبب كان ، كانقلاب الطاولة أو انفجار المكان ، ستتلاشى الدومينو من الوجود ... إنّ الزمن المحلي وواقعهُ المادي ، وفي جميعِ النقاط المُمتدة على أفقه وعبر تاريخه ، هو "الحَدَثُ الظاهِر" للمصفوفة الأعلى والأكثَرِ تجريداً ، لأنه بما هو آثارٌ محلية ، وبردها لوحداتها الإدراكية ، فما هي سوى تعبيرات للتآثُرات والعلاقات الخفية الغير ظاهرة في المحل الفيزيائي ... هذه ليست نتيجة استقرائية تجريبية ، هذا واقعٌ لا مَفَرّ منه ، لا للعالِم ، ولا للجاهِل ... إلا إذا كان غافلاً ( عالماً كانَ أو جاهِلاً ).

وسترى مع تقدّم البحث الحيوي في حِكمَة الوجود ، أن المصفوفة الشاملة لكُلّ المصفوفات ، يَجِبُ أن تكون مُطلَقَة عن القيود التي تلحَقُ ببقية المصفوفات ، ووراء هذه المصفوفة ، تنتهي جميعُ المفاهيم التي تعرفها عبرَ الوجود الخارجي ، وتعود إلى جوهَرِ ذاتِك الحق.

فلو أنّك تسألُ الفيزيائي عن ثابت الجذب مقابل الكهربية (الثابت "إن") فسيقول لك أنه 10^36 أو قريباً منه ، فقوة الكهرب أكثر قدرة على الجذب من الكُتَل بعدد يكتب واحداً يمينه 36 صفراً ، وأن أي زيادة ، مهما كانت طفيفة في قوة الكهربية مقابل الجذب الكُتَلي ، ستجعَلُ تفاعُل القوتين في النسج المحلية غير متآلف ، فتصبح الكائنات الزمنية التي تنقل مجالات الكهارب غير متماسكة كُتلياً بالقدر الذي يسمح بذلك ، ستتبعثرُ مكونات النجوم قبل تشكيلها ، ولن تستطيع الدارات المحلية أن تحمل الطاقة الكهربائية الهائلة بالنسبة لها ، قوة الربط الكهربي بين الذرات ستمنع أي تفاعُلٍ مجدي.

كذلك هو الجَذب الكُتلي ، الزائد عن الميزان ، سيجعلُ النجوم تنكمش وتنهار أثناء ولادتها ، وستنحني أشعة الضوء ومجالات الكهرباء زمكانياً بتأثير طاقة الجذب عليها فلا يعود بالإمكان أن تنشأ أرصادٌ صحيحة لأي شيء ، حتى أقرب الأشياء التي تبعد ثليلاً من الأميال ستكون صورتها مشتتة بغض النظر عن وسيلة الرصد ، وستعصف الكهرباء بالكوكب فلا تعود الحياة ممكنة عليه بيولوجياً ، ستحترق الأشياء دون نار ظاهرة ، لن يكون هنالك دارات ممكنة الإنشاء بشرياً ، والتفاعلات الكيميائية بين العناصر ، وصولاً للدي إن إي ... ستُدمّر الأنظمة المعروفة تماماً.

الفهمُ الفيزيائي لهذه الظاهرة ، أن الكون الذي أنت فيه قد ( رَبِحَ ورقة السحب الكوني ) ، على اعتبار الناحية الرقمية المحلية لهذا الميزان هي مُنتهاه ، بينما الحقيقة ، ما هي إلا توصيفٌ للإجراءات الآلية المحلية ، لظاهر الكون الفيزيائي ، توصيف للمُقارنات بين العلاقات الفيزيائية المرصودة بعدسات ومجاهر المختبرات ، هذه العلاقات والاقترانات للـ"آثار" التي تُنتِجُها قوى الفيزياء ، وليس للقِوى نفسها ، ليس لما يَحدُثُ حقاً ، توصيف يسمحُ باستخدامِ اللُغة العلمية الوضعية والتجارب التي تعتمد الآلات التي تعرفها عامة البشرية اليوم.

لقد تم السحبُ الكوني المزعوم من "فضاءِ الاحتمالات العَدَمي" لإمكانات اللانهاية ، والتي تشمَل إمكانات أُخرى مثل أن يكون الثابت السابق 10^10000 و 10^-10000 ، وجميعها كانَت ممكنة في ما سَبَقَ الكون ، لكنها ولسببٍ معين تَمّ إقصاؤها جميعاً فيما عدى هذا الكون الذي تعيشُ فيه ، ويحوم الجدل بين الفيزيائيين اليوم حول علة هذا الإقصاء ، هل هي الصُّدفَةُ البحتَة ، هل هي الأكوانُ المتعددة ، وقليلون تجرّؤوا نوعاً ما ليقول هل هي الخالِق ... السؤال الحقيقي هو : لما الاحتمالات الأُخرى لا تَصلُح وهذا الاحتمالُ يصلُح ، وليس "لماذا هذا الكون الذي بينَ أيدينا قد شغر نطاق ذلك الاحتمال الصالِح ... مِن أين تأخُذُ الاحتمالات أصلاً أحقّيتها وصلاحها لمهمة مُعينة ، مِن أين تأخذُ بُنيانها الفيزيائي المرصود ؟

وكأن المسألة تتحدد عبر الأرقام وبطاقات اليانصيب ، مع أن هذه الأرقام ، لا معنى لها على الإطلاق ، ولكنها صارت حُجّة يرددها مؤيدو مبدَأ الخلق دون تمحيص ، وأكثرهم كالببغاءات ، مع أنها في الحقيق تضرب جذورها بأعمق أعماق دارَ عقر المادية الساذجة ، والوضعية ، والعبثية والعدمية ... لأنها تفصِلُ الكون عن طبيعته المُطلَقة ، وتخبرك بأنه أرقام ومتجهات فيزيائية محلية تناسبية وعالم من الديجيتال ، معزولاً عن عِلّة تلك الأرقام والكائنات الفيزيائية المحلية ، فأصلاً الذرة وفق هذا الافتراض ، لا تكون شيئاً سوى المادة والأرقامِ المُعبّرة عن سلوكياتها وخارج هذا التوصيف لا توجد ذرة ، فكيف تجعَلُ من لواحقِ هكذا وصفٍ برهان على ما وراء المادة والمحليات ؟ لا يجوز أصلاً ، وقد وقع المؤيدون للخلق في حفرة الفخ الذي نُسِجَ حولهم بعناية حينَ ظنّوا أن العلوم التجريبية الوضعية قادرة على فهم المادة وهي التي تبرهن على الحقيقة وليست الحقيقة هي أصل العلوم ، ظنوا هكذا فالتبسَ عليهم الأمر وصاروا يخوضون معارك طاحنة لإثبات رؤيتهم من خلال معرفة ، لا يُمكنها إثبات أي شيء على الإطلاق ، وقائمةٌ أصلاً على المادية والعَبَثية.

البُرهان هنا يأخُذ مُنحنيين ، العلمُ والعمل ، فإنني لستُ أهتمُّ بالرد على أخطاء الملحدين والعلميين التجريبيين ، تلك الأشياء عفا عنها الزمن وما عادت تنفعُ الآن ، فالبُرهان في العرفان ليس الهدفُ النهائي منهُ الكَشفَ عن مفهوم الحقيقة ، فضلاً عن مجرد الإثبات المنطقي لها ، بل الاتحاد بتلك الحقيقة وتوجيه الزمن الكائني نحوها ، وتلك هي غاية الحياة ، وغايتك أيضاً ولكنك أحياناً قد لا تُبصِرُ جيداً.

التآثُر والتناسُب هو جوهر الفيزياء :​

كما سَبق في شروح النسبية ، التآثُر هو جوهرُ المادة وكُنهها الحق ، وإنها ليست أي شيءٍ سوى تراكب التفاعُلات العقلية إلى زمنٍ محلي مُقيّد الأُفُق والتحقيق ، بقانون امتناعِ التناقُض ضِمنَ الطبيعي ... خارِجَ هذا الإطار ، لا توجَدُ مادة أصلاً بل هنالك أمورٌ أُخرى ... إنّ التناسُبَ هو علة اختلاف الليل والنهار وكل ما في الأرض ، وهو عِلّة السكون والحَرَكَة ، ومنهما جاءت جميعُ أزواج الطبيعة التي نعرِفها ولا نعرفها ... الأصلُ المشترك للعالَم الطبيعي هو الزمنُ نَفسُه.

الثابت ن "العلاقة بين الكهربية وجذب الكُتل" ليسَ مُجرّد أرقامٍ لا معنى لها ، أو توصيفاً لغوياً لسلوك الأحداث ، إنه العلة بذلك ... إن تلك المفاهيم المعرفية التجريبية جميعاً ، مُجرّدُ آثار مرصودة للعلاقة بين طائفتين من القوى "الكهربية والجذب الكتلي" ، آثارٌ تم قياسُها نحو وحدات قياسٍ يدخُلُها الارتياب ، واشتقت عبر هذا القياس والاستقراء الناقص مُعادلاتٌ شرحت معنى الثابت بلُغة رياضية فيزيائية ، إن الثابت ليسَ تلك اللغة نفسها ، إنها مُجرّد ترميز ضعيف لحقيقته الكُبرى.

الحقيقَةُ أنّ الثابت الكوني كمفهوم فيزيائي ، مُجرّد إشارة رمزية مُشفرة ملغوزة ، للثّابتِ الكوني ما وراء الفيزياء ، الذي ليس إلا "علاقاتٍ منظومة للكائنات العقلية" وكما أنّ الثابت الفيزيائي – وكُلّ ما في الفيزياء – يأخُذ علّة ظهوره المحلي من ماهيّته الأعلى من المستوى الظاهر ، فإنّ الثابِت العقلي يتعلّقُ بالهُوية الجوهرية للمعقولاتِ أيضاً ...

تَفاعُل الكائن الكهربي المُجرّد ، بما هو علّة توحيد غياب وحضور رؤية البرق ضمن الزمن المحلي ، أي هو البرق والصواعق المُجرّدة عن المحلية ، والتي تُشعِلُ الزّمن وتضيؤه ، يتحوّلُ محلياً إلى ظاهِرَة الكهرباء التي تم تجسيدها لتتفاعل مع كائنات ذات وجودٍ محلي مُقيّد بالكُتلَة ، والكُتلة هي عِلّة الثّقَل الحركي في الزمن المحلي ... وهكذا ، تُصبِحُ الكُتلَة حاجزة لقوّة الكهرباء بالنسبة للكائن المُقيد بالكُتَل ، وليس بالنسبة لعالَمِ المُجرّدات ... يرجِعُ الميزانُ الرياضي للعلاقة بين القُوّتين ، إلى الميزان السماوي في عالم العِلَل ، الذي يسمَحُ بهذه العلاقة بالذات في عالم المحليات ، لتكون هي قاعدة إنشائه ، مِمّا يحيلُ المحل إلى "معنىً" عقلي ، وأما الرقم المستخدم للإشارة ، فيمكن استبدالُه بأي رقمٍ آخر بتغيير الوحدة المعيارية ، لكنّ النسبة فقط هي التي تبقى ثابتة ، إنها العلاقة الطبيعية الانعكاسية بين القوتين ضمن عالَم المادة.

لا يختلفُ الثابت الكوني من نطاق أرصادٍ لآخر ، ولكن إن اختلف فما الذي يعنيه ذلك ؟ إذا اختلفت الأرقامُ والمُعادلات وبقي التماسك الكوني القائم ، فحينها لا معنى للمعادلات والأرقام ، ويكون هذا التماسُك معنىً سماوياً مُنعكساً على الأرض ، يشيرُ إلى القيمة من خلقها.

أما : إن اختَلَفَت تلك المعادلات وزال التماسك والتوازن ، لابُدَّ حينها أنها مُجرَّد توصيفٍ لقيمة لم يحققها الاحتمال الكوني الذي اختلفت فيه عن السياق المناسب ... يُشير كوننا إلى أن اختلاف المُعادلات سيُفشل نشأة أي كون بما يسمَحُ بالحياة البيولوجية أو بتكون الأفلاك ، مع الأخذ بالاعتبار حقيقة هذه المعادلات والثوابت على أنها تَفاعُلٌ عقلي ، فإن أي احتمالٍ لا يَخدِمُ تجسيد ذلك التفاعُل يفشلُ في الاتصالِ معه ، ويَدخُل في نطاق تفاعُلٍ عقلي آخر ، والذي معه ، تختلِفُ نواميس الكون المحلي ، مِثلُ ذلك الكون ، مِنَ المُمكن برؤية التجريد ، أن يُحَقق المُعادلة الرياضية اسمياً دون أن يحقق القيمة النُظُمية منها ، كذلك ، ممكنٌ أن يكون كونٌ آخر ، مُحققاً لقيمة التفاعُل العقلي حتى ولو اختلَفَت مُعادلاتُه والكائناتُ والأشياء التي تشغَلُ حيزه.

نَفسُ الرأي تقرره ميكانيك الكموميات ، فتقول : هنالك احتمالاتٌ لانهائية لحركة الجسيمات والأمواج ، بِما يتضارَبُ مع ثبوت العلاقات ، وهذا يعني احتمالات لانهائية للمصاديق الفيزيائية لتلك الحركة ، شاملة مُعادلات لانهاية لها ، وثوابت وكائنات مختلفة لا تنتهي ... مِثلُ تلك الاحتمالات قائمةٌ أيضاً ولا معنى لوصفها بـ"معطلة" أو مُهملة ، لِجرّ> عدم انسجامها مع التصور الفيزيائي الذي بينَ يديك ...

الجوهر العقلي العميق للثابت الكوني الفيزيائي وللكائن المحلي ، يعني أنه وفقاً لآفاق العقل الكوني ، تنشَأُ احتمالات لانهاية لها للعلاقات العقلية ذات المعاني ، والتي تُنشئ كلٌّ منها حالات لانهائية من الكائنات والعلاقات ، ولكنها تشترِكُ جميعاً في الوحدة التكوينية ، إنها العلاقة الناظمة ، والتي تُحَدّد الاحتمال الصائب من الفاسِد في كُل علاقة ، بدأً من العلاقات الكُبرى "كالعلاقة بين الكهرَب والجذب الكتلي" وحتى أدق العلاقات وأكثرها هامشية "طريقة توضيب الوسادة بالشكل المُريح" كُلها "تعبيرات وظهورات" محلية مادية ، للقيمة الناظمة للعلاقات في عالم المُجَرَّدات.

قاعدةُ المصفوفة الكونية التي نشأت عن تفاعُل القوى الأربعة الكبرى وما تبعها من ثوابت ، هي تحقيق لتفاعُل عناصِر مصفوفة أكثر كُلية منها ، والتي توصَفُ بتحرّرها من قيد المحل ، فتكون الأرقام في ذلك الوجود ، غيرَ مقترنة بحدثيات وكائنات محلية منفردة ، أي أن الواحد هناك لا يشير إلى قلمٍ فيزيائي أرضي ، والاثنان لا يمكن أن تنحصر قوة معناه بالإشارة إلى شخصان جالسان معاً في مكانٍ محلي بجسدين محليين.

فالمُعادلاتُ التي تنطبق على هذا الواقع المحلي ويُمكِنُ من خلالها حسابُ احتمالات وقوع أحداثٍ محلية ، تغدو هناك تقريباً مُنعدمة المعنى ، بالأحرى ، تبدو كشخص ناظر نحو إصبعك الذي تشير به للقمر ، فإنّ إصبعك موجود للناظر كجسم يعكِسُ نور القمر الذي يضيء إصبعك ، ويضيء الكثير من الأشياء الأُخرى حولك ... لكنّ نفسَ القَمَر لا يتحدّدُ نوره أو ضياؤه بمقادير تحمّل الأجسامِ على الأرض له.

وكذلِكَ المعاني الفيزيائية التي اعتدت التعامُل معها منذ ولادتك ضمن هذا النطاق ، كذلك هي كما الأرقام ، مُقيّدة بمحليتك ومحلية نطاق رصدك الحسي ، ووراء هذا النطاق المُقيد ، يكونُ القَلَمُ والإبريق والحاسوب ، كائناتٍ غيرَ محلية ، زمنها ليس تسلسُلاً من الأحداثِ المحلية ، النقيضين في عالم المحليات شيء ، والنقيضين في عالم التجريد شيءٌ آخر ، ففي عالَمِ المحليات لا يكون نَفسُ الحاسوب في غُرفَتك وفي الغرفة المجاورة بنفس الميقات الزمني ، نعم يُمكنُ أن يكون البرنامجُ نفسُهُ موجوداً في عدة أمكان بنفسِ الميقات للراصد ، لأن البرنامج نوعٌ من التجريد ، ولكنّ حاسوبك الذي يحتوي صورَك ، ورسائلك ومشاريعك وموسيقاك ، والذي تعرّضَ لصدمات لها تواريخ معروفة لك ، والذي تضعُ عليه علامتك الخاصة ، ويحمِلُ بصماتك الخاصة ، وبكامِلِ تكوينه النسيجي بكل ما حواه ، لا يتواجَدُ في مكانين بنفس الميقات.

وإذا حَدَثَ المستحيل وصممت حاسوبين متوافقين تماماً من حيثُ التاريخ والمحتوى والنسيج الحالي ، ووضعتَهُما في مكانين مُختَلِفين ، فإنّ هنالك مقداراً معيّناً ينتهي بعدهُ التشابُه ، لأنّ دخولهما في مكانين مختلفين ، حتى ولو كانا في نفس الغُرفة ، سيجعَلُ كُلّاً منهُما يتفاعَلُ مع مؤثرات مُختلفة قليلاً أو كثيراً ، تجعَلُهُ ينحرف عن النسخة الأصلية ... ومن المستحيل حدوث التطابق التام بين كائنين محليين بالنسبة لراصِدٍ محلي ، ذلك مُستحيل فقط ضمن إطار الفيزياء المحلية ، لكن ليس ضمن إطار "الفيزياء التجريدية".

في عالمٍ مُجرّدٍ عن قيد المَحَل ، ينتَشِرُ الحاسوب العقلي عبر كافّة آفاق الكون المحلي ، بِنفسِ الميقات بالنسبة لراصدٍ غير محلي ، مِثل هذا الكائن المُجَرّد ، يُمكِنُ تحقيقه بتكرار لانهائي من النُسخ المحلية ... إنّه موجودٌ على امتداد الكون المحلي وأينما ذهَبت ، ولكنّ قيود الوقائع المحلية الأخرى التي تحققت ضمن زمَنِكَ ستمنَعُك من الالتفاتِ إلى ذلك ، فالفضاء الهندسي الذي أمامك الآن والذي تسبَحُ فيه يدُك وهذا الكتاب أو الحاسوب ، هو نفسُه الفضاءُ الذي يَسمَحُ بوجود أي حاسوب من أي نوع ، بل بوجود أي كائنٍ محلي من أيّ نوع ، إنّه القاعدة الهندسية التي يُبنى عليها العالم المحلي الذي أمامك.

لكنّك لا تقيس الفضاء من حيثُ هندسته ، بل مِن حيث محليته ومُحتوياته التي تعرفها ، ولذلك تستنتِجُ البشرية تلك القوانين العاجزة عن فهم ما يَجري حقاً ، الحقيقةُ أنّك تسبَحُ في فضاءِ المعقولات باستمرار ، وهي تُحيطُكَ من كُل جانب ، وهكذا يقوم المُختَرِعُ بكشفِ احتمالٍ ضمن الفضاء الهندسي التجريدي ، ومن ثمّ يحوله لواقعٍ محلي فتنشَأ الاختراعات والتكنولوجيا ، هي نفسُ طريقة الساحر الذي يتخيلُ الحالة السحرية ضمن هذا الفضاء وفق ما تسمَحُ به قوانينه التي استطاع الساحِرُ أن يدركها بعمق أكبر من المخترع ، لأنّه تجرد عن كثيرٍ من القيود التي تفرضها العلوم والواقعية دون أن يعترف بها الفضاء الهندسي ، وبهذا الإدراك ، يُقرر أن يُخرِجَ مكنوناً شريراً ضمن أُفُق الفضاء ، يسميه الشيطان ، ليُحقق له أحداثاً تتناسَبُ مع رَغَباته الشريرة.

الكموم هي كائناتٌ تجريدية :​

لطالما تمّ البَحثُ عن الكموم ضِمنَ أصغَرِ الوحدات الطبيعية ، وبتقسيم الذرة وصدم الجسيمات ، ولطالما شغلت المُعضِلاتُ الذرية أذهان الباحثين الفيزيائيين وأخيلتهم ، لأنها مليئة بالمتناقضات والمُفارَقاتِ من أوّلها لآخرها ، ولكنّ الحقيقة تكون بسيطة وجميلة دائماً ، وليست المسألة بكثرة تعقيد المعادلات وطول قوائم الأرقام ، هذه الأشياء ، إنما تأتي لقصور الفهم على منطقة جزئية من الصورة الكُلية ، فرؤية جزءٍ من الصورة يفتَحُ الباب على مصراعيه لأفق الخيال والتصوير الذهني ليُكمِلَ الجُزء دون جدوى ...

لكن ، هل الكمومُ فِعلاً كائناتٌ متناهية الصغر لهذه الدرجة ، أم هي كائناتٌ "مُحررة من الحجم وقيد المحل" ؟ ما هي الكموم أصلاً ؟ إنها توصيفٌ فيزيائي للإشارة نحو أصغَرِ وِحدة مُمكنة لمجالٍ ما ... الذّرة كم الكيمياء ، الكهارب كموم القوى الكهربائية ، الفوتون كَمُّ الضوء ، بوزون هيغز هو كَمُّ "التآثُرالفيزيائي" الذي يَسمَحُ بتداخُلِ الحقول والقِوى وأي تفاعُلٍ آخر لابد أن يرتدّ إلى هذا البوزون.

إنّ "أصغَرَ وحدة قياس" هي عبارةٌ لغوية مختلفة للتعبير عن حقيقة فيزيائية تُحدد معنى الكم ، إنه "الوحدة الأوّلية التي يُكتب عبرها زمنُ التأثير المرصود للمجال" لأنه كما تعلَم ، وحدات القياس والتكوين المحلي تبدو كذلك بالنسبة لراصدٍ يتآثرُ معها مباشرة أو بوساطة جهاز ، فليس أنّ أصغر مقدار من الطاقة يؤثر به الضوء على جهازِ قياسِك "الذي يحلّل الضوء" هو الفوتون ، أنّه لا وجود لقوة أقلّ من الفوتون الذي رصدتَه ، لكنّ التآثُر الذي بينك وبين المجالات الضوئية يتمّ بوحدة قياس ابتدائية تسمى الفوتون ، ولكنها ، لا تأخُذ مقاديرها الفيزيائية بشكلٍ ذاتي ، إنما قياساً لتفاعُلاتها ضمن المجال الضوئي مع مجالات القِوى الأُخرى ، فدون البروتونات فلا معنى لانعدام كُتلة الفوتون ، ولا معنى لشدة قوته دون قياسها نحو شدة الكهرباء ، ثمّ قياس المجال الكهروضوئي نحو المجال الكُتَلي.

جَميعُ مقادير جسيم الكمومي يأخُذها بعلاقاته مع القوى والجسيماتِ الأُخرى التي يتم قياسها حين تتفاعَلُ معه ، فانتبِه جيداً : ليس هنالك أي دليل قاطع على أنّ أي جسيمٍ يحمِلُ أية كُتلة بحد ذاته ، أو أيّة خاصية فيزيائية أُخرى غير خاصية حقله الأساسي الذي يُشكّل كمه ، وبمجرّد نشأة التفاعُل الزمني بين الكموم ، يُمكن ملاحظة وجود مِثلِ تِلكَ الخاصيات. هذا الأمر الذي دعا لتقسيم الكموم إلى كموم أصغر تربطُ الحقول ببعضها مثل الكواركات والبوزونات، ولكنّ أي تقسيم من أي نوعٍ لا يمكن إثباتُه خارج نقطة القياس ، وخارجَ التأويل الرياضي الفيزيائي اللغوي لتلك النُقطة.

إذا رجعتَ الآن إلى "مفهومِ الكَم" نفسه ، كجسيمٍ دون ذري ، فإنّ هذه العبارة تتحدّثُ عن "تأثير الكم بالنسبة للذرّة المحلية" وبهذا لا يكون التعريفُ السابقُ صالحاً ل"حقيقة الكم" بل لمجرد صفة مُلحَقَة به ، بل ملحقة بتأثيره ضمن نطاقِ رصدٍ محلي ... ولكنّ الكَمَّ نفسَهُ ليس ذلك الكائن المحليَّ النطاط الذي صورته لك الكتب والفيديوهات والمحاضرات والندوات ، وجميع التوصيفات الرياضية لعزمه ودورانه ومغازله ، لا قيمة لها إلا في وصف "مُرتكَز التأثير على مجالٍ ما". ولـكن الحقيقة وراء كل تلك الأوصافِ والأسماء : الكم هُو مجالُ القُوّة نفسِه ، قبلَ أن يتمّ تقييدُه بعلاقات محلية ، فكما تعلَم ، تُخبِرُك الفيزياء الوضعية بعكس هذه الجُملة ، تقول لك إنّ الكموم هي مصدَرُ مجالِ القوى ، وعلى حسب الكموم وحرَكَتها ضمن النطاق المحلي ينشأ المجال الكمي والقوى الفيزيائية ، ولكن ألم تسأل نفسك – أيها الفيزيائي – لمرة واحدة : مِن أين يأتي الكم بخصائصه ومجالِه ؟ ما المصدرُ النهائي للقوّة الفيزيائية ؟ الكمّ كائنٌ محلي يتلاشى بخروجه عن إطار الرصد ، ليفتحَ المجال للسؤال عن مصدر دخول هذا الأثر إلى الأرصاد ، أو ليفتح الباب أمام الغَفلَة والاكتفاء بالإجابة السهلة : ليس عليك إلا أن تقيس سلوك الآثار ضمن الأرصاد وتُنشئ علماً يبحثُ في الإجرائيات.

بالرّدِ إلى مبدَأ النسبية والتآثُر ، تَخلُصُ إلى نتيجتين :

أوّلاً : الكموم الإجرائية والكموم الحقيقية :​

إنّ كافة الخصائص الرياضية للكموم في الفيزياء المحلية ، مُجرّد توصيفٍ لـ"علاقاتِ الكموم" مع بعضها البعض ، وخارِجَ هذه العلاقات لا فيزياء محلية ، ولذلك ، فإنّ دراسة الكموم فيزيائياً تتحوّل لدراسة "كائنات إجرائية مُفارِقة للإدراك" أو هُوَ التعريفُ الدقيق لدراسة "الأثر (الموضوع المرصود) دون المؤثّر (العِلّة الماورائية) والتأثير (الكيفية الحقيقية لتحول العِلّة إلى أثرها ، وليس التخمين الظني)" ثُمّ تحويل هذه الدراسة إلى تفسيراتٍ للمؤثرات والتأثيرات ( وهي الفيزياء النظرية ) ، ومِثلُ هذا التحويل ، لابُدَّ أن يستلمَ بعض البضاعة الفكرية الغير واقعية \ التي تمّ تخمينها من فلسفة العلم التجريبية ، المُسمى التطبيقي للوضعية المنطقية والموقف الطبيعي الساذج ، ليحصُر التفسير في النطاق المادي ويُقحِمه فيه إقحاماً ، لأن الأثرَ بذاته لا يُخبِرُ بأي شيء على الإطلاق (وقد سَبَقَ وتم التفصيلُ في هذا المبحث في أبواب البَون). أمّا حقيقةُ الكائن الكَمّي ، تجريديةٌ لأنه عِلّة وليس علاقة ، وليس أثراً مرصوداً لهذه العلاقة.

حقيقة العِلم التجريبي كما تصفهُ الوضعية ومعايير الموضوعية ، أنّه مُجرّد محاولة للإجابة على سؤال الكيف الإجرائي ، وليس على سؤال الكَـيف العِلّي ... إنّ الكيف الإجرائي يبحثُ في "الاقتران المحلي لسلوكين" مستنتجاً تأثير أحدهما على الآخر محلياً ، بطريقة القياس الاستقرائي الناقص ، تماماً كما تستنتجُ أن شخصاً ما يعمَلُ موظفاً في شركة لأنك تراه يركب الباص الخاص بها كُلّ صباح ، ولم يخطُر ببالك أنّه بحقيقة الأمر ، لا يعملُ بالشركة بل يشتركُ في عقد الباص ، أو أنّه مشرفٌ أمني ، لمبنى بعيد ، يستخدم الباص للتمويه ، إنّ هكذا احتمال يبدو ضعيفاً في ظاهره ، ولكن ، على ماذا تستندُ قوة الاحتمال وضعفِه ؟ على كثرة الاستقراء للاقترانات ، وماذا لو كانت سائرُ الاقترانات تنبُع من قاعدة مصفوفة لا علاقة لها بجميع تأويلاتك ، أعني ، ماذا لو تَمّ إرسالُك نحو مُحاكاة حاسوبية مليئة بالروبوتات والبرامج الافتراضية التي تنسجم مع ذوقك ومهمتك ... حينها سيغدو كُلّ احتمال ، مُنعدم الرجحان بالاستناد إلى أن قاعدة اصطفاف الاحتمالات نفسها غير متوفرة ... قد تقول أن هذا غير علمي وهو كذلك ، إذا كنت تعني بالعلم دراسة "الإجرائية" وليس العِلل ، لكنّ العلوم التجريبية اليوم تتعدّى حدودها وتزعُمُ أنّ بإمكانها رَدَّ العلل والحقائق إلى إجرائيات.

حقيقة قيمة العلم التجريبي لابُدّ ان تتحدد وفقَ ميدانه على أرض الواقع ، وليس برية الأحلام للمختصين والباحثين ، على أرض الواقع ، للفيزياء التجريبية بمنهجها الموضوعي المُفارِق قيمة فقط "حين" تُستخدم لتسهيل حياة الشعب والاختراعات ، ولكنّها تَفقِدُ قيمتها تماماً عندما تتحوّل إلى فيزياء نظرية "تَرُدّ الواقع الزمني الكُلاني إلى وقائعَ جُزئية.

فإنّك لابدّ أن تعلم ... أن الكموم في عالَم الإجرائيات ، ليست الكموم في واقعتها وراء الرصد ، فثوابت بلانك ، أو الكائنات المتناهية ضمن المجال أو المتجه الفيزيائي ، أو القيمة الفيزيائية ، ليست حقاً كائناتٍ مُنتاهية الصِغر بل مُتناهية "البساطة" بالنسبة للمحليات الأُخرى ، ولأضرب لك مثالاً واضحاً وهو طول بلانك وزمن بلانك ... بِناءً على رؤية الكموم ، لابُدّ من وجود كمومٍ أيضاً للطول والزمن ، وليسَ فقط للكهرباء والكيمياء والقِوى ، لأنّ وجود تكميم للمجالات الفيزيائية يحيلُها إلى مجالات ذات أحداثٍ أوّلية ضمن الزمن ، تتراكَبُ هذه الأحداث لنسج الأزمنة المُعَقّدة كالكوكب ومداراته ، والجسم وساعاته الفيزيولوجية ، لأنّ وجود كموم لمجال الكهرُباء ومجال الضوء ، يَجعَلُ الحدثَ الفيزيائي للمجالِ مُرَكبّاً من تِلكَ الكموم البسيطة ، فيبدَأ تأثير القوة بكموم بسيطة تتراكب حتى تصلَ لأفق الرصد بالجهاز أو بالعين والحواس ، وهذا يعني أنّ ما وراء الكموم البسيطة ليست هُنالك أحداث ، ما من زمن وما من مسافة ضمن نطاق العالم المحلي ، في مُستوياتٍ أخفض من تِلكَ الكموم ، وبعبارة أُخرى "تتلاشى المجالاتُ الفيزيائية عند نطاقٍ كمومي مُحدد لكلٍّ منها ، وبتلاشيها يتشتت الزمن المحلي ويصبح محض العدم وفيض الاحتمالات غير المُحققة".

لذلك يكون الزمن المحلي والواقع المادي ، القابل للرصد والتأثير والتأثر ، مرهوناً بوجودِ الكموم وتراكُبها إنّ الكموم حينها ، تكون بوابة العالم المادي للعالم ما وراء المادة ، ولذلك ، فإنّ أبسط إمكانات التفاعُل الكمي هي أبسط إمكانات الحَدَث المحلي ، وهي التي تُسمى بثوابت بلانك ، ربما ، تتغيّر قيمة ثابت بلانك من عصر لآخر استناداً لنسبية المعايير ، ولكنّه سيبقى كمفهومٍ على أي حال طالما بقي الرصد والتأثّر والتأثير للأحداثِ المحلية النسبية مُمكناً ، وهنا تأتي مُفرقات الزمن في عالَم الكموم ... هل هُنالك زمن ومسافة حقاً ؟

الأزمنة والأمكنة المَحَليّة متناهية البساطة ... وفيزياء الضباب :

أكثرُ وحدة متناهية الصغر للطول ، وأكثر وحدة متناهية الصغر للفترة ، هما المسافة الحقيقية ، والفترة الحقيقية ... إنهما ثابتان لثبوت العلاقات الكمومية الأولية ... التي تستوجِب ثبوت الحدثيات الأولية ضمن الزمن المحلي القابل للرصد والفهم بنطاق الفيزياء ، ولقد حسب مقدارهم ماكس بلانك بناءً على المعادلات الرياضضية التي تنظّم إجرائيات الكموم ، فكانت الثانية الأصغر10^-47 والطول الأقصر 10^-47.

تحت هذا النطاق لا يتواجَد الكائن المحلي ، وفق معادلات بلانك ، وحتى مع تغير المعادلات لتَكون أقلّ في الارتياب الناشئ عن القياس ، دائماً ، سيكون هناك حَدٌّ فاصِل ، بينَ المحلية ولانهائية التسلسل ، ولكنّ هذا الحدّ يطرح مشاكِلَ ، لا يمكن للفيزياء المحلية تجاوزها إلا لغوياً ورقمياً ، إنها نفسُ مشاكِل زينون القديمة :

فالانتقالُ مِن حدثٍ محلي إلى حدثٍ آخر ، إذا كاناَ مُتناهيا الصغر ، سيعني انعدامَ المسافة بينهما ، وهذا يعني انعدام الفترة الزمنية اللازمة لقَطع المسافة ، أي : ليسَ هُنالِكَ وجودٌ للمسافة والفترة في زمن الحركة الكمومية ، فلا معنى للحواجز بين الكائنات الكمومية ، وإذا كان الواقع الذي أمام ناظريك الآن ، مكوّناً من الكموم ، فكيفَ لها أن تنشئ الأبعاد المكانية والفترات الزمانية النسبية ، لماذا عليك أن تمشي دقيقتين لتصل إلى الشارع ، بينما تصِلُ الكائنات الكمية المكوّنة لجسَدك إليه في زمنٍ صفري تماماً ، بل إنّها لا تقطَعُ الدّرج أصلاً لأنّه بطريقة معينة "مُتّحدٌ معها" محلياً.

وتتجاوز مُفارقات زينون هذه المرّة هذا التعبير ، لأنّ الكموم نفسها بسائر مُعادلاتها ، الواقعية والافتراضية ، ستغدو بلا زمانٍ ولا مكان ، فلا يعود من داعٍ لقطع الكهرباء لمسافة معينة بل ينتشرُ حقلها عبر الأفق ، وكذلك الجاذبية والقوى النووية وحينها ، لا يعود مِنَ المُمكن تفريقها عن بعضها من حيث التأثيراتُ المحلية ، ستغدو جميعُ القِوى مُتعادلة في شدة الجذب التآثري.

هذه النتائج التي يتمُّ تغطيتها بغربال الإعلام العلمي كافية بالنسبة للباحث عن "الحق" لكي يتوقف فيقول : أي نوعٍ من العِلمِ و(الدين) يعدني به التجريبيون والوضعيون ؟ إلى أي حدٍ يصلون للحقيقة ، إلى أي حد ، يُمكنهم كشف أو إثباتُ شيءٍ على الإطلاق ؟ ... جميع الإجابات الفيزيائية على هذه الحقائق "الإدراكية للفيزياء" ، إجاباتٌ مضللة.

منشأ الضباب في علمِ الفيزياء الكمومي :


أ. "الاشتراك اللفظي بين الأصغرية والعِلِّية" : طَرحُ مفهوم الكم كـ"أصغرِ وحدة مُمكِنة القياس للمجال الفيزيائي المحلي" وبِنفسِ الوقت كـ"عِلّة وجود المجال نفسِه" ، والهدفُ من ذلك إحالَة المجال المحلي إلى كائنٍ محلي في الزمكان ، يُمكن حينها اختزالُ الوجود الفيزيائي إلى بعضه البعض ، وهنا تبدأ المُفارقات جميعها ... إنّ الاشتراكَ اللغوي للباحث التجريبي بين "العِلّة والبساطة" وبينَ "الإجرائية والصِّغر" وإحالة مفهوم البساطة إلى علاقة حَجمية ورياضيات محلية من فئة المقارنات "أكبر وأصغر" هي مُصادرة واضحة وصريحة على الفَهم العلمي لنتائج القياس ، لتكون مُنسجمة مع صروح الفلسفة المادية المُجوّفة.

ليسَ هنالك تلازُم أن تكون أصغر وحدة ممكنة القياس محلياً ، وهيَ حينها مُجرّد أثرٍ لفعلٍ ممارس على جهاز القياس ، هي نَفسَها العِلّة أو الفِعل ، لا بل على العكس ، إذا خرَجتَ من صندوق الفيزياء المحلية التقليدية قليلاً ، ورأيت الأمر بمعايير الفيزياء الانطلاقية التي تعرفها حين ترد الواقع المحلي لأصله كموضوعٍ لإدراكك ، ستكتشِفُ مُباشرة أنّ الأثر ، مُنفصِلٌ تماماً عن عِلّته التي أنتجته ، إنها تحتويه كتعبيرٍ عنها وليس كتمثيلٍ وحيدٍ لها.

ب. "الاشتراك اللفظي بين النسبية المرصودة وبين مبدأ التآثُر النسبي" : إحالة الاختلاف في التّآثر ضمن العالم النسبي المحلي ، إلى اختلاف في التآثُر ضمن "العالَم الكَمّي المحلي" لتكون عِلَلُ الاختلافات مُنسجمة مع تصور الفيزياء المُغلَقة المُستقِلّة عن عالَم العِلل والحقائق. إنّ التآثُر والتفاعُل الزّمني للكموم ضمن نطاق أرصاد محلي واقعي ، يَجعَلُ حركتها تتقيّدُ بالكائنات المحلية ، إنّ كلّ كائنٍ محلي ينتَسِجُ في الزمان ، هُوَ تراكُب من تِلكَ القوى المُطلَقة للمجال الواحد ، الذي تكسّرت انعكاسات أشعته إلى عدة مجالات فيزيائية ضمنَ عالَم الواقع المحلي والزمن المحلي ، وخارِجَ إطارِ العلاقات المحلية لا معنى للجسيمات الموجية المرصودة أو لاختلافِ مجالات القِوى والأزمنة الناشِئة عنها ضمن باقة العالَم المحلي الذي نعرفه ... بِعبارة أُخرى : ليسَ هُنالِكَ شيءٌ اسمُه "الالكترون والبروتون والفوتون ... الجُسيم الأولي والذري ، إلّا لحظَة الرّصد" وخارِجَ لحظَة الرّصدِ هذه ، ليس بإمكانِكَ أن تقول "هذا الالكترون وهذا الجُسيم ، ولهُ هذه الأوصاف وهو وجود في هذه النُّقطة أو مرّ عبرَ هذا المسار".

فكما مرّ سابِقاً في شروحات النسبية ، قطعُكَ لمسافة محددة لا يستلزِمُ طاقة ، بل يستلزِمُ "رفعاً لعلّة الحجز بينك وبين المكان المقصود" وهذه العِلّة هي الطاقةُ المُضادة لحركتك ، وعندما لا يكون هنالِكَ طاقةٌ مضادة ، فلا معنى أن تبذُل الجُهد في قطعِ المسافة أو تُنفق وقتاً ، لأن التّسلسُلَ غيرُ مُحقّق أصلاً ، ستصِلُ دون بذلِ أي طاقة ، وبشكل آني انعكاسي.

إذن ، الزّمنُ والمسافةُ ضمن العالم المحلي هو تفاعُل التأثيرات وتشابُكُها بحيثُ تَمنع ، مُطلقية الكائن وتسمَحُ بتقييده ضمنَ المَكانِ والزّمان ، وكذلك كُلّ التأثيرات الفيزيائية والقوى الممارسة على الواقع المحلي ، تَفقدُ معناها الرياضي والفيزيائي بغياب التضارُب الناشئ بينها ، ويغدو حينها الكائنُ عابراً لحدود الزّمان والمَكان ، مُطلَقَ القِوى في الفضاء.

أنسابُ التآثُر والكائنات المحلية الناشئة عنه ، هي انفِعالات القوى العقلية التي تُنتِجُ الزمكان المحلي ، هذه القِوى ، تُحدّد هُويّة كُلّ كائن ، بالنسبة لمرايا الفضاء الكامِنة ، التي تطوف المجرات في مياهها ... إنّ أنساب التآثر يمكن ردّها لقوانين التآثُر في عالَم التجريد ، ذلك أمرٌ مؤكّد ... إنّ البنية التجريدية للكون المنظور ، تنبّئ بلا شك ... أنّ ثوابِتَ القِوى وثوابِتَ البناء الزمني الفلكي والبيولوجي هي معاني تجريدية ، تتعلّقُ بالمعاني الأصلية للمجالات الفيزيائية ، حينَ تفاعَلَت مع مقولة الكَم والمكان ، وحينها نشأ الكون كما تراه.

الحقيقة أنّ هذين المبدأين الاختزاليين ، هما السبب في امتناعِ دراسة الوجود الغير فيزيائي من منظورٍ فيزيائي ، وليس أيّ شيءٍ آخر ، وليس شيئاً آخر سوى التعصب العلمي للمذهب التجريبي والوضعية المنطقية بأشد صورها بطشاً بمصير الإنسان ، أمّا التجرُبة نفسُها ، فلا تستَلزم أن يكون الكائنُ أو الحدث الذي يتمّ قياسُه ، يحتوي بداخل أثره التجريبي علّة الأثر ، أو أن يكون موجوداً فقط في نطاق المحليات ، ليس بالضرورة عزو نتائج التجربة وتأويلاتها ، وعِللها ، إلى نطاق محلي ، نعم ، قد يكون صحيحاً أنّ الأثر المحلي يتم قياسُه بجسدٍ محلي آلي "جهاز" ، ولكنّ ذلك لا يعني ولن يعني أنّ المَبدأ والمُنتهى هو الأَثَر.

بل الحق ، إنّ الكائن المحلي يَفتَقِر بوجوده إلى "الفهم" و"الثبوت" و"الإدراك" ، وإنّ الكائنَ دون فهم وثبوت يغدو ... مُجرّد سرابٍ بالنسبة للرصد ، والفِهم والثبوت هُما ما يُعطيانِه المعنى. ولا يتحققان بطريقة أصيلة سالِمَة إلا لحظَة الإدراك العميق للكائنِ كما هو بصَمت ، بخشوع ... برضى بالحَقّ كيف يكون ، دونَ أحكامٍ مُسبَقة.

العالمين والأكوان المتعددة :​

لا مبرر لاختلاف تعبير فيزيائي معقد ( مثل الذرة ) عن تعبير أبسط منه ( مثل الكهرب أو الأوتار الفائقة ) إذا كان العامل الوحيد في المعادلة هو الفيزياء المقننة بالرياضيات ، والسبب الوحيد في وجود تلك المعادلات المتناهية التعقيد التي تشرح نظريات الأوتار الفائقة ، هو أنها قد "بُنيت من الأساس" على مسلمات شبحية ، تولد تأويلات رياضية ومنطقية وفيزيائية تم الاتفاق عليها قَبلَ التحقق من صحتها ، تماماً كما لو بنيت عالماً كاملاً من الأوهام والهلاوس ، إنه منظم ومتقن ورياضي ومنطقي ، وكثيراً ما يكون فيزيائياً أيضاً ، إلا أنه يبقى وهماً ( بالمعنى الموضوعي على الأقل ). نظرية الأوتار الفائقة ، تشرحُ ما يمكنك رصده من الكون "الحقول الأربعة الرئيسية وما دونها" ولو فرضتَ وجود حقول أُخرى ، فإنك لا تتصلُ بها ليس بسبب عدم وجودها ، بل بسبب عدمِ تآثُرك معها ، ففي الغرفة التي أنت فيها ، في جسدك وقلبك ودماغك ، تمر الآن ، أكوانٌ وعوالم لا تنتهي ، لكن ليس فيها "كُتلة" لتؤثر على كُتلتك ، ليس فيها "كهرباء" لترصدها بأجهزتك ، ذراتها ، تختلف عن ذراتك ، كيمياؤها ، لا علاقة لها بكيميائك ، بعضها ليس له ذرات أصلاً ، ليس له حقول ، مفاهيمه الفيزيائية لا تستطيع تصورها ، لأنك تستخدم ذاكرتك المبنية على تجربتك في هذا الواقع ، للمحاكاة.

وجود الكم الأول ، الذي يكون الحقل الموحد Unified Field Theory ، يُلزم الباحث العلمي بتقبل النتيجة التالية : هذا الكم هو بداية الفيزياء ، وهو المرحلة التي تلي "ما قبل الفيزياء" ، لأن خصائص هذا الكم وهذا الحقل ( وأياً كانت ومهما تم افتراضها ) ، تبرر التعبيرات التأثيرية الفيزيائية\المحلية "التي تنتج عن الكم الأول والحقل الموحد" من حيثُ الإجرائية ، لكنها لا تبرر "نفسها" ، وليس بوسعها ادعاء ذلك ، حتى ولو ادعيت بوجود صيغ لانهائية من الأكوان التي تغطي جميع الاحتمالات الممكنة ، فهذه الفرضية تحمل خصائص فيزيائية تجريدية ضرورية لتحقيق الحد الأدنى من الوجود الفيزيائي الموضوعي ، ولأقرب لك المسافات ، أصغي معي إلى المثال التالي :

فلتنظر الآن إلى أصابع يدك ، ولتسأل نفسك : ما الذي يجعل يدك قادرة على إمساك القلم أو الحاسوب ، والبدء بالكتابة ؟ وستأخذ القليل من الوقت على الأرجح ، لكي تجيب بأن "البنية التشريحية لليد ، المكونة من عدد من الأنامل وفق هذا الشكل بالذات تسمح ب"نوع من الانسيابية" العالية في الحركة ضمن الفراغ النيوتوني ( كما يحب بعضُ الفيزيائيون تسميته )" ولعلك تظن أن المسألة قد انتهت هنا ، وإنني لأخبرك بأن عدداً لا ينتهي من المفارقات والمسائل الفلسفية-الفيزيائية قد بدأ للتو : فعندما تمعن النظر قليلاً ، ستكتشف أن قوانين الفيزياء هي التي تسمح ب"الآلية التي تتحرك بها يدك في الفضاء ، ستكتشف أن قوانين الفيزياء هي ما يسمح بهذا "التكوين التشريحي ليدك" بالذات ، ويربط هذا النموذج بعينه مع تلك الانسيابية بعينها التي تكلمنا عنها ، وهذا الارتباط بين ( نموذج يدك ) و ( نموذج الحركة الانسيابية تلك ) يشكل نموذجاً جديداً مركباً ، والذي يرتبط ب(نموذج الكتابة ) كما تسمح به قوانين الفيزياء ، و ب( نموذج الآلة ) المستخدمة في الكتابة كما تتيحها القوانين الفيزيائية ، وب(كل النماذج التي يمكنك تخيلها ) ومهما ظننت أن النموذج المتخيل بعيد ( مثل نموذج الجبل أو نموذج الجنس ) فإنه له علاقة خفية بعملية الكتابة التي تقوم بها ، وليس من الممكن على الإطلاق أن تكتب أي شيء ، لو لم تكن هذه النماذج جميعاً معاً … ثم إنك لا تلبث تتساءل ( يُفترض ) : من أين أتت هذه النماذج كلها ؟ نعم صحيح أنها أتت من قوانين الفيزياء ، التي بدورها أتت من الحقول والكموم الفيزيائية ، ولكن ( كيف ) تولد تلك الفيزيائيات هذه ( النماذج ) ؟ كيف يُمكن للأثر أن يؤثر على إدراكك ، راسماً انطباعات حسية تنعكس على مرايا ذهنك ؟ هل فكرتَ يوماً ب"تحليل" خبرتك الحسية هذه ، قبل التسرع وإطلاق الأحكام بناءً عليها ؟ الأثر ، يوجب التآثر ، باعتباره وقوعاً محلياً بين أنساب - من ناحية فينومينولوجية تُدِرك الأثر على حقيقته - والتآثر يوجب الحركة التفاعلية ، وعندما تحلل "خبرتك الإدراكية" للحركة التفاعلية ، تكتشف أن "العلة الجوهرية" للحركة المحلية ، تقع في نطاق غير محلي … تقع في مُستوى آخر للحركة ، غير مقيد بالفيزياء ، ودونه ، لا تعليل للحركة في الفيزياء ، بمعنى ، ستغدو الحركة في الفيزياء "شبحية دون كُنه" إلى أن تتوفى نفسك ، لأنك لم تُحلل إدراكك للحركة التفاعلية والأثر بعد. يوجد قالب خاص بكل شيء في الوجود الفيزيائي ، هذا القالب يسمح بولادة عدد لا ينتهي من الموضوعات التي يصدق عليها ذلك القالب ، هذا القالب يسمى في الفلسفة ب"المعقول" أو "الكلي" أو "المفهوم" ( مع وجود اختلافات طفيفة لا يهمني أن أشرحها الآن ) ، مثل قالب ( الكتاب الأزرق الذي يبلغ طوله 22 سم ويحتوي 444 صفحة مع غلاف صلب ) ومثل هذا النموذج أو الكلي ، يسمح بتواجد عدد غير منته من الكتب التي تحقق هذه المواصفات ، لأن قوانين الفيزياء تسمح بهذا ( التي ما هي سوى قوانين للنماذج العقلية في ظهورها المحلي ) ، وإنك لو قمت ب"تجريد" هذا النموذج من بعض تلك "القيود" التي فرضتها عليه ، مثل الطول أو اللون ، فإنه سوف يكون أكثر بساطة ، بحيث يصدق على عدد أكبر من الموضوعات الفيزيائية (عدة لا نهايات ) ، وبالطبع فإن كلا النموذجين يصدقان على عدد غير منته ، إلا أن النموذج الأبسط ، يحتوي أيضاً ( عدد غير منه من النماذج ، كتاب أحمر وأخضر وكتاب من لونين ومن مئة لون …. ) وهذا يؤدي إلى وجود ( عدد أكبر من مسارات اللانهاية ) التي تصدق على ذلك النموذج البسيط..

لا يمكن للفيزياء وحدها أن تفسر السر في ذلك : السؤال "لماذا هذا القالب الذي تسميه اليد بالذات هو الذي يتمتع بهذه الخصائص بالذات" ولماذا هنا تعني "الكيف الكبرى" مقابل الكيف الصغرى التي تبحث في آلية حدوث ذلك فيزيائياً محلياً فقط ، أي من حيث الميكانيك وما شابه ، لكن من أين أتى هذا الميكانيك ؟ من ميكانيكا الكم ؟ ومن أين أتت ميكانيكا الكم و"كيف تأخذ خصائصها المُؤثرة في الإدراك" ؟ … أحد الاقتراحات التي أقعنت جزءً كبيراً من الرأي العام ( ولا أدري كيف حدث ذلك ! ) بأنها فسرت هذه الآلية ، هي فرضية وجود أكوان أخرى متعددة ، وكل كون يُمثل ( تلبية ) لاحتمال معين ، في إحدى تلك الفرضيات ، على سبيل المثال ، يوجد كون لا يختلف بشيء عن كوننا سوى عدم إمكانية وجود كتاب لونه أصفر بطول 22 سم ويحتوي 444 صفحة وغلاف صلب ! ، ويوجد كون آخر ليس فيه مجال لوجود الكتب أصلاً ( لأن الصيغ الفيزيائية تختلف بتفاصيل دقيقة جداً بحيث لا تسمح بهذا النموذج المحدد )… وكون آخر يختلف ب"كل شيء" فيزيائي عن هذا الكون ، وهذه الفرضية تبدو مقنعة نوعاً ما ( خاصة بالنسبة للعرفانيين وجامحي الخيال ) ولكن هذا لا يعني أنها قد فسرت أي شيء على الإطلاق ، في الواقع لا يهمني أن أثبت عدم قابلية اختبارها العلمي أو إقامة البرهان الفلسفي عليها ، بقدر ما يهمني أن ( أكشف ) أنها لا تجيب ولا حتى على سؤال فلسفي واحد ! … إن الاشتراك اللفظي لمسألة معينة ( مثل كيف يُخلَق النموذج ) بين المعنى الفيزيائي والمعنى الفلسفي ، هو ما يولد ( تلك التوهمات والهلاوس ) بأن نظرية مثل الأكوان المتعددة ( بأي صيغة من صيغها ) تستطيع أن تجيب ولو على سؤال فلسفي واحد ! لقد شرحَت هذه النظرية بشكل لا بأس فيه ، كيف يمكن أن ( تتكاثر النماذج ) وتلبي كافة احتياجات السوق الفيزيائي الموضوعي ، ولكن هذا الشرح اقتصر على التقنيات الفيزيائية التي ( تساعد على ذلك وتشترك فيه ) ، السؤال : ما "علة" هذه القوانين بالذات "الكيف الكبرى" يأخذ الآن منحى جديداً أكثر تجريداً ، ففي حالة وجود تلك الأكوان التي لا تنتهي ، فهذا يعني وجود ( مبادئ شاملة تحكم سير هذه الأكوان ) وهي بمثابة "النماذج أو القوالب الأولى" التي تستطيع فيزياء الأكوان المتعددة أن تعمل من خلالها ، وأن لا تشرح شيء بعدها ، ولا تستطيع أن تقترب من حرمها ، تلك النماذج الأولى هي التي تسمح ب"التكسر الكوني" الذي ينشئ ذلك العدد من الأكوان ، وهذا يعني أن هذه الفرضية لم تغير أي شيء على الإطلاق ! أي شخص يهتم قليلاً بهذا النوع من المساءل ، يعلم بوجود مبادئ كبرى تتحكم بجميع المبادئ والقوانين الأخرى التي لا تنتهي ، ليس بسبب الفيزياء الحديثة بل بسبب "الغريزة المنطقية" لديه ، وكل ما فعلته نظرية الأكوان المتعددة ، هو إيصالك إلى "مبدأ للمحلية أكثر أولية" من المبادئ التي اعتدت على التعامل معها … لكن ما العلة لوجود تلك المبادئ والقوانين الأولية ؟ كيف تأخذ شكلها الوجودي الموضوعي ؟ إنها تلك النقطة التي تبدأ منها الفيزياء ، وبالتالي ، لا تستطيع التعامل مع ما ورائها …

وإنه لحري بك أنت أن تسأل : "هل من الممكن للفيزياء النظرية الكلاسيكية هذه أن تجيب على كل الأسئلة في أي وقت سيأتي منذ هذه اللحظة وحتى نهاية الحكاية ؟" عندما تدرك معنى المشترك اللفظي لن تحتاج أن تسأل مثل هذا السؤال أصلاً.

وإذا سألتني عن رأيي الخاص ، فسأخبرك بأن نظرية الأوتار الفائقة صحيحة مئة بالمئة ، ومثبتة أيضاً بل وكل ما يمكن أن تفكر به وتتخيله وتتوهمه كذلك ، ولكن تلك الأمور لها مستويات معينة من الوجود تظهر فيها ، فالوجود ، برأيي ( الغير متواضع ضمن هذه النقطة بالتحديد ) يحتوي ليس فقط كل الاحتمالات الممكنة ، بل كل الاحتمالات الغير ممكنة أيضاً ، وكل ما هو ليس باحتمال أيضاً !! ….​

ثانياً : الكموم التجريدية والأمواج والجسيمات :​

بالنسبَةِ للمجالِ نفسِه ، يأخُذُ الكمُّ تعريفين : الأوّل هو التَجَسّد المحلي للمجالِ في نُقطَة يسمَحُ بها الواقعُ المقيّد بثلاثة أبعاد ، والثاني ، هو "الطاقة\الفاعِليّة" الأوّليّة للمجال ... أي قُدرَةُ المجال على التأثير ، وخصائص هذه القدرة ، وهي بالتأكيد مستقلة عن الرصد المحلي لحضورها ، لأنّ الطاقة عِلّة وليست شيئاً ذو حدود عبر المحل ، وإنّ إلصاق المفهوم الأوّل المحلي للكم ، بمعناهُ التجريدي كطاقة فاعلية ، حوّل الفاعلية إلى نُقطَة محليّة صغيرة ، لا يُمكنُ للمجالِ الوجودُ دونها في رؤية الفيزيائيين ، وهذا ما وَلّدَ مُشكِلة "الجسيم-الموجة" "التشابُك الكمومي" "التشابُك الزمني" "الارتياب" "مُفارقة اجتماع النقيضين المحليين" .... لأنّ المجالَ نفسه ، كقوّة مُجرّدة وعِلّيّة ، لن يتجسّدَ في كونٍ مقيّد كهذا الكون بكُلّ فاعليته ، لأنّ وقوع المجال الحقيقي على المَحَل "وقوع البُعد السماوي على البُعد الأرضي" كفيلٌ بحرق الأرض بمن عليها والكون بما فيه ، ولكنّ الحكمة في نظام الحياة ، جَعَلت المجالَ يتجسّدُ ضمن علاقاته مع المجالات الأُخرى ، فنشأت فيزياء الكم ، وتمّ فهمها بطريقة سيئة ، لأنّهم اختزلوا طاقة الكم إلى موضعها الفيزيائي المحلي ، فكانت بالنسبة لهم كائناً تجريدياً ومحلياً بنفسِ الوقت ، فكانت تُشكّل المُعضلات ...

في غيابِ قيد المحل على المجال والقوة تختَلِف الفيزياء تماماً :

ما يُسمى بمُعضِلَة الجسيم\الموجة ، يعود لتقييد الموجة الكُلانية بعلاقة الرّصد التي يؤثّر بها الجهاز على الموجة ، كذلك يُخلَق الزمن الفعلي ، بتأثير قوة تحُدّ مُطلقية الزمن ، بعبارة صريحة : حلُّ مُفارقات زينون ومُفارقات الفيزياء المحلية ، يتصل بنفس المبدأ ، إنه "الفيزياء التجريدية".

مُفارقاتٌ أُخرى مثلَ التشابك الكمومي والتشابُك الزمني تشير لنفس المبدأ الشَمول الذي يحكم زمن الكون المحلي ، مُفارقات الفضاء المشحون ، تتعلّق ببُنية الفضاء الزّمني المحلي ، كأفُق لتَجسيد الكائنيات العقلية التجريدية والخيالية ، التي لا يُقيّدها سوى بُعدين أو بُعدٌ وحيد. مِما يعني أنه لم يكُن فارغاً من الوجود ، بل فارِغاً من المحليات ، و"قد انبَعَثَ الكون\الكائن المحلي من العَدَم المحلي ، وليسَ مِنَ العدَم المُطلَق ، فالمحليات لا تُبَرر وجودها المُدرَك أصلاً حتى تساوي حين انعدامِها انعِدام الوجود". مُشكِلة الارتياب :

أو بالأحرى "اللاتحديد" تتعلّق بمتغيرات خفية فِعلاً ، ولكنّها خفيّة بالنسبة للواقعِ المحلي ، إنها تنتمي للأبعاد اللطيفة المُجرّدة ، المصفوفة التجريدية تسمح بتجسيد جميع الاحتمالات الممكنة لما هُوَ مُقيّدٌ أكثَرَ مِنها ، بنَفس الميقات دون تناقُض ، ينشأُ التناقُض فقط بالنسبة لراصِدٍ حلي يُسقِط مبادِئ المنطق على واقعه المحلي فيستنتجُ أن الكائنين المحليين ضمن زَمن محلي يختلِفان ولا يجوز الجَمعُ بينهما ، وبينما بالنسبة له كذلك ، يبدو الأمرُ في عالَم الكموم كأنّه جمعُ عدة قِطعٍ نقدية في صُرّة خمرية واحدة بالنسبَة لك ، لأنّ المنطق يتحقّق في الزّمن وفقَ درجة تجريده واقترابِه لكُنهِ الوجود.

من ناحيةٍ أُخرى فإنّ الكموم تغدو بوابة الوصل بين السماء والأرض ، لأنها المرحلةُ التي تسبِقُ الأرض وتلي السماء مُباشرة ، فهو القوة السماوية المُمارَسَة على الفضاء المحلي العقلي "مقولة المحل ضمن عالَم المعقولات" والتي تُنتِج ما تراه من كائناتٍ محلية دون مجهرية وفوق كوكبية. هذا يُعطي للكموم طبيعتين معاً ، حينَ رصدها بأداة محلية تتحول لجسد مادي معزول ، وحينَ رصدها بأدوات الإدراك التي تتجاوز التقانة المحلية ، أو بأدوات محلية تمّت هندستُها لتأخُذ هذا الأُفق الكُلي المجرد في إجرائيتها ، ككُرات الكريستال وأجهزة تِسلا والكهرباء الحُرة وآلة السفر عبر الزمن والحواسيب الكمومية ، تكشِفُ عن انطواء الكون المحلي في وِحدة كمومية واحدة ، تستطيعُ تجسيد أو كشفَ أيّ نقطة فيه لمُجرّد إنشاء اتصالٍ صحيح ، فالكموم كطاقة هي موجة البَحر المحلي بأسرها ، وبُنيتُها العميقة هي الكون التجريدي ، وفقط الرّصد يجعلها تتمايز دون فُقدان الوحدة الباطنية.

حقيقة فيزياء الحقول :

لا أريد أن أسهب في التعمق الزائد في تفاصيل تقنية ولغوية لهذا الموضوع ، فقط سأشير إلى أن الفكرة الأساسية في فيزياء الحقول Field Theory ، والتي لا يلتفت لها أغلب المطلعين وكثير من المختصين ، هي أن "الرصد الموضوعي لظاهرة فيزيائية" ليس إلا نوعاً من التآثر بين شيئين غامضين ، أحدهما المراقب أو جهاز المراقبة ، والآخر هو موضوع المراقبة أو موضوع التجربة ، وليس هناك أي اتصال بين الطرفين إلا ضمن ما يسمح به ذلك التآثر الذي يتم تفسيره على أنه ( توافق في الانتماء لحقل فيزيائي معين مع تفاعل مباشر بين الجسمين ( أو الشيئين ) المتوافقين بحيث يتآثران ضمن ما يسمح به الحقل المشترك بينهما فقط ! ) وهذا يعني أن وجود شيء فيزيائي ما خارج نطاق الحقول التي تتعامل معها أنت ومن تعرفه من الناس ، قد يبقيك جاهلاً تماماً بما يحدث في تلك الحقول ، وبعبارة أخرى فإن وجود "كونٍ كامل" في نفس الزمان والمكان الذي أنت فيه الآن ( وأقصد بالزمكان ذلك الكلي الحاوي لجميع الموضوعات الفيزيائية ، وليس ظاهرة معينة مرصودة من الزمكان ( التحدب ) والتي هي نوعٌ من التآثر ينتمي لمجال محدد ) لكن ليس بينك وبينه اشتراك في أي حقل "مجال" فيزيائي ، سوف يجعلك تظن أنه غير موجود ، مع أن احتمال وجوده لا يقل عن احتمال وجودك ، ولك أن تتخيل كم من الممكن أن تتواجد من الأكوان التي لا تشبه كونك بأي شيء ( حتى القوى الفيزيائية التي فيه ) ولكنها تعيش معك بنفس الإحداثيات ( بالمعنى الكلي وليس بالمصطلح المستخدم في نظرية النسبية الخاصة بهذا الكون ). وللإشارة فقط ، فإن "الحقل" Field والملف Folder يعودان لنفس الأصل اللغوي ، أرجو أن تنتبه لدلالة ذلك الأمر.

وبالعودة إلى ذلك الكائن ( الغامض والباطني ) الذي يسمى بالالكترون ، وترجمة اسمه الدقيقة هي "الكهرَب" ، فهو شيء يمكن التعامل معه دون اعتبار للمبادئ والقوانين الكيميائية ، والتي تبدأ بالعمل في المستوى فوق الذري ، وهذا هو السبب الأساسي في اعتباره "جسيماً دون ذري" ، ومن الممكن توجيهه بطرق معينة ليؤثر على الذرات بشكل ( يبدو ) فيه أنه يشكل جزءً منها ، يمكن استخراجه ويمكن إرجاعه منها وإليها ، وليس من الممكن الحصول على الكهرباء التي نتعامل معها هذه الأيام من خلال جسيمات أصغر من الكهرب ، لأن أي محاولة لتقسيمه تؤدي إلى تشتت الحقل الكهربائي القياسي ، والدخول في مجالات فيزيائية أخرى ، تماماً كما أن كل محاولة لتقسيم الذرة تؤدي إلى الخروج عن نطاق الكيمياء ، ولذلك فإن "الكهرب" هو كم الكهرباء ، بينما "الذرة" هي كم الكيمياء. ولكن انتبه ! إنّ الكموم ككائنات أصغرية لا تظهَر كذلك إلا لحظة قياسها بالنسبة لأجهزة محدودة محللة للمجال إلى أصغر وحداته المحلية المُمكنة.​
 
التعديل الأخير:
أهلاً بحضرتكم أخوتي القراء والزملاء ...

ها قد انتهى القسمُ الاول من الكتاب ... وبدأنا مرحلة جديدة ، إلى عُمق المنظومة الفيزيائية

أرجو أن تتحملوني أثناء النّشر ، تحدث احياناً أخطاء غير مقصودة ، وكذلك ... أحتاج لوقت ...

في المراحل القادمة ، سيكون الموضوع هو الكموم والنسبية ، وكيف يُمكن كشف أسرارها وتطبيق ذلك عملياً.

الرسالة الأخيرة ... سأعمل على إكمالها في الأيام المُقبلة فقد حدث خطأ معين أثناء نشرها ...

تحياتي لحضرتكم ... أخوكم إيليوس.
 

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى