هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

علم الزمن والمصفوفات المرحلة الثانية : الروح والمادة - مفتاح الزمن - محاضرة إدنبرة الأولى لتوماس تراورد

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
597
مستوى التفاعل
1,056
الموقع الالكتروني
alkynilogy.blogspot.com
البحث الأول من محاضرات إيدنبورغ مع شرحه
"وأي الأرض تخلو منك حتى ... تعالوا يطلبونك في السماء"

"تراهُم ناظرين إليك جهراً ... وهم لا يُبصرون من العماء"
منصور الحلاج ...

1649091029385.png

"مُحاضراتُ إدنبورغ في علم الذهن والتحكُم الذهني"
توماس تراورد 1904-1909

الروح والمادة



كفاتحة لاستهلال هذا المسار الدراسي ، الذي يتناول العُلوم الذهنية بالتحقيق ، عبر سلسلة من المحاضرات ، يكون من الصعب نوعاً ما ، على المُحاضر ، أن يُحدد أفضل طريقة لكشف الهيكل البحثي لهذا العِلم. حيث من الممكن مقاربة منطلقات هذا البحث التمهيدي ، من خلال العديد من أوجه المحاكاة التعليمية، ولكل وجه من تلك الوجوه، بعض الخصائص والفضائل ذات النكهة الغريبة. إلا أنه ، وبعد التأمل والتفكر الدقيق، يبدو لي ، لأجل غايتي من هذا المسار الدراسي ، ليس هنالك مُنطلق يمكن اختياره أفضل من "العلاقة بين الروح الإلهي والمادة المحدودة"{1}.

اختبار الإدراك للروح والمادة :

لقد اخترت هذا المَبحث كمُنطلق لأن الحد الفاصل ( أو ما تَظنه كذلك ) بينهما ، متجذر في الخبرة العلمية البشرية لدى جميع الناس ، وذلك بالنسبة لكل ما يألفونه من مُعطيات، وأستطيع التأكيد باطمئنان ، أن هذا الحد مُدرَك من قِبل كل كائن له وعي وإدراكٌ. وإنني وبناءً على ذلك ، أذكر الآن مباشرة مَلاك التمييز هذا{2} ، مُستخدماً الصفات التي يتوافق عليها الناس كتَعبيراتٍ عن "الأعراض" التي يَتركها التناقض الوجودي بين الإثنين ، كانطباعات مُختبرة –كما يتمُ إدراكُهما من قبل الذات- : الروح الإلهي (المُطلَق) الحي، والمادة المحدودة الميتة. إن المصطلحات التي ستُستخدم للإشارة لتلك التمايزات ، تُعَبِّر عن "تيار الانطباعات المُباشرة في الإدراك"{3} الذي يعطي إيحاءً –وفقاً لعوامل معينة- باختلاف التَجرُبة الحسية المحكية عن كلٍ من الروح المُطلق والمادة المُحددة. هذه الصفات العَرَضية دقيقة بشكل لا بأس فيه ، إلا أنها تجعل الناس يفكرون أو يتصورون وجود فاصلٍ تامٍ ونهائي ، بين هذين العالمين – اللذان يتم التعرف عليهما من خلال المعطيات الروحية والمعطيات المادية في التجربة الإدراكية – ولا يمكن تجنّبُ التشكيك في مثل هذا الفَصل المزعوم ، إلا إذا تم التَسليم بـ"دراسة الهيئة الخارجية لتلك الانطباعات"، دون السعي لاستبطانها{4}.

المفهوم الاسمي السطحي مقابل عُمق الاختبار :

وهناك حقٌ مع السواد الأعظم من الناس ، الذين يتملكهم إجماعاً عاماً بالثقة في الاستدلال بالحواس المادية – والحس بشكل عام – ، وإن أي منظومة فلسفية أو علمية تحاول إخبارهم بأن عليهم ترك ذلك الحس الطبيعي، سوف لن يُكتب لها أن تحفر في الحِكمة قدماً دائمة الحضور لدى الجماهير العقلانيين والأسوياء. حقيقة ، ليس هُنالك أي شيء خاطئ في الدلالات الحسية الظاهرية ، المنقولة لعقلٍ سليم بواسطة حواس جسمٍ سليم. إلا أن النُقطة التي يتسلل إليها التضليل والالتباس ، تقع بالضبط في تلك اللحظة ، التي تُقدِم فيها على إطلاق حُكم منطقي تأويلي لتلك الانطباعات – ومن هنا يَدخُل الاستخلاص المؤدي للأحكام المُتسرعة والموقف الطبيعي الساذج – فالناسُ مُعتادون على إطلاق الأحكام التأويلية بالاستناد للمظهر الخارجي فقط – في كل شيء في الحياة – ووضع القيود المحددة مُسبقاً على الدلالات{5} التي يربطونها بكلمات. ولكن عندما تبدأ البحث العلمي ، عن داخلية المعنى الحقيقي الباطني للكلمة ، وتحليل العلل التي أدت لعرضِ تلك الظواهر بالتحديد على إدراكك ، ستجدُ مفاهيمك الشبحية القديمة تتساقط تدريجياً.

حتى تصل في النهاية للحظة اليقظة التي تعيشها في عالمٍ مختلفٍ مُطلقاً عن ذاك الذي كُنت تظنك تعرفه بشكلٍ اعتيادي وطبيعي، الوضعُ المحدود للتفكير يتلاشى بَعيداً دون بذلِ جهدٍ تركيزي لذلك. تبدأ الآن بالإحساس والرؤيا ، لخُطاك وهي تتقدم نحو حكمة الحياة ، هي منظومة جديدة من المُعطيات والموضوعات ، جميعها حُرة وحية ، وهذا الإنجاز الذكائي المُتنور يَنتُج عن القرارِ الصادق والثابت والسعي المُطلق – الغير متعلق بالظروف المُقيدة والسجن الزمني ، بل بالرغبة الحيوية الخالصة والحاضرة – لكشف متنِ الواقع وعين الحقيقة، كشفاً يسمو فوق كلِ إطار ، كشفاً لا تُحدده مسلماتُ ومفاهيم مُضللة مُسبقة ، أياً كان المصدَرُ الذي أتت منه.

القرار أن تتفكر وتبحث بصِدقٍ وإخلاص ، عن ذاتك الحقيقية ، عوضاً عن السعي لإنجاز أفكارك الخاصة – التي تحسَب أنها تُحقق وجودك – ضمن الواقع النسبي في زمان الغياب الذي تعيشه. فدعنا نستهل إذن ، بتعلم ما الذي تعنيه "الحياة" حقاً ، عندما نعزوها للروح ، وما الذي يعنيه "الموت" حقاً ، عندما نعزوه للمادة – وهما علمان سابقان لجميع المعارف والعلوم ، لأنهما أشمل من تفرعاتهما ، فلا يمكن قياسهما من خلال المناهج البحثية ، لأن كل المناهج تأتي بعدهما ، معتمدة على التسليم بهما – ولِما يميل الإنسان للقول ، الحياة مُتلازمة مع الحركة ، والموت مُتلازم مع غياب الحَركة{6}.

الحَرَكَة الفيزيائية وملاك الحياة :

قد يميل المرء بداية ، للقول أن مَلاك الحياة هو قوة الحركة ، وملاك الموت هو غياب تلك القوة، إلا أن قليلاً من الاطلاع على النتائج الأخيرة للتحصيل العلمي والبحوث التجريبية – في بدايات القرن العشرين – سيُريك مُباشرة أن هذه النزعة ، لا تتوغل في العُمق بشكل كافٍ لتكوين حُكمٍ على هذا الموضوع – الفرق بين حركة الحياة والموت – في هذه الأثناء ، غدا العِلمُ بكامله مؤسساً على تلك الحقيقة الأولية : ليسَ هنالك ذرة تنتمي للمادة الميتة ، التي يُقصَدُ بها غياب الحركة النشطة التفاعلية ، على الطاولة التي تُقابلني الآن ، تستلقي كُتلة صُلبة ، ثابتة ومُتماسكة من المعدن، لكن بإشراقات من أنوار العلم المعاصر ، أعلم جيداً ، أن هذه الذرات المادية الجامدة حسب ظاهرها المُجمل ، تُبتنى من التواتر الذبذبي النشط الكثيف ، الذي يصلُ لأعلى ما يمكن تصوره من كثافة وتواتر في الطاقة الحركية ، إنها تتحرك باستمرار ، هنا وهناك ( مُندفعة بشكل نشط في كُل مراكز تخليق المادة المحلية ، المنتشرة في الكون المنظور واللامنظور ). تتصادم هذه الذبذبات معاً ، وترتد على بعضها البعض ، وتطوف كمجموعة شمسية بحركة خاطفة لا تكفُ عنها ، ما يكفي لإرباك أي تمثيل خيالي لمجرياتها{7}.

المادة ، باعتبارها مادة مُطلقة ومعزولة أصلاً ، رُبما تستلقي بشكل كثيف على الطاولة – لدرجة تسمحُ بالإحساس بتماسُكها نوعاً ما – بينما في حقيقة الأمر ، هي مُفارقة تماماً لذلك المفهوم الذي يصورها كشيء عطول عن الحركة التفاعلية. "كُنه المادة" ليس إلا المصدر الذي تسكُن فيه طاقة الزمن ، التي لا تأخذها سِنة ولا نوم في خلق الحركة ، على المُستوى الكمومي والجزيئي ، بشكل آني تماماً – لا زمني – بحيثُ تبدو سرعة القطار مُهمشة – متوقفة – أمامها. وبالتالي ، لا يكفي مجرد إطلاق حكم منطقي علمي ، أن الحركة التفاعلية هي أصلُ التمايز الذي يرسمه الناس بين الروح والمادة ، بل يتوجب على الباحث الحقيقي ، التعمق أكثر وأكثر.

الحياةُ المُدركة في الزمن المُفارِق :



أصبحتَ تدرك الآن أن منهج المُقارنات الذي يستخدمه المنطق الصوري – التأويل الخاطئ لأفكار ديكارت ، الذي ولد مُعضلة الروح\الجسد – لا ينفعُ هنا ، وسيتضح السبب أكثر فأكثر ، مع تقادم البحث. لكن ، مفتاح حقيقة الوجود والزمن ، المُقارنة (الإدراكية) بين مُستويين من ظهور الحياة للإدراك . بالتأكيد ، إن إحساساً واحداً يُستخدم في مراقبة الحياة ، لا يُمكن أن يُعرفك بمُستويات الظهور، إلا أن هناك أحاسيس معينة ، إذا ما استخدمتها ، تَكشِف مَلَاك الظهور بصورة كاملة. لابد أنك لن تشُك أبداً بأن النباتات حية – بمعنى الحياة العام ،فهي تنمو وتتحرك – لكنك ستُلاحظ خصائص عرضية معينة ، مُختلفة بشكل صريح ، عن تلك الحياة لدى الحيوانات.

أي صبي – ذو إدراك اعتيادي – هذا الذي لن يُفضّل الكلب الثعلب على السمكة الذهبية كحيوانه المُدلل ؟ بنفس هذه الطريقة البحثية ، اسأل نفسك : ما الذي يجعل الطفل نفسه أرقى – في مظاهر حيويته – من الكَلب ؟ النبات ، السمكة ، الكلب ، والصبي ... جميعها متعادلة في الحياة ، ولكن، يقع الاختلاف في جودة المَلكَات الحيوية لكل مظهر من تلك المظاهر ، هذا الاختلاف الذي لا يتسلل الشك إليه. والفهم البديهي – الشبحي – للعلة ، التي لن يتردد أي شخص في رد تلك الاختلافات إليها ، هو "الذكاء". وأينما وجهنا وجوهنا نحو حيثيات قبلتنا البحثية ، سنجد دائماً ذلك المُدرك الشَمول (الذي نُسميه الحياة) هو الجوهر لأي مظهرٍ حيوي فردي ، سنجدُه مُتحداً بالحكمة – التنظيم القيمي – من خلال ذكائيته. هذا هو المَلاك في ظهور الذكاء لدى الحيوان ، بشكل أعقد منه لدى النبات ، بشكل أعقد منهما لدى الإنسان ، ولدى الشخص الذهني ، يظهر بوضوح أكبر من البهيمي ، فإن تنامي الذكاء ، يولد أنماطاً أكثر نشاطاً في الحركة الحيوية التفاعلية{8}.

رؤية الحكمة والنُظُم الحية عبر الزمان :

ازدياد الذكاء ، يُلزم ازدياد الأنماط النشطة من الحركة – لولب الزمن – فالأنظمة الحيوية ذات السلوك الفائق والتطور العالي ، تنعكس دقتها من جوهرها الذكائي الآخذ بالنمو والاكتمال. الذكاء الأعلى كيفياً يؤدي لاتساع البنيان ضمن أنماط الحركة التي يَحكُمها. ومع انخفاض مُستوى الذكاء – بسبب ازدياد التقييد والتعقيد على قوة الوعي – يضع هذا المستوى المنخفض توقيعه على السلوك : "ازدياد الاستجابات الانعكاسية"، بنفس قدر انخفاض الذكاء، فلا يعود الفاعل قادراً على التحكم بالمُجريات من خلال ذكاء ذاته الواعية. – مما يؤدي لتكاثفه المحلي شيئاً فشيئاً حتى يصبح روحاً مأسورة في وثن فيزيائي. هنا، يدخُل الانتخاب الطبيعي كمُنظم لمجال الاحتمالات ، بَعدَ أن تلاشت القدرة الخلاقة للذات الحية المقفوصة في الزمن وفضاء الاحتمالات المحلية – .

يتدرج هذا السُلّم في البناء الذكائي ، من مُستوى الإدراك المُقدس للذات الحقيقية ، لدى الإنسان الأعلى ارتقاءً في الهُوية ، وحتى أدنى مراتِب الأنماط المنظورة فيزيائياً ، والتي يتحدث الناس عنها كـ"جمادات" ، التي ربما يغيب إدراكها لذاتها كلياً – فقد تشتت تركيزها تماماً – .

وِحدة الوعي والإدراك والحكمة \ البرهان على حيوية الزمن وجميع الكائنات :

نرى بوضوح إذن ، حيوية الحياة تتجلى موضوعياً في الذكاء ، بكلمات أخرى : في قوة التفكير البنّاءة. وربما تقول حينها ، أن الملاك المميز الفاصل بين الروح وما سواها ، هو التفكير البنّاء ، وعلى النقيض من ذلك ، يكون الملاك المميز للمادة ، هو "النمطية الثابتة للتفكير" ، فلا يمكن تصور "مادة بلا روح" دون أن تسلُكَ هذه المادة مسالِكَ مقيدة ، مؤطرة بأطر ثابتة – يفرضها اللولب الزمني المحلي عندما يتكاثف بشكل متطرف ، فلكي تكون مادة عليك أن تملأ الفضاء "البعد الزمكاني العقلي" من خلال تناسُجك معه ، ضمن تفاعُلاتك العقلية التي تقيد حركتك الزمنية – يجب أن تخضع لنمطٍ محلي مناظر للنمط المسموح به في تلك المنطقة. كذلك إذن ، من المناسب القول عنها أنها "قاعدة علمية انطلاقية" أن الملاك الخاص بالظاهرة الروحية الموضوعية ، هو "التفكير البنّاء" ، والملاك الخاص بالظاهرة المادية الموضوعية هو "التفكير المُنمَّط\المؤطَّر" ... هذا هو القانون الراديكالي – معرفياً – للتمييز بين المعطيات الظاهرية المُفارقة للذات المُدرِكة – وقد تمت الإشارة إلى القانون الذي يشرح كيف ترتد الظاهرة نحو الإدراك وملاك التمييز بين المُعطيات المُدركة الحاضرة للذات والمتحدة معها، في الحاشية {6} – فيجبُ على طالب هذه العلوم ، أن يتلفت بعناية نحو هذه المعايير.

استنتاجاً من فرضية وجوب التوسع في الفضاء المحلي لأي شيء حي، وأيضاً التقيد بحدود معينة – القوانين الفيزيائية – .. عندما تفكر بالحياة كوجود مُحدد بنمط ثابت نسبياً ، فأنت تربطها بقيدية الامتداد في الفضاء المحلي. يغدو الفيل حينها ، محتوياً على قدر من جوهر الظاهرة الحيوية ، أكبر من ذلك الذي يحتويه الفأر. أما إذا أدركت قوة الحياة كـ"علة لظهور الحياة" ، لن تربط بينها وبين أي فكرة تقيد إدراكك لها ضمن نطاق فضائي – أو أي قيدٍ آخر – ، وستغدو حياة الفأر حينها مُعادلة لحياة للفيل، دون الاكتراث باختلاف الهيئة المنظورة{9}.

التفاعُل القائم بين الزمن والحياة :

القاعدة المُهمة التي يمكنك استنتاجُها من هذا التمايز : إذا استطعتَ تخيُل أي شيء محرراً تماماً من "قيد التناسُج الزمكاني المحلي" ضمن فضاء ما ، فلابد أنه حاضرٌ بكينونته الكاملة ، في أي زمكان وكل زمكان – التناسُج المحلي ، تقييد لقوة لولب الزمن العقلي ضمن بُعد مكاني نسبي – فكُلما تكاثف الذكاء الحيوي ، اقتربَ أكثر للصيغة المحلية المُطلقة كظهور له ، وكُلما تحرر ، يقترب إلى الوجود المُطلق ، يبتعدُ عن النسبية.

كشفُ الروح والمادة \ الزمن ككائنٍ حيوي تفاعلي :

لهذا نقول : في جميع نقاط النسيج الزمكاني ، يوجد "تَحاكي" ، جميع تلك النقاط ، تكتنهُ بـ"التحاكي فيما بينها" جميعها ، "مُحاكاة للجوهر" الذي تنبعثُ منه ، الواحد – الذي ليس له نقيض لأنه بلا نوع ولا قيد – بمستويات ظهوره المتعددة{10}.

-: التعريفُ الفيزيائي للزمن :هو الفترة المُستغرقة لجسم يعبُر من نُقطة لأخرى ومن ثم، تِبعاً لذلك ، عندما لا يكون هناك فضاء ، لا يكون هناك زمن{11} ، ومن ثم ، لتفهم أو لتُدرك أن الروح الحرة\المُجردة عن قيد الفضاء المحلي ، على أنها حرة\مُجردة عن قيد الزمن المحلي أيضاً ، فقوانين السببية المحلية ، والمنطقُ المحلي ، تتعطل ولا تعود تعمل أيضاً ( بل ليس لها وجودٌ أصلاً خارج نطاق المحلية ) وهذا هو القانون الأساسي في السحر وكذلك في العرفان{12}.

وهكذا تكتشف مفهوم (أو مُدرَك) الروح "كقوة بنّاءة خالصة" وليس كموضوع ذو نمط ثابت محدود ، أما الحقيقة الروحية ، هي الحضور الفعّال الغني عن قيود الفضاء والزمن المحليان – فهما مظهرٌ لها ... ذلك المفهوم الخاطئ عن الروح ، الذي يُعدِم ارتباطها التآثري مع الوقت والفضاء المحلي تماماً ، أمر طبيعي لمن يتعامل مع الروح بالإدراك الساذج ، الذي لَم يدرك صاحبه معنى الروح ولا معنى المادة ، بل أدرك فقط الترميز الشبحي المُحاكي لكل منهما ، ولم ينفذ لما وراءه – ومن هذه "الحقيقة" ، تُدرِك تباعاً ، أن الخيال البنّاء الموجه والمكثف ، يجعل أي موضوع خيالي ، موضوعاً حاضراً بتأثيره "هنا" و"الآن".

حكمة الحياة القيمية والوجود الكُلاني :\ الزّمان المُطلَق ومستواه المحلي :

وفقاً لهذه الرؤيا – رؤيا العرفان والسحر – للأمور ، لا شيء يمكنُ أن يكون منفصلاً عنك سواءً ضمن الزمان أو المكان ... سواءً كانت الفكرة أو الصورة التي تُدركها سرابية تماماً ، أو موجودة بفعالية حاضرة الآن لا في المُستقبل. فحيثُ لا يوجد تسلسل ، لا يوجد "مُستقبل" – أنت تصنع التسلسل – وبنفس المنطق ، عندما لا يكون هناك فضاء محلي ، لن يكون هناك مسافة فاصلة بينك وبين الموضوعات الأخرى – أنت تصنع المسافة – ، عندما تُزال جميع القيود التي تُقيد بها الزمان والفضاء عن إدراكك ، كّلُ أفكارك وتصوراتك ومشاعرك ، ستكونُ فاعلة في "الهنا العالمي" وفي "الآن السرمدي" . بلا شك ، هذا تجريدٌ عالٍ جداً للوجود المُدرَك ، إلا أنني أطلُب من الطالب ، السعي الصادق حتى الإحاطة الكاملة به ، فهو ذو قيمة حيوية في الوصول للتَحَكُّم وتطبيقه ، من خلال علوم الذهن ، كما سيتضحُ مع تقادمك في البحوث{13}.

مبدأ المعنى المقابل – المنعكس من الجوهر – أن الأشياء تُعبر عن نفسها، من خلال شروط التواجد الزمني\الفضائي المحلي. إن شرط الفيزياء المحلي ، يؤسس "التنوع النسبي" ضمن العلاقات بين تلك الموضوعات ، مِثل الحجم – الذي يأخذ معناه فقط عند قياسه لحجم آخر – والمسافة ، والاتجاه ، وكذلك ، الخط التسلسلي للزمن المحلي ... هذان المبدآن ، على التوالي ، هما ما يُشكل مُدركية\مفهوم "المُجرد" و"المقيد" ، الذي بشرط واللابشرط ، المُطلق والنسبي – كُنه المادة وكُنه الروح -. إنهما غير مُتعارضين إذا رأيتهم عبر الحس الصافي بعيداً عن المُقارنة المنطقية، هما مُتكاملان مع بعضهما ، والحقيقة الوحيدة ، هي أنهما "مُندمجان\واحد". خطأ المثالية المُتطرفة ، سعيُها إدراكَ المطلق بعزله عن ظهوره النسبي ، خطأ المادية المُتطرفة ، سعيها إدراك النسبي بعزله عن جوهره المُطلق. في جِهة ما ، كانت الخطيئة في محاولة إدراك الداخل دون الخارج ، في جهة أخرى ، كانت الخطيئة هي محاولة إدراك الخارج دون الداخل ، حيثُ ، كلاهما أوليٌ لأجل كَشفِ الحكمة ، حكمة الوجود الكلاني{14}.
 
التعديل الأخير:

{ الحاشية والشرح }


{1} التأصيل العلمي للزمن والعرفان والسحر :

سيحتاج تأصيل علم الزمن إلى العودة للمُنطلقات في التجربة الحيوية ، ومثل هذا الفعل ( أو الرد الإبوخي التام لكل البناء العرفي للفرد ) سيكون تجريدياً جداً على طالبٍ غير متمرس ، فقد حقق المؤلف عدة أهداف من خلال أُطروحته التمهيدية ، فمن ناحية ، جَعَل مثالاً تطبيقياً حول الفينومينولوجيا النقدية "العملية الإدراكية العرفانية". ومن ناحية أُخرى كان هذا المثالُ هو المَنظومة الحيوية نفسها، التي تُشكل موضوع علم العرفان والسحر. فتقسيم الحياة إلى بُعد وجودي وبُعد معرفي، ليس إلا محاولة لتسهيل الفهم، عبر نِظام لا وجود له سِوى في اعتبار المُعتبر وتوهم الواهم ، إلا أن الحقيقة المُطلقة هي الحياة وليست الفلسفات والمعارف الحاكية عنها.

مبدئياً يُقصَد بالعرفان : العلم الباحث في المثل الأعلى للوجود وجوهره الكريم ، وهو الذي تعود إليه كل علل الوجود وأنسابه وعلاقاته ومصفوفاته وآثاره.

يُقصد بالحُكم : علم القوة الإلهية الحق التي تُعطى للمُتأهل على قدر احتماله ومهمته الوجودية التي كرس نفسه لها ، ودون أن يَطلب ذلك بالضرورة ، ويختص بها أشخاص دون غيرهم ، لأنهم تأهلوا لحمل أمانة ما ، وتعود كل القوى التي يرصدها الإدراك إلى تلك القوة ، فهي مجرد صور مجزوءة منها.

يُقصد بالسحر : استخدام قوة الوهم والعدم في الإغواء والتخويف ، والاستعانة بالتلبيس اللفظي والرمزي الذي يعيق رؤية الحق المبين ، بكل ما يشمله ذلك من الكيد والمُخادعة.

{2} المَلاك :

هو ما ما يُمَلِّك الشيءَ ماهيته إذا ما امتلكه هذا الشيء - يُعطي الشيء الذي يمتلكُه الماهية الخاصة به - ، فهو "العِلة الجوهرية للماهية" والتي تفصِلها عن بقية الماهيات. بينما الأعراض الماهوية هي لواحق له ، تنتج عن علاقات الماهية مع الماهيات الأخرى ، وليس عن الماهية بحد ذاتها.

إن القلم من حيث الأعراض ، يكون متشخصاً بهيكل وزينة وأبعاد تختلف عن بقية الأشياء ، مُقترناً بزخارف وبلون حبر خاص نسبة لبقية الألوان ، موجوداً في مكان وزمان محددين نسبة لبقية الأزمنة ، وهذا كله ينطبق على القلم كما ينطبق على ما سواه ، ولكن القلم المعني هو أداة آلية تتوسط بين عقل ووجدان الكاتب\المؤلف وبين النص\الحكاية الزمنية ... إنه القوة التي تنسب الأشياء لعلتها الحقيقية وهي التي تبين هذه العلة عبر الرموز والتحقيق الزمني كما هي في جوهرها ، وبغياب المؤلف والحكاية الزمنية ، فلا معنى للقلم بل سيكون شيئاً آخر ، وهذا هو ملاك القلم.

{3} الانطباعات الزمنية الغيابية المُباشرة للإدراك وتسمى أيضاً ب"الصور الذهنية الحصولية" :



عندما تُبصر معرفتك حول العالم لا من حيث ما تحكيه بل من حيث هي هي (من حيث هي معرفة حاضرة لإدراكك) ، تُدرك أنك لا تعيش في الخارج ، بل في منطقة متوسطة ، بين الوجود الموضوعي والذات المُدرِكة. إذ أنك مُجردٌ عن أي دليل على أن ما تراه يحكي ما يَقع خارج الصورة التي تراها ( الرؤية في العرفان لا تعني النَظر بعضو الباصرة "العين الفيزيائية"). هذا يعني ، أن رؤيتك للصورة المرآتية التي أمامك ، لا تعكس حق هذه الصورة إلا من حيث هي حضور لإدراكك. إنه مبدأ "البون" في عالم المعرفة كما تم الحديث عنه.

{4} طرائق المعرفة :

يوجد ثلاثة طرائق أساسية للمعرفة ، وكل معرفة لابد أن تندرج تحت بندٍ من بنود إحدى هذه الطرائق، وقبل الشروع في إيضاحها لابد من إدراك "ما الذي يُقصد بالمعرفة". فما تعرفه –كائناً ما كان- لا يخرج عن كونه "تصوراً" أو معرفة غير مُستتبعة للحُكم ، أو "تَصديقاً" وهو تصور للموضوع من حيثية ما، وربط هذا التصور بتصور ثُبوت وجود الموضوع ضمن نطاق من أنطِقة الوجود ، حينَ تعرف الشمس بالرؤية المباشرة فذلك تصور ، وحين تقول أنها موجودة فذلك حكم وتصديق ، حيثُ ربطتها بالوجود سواء في معانه الفيزيائي أو المطلق أو المدرَك ، وذلك يشمل الحكم اليقيني كما يشمل العدم والظن والشك والكذب ، لأنهم جميعاً إذ تتصور قضية ما تنسُبها لهم بمجرد تصورها. بالتالي ، إعمال العقل في الحس المادي "مفهوم الشمس والماء" ، يوفر لك تصورات ذهنية عن العالم الخارجي ، دون أن يسبب تصديقك أو تكذيبك لهذه التصورات "وجود الشمس والماء" ، لأن الثبوت ، ما هو إلا قياس الشيء إلى معيار للإثبات ، الربط بين صورة وبين ثبوتها هو شأن عين العقل لا العينين الفيزيائيتين ، وكذلك تكوين الصورة نفسها ، المعطيات الفيزيائية التي تراها أمامك ، مجرد ذريرات وكموم سارية في تيار الفضاء ، ليس فيها معنىً لـ"وجود" أو "إثبات" ، أو "روح" أو "جسم" أو أي نوعٍ من أنواع الكليات المجردة عن الزمكان المحلي. كيف ستحكُم بوجود الليل بمجرد أن تراه فيزيائياً ؟ ليس هناك معنى ل"وجود الليل" ضمن فيزيائيته، لا بل ليس هناك "ليلٌ" أصلاً، هناك سلسلة لا تنتهي من النقطيات السوداء التي "تَحكُمُ أنتَ" بعقلك أنها متصلة ومترابطة أو موحدة ضمن علاقة ، فحتى الاتصال لا معنى له ضمن الفيزياء، وبعقلك وحده ، تربطها بكلمة "الليل" وتربط تلك الكلمة بأفكار وذكريات لا تنتهي. الفيزياء لا تُخبر عن شيء ، بل تعرض صوراً للأشياء ، الفيزيائي يستخدم "المنطق" ليصل إلى نتائج من مُقايسات تلك الصور....

المنهج البُرهاني في العلم والمعرِفة :

إن أول وأوثق طرق المعرفة هو "البُرهان المنطقي" وهو قياس يسير من المعرفة الأعم إلى المعرفة الأخص ، فالشمس في الفضاء ، والفضاء هو آنية المادة لذا ، فالشمس ( التي تراها يومياً بعينيك الفيزيائيتين ) هي مادة. مِثلُ هذا القياس ، استخدم علاقة بين "موقع الشمس والفضاء" هي علاقة العموم والشمول ، فالفضاء شمِل موقع الشمس ، والمادة شمِلت ما يقعُ في الفضاء (بنحو أنها مُلازمة للفضاء المحلي وملاك لتمييزه) ، والنتيجة هي أن المادة قد شملت موقع الشمس الفيزيائية ، وبالتالي فالشمس من حيث حيزها الفضائي تكون مادة ، وكما ترى ، مقدمات البرهان (تلازم المادة مع الفضاء ، وشمول الفضاء للشمس ) تُعتبر يقينية، على الأقل بديهية بالنسبة للتجرُبة البشرية العامة. والقياس كان مضبوطاً ، ولكن ليست كل البراهين تسير على نفس النحو ، هنالك شروط لابد لها أن تَحضر للبُرهان لكي يتميز عن المحاججة الجدلية الحاوية على الأخطاء في المقدمات والقياس ، والمُفضية إلى نتائج الشك والظن على أحسن الأحوال.

البُرهان المنطقي ، يكون إما لمياً ( يجيب على سؤال لماذا ؟ : لأنّه ... فيبدأ من الكيف الكُبرى أو العلة الجوهرية وينطلق نحو نتيجتها ) وإما إنياً ( يجب على سؤال ماذا ؟ : إنه ... فيبدأ من الكيف الصُغرى أو علة آلية الأثر المرصود ، وهي مصفوفة عقلية تنظم الأعراض لتأخذ الهيئة المرصودة ، ثم يصل للواقع الماورائي بتجريد الأثر عن قيوده وإيصاله لمرحلة المصفوفة ثم لمرحلة العلة الجوهرية ). كل حدثٍ في الكون بالنسبة للواقع الذي يسببه ، يكون له برهانٌ إني يحكي عن آلية وقوع الحدث ضمن رصده ، وبرهان لمي يحكي عن علّة وقوع الحدث ... ومِثال البرهان اللمي ، في واقعة فيزيائية بالنسبة إلى نطاقها الفيزيائي نفسه : أن الضياء يزيل الظلمات على قدر اختراقه للكتلة الحاجزة بينه وبين المحل المُضاء ، لذلك تستطيع رؤية ظل غاز لهب الشمعة عندما يُسلط عليها ضوء محرر من كتلة الغاز بينما تبقى كُتلة اللهب لتعكس الظل ، فأنت قد برهنت على ذلك قبل قيامك بالتجربة وتحليل المُعطيات ، اكتشاف ذلك بسيطٌ جدّاً ، ولكنه يحتاجُ لتركيز دقيق وفهم للواقعة من منطلق تجريدي ، بينما إذا قمت بالتجربة أولاً ، ثم حللت مكونات اللَهب وخصائصها الفيزيائية ، فإن ذلك برهان إنّي ، لن يجيب بالضرورة ، لأنك عرفت المُقدمة الأولى عبر الرصد الحسي المكرر ، وهي "الضياء يزيل الظلمات على قدر ما يخترق الكتلة التي تحجزه عن الهدف المُضاء" على وجه الاحتمال والترجيح ، وليس على وجه التثبّت ، إلا إذا اعتبرت التجربة مُجرّد "لفت انتباه" للحقيقة المجرّدة. رغم كل هذا ، يشير البُرهان من حيث هو برهان إلى بعض الثوابت في النتائج ، حتى عندما تكون غير حاسمة للموضوع النهائي ، لأنك على الأقل ، بمعرفتك لخصائص لهب الشمعة والربط بينه وبين الظل ، علمت أن الظل متعلق بالغاز وليس بشيء آخر ...

البرهان اللمي المثالي يبدأ من علة العلل ، أي جوهر الوجود بأسره ، أو من علة تأتي من عندها وتنتسب إليها بنسب ثابت ، لأن العلل غير اليقينية تفضي لنتائج غير يقينية ، والعلل التي لا تنتسب لعلة ليس وراءها علة أخرى ، ليس هناك ما يؤكدها لذا لا تكون نتائجها مؤكدة ، ومِثلُ هكذا علة لابد أن تقوم خارج زمن الغياب والمعرفة الحصولية ، فلا تكون من قياس منطقي ولا تجربة ...

شروط البُرهان الكُبرى أن يكون ذو مُقدمات صادقة ثابتة تنتسب لحقائق أولية مشهودة ، وليست ضمن زمن الغياب والمعارف الحصولية ، وأن يكون هنالك علاقة احتواء بين المقدمة الكُبرى والمقدمة الصُغرى وذلك بالحد الأوسط المُشترك بينهما ، فتكون الأولى هي المصفوفة أو المجموعة أو الفئة ، وتكون الثانية هي العنصر والذي يشترك مع المصفوفة بصفة مميزة لعناصرها "وهي الحد الأوسط" ، وأن يتم ترتيب العلاقة بين العناصر البُرهانية بطريقة سليمة وجودياً وعلمياً ، ثم تظهر النتيجة كخاتمة.

المنهج المعرفي الاستخلاصي والجَدَلي \ الوضعي :



الطريقة الثانية ، "الاستخلاص" وهو نفس البُرهان ، لكن دون وجود أي يقين في المُقدمات ، كل الأخطاء التي حدثت في تاريخ العلم والفلسفة والدين ناتجة عن الاستخلاص في الحكم، والالتباس في الدلالة اللغوية والمعنوية للكلمة. عندما ترى كوكب الأرض مُسطحاً بسبب أن حركة الرياح ستزداد مع دوران الأرض حول محورها ، مما سيولد عواصف مدمرة تُغرق السُفن وتَحطم المُدن ، وتنسف الغابات ( كما في النظام البطليمي الذي وصلنا ) فأنت تستخدم استخلاصك الذي يقول : حركة الرياح بالضرورة منفصلة عن حركة دوران كوكب الأرض ، وبالتالي لا وجود لحركة دوران للأرض ، كذلك هو عندما تظنُّ أن المنديل يسقط على الأرض بسرعة أقل بكثير من كرة حديدية ضخمة ، مع أن مقاومة كثافة الهواء ، هي السبب الآلي الوحيد في ذلك ، ونفس الموضوع يتكرر مراراً وتكراراً مسبباً "ولادة الثورات العلمية" بشكل متعاقب ، عوضاً عن تراكم المعرفة. نظرية الأوتار الفائقة ، تنهض على قائمتين منحوتتين من أوثان استخلاصية ضاربة في القِدم، البُعد كـ"امتداد في المكان أو الزمان المحليان" ما هو إلا تأويل استخلاصي للقراءة الرياضية لاختلاف القيم المُتجهة الأساسية في الحركة ، والتي تأخذ أربعة أبعاد في اتجاهها الرياضي لنفس الكائن المحلي ، وفي تلك النظرية "الأوتار" ، انوجدت مُتجهات رياضية توجب زيادة عدد الأبعاد المحلية – وفقاً للتأويل المُسبق لهذه المُتجهات على أنها ملاك تمييز الأبعاد –. ولقد كانت فكرة "الأناقة العلمية للنظرية" هي الحائل الوحيد بين أن تبقى الأبعاد المزعومة معقولة العدد ، وأن تُصبح كل فكرة رياضية ممكنة مولدة لبُعد مكاني وزماني ، فتكون هناك أبعاد حقيقية ، وأخرى تركيبية، وغير ذلك ، وكلها لا نهائية. جميعُ الأفكار والمعلومات التي تتعرف عليها في الفيزياء التي بين يديك، لا تُعبر عن الرياضيات ، بقدر ما تُعبر عن "تأويلات شبحية\منقوصة" للمُعادلات الرياضية ، تعتمد على معالجة النتائج الرياضية وفقاً لمُسلمات افتراضية مُعينة ، فأنت فعلاً ، تنظرُ ل"مصفوفة تأويلية" تحكم نموذج العلم الطبيعي المتعارف عليه ، وليس للعلم ولا للطبيعة. الاستخلاص هو أن تستخدم ذكاءك -أو ذكاء غيرك- في تأويل غير يقيني ولا دقيق لمقدمة أو تصورٍ ما ، مستنتجاً منها مقدمات وتصورات أخرى ، لايقينية، ولامُحددة ( بل مكونة بشكل شبحي ، كما سيأتي ).

الاختبار الحسي المُباشر للموضوع المُفارِق :



الطريقة الثالثة في المعرفة ، حسُك بمظاهر المادة المحلية من حولك ، ورُغم أن الماديين هم أكثر الناس تشذقاً به ، لكنهم أبعد الناس عنه ، فمِثلُ هذا الاختبار يكون بصمت ضجيج العَقلِ وتعليق الأحكام والتفسيرات ، بل الكشفُ المباشر عن ما يقوله الحس دون تنظير ، ليس العيش في غياهب "الظنون المعرفية" التي توفرها التجارب الغيابية عن العالَم الحسي.

ووراء هذه الطُرق ، تنتهي المعرفة الحصولية ، ويبدأ "العِلم الحضوري". والطريق الوحيد له هو الاستبطان ، إدراكُ إدراكك كما هو ، قبل أن تبدأ الحُكم المنطقي على مُعطياته ، وقبل أن تُقيده بنطاق المعطيات الفيزيائية المحلية ، وهو الطريقة الأساسية في الوصول للعلم ، بالنسبة لأي طالب عرفان أو طالب سحر (حقيقي).

{5} الغَفلَة (في العرفان) :



هي الالتفات للصورة المُجملة \ الشبحية للشيء ، بالتوازي مع عدم الالتفات للمُعتقدات المُسبقة في العقل ، والتي تجعلكَ تقرأ ذلك الموضوع بشكل يميل لنزعات معينة غير واضحة الأسباب والأبعاد ، عندما تلتفت للإجمال ، أنت لا ترى الصورة الكلية بل جُزءً متناهي الصغر من الصورة ، مستخدماً "مجملاً شبحياً للصورة ولقراءتها ضمن اللاشعور" في تشكيل التأويل ، وهذا هو بالضبط ، ما يَخلق المفاهيم الشبحية ، ومغالطات الاشتراك اللفظي.
 
التعديل الأخير:
ابتداءً من المشاركة القادمة ، سوف نبدأ الدخول الحقيقي لعلم الزمن ... أرجو لكم رحلة موفقة.
رجاءا لو تكرمت و جعلت في نهاية كل جزء ملخص حتى لا نتيه كثيرا. شكرا جزيلا على مجهودك المميز
 
رجاءا لو تكرمت و جعلت في نهاية كل جزء ملخص حتى لا نتيه كثيرا. شكرا جزيلا على مجهودك المميز
إن شاء الله يا أخي ...
المشكلة أنني أُرهق أثناء عملية الكتابة ولا أجد من يساعدني فعلي الكتابة ، وعلي النشر والتنظيم ... لكن سأحاول.
 
إن شاء الله يا أخي ...
المشكلة أنني أُرهق أثناء عملية الكتابة ولا أجد من يساعدني فعلي الكتابة ، وعلي النشر والتنظيم ... لكن سأحاول.
انا اسف ضننت ان كتاباتك جاهزه مسبقا و تقوم بتنزيلها على مراحل. نزل كما تشاء و لا ترهق نفسك
 
انا اسف ضننت ان كتاباتك جاهزه مسبقا و تقوم بتنزيلها على مراحل. نزل كما تشاء و لا ترهق نفسك
في الواقع هي جاهزة إجمالاً ، ولكنها مشتتة وتحتاج لتنظيم مستمر.
لأن المصادر متعددة ومن الصعب التوحيد بينها معاً بصورة كلانية تامة.
ولم يبقى لدينا الكثير من الوقت ... عندما تصل مقالات ويكيبيديا إلى رقم معين فقد نفقد الفرصة على التفاعل ...
 
التعديل الأخير:

{6} "الحَرَكَة والزَمن" التحقق الإلهي عبر الكون "أسس عِلم الزمن" :

هذه الحاشية ستكون الأطول ، لأنها ستغطي كامل أمهات المسائل في إدراكك للزمن وتوافقه مع الفيزياء ، لذلك ستكون موزعة على ثمانية مقالات كل واحدة تختص بمبدأ زمني معين : المبادئ العلمية لإدراك الزمن - موضوع علم الزمن وهو جوهره ومستوياته \الزمن المحلي والتجريدي - تفاعل الذات والزمن وطرق التجارب الزمنية - التجلي الإلهي في الزمن - كشف أسرار عتيقة - مفتاح الزمن - كيفية العبور ...

لتعلم أخي القارئ الكريم ، أن الزمن هو مصدر كل العلوم ، فهمك للزمن يحدد آفاق حياتك ، وإن كل التطبيقات الممكنة في العلوم الباطنية ، سحرية كانت أم نبوية ، بوسيط كائني أم بلا وسيط ، سواء كان هذا الوسيط ظلامياً أم نورانياً ، وسواءً كان سماوياً أم أرضياً ، وسواءً كانت تطبيقاتك شفائية أم بهدف السطوة ، فإنها ترجع كلها إلى الزمن وتفاعلك معه.

كذلك سترى ، أن سائر المعادلات العلمية الكلية ، النسبية الخاصة ودستور بلانك ، ودساتير حركة الكموم ، جميعها تأتير من قانون أعلى يحكم كل شيء ، ويمكن أن تطبقه لأي هدف ، ولكنه تحت رعاية الله مباشرة ولن تستطيع سوى أن تفعَل ما يسمح لك به "منطق القيم المُطلقة" ، وسترى أن تطبيق هذا القانون في المختبر والمصادم ، وفي غرفتك أثناء التأمل ، متوافق من حيثُ المبدأ الإلهي.

وحتى في علم النفس ، سترى أن التحكم بالعقل وتغيير اللاشعور والتنويم المغناطيسي الهرمسي والمسمرية ، ومعادلات السلوك الإشراطي والدافعية كلها ترتدُ لنفس القانون ، الذي هو قانون البندول أيضاً ، وهو مذكور صريح العيارة في القرآن والكتب المقدسة وفي التوراة ، وإنه الجامع لكل المبادئ الهرمسية ...


كيفَ تُدرِك الزمن : المبادئ العلمية

ماهية الحَرَكَة بالاختبار الحسي المُباشَر :

من منظور فيزيائي ظواهري بحت ، فالحركة هي "تغير في علاقة موضوع ما بموضوع آخر" ، ربما تكون العلاقة زمكانية خالصة بغض النظر عن القيود والأبعاد ، أو مُجرد تآثر بين القِوى الفيزيائية كما نعرفها. فهي إذن "الحَرَكة النسبية" التي يمكن قياسُها بالأنساب والتناسبات. رصدُها كحركة هو "رصدٌ لتأثيرها" على موضوعٍ معين ، يتم نقلُ تأثيره إلى موضوع آخر ، وصولاً إلى جهاز القياس فعين الراصد ، ثم تتقولب بقوالب الدماغ والعقل ، لتأخُذ صيغتها الأخيرة في الإدراك المُباشر ، لا من دليل على دِقة وموضوعية أي مرحلة من تلك المراحل.

فـ"الحركة النسبية" تغدو إذن ظاهرة إدراكية ، لا ظاهرة موضوعية ، وتَغدو حركة محلية تتغير من مكان لمكان ، ومن راصد لراصد. تشمل الحركة النسبية أي نوع من أنواع التغيير الذي يحدث لموضوع بعلاقته مع موضوع آخر ، في أُفُق من آفاق الوجود أو بعد من أبعاده. شاملة بذلك الحركات العقلية والخيالية ، والمحلية.

"الحركة المحلية" هي ما يُولد نطاق الأرصاد الفيزيائية الذي نُسميه بـ"الزمكان" لأنها تتعلق بموضوعات وآثار محلية. عندما يتم رصد موضوع فيزيائي محلي ( مُحدد بإحداثيات "هنا" و"الآن" ) ، يتم قياسه إلى موضوعات محلية أخرى ، لو كانت تلك الموضوعات تتصف ب"التزامن" في حركتها ، فمن الطبيعي حينها أن لا يُهم النطاق الذي يتم قياسه. ما يحدث في زمكانك الحالي ، يتواجد بنفس "اللحظة المُطلقة" التي يَحدثُ فيها شيء ما على سطح المُشتري ، أو في مجرة أندروميدا في إحدى الأنفاق السرية التابعة لإحدى المجتمعات النخبوية، بمعنىً رياضي ، تسير جميع الأحداث في الكون على خط زمني واحد ( متجه رياضي بسيط ) ويمكنُ حينها قياسها لنفس التوقيت الكوني الميكانيكي (الطوبوغرافي).

هذا ما ظهر من سيرة أرسطو ونيوتن التي وصلت إلى يدينا أنهم آمنوا به ، وبقي العالم كله مؤمناً بهذا "الموقف الساذج" المَبني على الاستخلاص المتسرع ، إلى أن بحث آينشتاين في الموضوع من زاوية أُخرى، صحيحٌ أنه اعتمد على بحوث سبِقته ، لكن الشرارة الحاسمة قد أوقدها التفاتُه في نُقطة معينة من الزمن. لقد علِم آينشتاين بحاكمية مبدأين أوليين على كلِ شيء فيزيائي ....

مبادئ الفيزياء الإدراكية "النسبية والتآثُر" :


  • المبدأ الأول : نسبية الزَمنِ الموضوعي :



قياسُ أي قيمة فيزيائية لموضوع محلي ، لا يتم إلا بإسناده لشبكة من العلاقات مع مواضيع محلية أخرى ، لو فَرضتَ وجود موضوع محلي ليس له أي علاقات ، لن يكون هناك معنىً لأي خاصية فيزيائية فيه ، لن يكون هنالك أي أحداث ترتبط به ، لا تاريخ ، لا حركة ، "لازمن محلي ولا وجود" ، فقط تخيل نُقطة ما، تُشكل عالماً معزولاً قائماً بذاته ، وستُدرك سريعاً أن ما تتخيلهُ ليس إلا "العَدَم الفيزيائي المُطلق" الذي لا خصائص له ، ولا وجود زماني محلي ، فهو خارج نطاق الفيزياء كما تعرفها ، لأنه خالي من "التآثر" فهو بلا قيم فيزيائية ( بلا علاقات تقيده ) فهو إذن ، ليس كائناً محلياً.

إذا تسارعت كل الحركات الفيزيائية لمختلف الموضوعات ، ضمن نظام فيزيائي مُغلق أو مفتوح ، بنفس القدر الرياضي ، فلن يختلف أي شيء ، بعبارة موجزة لن يكون هناك معنىً لذلك ، وليس له وجودٌ في الواقعة الفيزيائية أصلاً ، لأن القيمة الرياضية لسُرعاتها ليست إلا "نسبة سرعة موضوع معين إلى موضوع آخر وإلى بقية المواضيع". فأنت ثابتٌ نسبياً أمام الشيء الذي تقرأ منه أو تستمع الآن له ، مُتحرك بالنسبة للشمس بسرعة تفوق توقعك ، متحرك بالنسبة لأندروميدا بسرعة تفوق تخيلك ، قِس على ذلك كل القيم الفيزيائية ، الحجم ، الكُتلة ، الكثافة ، الزخم ، العزم ، الاتجاه ، القوة الكهرومغناطيسية ، القوة النووية ، الجاذبية ، الانتروبيا ، الطاقة السالبة ، المادة المُظلمة وكلُّ ما تشاء.

النسبية مُنطَلَق إدراكِ الزمن الغيابي :

إذا فهمتَ الزمن المحلي على أنه "لازمُ الحركة التفاعلية المحلية بكل أشكالها" ، فستُدرِك أن النسبية ليست نسبية زمن فقط ، هي نسبية المكان ، الكُتلة ، الحجم ، التماسُك ... هي نسبية الثوابت الكونية ( بما فيها سُرعة الضوء ) ، هي نسبية كل شيء فيزيائي تعرفه ولا تعرفه ، كلها ، أنسجة للحقول الفيزيائية العليا ، و"الكموم" عندما تكون محلية ( وهي ليست كذلك إلا حيثُ رُصدت أو حُسب تأثيرها ) فسوف تخضعُ لكل ما ذُكِر لك للتو. وهذا هو السر في إمكانية تحول الكُتل إلى طاقات ، والطاقات إلى كُتل ، والفضاء إلى شاغر ، والشاغر إلى فضاء ، إنه السرُ في وجود الزمن السالب ، والطاقة السالبة ، والكتلة السالبة ، والفضاء السالب ، وهو السر في مبدأ الارتياب ، والتشابُك الكمومي ، والتشابك الزمني ، كلها ، تعود لنفس العلة ، إنها : نسبية الوجود المحلي التابع لمُتغيرات خفية تجعلُ منه "مُحاكاة لها" غير آبهة بأي قيود. فما هو سرُ التآثر ؟ ما هو سرُ الحقول ؟

1649179535204.png

لم يكن آينشتاين يؤمن ب"المطلقيات" ضمن نطاق الأرصاد المحلية ، الكُتلة التي تعرفها من حياتك اليومية بالنسبة لإدراك آينشتاين ، هي مجردُ "أثر" ، والأثر يستتبع تآثراً والتآثرُ يستتبع قوة وعلة ، وبعبارة أخرى ، ليس هناك كتلة صلبة كالتالي تصورها نيوتن ( المؤمن بعقلانية الواقع المحلي ومطلقيته ) ، إنها مجرد "إدراك فينومينولوجي" ليس له وجود إلا في ذهنية الراصد المُدرِك.

هذه الصورة التي أمامك تعني أن "الثقالة والجاذبية" التي نتعرض لها من جراء العلاقة بين الشمس والأرض ، لا تعود لما نراه من كتلتي الشمس والأرض ، ما نراه و"نحسه" هو "مجرد انعكاس لتلك النقطة التآثرية الصغيرة ( تماماً كما في المثال السابق بين الشمس والمشتري ) والتي يمتد تأثيرها إلينا مسببة أغلب ما نحسه من تماسُك كتلي ، وهذه النقطة هي "مركز التآثر الثقالي".

وبما أن هذا المركز التآثري "غير كُتلي بالمعنى النيوتني\فالكتل النسبية ليست مادة صلبة في كون مُغلق" فإنه من الممكن تحويله إلى "قوة" أو "طاقة" تماماً كالحقل الكهرومغناطيسي أو النووي. أي أنك ( تظن ) أن هناك شيئاً "اسمه المادة" ذو وجود معزول، ولكنها مجرد تأثير يترجمه عقلك ويرصده إدراكك ، مجرد طاقة ، وأما فكرة انحناء الزمكان ، فهذا لأن الزمكان "المحلي" ليس له وجود بدون أحداث "محلية" مثل التي يخلقها التآثر ، أي أنه مجرد "مُحاكاة" للتآثر الحاصل بين المراكز الحقلية للقوى المختلفة ، يمكن القول : حتى فكرة الزمان والمكان النيوتنيان ، الذين يتطابقان في لحظة التأثير ولحظة التأثّر ، وهو المبدأ الذي تعيش عبره حياتك ، وتحكم من خلاله القيم الفيزيائية المسؤولة عن التآثر واقعك ، هذه الفكرة ليس لها وجود إلا في عقلك ( وذهنك ).

ما تراه بعينيك الفيزيائيتين على أنه شمس ، هو "ترجمة" لجهازك الإراكي ، لأثر بؤرة التآثر الكهرومغناطيسي بين الحقل الكهربائي لعصبوناتك والحقل الكهروضوئي للشمس ، ولكن الشمس بحد ذاتها ليست ذلك الأثر ، فضلاً عن أن تكون ترجمتك الخاصة له ، أو ترجمة الجهاز له ، أما ما تحسه على أنه "شيء صلب" أو "كتلة مادية" مما يلامس جلدك ( بما في ذلك كوكب الأرض نفسه ) فهو "ترجمة" يقوم بها جهازك الإدراكي للأثر الصادر عن بؤرة التآثر الثقالي بين حقل الأرض وحقل جسدك ، وبعبارة أخرى ، مركز التآثر ليس في الأرض ولا في جسدك ، وإنما في مكان ما ( أو مجال ما ) بينهما ، أي أن جسدك ليس له وجود مادي ، بل هو طاقة تؤثر وتتأثر وكذلك الأرض ، ويأخذ وجوده المادي فقط كترجمة إدراكية عقلية وعصبية للتأثير الطاقي المُصدَّر من جوهره الزمني إليك والمتقاطع مع تأثيرات طاقية أخرى ، ففي غياب العالم المادي "الذي يؤثر على جسدك" عن إدراكك ، يغيب جسدُك والعكس صحيح أيضاً ، نظرية الحقول تصحح لك "المفهوم الطبيعي الساذج عن العالم".

إن الذي ترصده بحواسك ( أو بأجهزة القياس والرصد ) هو "آثار" لحقول ، ودلالة "حقول" تعادل "مجالات تأثير" ، التأثير بحد ذاته مفهوم فلسفي وليس علمياً ، ولا يمكن تعليله بشكل علمي ، فحتى ولو فرضت وجود "كم" للجاذبية ، فهذا الكم بحد ذاته وإذا فهمته ككائن يمكن رصده ، فلن يكون إلا تمظهراً لحقل أعمق منه ، لأنه لحظة رصده أو تعيين قيمة فيزيائية رياضية محددة له يختفي من كونه علة المجال ويتحول إلى رصدك الخاص لآلية المجال وتوصيفه الرياضي بالنسبة لمراقب من العالَم المادي. التأثير يعني وجود شيء غير مادي يسيّر أحداث الواقع المادي ( أي الواقع كما تترجمه على أنه مادة ) وهذا الشيء هو ما سماه آينشتاين بـ"اللامتغير" مقابل "النسبي" الذي يُحاكي ذلك اللامتغير عن طريق وساطة المتغيرات الخفية ، هذا هو المبدأ العلمي للمُحاكاة بشكله الأكثر بساطة ضمن القرن العشرين.

خلاصة ما سبق : التآثر النسبي يعني أن العالَم الحسي لا يُخبر بوجود مواد وكتل ، بل بوجود طاقات تؤثر على طاقاتك وتتفاعلُ معها فينشأ جسدك ، وينشأ إحساسك بالزمن ، وكل ما ترصده يعود إلى "تضارب الطاقات" وتقييدها لبعضها البعض.

الحَرَكة والزَّمَن المحلي :

إنك إذا تخطو الآن خطوتك التالية لإدراك المعنى الحقيقي ل"الحركة" والزمن اللازم عنها ، دون اعتمادٍ على "مُسلمات مسبقة غير مُثبتة" قادمة من المعرِفة التراكُبية للأجيال التي سبقت لحظتك الحالية ... ستغدو الحركة الفيزيائية هي "تفاعلاً طاقياً متغيّراً بين عناصر شبكة المواضيع الفيزيائية يعطي نتائج وأحداثاً جديدة" وذلك ما يعني وجود "فعلٍ مشتركٍ تبادلي" بين كُل موضوعين مُتفاعلين. أي أن الكائن والحدث يغدو "مُلتقى الطاقات المُتفاعلة" و "ملتقى العلاقات النسبية" بين الأنسجة الحاملة لتلك الطاقات. إن بنيانه الزمني المادي يغدو مجموعة علاقات بين الطاقات ، وبنيانه كشاغرٍ لمكان معين يغدو مجموعة علاقات بين الأمكنة الناقلة للطاقات إلى نقطة الملتقى "التي هي ذلك الجسم نفسه" ، وهكذا جميع الأجسام ، وحتى المكان باعتباره حاملاً للطاقة ، يفقد معناه دون أجسام ترسم خريطته النسبية ، فلا يكون المكان والفضاء سوى الطاقات المتلاقية نفسها.

عندما تتعامل مع الموضوعات الفيزيائية الحسية (هَلْ) تتعاملُ معها من مُستوى وجودها الفيزيائي الذُريري (حدَثيات هنا والآن) ، أم من بُعدها الفيزيائي الماهوي (هذا حاسوب ، هذه طاولة ، وذاك ، إنسان). كلا البُعدين موجودين لإدراكك بنفس مستوى الحقيقة ، كلاهما معطيات تستطيع الوصول لها والإحساس بوجودها بطريقة ما ، ولابد أنك تُلاحظ وجود علاقة ما بينهما ، تلازم معين ، ما سرُ هذا التلازم ؟ لعلك تعلمُ جيداً أن الماهيات الفيزيائية المعقولة ، هي أيضاً ( علاقات تفاعلية في عالم العقل والتجريد ) بين ماهيات أبسط منها ، فتفاعُل ماهية الكُتلة ( المعنى الأعم لها وبغض النظر عن الاعتبارات العلمية التفصيلية فكلها ستغدو صحيحة-ما يهمُ الآن هو العاملُ المُشترك بين كل تعريف ممكن للكتلة-وهو الكتلة كما تنطبعُ في إدراكك ) مع ماهية "السطح\السطوحية المستوية" سيولد ماهية الطاولة بصيغتها الأكثر بساطة على الإطلاق ، إضافة معايير كمية معينة ( طول معين-ارتفاع معين-وزن معين ) ومعايير فيزيائية وطبيعية (مادة الصُنع- الصفات الفنية) ومحددات أكثر دقة "المكان بالضبط \ الوقت بالضبط" ، هو ما يُنتج لك مفهوم الطاولة التي بين يديك هذه الأيام – إن كان بين يديك واحدة – وهذا المفهوم ، قابلٌ على الانطباق على ما لا نهاية له من المصاديق الطاولاتية ، أما مفهوم الطاولة الأبسط ، فيغدو كل مفهوم طاولي أعقد منه ، انعكاساً ماهوياً له ، من لانهائية في الانعكاسات.

"الحركة" كفهوم وجودي، مجرد عن تقييده بقيود محلية لا داعي لها ، وكتعليل صحيح والوحيد الصحيح للحركة المحلية، هي كُل تفاعلٍ بين موضوعين وجوديين ، سواءً كانا محليين أم غير محليين ، فلا فرق إلا في "الزمن" الذي تتم فيه (أو تندمج به) تلك التفاعلات ، وبما أن الحركة نفسها يمكن أن تغدو كائناً عقلياً مُجرداً ، وبما أنها تكون التبرير الصحيح للحركة المحلية عندما تُصبح كذلك ، فمِن وجهة نظرٍ إدراكية خالصة ، ف"الحركة العقلية" هي ما يخلق حركة الفيزياء ، فالزمن المحلي ، ما هو إلا انعكاسٌ للزمن العقلي التجريدي ، كل الوجود الفيزيائي كذلك. كل ما في الأمر أن ازدياد التكاثف نتيجة ازدياد القيود على المعقولات البسيطة ، سيؤدي في مرحلة معينة ، إلى تقييد المعقول بما يكفي لجعله "محلياً" لا ينطبقُ إلا على نفسه ، تخيل أنك تُقيد مفهوم الطاولة التي بين يديك ، بمفهوم الحيز الذي تشغله ، والذي هو مجموعة من الأشباك التناسبية بين بقية الموضوعات ، دخول مفهوم الطاولة العام إلى علاقات هذا المفهوم المحلي ، سيُحددها بحدثية "هُنا والآن" وسيخلق مباشرة الطاولة التي أمامك بالذات. فالطبيعة عقلٌ منظور ، والعقلُ طبيعةٌ مخفيّة ، والفرق يكمن فقط في نسبة التكاثُف\التعقيد\التقييد.

كُنهُ المادة شَبَكَةٌ من العلاقات الميتافيزيقية المُجَرَّدَة :

فما يُشكل الوجود الفيزيائي المحلي هو إذن "التآثر المحلي" النسبي ، وهو الجوهر الحقيقي للمادة (كُنهُها). المِثالية لا تلتفت له ، والمادية تؤمن بسذاجة بـ"مُطلقيته". وهذا يعني أن ما يُشكل الزمن (والمكان) هو العلاقات التآثرية لموضوع ما مع بقية المواضيع ، فزمنُ موضوع ما بالنسبة لموضوع آخر ، هو نطاقُ حركته التي وصلَ تأثيرها إلى الموضوع الثاني ، والتي نتَجت عن "تشابُك العلاقات أو التآثرات" المكونة لتلك الحركة التي قام بها الموضوع الأول ، المكونة لتلك الخاصية من ذلك الموضوع الفيزيائي الأول. ولو أن هذه العلاقات التآثرية تختلف بين موضوع وموضوع آخر نسبة لنفس محور الإسناد (الموضوع الثالثُ المُشترك بينهما-الذي يؤثر كل منهما عليه) فهذا سيؤدي حتماً لاختلاف الأرصاد لحركة كل منهما عند إسناد تِلك الأرصاد لذلك المحور ، فلَكَ أن تتصور نُقطة زمكانية محلية ضمن فضاء فيه ثلاث نقاط أخرى ، حركة النقطة الأولى تسير مُنتظمة بشكل طوفاني حول النُقطة الثانية ، والنُقطة الثالثة تطوف حول الأولى ، والرابعة أيضاً ، لكن سرعة طواف الأولى أقل بأضعاف من سرعة الثالثة ، أقل بأضعاف من الرابعة ، ما هو الزمن الآن ؟ دون الالتفات لقضية الرصد ، الزمن للنقطة الأولى ، من حيثية معينة ، هو العلاقة التآثرية بينها وبين النقطة الثانية (محور المحاور ضمن هذه المجموعة) ، ومن حيثية أخرى ، هو العلاقة بينها وبين النقطة الثالثة ، وكذلك هو العلاقة بينها وبين الأخيرة، شبكة العلاقات هذه ، تؤدي لخلق "تشابك تآثري" يكوِّن الزمن المحلي الحقيقي للنقطة الأولى بالنسبة إلى نفسها ، وهذا النسيج الجديد ، يؤثر على العلاقات الثلاثة معاً، وذلك يؤثر على العلاقات بين بقية النقاط نسبة لبعضها البعض. وإن الزمن (الحركة الحَدَثية) للنقطة الأولى ، بالنسبة إلى نفسها ، عندما يتم مقارنته بزمنها بزاوية الرصد للنقطة الثانية (محور المحاور) ، سيكون مختلفاً تماماً (بينما يكون بينهما تآثر، ليس بينهما اتصال آني مباشر) ، فمن وجهة الوجود الفيزيائي لمحور المحاور ، ذلك الزمن ( لولب الحركة التفاعلية المحلية الخاص بالنُقطة الأولى ) سيُقاس كـ"تأثير دخيل" على زمن نسيج ذلك المحور ، وهذا التأثير سيُقاس ضمن نطاق ذلك النسيج ، وليس ضمن نطاق مصدره ، النسيج الأول ، مما يُحدث انفصالاً في الآنية المحلية. وقد يتوهم الراصد – بطريقة ساذجة – أن كلا النقطتين يسيران في خط زمني واحد ، ليس لشيء سوى لكونهما يتأثران ببعضهما ، إلا أن هذا التأثر ، يتكون تكويناً مختلفاً في كل نقطة ، وكونه متبادلاً ، هو الدليل الوحيد على وجود العلاقة الزمنية بينهما ، وهي "فقط" علاقة زمنية نسبية ، تختلف آثارها من نُقطة إلى أخرى ... مع ازدياد التشابك والبناء ، تصبح اللوحة فُسيفسائية بشكل لا يُمكن مُحاكاته طوبوغرافياً ، كل نقطة تشكل زمناً مستقلاً ونسبياً لكل نُقطة أخرى ، وهذه النسبية الظاهرية ، يؤولها الموقف الطبيعي الساذج على أنها "ضد وحدة الوجود" وكدليل على انتفاء المُجردات ووجود المادة (التي لا يزالُ كنهُها الحقيقي شبحياً). إن سر سرعة النُقطة الثالثة ، ليس إلا نظامها المستتر الذي تفاعل بطريقة مناسبة مع تأثير ذلك التناسج الزمكاني المركب لها ، المتأثر بالنقطة الأولى وبقية النقاط ، وهذا النظام تَشكل أيضاً من علاقات تآثرية معينة مع نقاط أخرى لم يتم ذكرها بعد ، زمن النقطة الثالثة بالنسبة للنقطة الأولى ، هو تآثرُ بينهما ، ولكن زمن النقطة الثالثة بالنسبة لمحور المحاور ، هو التآثر بينهما بغض النظر عن الزمن السابق ذكره ، فلو وُجد ذلك الراصد المحايد مُطلقاً ، ولا حدود لقدرته الرصدية (وهذا سيتطلبُ خروجه من الرؤية النسبية المحلية-خروجه من الزمن المحلي) ، سيلاحظ أن المتجه الكمي الزمكاني الحركي لتلك النقطة – بالنسبة لنفسها – من حيث عامل النقطة الأولى ، يختلف تماماً عنه من حيثُ عامل محور المحاور ، لأنه سيقيس الأحداث القادمة من آثار المحور ، بطريقة مختلفة تماماً عن تلك القادمة من آثار العلاقة مع النقطة الثانية (كوكب الأرض) ، وسيرى عدم وجود تزامن بينهما ، بمعنى آخر ، ليس هناك اتصال بين العاملين الدخيلين إلا ضمن نطاق النسيج الذي دخلا إليه ، خارج هذا النسيج : كلٌ في فلكٍ يسبحون ، فهما (قطعتان) مختلفتان من الزمكان المحلي ، كل منهما ، يشكل زمناً محلياً قائماً بذاته. الأحداث التي تحصلُ نتيجة للعلاقة بين كوكب الأرض والشمس ، عندما يتم قياسها ( إدراك أثرها بشكل حيادي ) من نقطة على القمر ، سوف يظهر عدم تزامنها مع الأحداث التي تحصل على كوكب عطارد نتيجة العلاقة بينه وبين الشمس ، وطبعاً ، لا يمكن في عالم نسبي كهذا ، تجريد العلاقات لتلك الدرجة ، فهاتين العلاقتين ، تتآثران بنقاط(مواضيع محلية) لانهاية لها. ليس هناك إذن ضرورة لاستخدام فكرة "التزامن المحلي المُطلق"، بل هي فِكرة غير منطقية ، غير علمية وغير حقيقية. وكلّ موضوع فيزيائي له عدد من المُتجهات الرياضية الزمكانية للحركة ، بعدد محاور الإسناد المشتركة بينه وبين بقية الموضوعات.

والخلاصة هي حَرَكَةُ موضوع فيزيائي تَنسجُ له زمكاناً محلياً ذو نطاق معزول عن النُسج الأخرى لبقية المواضيع ، وهذا الزمكان المحلي يتآثر ببقية الحركات الزمنية ولا يتزامن آنياً معها (لأنه لا ينتمي لعالم الكليات والمُجردات) ، كما أنه يختلف في تأثيره من موضوع لآخر ، ومن ذاتيته إلى موضوعيته المحلية ، فيمتلكُ متجهاً خاصاً لكل موضوع يتآثر معه. هذا المبدأ ، يمكن تسميته بـ
"نسبية الزمن المحلي لموضوع فيزيائي".
  • المبدأ الثاني : نسبية زَمن الإدراك :



إن ما يتمُ رصده من قبل مراقب عطالي أو نشط ، ليس إلا "أثراً في إدراكه". بمعنىً أكثر دقة : وصول التأثير إلى نطاق أرصاده المتأثر بنسيجه الزمني المحلي.

ولعلك تتخيل الآن ذلك الخيال المُستحيل ، محاولاً مُحاكاة الكواكب في نقطة معينة من الزمن نسبة لبعضها البعض ، ولي أن أخبرك ، أن الكواكب (وأي شيء) لا يتوقف أبداً عن الحركة بطريقة تسمحُ بقياسه لموضوع آخر ، التمثيل المادي للنسبية الفيزيائية مُستحيل ، وستحتاج لخيالٍ إبداعي لهذا العمل. فالزمان ليس بُعداً رابعاً ، هو مُجرد الصورة الحقيقة للمكان ، التي تتشكل بالتناظر اللاتطابقي ، تناظر مُنعكسات النِظام المُستتر. وهذا الفَصل ، يُعدم التزامن بين الحدثيات المحلية ، في اللحظة التي يتم قياسها بأجهزة رصد محلي ، ويظهر اختلاف المُتجهات الرياضية لكل علاقة نطاق محلي مرصود بمحور إسناد معين ، عن علاقة بقية النطاقات بذات محور الإسناد. الزمنُ (كبُعد محلي رابع) ليس إلا "تأويلاً" لاختلاف المُتجهات الرياضية لحركة الموضوعات الفيزيائية بشكل لا تطابُق آني فيه ، مما يوجب أحياناً التعامُل (الاعتباري) معها كـ"موضوعات ذات أربع مُتجهات محلية رئيسية-تتفرع عنها بقية المُتجهات".
 
التعديل الأخير:

كيف تُدرِك محلية الزمن

التعريف الأكثر دقة للزمن المحلي



شبكةُ التفاعُل بين الأحداث (الآثار) المُشكلة للوجود المحلي الفِعلي لموضوع معين. بالنسبة للمُراقب فهذا الوجود هو نفس هذه الشبكة عندما يتمُ مقارنتها بالأحداث المرصودة لنسيج آخر ، ويكون كلا النسيجين داخلين في نسيج أدوات رصد المُراقب نفسه. الزمن المحلي : ليس إلا حركة التفاعُل اللولبية\الطوفانية المتجسدة في الكون النسبي.

فإذا كانَ هنالك تمايزٌ بين النُسج الفضائية-الزمنية ، ورددتَ هذا التمايُز إلى اختلاف مراكز التآثُر التي تُخرج تلك النُسج إلى الوجود المحلي الفعلي ، فإلى ما سترُدُّ تمايز تلك المراكز التآثرية أصلاً ؟ إلى حقول القوى ؟ وما هي هذه الحقول ؟ ليس لها وجود فيزيائي محلي ، لأنها هي ما يَخلُق الفيزياء المحلية ، فإذا كانت كذلك ، فهل هي حقاً "مادة" ؟

الإدراك الدقيق للمادة المحلية :



ما هو مفهومك عن المادة أصلاً ؟ من الذي وضعه ؟ هل استخدم معايير محددة بدقة ، أم اتبع سياسة "الإهمال" ؟ كيف تُطلق على شيء لا تراه (ولا يُرى) ولا تحسه (ولا يُحس) ولا وجود محلي له ، اسم المادة ؟ المُشكلة إذن لغوية وليست علمية ، أنت تسميها كُنه المادة ، وسواك من يسميها "انبعاثات من العقل الكوني". الفيزياء التجريبية ، ذات الفلسفة الوضعية المنطقية ، لا تهتم أصلاً بكُنه المادة ، بل فقط بقياس التأثيرات ( سؤال الآلية دون سؤال العلّية ) فليس من حق شخص يؤمن هذا الإيمان أن يتجاوز الحدود التي وضعها لنفسه ، ويتحدث عن كُنه المادة و"التفسير المادي للعالم" ، لأنه بمجرد أن يبحث بهذه الطريقة ، سيتخلى عن قياس الأثر ، وسيتجهُ نحو "إدراك التأثير وعلته" ، لأن الأثر دائماً محلي مقيد بالنسبية ضمن المكان ، لا يكون التآثر والتأثير محلياً ، فإذا كانا كذلك يفقِدان وجودهما كمستوىً تعليل للأحداث المحلية ويصبحان هما أيضاً أحداثاً محلية تفتقر للتعليل :

إن النتيجة الأولى لعلاقة التآثر : العالم المحلي هو "آثار" مرصودة للعلل الحقيقية للمادة ، ماذا يعني ذلك ؟ أول أمر ، ما هو الأثر أصلاً ؟ بالاستناد للمعرفة الحسية وحدها ، إنك تعرف الآثار ولا تعرف شيئاً اسمه العلل ، كما تظن ... وأن الآثار هي كائنات تنعكس في إدراكك بمجرد اتصال حواسك بها ، وهذه الكائنات مُحددة ضمن زمن الغياب المُفارق للإدراك ، بقيمتين اثنين : "هُنا : نسبة لبقية عناصر الصورة المُدرَكة\الخلفية" و"الآن : نسبة لبقية الأزمنة المُفارقة للإدراك والتي لا تنعكس آلياً على الحواس ، فزمن الذكريات مثلاً لا يحضر بالضرورة للإدراك ، ولا يفرض نفسه على مرآة الزمن الانعكاسي ، وكذلك زمن الخيال وزمن التأويلات العقلية ، ورغم أن التجريدات والمفاهيم العقلية التي تربط عناصر الصورة ببعضها حاضرة في آن الإدراك الانعكاسية الآلية أيضاً ، لكن ، انتسابها من حيث التجريد ليس للصورة المنعكِسة "هُنا في هذا الحل" بل لكامل الزمن الغيابي المُدرَك وفق علاقته ب"هنا على المرآة" ، فهي كائنات لطيفة وعمومية وكلية شاملة.

وهذا معنى تلازم وارتباط الكائن المحلي بعلاقتين "هُنا والآن: نسبة الكائن للخلفية المحلية المنعكسة على الإدراك" و"هنا والآن : نسبة الكائن ل"حضور" تلك الخلفية المحلية أو المنعَكَس الحسي نحو الإدراك الواعي المُباشر" ، فالدفتر ككائنٍ واقعي محلي ، لابد أن يكون له نسبتين ، نسبة تتعلق بالخلفية المحلية "صورة الغرفة" التي تعكس نفسها على الإدراك جبرياً ، ونسبة تتعلّق بحضور الخلفية نفسها بما فيها الدفتر نفسه إلى الإدراك الحي المُباشر ، وهكذا ينشأ زمنين : زمن الحضرة الإدراكية ، وزمنُ الواقعة المحلية الغائبة كلياً عن الإدراك ، وبين الزمنين علاقة لطيفة مجردة ، تآثُر ، يجعلُ الواقعة المحلية تحضر للذات المُدرِكة ، هذه العلاقة هي "المرايا" الإدراكية التي تُعرض عليها الوقائع المحلية وحكايا الزمن.

إن الواقع المحلي بكلانيته هو "مصفوفة منعكسة على الإدراك" قائمة على التناسب بين الموضوعات الجزئية المنعكسَة "عناصر ونتائج المصفوفة" والتي تأخذ كلاً منها دلالتها بالنسبة لبقية العناصر ضمن الآن الزمني الغيابي ، والهُنا في هذا الآن ، وقد حددت بنطاق الصورة نفسها دون التفات لمعناها الحقيقي خارج هذه الصورة ، وهذه العلاقة ، فقد أصبحت الكائنات المحلية هي أي كائنات تحضر هنا والآن بعزلها عن العلاقات العقلية الرابطة لها ... وأن العِلل هي كائنات عقلائية في مُستوى مُفارق للمادة ، البعضُ يؤمن بأنها مجرد أسماء للاقترانات المحلية مثل تعقب حدث لحدث آخر ، والبعض يؤمن بوجودها ضمن الذهن دون الواقع المادي ، وهنالك من كَشَفَ سِرها لحد عميق ، أنها هي الجوهر الحقيقي للواقع المادي.

كيف تعرِفُ حقيقة الأثر الذي تَرصُده ...

إنه كائنٌ غائبٌ عن ذاتك ، كما ترى بينك وبينه بَون ، فبينما تقرأ هذه الكلمات ، فإنك لا تقدر أن تقول أن ما تقرأه حالياً وفق حضوره للوح الإدراك البصري خاصتك ، هو حقاً مُشابه لما تراه على هذا اللوح المرآتي من حيث وجوده خارج حواسك ، وخارج رصدك الإدراكي ... رُبما ، تختلف الألوان ، والأشكال ، والأحجام ، والعلاقات المحسوسة ، ورُبما لا يعنيك مِثلُ هذا الاختلاف ، لأن العالم الموضوعي المُفارق للوح إدراكك الذهني قد لا يكون موجوداً أصلاً ، وقد لا يكون هنالك معنىً لتِلك المفاهيم أصلاً كما أُخبرتَ من قبل.

تَجرُبةُ الحس المُباشر بالزَّمَن الغيابي والحضوري :

عُد لما تعرفه حقاً ، الصور الحسية التي أمامك ، صورة يدك مثلاً ... راقب تفاصيلها جيداً واعتبرها في حالة سكونٍ مُطلق ما الذي ستستنتجه ؟ ما الذي تراه ؟ آثارٌ محلية متجاورة زمنياً ، تُطلِق عليها اسم اليد ، لا تعرف مِن أين تنبعث ، وكُل ما تعرفه أن هذه الآثار حاضرةٌ لك مُباشرة الآن ، لا من حيث وجودها خارج الصورة التي تراها ، بل من حيثُ هي كائنٌ ضمن الصورة نفسها ، وأنا أعلم ، هي عملية شاقة جداً أن تُدرك الفرق ، بين صورة الأثر ، وبين الكائن المحلي الخارجي الذي تحوله عينك إلى صورة ، لأنك ترى في الصورة علاقات من انسياق الأحداث توحي بوجود عُمقٍ للصورة ولا تكون فقط ثنائية البُعد ، رغم أنك ، تُدرِك العُمق بالاستنباط ، وليس بالحس ، وعبر استقراء الأحداث ولا عبر الأحداث عينها.

ولأنك تحس بيدك باللمس أيضاً فهذا يدعمُ إحساسك العقلي الاستخلاصي بوجود عُمقٍ للصورة ثنائية البُعد ، والتي لو استطعتَ رسمها ، سترسمها على لوحٍ ثنائي البُعد أيضاً وما من طريقة لتحويلها إلى بُعدٍ ثُلاثي سوى رسم عدة لوحات للأحداث المُتعاقبة وتشغيل آلة تعرِض تعاقُب اللوحات فتُدرِك العُمق مرة أُخرى ، ولذلك ترى الصور الفوتوغرافية ثنائية الأبعاد وترى الأفلام تحتوي على بُعد بصري ثالث ، ولو أنك أمام وجه واحدٍ لمُكعب ما ، فلن تُدرك أنه مُكعب أبداً حتى تقلبه من الوجوه الأخرى ، ولكن ، ماذا لو غبت قليلاً وعُدت وقد قلبته قوة آخرى ، سوف لن تلاحظ الفرق ولن تعلم أنه مُكعب ، وفقط عندما يتعاقب تقليبه أمام ناظريك ، ستراه مُكعباً ثلاثي الأبعاد ، ولو وقفت الصورة التي أمامك الآن تماماً ، كيف ستعلم هل هي صورة ثُنائية البُعد أم ثُلاثية ؟ إنها من حيث رصدك الحسي المحض لها ، ثنائية الأبعاد ، لها طول وعرض فقط ، ولكن التغيرات والأحداث الزمنية ضمن هذين الأُفقين ، هي فقط ما يجعلك "تستنتج" وجود العُمق.

كذلك جيع العلاقات ، الحجم ، الشكل ، اللون ، الكتلة والكثافة والطاقة وكل ما تعرفه من مفاهيم فيزيائية بسيطة ومُركبة ، يفقد معناه مُباشرة بمجرد أن تعزل الصورة الحسية عن المعقولات المُلازمة لها ، فلا يعود هنالك فرق بين أن ترى لوحاً أبيض لانهاية له ولا بداية ، أو حتى عديم اللون ، وبين أن ترى صورة المجرات البعيدة والخلايا الحية والتُحَف الفنية. لأن كِلاهما مُجرَّد معطى حسي ليس له أي مَعنىً عقلي ، ومرة أُخرى ماذا يبقى ، يبقى لوح ذو لون واحد ، ليس فيه تمايزات ، وليس فيه اختلاف بين نُقطة وأُخرى ، هكذا هو من الأزل إلى الأبد ، لكنك رُغم ذلك ، تستطيع أن تُدرِك شيئاً واحدِاً فقط ... نطاقه المرصود بإدراكك ، تُدرِك علاقة واحدة فقط ، إنها نِسبة هذه الصورة إليك ، ماذا تَعني لك حقاً ؟ لا ترى سوى صورة واحدة فيها كائنٌ واحد ،ولكنك ترى شيئاً آخر ، إنه التباعُد بينك وبين هذا الكائن ، بل ، بينك وبين هذه الصورة ...

هذه العلاقة التباعدية ، هي أول ما تُحسه أمام حضور الوجود لذاتك ، اسمها البون ، ذلك النطاق الذي يفصلُك عن كُل شيء ، وأي شيء ، وبغض النظر عن الأحداث الزمنية داخل الموضوع الإدراكي ، فهي ليست مُهمة كثيراً ، فإن زمن الإدراك نفسه قائمٌ على هذه العلاقة ، التي من خِلالها فقط ، تُدرِكُ الفرق بين إدراكك نفسه ، وبين الصورة المُدركة ، لوح الإدراك الذهني ، ثم بين الصورة وبين تفاصيلها وما يُعرَض على شاشة اللوح من صور تفاعلية متعاقبة ، كذلك الأمر مع السمع واللمس ، الصوت الواحد الثابت يشير نحو البون بين إدراك الصوت وبين آلة العرض الصوتي ، وبين آلة العَرض الصوتي وبين مُختلف الأصوات التي تُعرض عليها وتستنتج منها علاقة القرب والبعد والشدة والقوة والتواتر والانتظام وغيرها من علاقات مُجردة عن المعقولات الحسية.

هذه العلاقة حسية ، وهي الإحساس الوحيد الكاشف عن الموضوع المُفارق دون أن ينطوي في تفاصيله ، إنها علاقة الحضور والغياب ، فالزمن الغائب ، هو ما وراء لوح الإدراك الذهني ، والزمن الحاضر ، هو الإدراك نفسه والذات نفسها ، وأما ما بين الذات واللوح ، وما بين اللوح وما وراءه ، هو زمان حاضِرٌ للذات ، لكنه ليس عينها ، ليس حقيقتها وحقيقة الإدراك ، إنه فقط ، بوابة ... علاقة ... أبسط العلاقات على الإطلاق ، إنه علاقة الحضور والغياب ، حضور الزمن المفقود إلى الذات الموجودة عبر إدراكها للوح وما يُعرض عليه ، وحضورها هي في ذلك الزمن ، عبر تأثيرها على اللوح وما يُعرَض عليه ...

هكذا تُرجَع العلاقات العقلية إلى كونها موضوعات حسية تتفصّل من الحس الأول على الإطلاق وهو حسك بالبون وما وراءها ، فتغدو الموضوعات العقلية والحسية مُقاسة على تلك الأسرار الانطلاقية المُقدسة للحياة. ولا يعود هنالك فرقٌ بين المحسوس والمعقول سِوى في المظهر الذي يتشكلُ به ، فيكون المعقول قياساً على علاقات المواضيع بالبون وهي جوهرها ، والمحسوس قياساً على ما يُعرَض على لوح البون وما تعكسه مرايا البون من زمن هو تمثيلٌ حسي كثيف لذلك الجوهر ...

فتكون العلاقة الحسية الحضورية\الغيابية الأولى هي صلة الوصل بين المحسوسات وبين إدراكك لها ، وهي صلة الوصل بين المحسوسات وعللها العقلية ، من حيث أن المحسوس لا شيء سوى الغياب الحاضر إلى البون ، الذي في جوهره لا يكون محدود الأبعاد ولا يكون منفصلاً عن وحدة الوجود ، ولكن في غيابه يَثبُت وجوده بقياسه للعلاقة الأولى الأقدس ، وهو لا شيء سوى ما ينتسب لهذه العلاقة فتكون هي جنسه الحسوسات الأعم والفئة العليا لكل كائنات الزمن.

ويكون الاختلاف في ماهيات تشكل هذا الجنس لعلاقة ثبوت الشيء للإدراك ، علاقة الوجود الفلسفي ، والذي لا يبرر نفسه ولا يُبرر الوجود والموجود ، إلا بالإدراك الذي يجعلهُ حضوراً.

هنالك يمكنك أن تعرف ما هو الأثرُ حقاً ، وما هي العلة حقاً ، وما العلاقة بين العِلّة والأثر ، لأنك أدركت الآن ، أن ما تراه وتسمعه من آثار ليس هو كل شيء في الوجود ، كما أنه ليس أصلَ المعرفة ، وهو برهان أن ما يُحل بمحل زماني مقيد يحتاج لعلة مُطلَقة عن القيد المحلي ، معقولة ، تشكل وجوده الحقيقي المجرد عن بعض القيود ، لافتقاره للوجود دون معقول ،وكذلك المعقول يحتاج لعلة مُطلقة عن قيد العقل ، يحتاجُ لجوهر أسمى مكنون في الإدراك حتى لو لم تكشفه ، لافتقار وجود المعقول لذاته دون إدراك وحضور وبون ، فلابد من صلة صريحة بينه وبين تلك القوى الفوق فيزيائية ، ولابد من وحدة صريحة بينه وبين الذات المُدرِكة ، وفقط الغفلة ما يحجبها.

حيث يتخذ البُرهان الإني ثلاث مراحل :

الآن وقد أدرَكتَ البون والإحساس الأول الذي ترجِعُ إليه كل أحاسيسك وأرصادك المحلية الأُخرى ، فقد أدرَكتَ أن نفس قوة الإحساس بالأثر تسمح بإدراك المعقولات بسائر أنواعها من الوهمية والعدمية إلى الثبوتة الوجودية. ورُغم أن علاقة التلازم بين هذين المستويين من الوجود غير واضحة بعد إلا أن أحدهما لا يقل عن الآخر في ثبوته للإدراك.

وبما أن سبيل فرز عالم الآثار الزمنية المحلية ، أي تلك الموضوعات التي تتعرض لها بخبرتك اليومية ، المعروضة على المرايا يبدأ من علاقتها بهذه المرايا ، فستغدو كآثار "تراها" مُتحرِّكة. يجب أن تُدرك وجود تأثير مُمارس على نطاقك الزمني النفسي ، يُدخِلها في شاشة العرض خاصتك ، وهذه هي العليِّة الحق ، التي ترتد إليها العِللُ جميعاً ، إنها قيمة حضور الآثار للذات الحق المُدرِكة ، فمُجرَّدُ هذا الحضور للغياب يجعله مشهوداً كغياب مُفارق للإدراك والذاتِ المُدرِكة ، صورته الذهنية الحصولية حاضرة بذاتها للإدراك ، لكن حقيقة هذه الصورة القابعة فيما وراءها ليست حاضرة بذاتها بل عبر الصورة نفسها ولا تلازم مُدرَكي "حقيقة حقّة" بين الصورة وبين الغيب الذي تُخبر عنه.

وتعلم الذات بوجود الغيب لأنها تُدرِك تفاصيل موضوعات الصورة الحصولية على أنها وساطة رامزة للحقائق وراءها ، هنا يبدأ العقل ، الذي هو حُكمٌ على موضوعات تلك الصورة الحصولية ، هذه الموضوعات من حيث هي صورة حصولية فهي مُفارقة للذات حاضرة إليها ، لكن صورة يدك الحسية الحاضرة إليك بالبصر واللمس ، شيء ، ومعنى هذا الموضوع الحسي "يدك" ، شيء آخر ، لأن الصورة بحد ذاتها لا تُخبِر عن أي شيء على الإطلاق ، ولا تثبت أي شيء على الإطلاق ، لكن الذات إذ تتفاعل مع الزمن الذي يعرضه جهاز تصويرها على المرايا ، لا تكتفي بالمشاهدة للزمن ، بل تُدرِك على الفور الفرق بين حقيقة صورة الموضوع المحسوسة وبين حقيقته الذاتية الغائبة عن الصورة "ذلك الزمن" . المرايا نفسها حاضرة بذاتها أمام الذات ، بينهما نوعٌ من الوِحدة الذاتية المُقيدة ، أما المعروض على المرايا يصلُ الزمن إليها بوساطة خارجية تُسمى بالحواس والخيالات والتعقّل (التجريد) ، ويجعل شهوده المعنى الحق لحضوره للذات ، وحضوره للذات لا يكون إلا بحضوره للمرايا وحضور المرايا إليها ، فيكون الزمن والمرايا والذات هي أطراف مُعادلة حياتك.
 
التعديل الأخير:

موضوع العلم الجديد : جوهر الزمن

التجريد :

عندما تتخلص من القيود الفيزيائية التي تفهمُ من خلالها معنى "الحركة"، يمكنك أن تُدرِك كيف تتم عملية الخلق. جرد ماهية "التفاعُل" من الاعتبارات الكمية والفيزيائية ، لتَجِده قد انتقل من سبب لولادة "النسبية" في الزمكان المحلي ، إلى علة لهذا السبب، وخالقٍ للزمكان المحلي.

يمكنك ذلك إذا ما تخيلت الكائنات التي أمامك من حيثُ التفاعلات التآثرية التي تنسج بنيتها المحسوسة ، الحاسوب الذي أمامك مجموع قوى محددة متلاقية وخارج هذا الإطار لا وجود له ، وهذه القوى تبدو وكأنها مصفوفة بشكل يسمح بوجود هذا الحاسوب بالذات ، فيزيائياً تتغير بنية الحاسوب كل لحظة ، قبل ثانية واحدة كانت كتلته وكثافته ووزنه مختلفة تماماً عنها الآن ، لأن العلاقات الزمكانية البعيدة مع الشمس والنجوم قد أثرت عليه لا محال ، ورغم ذلك ، فهو يبقى ثابتاً بالنسبة لك وللراصد ، ليس لأنه ثابتٌ في حد ذاته ، بل لأن علاقته مع الراصد ثابتة في قيمها التي يدركها الراصد ويتعامل معها ، لأن إدراك الراصد محدود بنسيج جسده وجسد جهازه.

ولكنّ تلك القوى التي تنسج زمكان الحاسوب ، تحتوي على قيمة عقلية لا علاقة لها بجسمانية الحاسوب ، فإنك لا ترصد الحاسوب كتأثيرات مادية مشتتة متناثرة ، وإنما ، كـ"دالة" رياضية منطقية لها معنى وهو ذلك الجهاز الذي يمكنه القيام بهذه الإجراءات ويتخذ هذا الشكل ، هذه هي البُنية العميقة للتفاعل ، وهذه هي المصفوفة الفيزيائية التجريدية ، بعيداً عن قشور المادة وزينتها الظاهرة.

التفاعُل الزمني الآن ... هو ما يمكن وصفه بـالعـلاقة الأولـى، في عالم العقل التي تُنتِج تباعاً (بفضل التفاعل "حركة الديالكتيك" بين المعقولات الأولى) ماهيات أعقد فأعقد ، حتى تصل لمرحلة من التكاثُف والتقييد ، تولّد فيها الحدثية الزمكانية "المحلية" المُتحركة.

أي ماهيتان محليتان تتآثران ينتج عن تآثرهما نطاقاً نسبياً بسيطاً جديداً ، بالتقييد نحو المزيد والمزيد ، منتجين نطاقات نسبية شديدة التعقيد ، تحتاج لمعادلات رياضية طويلة لوصف حركتها المُحددة بشكل صحيح. ولكن هذه المُعادلات ، لا حاجة لمثلها في عالمٍ مجرد عن الكم ذو التوصيف المحلي ، فضلاً عن الحاجة إليها في ما وراء العالمين ، المعادلة الرياضية نفسها ، لا تستطيع تفسير الزمن ، لأنها جزءٌ من نطاق من نطاقات الزمن يحتاج بنفسه إلى تفسير ، الدالة النهائية للوجود والزمن ، بسيطة إلى حد خلوها من أي مفهوم عقلي، ولا تُدرك إلا بالحدس الصافي المُباشر.

لذلك، صدق القول أن كل شيء مُتحرك في نطاق الأرصاد المحلية ، ما هو إلا تفاعلٌ بين المعقولات، وهذه "الحَركة المحلية" التي تراها على السطح ، وتعالجها معرفياً ، بالطريقة المُبهمة الساذجة ، بضبابية وإجمال أو كما عبر عنه تراورد "Notions" ، ليست إلا حركة في الزمن العقلي الكوني ، تولِّد الحركة في الزمن الفيزيائي المحلي. ما تراه بعينيك الفيزيائيتين ، موجودٌ بنفس القدر لوجود ما تراه بعين عقلك.

كذلك أيضاً الفيزياء ، "ليست مُجرد أفكار أو توهمات" ، هذه التأويلات لوحدة الوجود هي أيضاً تأويلات ساذجة وتعسفية من قبل اللاشعور ، المعنى الحقيقي هو أن كُلاً من "العقل والطبيعة" جوهرٌ واحد ، يختلفُ حسب الوجه الذي تتوجه به نحوه ، وحسب "العين" التي تستخدمها في النظر إليه ، يختلفُ حسب "التآثر بين إدراكك وبين موضوع الإدراك" وهذا ما يُحدده الإدراك لا الموضوع. الخِبرة الشبحية هي مصدر الالتباس والافتراق، فلطالما كانت المفاهيم الشبحية هي مصدر التعقيد المعنوي ، وكانت المعاني التي لا يتمُ التعامل معها بـ"المصادرات والإجمال والوضعية والاستخلاص" أثناء تأويلها ، هي المعاني الأبسط والأصدق والأجمل.

"الزمنُ العقلي" مختلف بمنطقه وماهيته عن الزمن الفيزيائي ، ففي الفيزياء المحلية ، هناك "نسبية" أما المعقولات ، لا يُمكن تحديدها بـ "هُنا والآن" وعلاقات النسبية فيها مُختلفة ، لأنها أكثر تجريداً ، وبالتالي أكثرُ مُطلقيةً. إنها مُنتشرة في "كل مكان" بنفس الوقت (الوقت هنا خارج نطاق الفيزياء) ماهية الطاولة مثلاً، تسري على جميع الطاولات في كل أنحاء الكون (أو الأكوان المحلية) ، ماهية الشمس كذلك، القمر ، اليد ، العين ، الكهرب ، الجذب .... هذه "الأنماطُ الأولية" للخلق ، تنتمي حركتُها إلى ما يُسمى بـ"الزمن المنطقي\الزمن التجريدي". دون هذا الزمن الأعمق ، لن يصل الزمن الفيزيائي الأظهر إلى مرحلة "الرصد والتأثير" ، فكلُ موضوع فيزيائي (يظهر للخبرة الساذجة كموضوع معزول) هو "غشتالت\كينونة كلانية" انبعثت من التفاعُل بين مجموعة مواضيع إحداثية، التي انبعثت من التفاعلات بين مجموعة مواضيع كُلية، ومن الطبيعي حينها ، أن لا يكون هنالك فرقٌ بين "الصيرورة الخلاقة" من حيث مبدئها الجوهري ، بين عالم العقل وعالم المادة ( أو ما يبدوان كذلك ).

فمن الطبيعي ألا يكون هنالك فرقٌ حقيقي – في الجوهر – بين المادة والعقل ، فكلاهما كيان واحدٌ أقوى من الاثنين ، يظهر بشكل يوحي للمُراقب المعتمد على المقاييس الوضعية والتاريخية (المُتماهية مع الآخر-الخارجة من الإدراك والرد) أن هناك فرقاً حقيقياً.

يكمن السر الحقيقي في إدراك جوهر الحركة المحلية على أنه تقييد للحركة التجريدية بقيد الواقع المحلي والواقع الفيزيائي ، في مقدار رصدِكَ الصامت لحركة الصور والأصوات من حولِك ، والتفكر العميق المُركز في علتها وكنهها ، التجريب والمنطق ، ليس اختصاصهما دراسة الواقع الحقيقي ما وراء الرصد ، وأقصى ما يخبرانك به هو ماهية الحدود التي تنتهي وراءها المادة المرصودة وقوانينها وآليات عملها ، وتبدَأ نطاقات وجودية أعلى منها وأكثر تحرراً ومطلقية.

الأمر أولي للإدراك : ولا يحتاجُ لعلمٍ تجريبي ومعادلاتٍ رياضية ، رغم أن الأخيرة تنتهي إلى نفس النتيجة أيضاً ... تبصّر في الواقع الذي أمامك بتركيزٍ وصمت وستلاحظه ، كـ آثارٌ محلية تنشأ عن تلاقي قواك التي تسميها حواسك الفيزيائية النسبية مع قوى المحيط الزمني حولك ، إنّ حقيقة الواقع الذي أمامك ، في أي موضوع ترصده ، هو أنه نسيجٌ من مراكز التآثر ، والتآثر هنا ليس محلياً بالضرورة ، لأنه عامل إدراكي بسيط ، لا يمكنك تحديد مكانها لأنها بلا مكانٍ أصلاً وفقط أثرُها له مكان ، ودماغك فقط ما يرسُم المكان. ورغم ذلك ، يمكنك الإحساس بها ، ويمكنك إدراكُ هذه الحقيقة ، وعندما "ترد" هذه الآثار التي تُحسها إلى المراكز التآثرية بينك وبين الواقِع وهي العلل ، المُطلَقة اللامحلية ، فإنك تكتشفُ انبعاث الواقع المقيد من تفاعلك بقواك المُجرّدة مع الواقع والزمن المجرد.

وحين تُدرِك هذه الحقيقة ، لن ترى الإبريق أمامك كصناعة بشرية من فوضى عبثية ، بل تراه نَظماً دقيقاً ومصفوفة جميلة سَمَحَت للفضاء الهندسي الحاوي للإمكانات والاحتمالات أن يكون فيه هذا الإبريق الجميل ، وحينها سيكون الإبريق كائناً غير مادي ، وأنت فقط الذي يمكنك رصده كمادة أو كمصفوفة أنيقة .. للحركة الزمنية التجريدية والتي تتمظهر بشكلٍ محلي. ذلك سيكون عملاً مُحتاجاً إلى تدريب ومنع لتشتت الذهن أثناء التركيز ، وإصغاء مُطلق لصوت الموجود دون أحكام من أي نوع.

يُمكِنُك أيضاً فهمُ كُنه المصفوفة التفاعلية التي تُنشئ شجرة الإبريق وتحرك ثمرته الزمنية في مجالك المحسوس ، كُنهُ المصفوفة ما وراء التجريد ، يحتاجُ لصمت وهدوء شديدين ، ورؤية كاشفة لحقيقة الإبريق الأولية للإدراك بما يحتويه من قيم وحياة لا يمكن تحسسها إلا وجداناً.

تجريد التجريد :



الآن ، عندما تخطو خطوة حاسمة ، تعرفاً على الحركة والتفاعل ، كحقيقة مُطلقة عن أي قيود ، ستسأل : ما علة الحركة في عالم العَقل أصلاً ؟ ... هنا .. ستحتاج إلى تجريد التجريد ، فـإن "الحركةُ" كمفهوم عقلي ، مُقيدة بقيد "التَعَقُل : الإدراك العقلي للحركة" ، إن قيد التعقل على الوجود الموضوعي ، لا يختلف عن قيد المادية (المحلية) إلا 0جة التجريد ، ولكنه يبقى قيداً. الوجود المعقول هو أي وجود تستطيع إدراكه ككليات مُطلقة على الجزئيات ، الطاولة والشمس والجاذبية ، لا تُحسها بشكل مادي محلي عندما تعاملها كمفاهيم كلية ، فقط تدرك وجودها المُجرد. إلا أن الإدراك العقلي ، هو قيدٌ على "الإدراك" نفسه ، ذلك الوجود المجرد من المعقولات ، يمكن أيضاً تجريده من معقوليته ، فقط جرد القلم من صفاته المادية العرضية ، طوله وعرضه وارتفاعه ، لونه ، المادة التي يُصنع منها ، سيغدو أمامك مفهوم للقلم ، هو "الأداة المستخدمة برسم الخطوط مداداً أو حبراً" فماذا لو جردت هذا المفهوم ، عن قيد "المدادية" ثم عن قيد "الرسم" ؟ سيبقى مفهوم "الأداة" ، أحد أكثر الكائنات العقلية تجرُداً ، فلو جردته من "أداتيته" ... سيبقى أمرين ، سيبقى القلمُ كقيمة اتصال بين الرمز والمؤلف ، وسيبقى الوجود الذي ليس عليه قيود ، إلا قيد إطلاقه على الموجودات التي سواه ، تلك المادة الأولية ، الخامة التي تنبعثُ منها كل الكائنات العقلية بفعل "لولب الزمن العقلي" وهذا الوجود باتحاده مع قيمة القلم الوجدانية ، يتكوّن الزمن العقلي للقَلَم ... جرِّده عن قيده الأخير ، قيد الإطلاق ... ماذا تحسبُ أنه سيبقى ؟ هنالك يفنى العقل ، ويتعطل المنطق ، وتتوقف اللغة ، تتوقف الأسماء ، هنالك ، لا يمكنك إثبات شيء أو تكذيب شيء ، لقد استغنيت عن آخر قيد يسمح بتدخل المنطق ، استغنيت عن القيد الذي يجعل القياس المنطقي ممكناً ، فإن مطلقية الوجود على الموجودات ، تسمح بقياس الموجودات إليه وإلى المقدمات التي يوفرها ، أزل هذه المُطلقية ويزول معها القياس ، لأن القياس أصلاً ، أداة فقيرة ، وما وراءه هو الغني ، العالم العقلي يمكن تجريده أيضاً ، فأنت "تُدرك العقل بإدراكك" وإدراكك يَسبق العقل ، الحكمة أن ترى عقلك بعين إدراكك، وليس العكس ، ولأن العقل موضوع للإدراك ، يمكنك الالتفات لما وراء العقل.

وبهذه الطريقة تعلَم وتختبر أحاسيس الوجدان بصفاء ووضوح ، وأنت على بينة من أمرك وما تختبره بعيداً شك العقل وتهريجه وقلقه ، استمرارك في التأمل السابق على الموضوعات الأرضية السماوية "المحلية التجريدية" وردها لنور جوهرها الكريم ، مع المحافظة على الصمت والصلاة والاستعانة بالله الذي خلقها ، هذا هو طريق العرفان والسحر النوري الحقيقي ، إن الحقيقة ليست معرفة تُختَزن في الذاكرة ، إنها صلة الوصل مع الله ، كلما قطعتها ترتد إلى الظلام والشك والتفكير ، كلما وصلتها تعيش في قوة الآن.

الحَرَكة والزّمن المُجرّد :

1649234648803.png
"المُعطيات الفيزيائية" ليست إلا ، مجرد علاقات تركيبية بين الماهيات المُجردة وبين ماهية الحدثية (هنا والآن المحلي ) فالصحيح ليس القول : لا معنى للكُليات والمعقولات التي لا تُدرَك حسياً ، بل : لا معنى للجُزئيات وللمحسوسات المحلية التي لا يُدرَك كُنهها العقلي. ولك أن تتخيل الآن ، تلك النقطة المجردة عن العلاقات ، التي تم الحديث عنها قبل قليل ، وهي الآن حاصلةٌ على شبكة لانهائية من العلاقات المحلية ، ولكن هذه العلاقات ، ليس لها كُنه ، لذلك ليس لها حرَكة تخلُقها ، ولا حتى "تآثُرُ بينِها" ... ما الفرقُ بينها وبين العَدمِ المُطلق فيزيائياً ؟

إنك تُدرِك الموضوعات الفيزيائية ، بشكل عقلي ، ليس نتيجة للتطور ، ولا لتواضع الناس على الأسماء ، بل لأنك تُدركُ "كُنهها" وعلّة وجودها ، إنك لا تُدرِك الموضوع المحلي بشكلِه المعزول ، أنت فقط تقوم بتقييد التفاتك إليه ب"اعتبار ذلك"، ولكن الحقيقة ، الإدراك يتعامل مع "العلاقات" وليس مع الجُزئيات ، مع "الزمن" وليس مع المكان ، مع "الحركة" وليس مع المحليات.

ومن الطبيعي عند هذه النُقطة ، أن يتساءل المرء ، عن ماهية هذه الحركة ، من حيث بُعدها العقلي ، وليس فقط من حيثُ بُعدها المحلي ... ما هي عِلة الحركة في العالمِ العقلي ؟ ما هو كُنهُ الكنه لها ؟ وكيف تُنشئ الحركة الأعمَّ الحركةَ الأخص ، فما هي الحركة ؟



إدراكُ الذات للزَمن : زمنك كحكاية أُسطورية سُطِرَت على المرايا الخاصة بك وحدك :

خلاصة الأمر إذن ، أنك تخط كتابك بيديك ، وتفعل ذلك الآن وليس في الزمن الغائب ، وأنت الآن يمكنك أن تصعد لأعلى أو تهبط لأسفل ، وأنت ترسم الحُجُب لنفسك ، ولكن ما حقيقة الزمن إذن ، ما حقيقة الكائنات والأحداث وحكايا كان ياما كان ، والأساطير الجميلة ، والجنات والحوريات ، والتنانين ، وتاريخ الكون وتاريخ الأجناس ، وتاريخ الجن والبشر ، والملاحم والبطولات ، والحضارات ، و ... قصتك ، من أنت :

كلها ظلال على المرايا تحجُبُ الرؤيا ، وتمنعك من الصدق مع نفسك ، وأنت مُطالب بشيء واحد فقط إنه الصدق ، إنك لست ما أحضرته من أزياء في زمن الغياب ، إنك الشاهد على الزمن ، العابر له ... الذات الوحيدة عبر العالمين ، لأنها لا تستطيع الاتصال بما وراء العرض الغيابي على مراياها ، وما وراء العرض ، هو حقيقتها النورانية فحسب ، حيث تغدو كل النفوس نفساً واحدة ، وكل الذوات ذاتاً واحدة ، في العالمين ، هذا هو النور الجامع للوجود المتجلي ، سميناه وحدة الوجود ، ولكنه ليس وحدة في مقابل الكثير ، بل الكثير محتوىً ضمنه كفرعٍ من فروعه ، تغدو أنت كل المحيط ، وتغدو أنت أي قطرة تشاء ، وترى اتحادك بالقطرات وما أنت بهم ، لأن كينونتك صارت كلانية كما رغبها الله.
 
التعديل الأخير:

تَفاعُل الذاتِ والزمان

... وطرق الدراسة التجريبية الزمن (1)


إن الزمن الخالص ، ليس فيه قيد ، ولا محل ، وليس هنالك ذكريات ، فكُل ما ترصده وتُدرِكه يقع في الزمن ، بغض النظر عن هيئته ، حتى الخيال والرؤى والوهم والعدم ، والمعقولات والأحاسيس الغريبة القادمة من أعاجيب أنهار الحياة ، كل ذلك موجود دائماً وأبداً ، لكنك مقفوص ضمن إطار صغير محلي يحجبُ عنك الرؤيا ، وأنت وحدك المسؤول عن تحررك.

فإذا كُنتَ ذاتاً واعية ، وكان الناس من حولك ذواتاً واعية ، وكُنت تحمل ذكرياتهم معك قبل عشرات السنين ، وإن أُتيحت لك فرصة السفر لهُناك ، هل ستلتقي بهم أنفسهم ، وإذا تصورتهم بمجال ما مُستقل عن هذا العالم ، فهل هذا يعني أنهم موجودون هناك أيضاً ؟

وما هو الوعي أصلاً ؟ هل هو كائنٌ محلي حتى تقول مثل هذا القول ؟ عندما تتخيل صورة شخصٍ ما في زمانٍ مختلف ، هل أحسست بوعيه الذي تحسه الآن وهو معك ... بالتأكيد ، وإلا لفقدت الذكريات حميميتها ومعناها ، فهي صلة تذكير بين روح الجمال في ذلك اليوم وبين وعيك الحالي ، لقد بقيت روح الجمال هناك ، وبنفس الوقت هي هنا الآن ، رغم غياب محليته ، ما الذي تبحث عنه إذن ؟ هل هو تلك الروح ؟ أم الأحداث التي تقيد رؤيتك لها ؟ هل الساعة القديمة تأخذ قيمتها من كتلتها وعناصرها الكيميائية ، أم من تذكيرها بروح غريبة ، ورهبة خافتة تنبئ بخافية الزمن ...

عبور الزمن ودراسته إنما يقع لك حسب الجواب الذي اخترته لسؤالين :

السؤال الأول : ما علاقتك بالزمن ؟

هل الزمن المحلي كما تُدرِكهُ مُنفصل عنك وقائم بنفسه ؟ فالزمن هو الوقت الوهمي اللازم للعبور من محل إلى محل آخر نتيجة البون الفيزيائي الغيبي الحاجز بين المحلين. فالمُتحف الذي يبعد عنك مسافة ، يبعد عنك نسيجاً من التفاعلات ، وعندما تنهي هذه التفاعلات لتصل له ، سيكون قد مر هو أيضاً بنسيج من التفاعلات وطرأ عليه تغييرات كثيرة ، ولو كانت المسافة الفاصلة كافية كما يجب ، ربما سيختفي الهدف من الوجود ، لأن سفرك نحو كوكب للفضاء بعد تلقي اتصال من أحد سكانه ، يعني مرور وقت كافي لوفاة المتصل ريثما تصل بالطرائق القديمة ، إن ذلك الشخص قد حضر لك في أثره الذي رصدته الآن المحلي ، ولكنه يعيش خارج هذا الأثر ، نطاقه الزمني والتكويني ، لا رابط بينه وبين نطاقك سوى ذلك الأثر ، (( ليس أنك فقط لا ترصد آنيته المحلية ولا تزامن بينكما ، لا بل إن تكوينه المحلي منقطعٌ تماماً عن تكوينك إلا بعلاقات التآثُر بينكما ، فلا تتخيل أنه "بينما" تصلك رسالته فهو يكون ميتاً أو متزوجاً ، لا بل إنّ زمنه منفصلٌ تماماً عن زمنك وزمن تلقيك الرسالة )) كأنكما في عالمين ، ولكن من الممكن التآثُر المتبادل بين محوريكما بِما يسمَح لكما أن تقيسا أحداث العالمين بشكل يقارن فيه كل منكما عالم الآخر ( زمنه ).

وذلك الأثر ليس حقيقة الزمن الذي انبعث منه شُعاع التأثير ، لنه سيمر عبر خط الأفق الفضائي الذي عبره ، ببحرٍ من أمواج التآثرات الفوضوية ، وعلى قدر استطاعته يمكنه أن يحفظ المعلومات من الانتروبيا ( شواش التآثر الزمني الذي يغير مسلك شعاع تأثيرٍ معين ) ، وعندما تشاهد شخصاً يلقي كلمة أو محاضرة على التلفاز ، فاعتبر أن لحظة رؤيتك للكلمة الحالية ، لو تمكنت من العبور لزمنه الحقيقي مُباشرة وهذا لن يحدث لأنه منفصلٌ ببون عن زمنك ... قد يكون غادر القاعة لسبب ما ، حتى ولو كان البث مُباشراً ، ولربما تعزو ذلك إلى عامل نقل الأثر عبر الحقول الكهربائية ذات القدرة المحدودة والآليات الضعيفة.

ولتعلم إذن أن الزمن بالنسبة لك ليس إلا الأثر الذي نقلته تلك المجالات ، إن أثر الزمن الذي يُنقَل بالقوى الطبيعية دون تدخل الآلات ، يستغرق الوقت المعياري ليصل لك مثل سرعة الضوء المحلي والصوت المحلي بل وهو أقصى ما توفره طبيعة قوى الفيزياء المحلية التي تحكم تواصلك مع العالم الخارجي ، لكن ورغم ذلك ، سيبقى نسبياً وضعيفاً ، وسيطرأ عليه فقدان في الطاقة والمعلومات أثناء سفره لك ، بسبب تشوهه بعوامل الأنسجة الزمنية التي يمر بها. أي : الزمن الذي تعرِفه محلياً ، هو زمن حدوث الأثر في المتأثِّر والمُدرِك فقط ، وليس زمن صدور الأثر عن المؤثر الأساسي ، فالأزمنة هي قِطعٌ محلية متفرقة وأحاديث لا ارتباط مُباشر بينها ، منشؤها هو "التفاعُل\التآثر" وليس التزامن \ التواقت ، هذا الزمن التفاعلي النسبي هو الحقيقة ، أما زمن التواقت في المحل كما عرفت البشرية بعمومها حتى اليوم ، مُجرد مفهوم ذهني شَبحي لا علاقة فاعلة له بما يقع خارج المفهوم. بالطبع انعدام التزامن يعني أيضاً انعدام انطباق المعلومات الواردة عبر وسيلة فيزيائية مع أصلها الذي صدَرَت عنه.

هذا هو أثر الزمن الغيابي على نطاق أرصادك ، وأثرك عليه مشابه لأثره عليك ، ورُغم هذا فلن تستطيع أن تؤثر على الكائنات الغائبة أو تتأثر بها زمنياً بمجال طاقتك الفيزيائي دون المرور بالنسيج الوسيط الناقل لأثرك والذي يتناسب مع مجال الطاقة الذي اخترته. لذلك تتأخر العروض التلفازية المباشرة عدة ثواني أو دقائق رغم أن الحقل الكهربي لا يحتاج لثانية واحدة للمرور من المصدر إليك ، لكن مصفوفة الآلات التي تستغل هذا الحقل لهذه الغاية ، ومصفوفة العوامل البشرية الوضعية والكونية الطبيعية التي تؤثر على انتقال أمواج الكوكب ، ستحول دون وصوله في الوقت المحدد ، والعطاء المعلوماتي الكامل ، حيث يحدُث تشوه في المعلومات.

والزمن المحلي ، هو الفترة اللازمة للوصول من التأثير إلى الأثر عبر مجال تآثر طاقي فيزيائي ، بناءً على مصفوفة الآلة الناقلة "الأجهزة" ، ومصفوفة الآلة النسيجية الزمكانية التي سيتم المرور بها "المجال الكوكبي" ، وأيضاً ، بناءً على مصفوفة المجال أو الحقل الفيزيائي نفسه "المجال الكوني" ... فهذا الحقل أيضاً طاقة محلية وليس طاقة خالصة ، فهو علاقة محلية بين مصادر التآثر الحاملة لهذه الطاقة ضمن بنيانها البسيط ( الفضاء والفراغ ) ، ففي الشروط القياسية يُفترض أن ينتقل الضوء بسرعته المعروفة ، لكن هذه السرعة المحددة بمقدار معين ، لا يمكن أن تكون أسرع ما في الكون ، لأن السرعة المحددة هي نسبة بين علاقات معينة ، وإلا لما كانت محددة ، وليس معنى أن الجاذبية ثابتة السرعة ، والكهربية ثابتة أنهما خارجان عن مبدأ النسبية ، فلو كانتا كذلك لما تحددت سرعات انتقال التأثير عبرهما بعلاقات زمنية نسبية ، ولما تأثر انتقال المعلومات عبرهما بطبيعة الآلات والكواكب ، والأهم ، لما احتاجتا إلى طرفين منفصلين ذاتياً لنقل التآثر ، فوجود التآثر هو عينه جوهر التناسب ، لأن التآثر يعني انفصال الطرفين بقوة النسيج البَوني بينها ، واتصالهما بقوة الطاقة العابرة للنسيج ، والتي تتماثل مع إحدى مجالات احتمالاته ، فالطاقة بحد ذاتها لا تكون محدودة ، لكن الدالة التي تمر عبرها ضمن مصفوفة علاقات هي ما يحددها ، والتكاثف الزمني نحو محلية الزمن ذات الأبعاد الثلاث تجعل وصول الطاقة طوبوغرافياً ينتقل من مرحلة لأخرى بتسلسل أحداث ، بحيث لا تتزامن الأحداث معاً ، لأن كل حدث يدخل في علاقات مختلفة عن الذي يسبقه والذي يلحقه ، وهذا معنى أن يكون محلياً أي مقيداً بالأنساب المُنشئة للمحل الذي هو فيه ، لذلك قياسك للوقت يختلف من موقع لآخر على الأرض لأنه يقيس موقعك إلى تأثير الشمس والليل ، وهذا التأثير يختلف في وصوله لكل نقطة على الأرض فلا يمكن القول أن حدثاً في النقطة الإحداثية الافتراضية "ألف" يتوافق مع حدث يحدث في النقطة "باء" إلا بالنسبة لراصد ذو نسيج علاقات يتداخل فيه الحدثين معاً "جيم" وحينها يقع التوافق تقريبي ، بينما راصد آخر يحس بأدق تفاصيل تغيرات الزمن (لأن إدراكه ليس محلياً ) سيؤكد لك ، أن الحدثين لا علاقة تربط بينهما سوى وصول تأثيرهما لبعضها أو لمرجع موحد وهذا فقط تزامنهما النسبي الناشئ عن المُقارنة لمحور إسنادٍ تختلط فيه الأزمنة المؤثرة ... أي أن الزمن المحلي هو قِطع متجاورات ، وليس اتصالاً من الأحداث ، لأن الاتصال لا يكون فيه مسافة واقعية ، لأن المسافة هي قيد على الاتصال وتقطيع له ، وبعبارة أُخرى ، فالسبب المحلي لا يسبق النتيجة المحلية سوى ضمن العالم المحلي وبالنسبة لراصد محلي.

سبب محلي ( تأثير \ قبل ) > بَون > نتيجة محلية ( تأثّر \ بعد ) ...

هذه المعادلة صحيحة فقط بالنسبة لراصد محلي ، يرى المسافة والفترة التي تفصل بين السبب والنتيجة ، بينما الحقيقة أن كل مرحلة محلية لها نطاقها الزمني الخاص المنقطع عن بقية النطاقات محلياً ، ويعتمد التسلسل على عوامل تجريدية توجهه ليظهر بهذه الطريقة ففي الزمن التجريدي لا معنى لأن يسبق السبب النتيجة لأنه لا مسافة ولا فترة بينهما ، ولذلك يمكن تجريدياً محاكاة أي رحلة زمنية بغض النظر عن عدم تقبلها بالنسبة للعقلانية المحلية.

الزمن المحلي بالنسبة لك كراصد :

ما هو إلا فواصل الاتصال بين التأثير والأثر ، نتيجة دخول تأثيرات مضادة للاتصال ، تشكل مصفوفة من المجالات الكونية ، أو من المجالات الآلية المصنّعة ، أو مصفوفة المحلية نفسها وقيادتها للمعنى الجوهري للطاقة التي تعبُرها وترى أعراضها فقط. هذه المصفوفة تشمل القوانين الطبيعية والعلاقات الأُخرى من حيث هي علاقات تنظيم وَصَفْ ، ليس من حيث مصاديقها المحلية. هذه المصفوفة هي عقل الزمن المحلي الناظم لمُجرياته ، وتأثير العقول الآلية ضمنه ... فإذا كان الأمر كذلك ، ستغدو مصفوفة الزمن المحلي إذن حاوية على جميع الأحداث المُمكنة ، كل ما يُمكنك تخيله وتصوره وأخرى لا يمكنك ، وستكون أنت الذات الفعالة والزمن سيكون رد الفعل على قوة وطلبات ذاتك ، هكذا ومن حيث الزمن محلي بشكلٍ مُطلق ، لا يكون من معنىً للماضي والمستقبل ، ويكون السفر عبر الزمن هو تغيير نوع المُحاكاة ونمط سير الأحداث ، بتغيير المصفوفة التي تنسج زمنك الحالي ، بتغييرك للآلة ، أو للطاقة ، أو للمُحاكاة التي تمر بها.

السؤال الثاني : ما علاقة الزمن بالكائنات الواعية الأُخرى ؟



إذا كُنتَ الذات الوحيدة في عالمك ، وكان كل شيء حولك حكايتك لوحدك ، لن يختلف الأمر بسفرك عبر الزمن المحلي سوى بسيرورة الأحداث ، سيكون عليك عبور العالم المحلي نفسه لما وراءه حتى تلتقي بأمور تتجاوز مُحاكاتك ، لكن ، إذا كان الناس حولك والكائنات أو بعضهم لديه وعي حقيقي وروح مِثلك أيها القارئ الكريم ، فأخبرني ماذا سيحدث إن أنت انتقلت من زمن إلى آخر ؟

لا تتوقع أنهم موجودون في اللحظة الآنية التي ترصدهم بها مهما كُنتَ قريباً منهم ، لأنك ترصد انعكاسهم على مراياك المُقدسة ، ولا ترصد حقيقتهم الوجودية ، بل أفعالهم الزمنية التي استغرقت وقتاً لتصل إليك ، وأياً ما كان هذا الوقت ضئيلاً بالنسبة لأحداث أُخرى ، سيكون هائلاً بالنسبة لما هو أسرع منه بكثير. انعكاسهم على المرآة مُحاكاة أيضاً حتى عندما يعكس نور وعيهم ، والبون الفاصل بينكما ربكما أعلمُ بمقداره وماهيته ، قد يكون ملايين السنين وأنت لا تدري ، تماماً كما لو أنه شريط مُسجل لأحداث حصلت وانتهت يُعاد تكراره وتتخذ أنت نفس المواقف التي نسيتها وتحسب أنك تقوم بشيء جديد وتعيش واقعاً متصلاً بك.

الكائنُ الزمني الحقيقي والمُزيف "الزنى" :


وعلى هذا الأساس يكون السؤال : ما علاقتهم بزمنك الخاص ، إذا ما عُدت للوراء هل ستدخل في مُحاكاة وهمية ، أم ستشاهد نفس الشريط المُسجل لأعمالهم الذي شاهدته في مستقبل هذا الماضي ، وهل يمكنك التلاعب بهذا الشريط ؟ إنه سيتحول حينها لمُحاكاة وهمية لرغباتك ، لأنك تدخلت بسيرورة الأحداث الحقيقية ...

إذا كان هذا الانعكاس نابعاً من كائنٍ واعي وحاضر النواة ، وكشفتَ ذلك حقاً بوحدة قيمية في أثر النور المنعكس ، بحدسك الصافي ، فإنك عندما تحاول إعادة الاتصال بمصدر النور تقع أمام خيارين ، إما الاتصال بطريقة زمنية محلية خالية من التآثر الحقيقي ، المُطلَق عن قيود الزمن ، أو التآثر بقوة النور نفسها في أثرك الزمني أو فيما وراء الزمن ، في الحالة الأولى ستتآثر مع مُحاكاته المحلية وليس مع ذاته ، وستقع في مُحاكاة وهمية ولن يكون هنالك حينها سفرٌ حقيقي عبر الزمن ، بل عيش في الأحلام وزمن النسيان.

إذا كان كائناً نورانياً فهو غير مُقيد برابطة المحل أصلاً ، أي أنه لا يتواجد في المكان الزمني الذي تراه فيه ، بل يتواجد فيما وراء زمن المحل والاحتمالات ، ماذا يعني ذلك ؟ يعني أن التآثر الروحي والنوري لا علاقة له بزمن الحَدَثْ. وأن الحدث بين روحين ليس آتياً من سببية محلية ، بل هو يخلُق السببية المحلية. بل هو يخلق الزمن المحلي كما تراه ، بل إن الزمن المحلي وسببيته مجرد أزياء وقيود على إدراككما للنور الحق بينكما ، فالالتقاء مشروط بتوافق النوايا وتآلف الرغبات وتناسب القوى الإيمانية والإرادية ، وليس بالزمن المحلي نفسه ...

عندما ترى مَشهداً جميلاً يشعرك بالأُنس ، تعزو جماليات المشهد للكائنات التي ارتبطت به زمانياً وسببياً ، ومن ثم تربط كل ما يُشبهها من كائنات بتلك الجماليات ، ولكن الحقيقة ، إنك لم تطلب الكائنات نفسها من حيث تمثُّلها في المحل والزمن ، لا بل من حيث جوهرها القابع ما وراء الزمن ، إنها وِحدَة وليست ترابُطاً اعتباطياً ، ولذلك تكون نفس الموسيقى مصدراً للترغيب مرة ، وللترهيب مرة أخرى ، وتحب زوجتك ذات يوم وتكرهها سائر الأيام ، ثم تحبها سائر الأيام ، ثم فتور ، ثم رجعة وحنين ، ثم ، ارتقاء بالوعي والروح ، بعد عشرات السنين أن كُشف شيء من نوركما لفاهمتيكما أخيراً وفهمتا علة المعاناة طوال تلك الأحقاب.

إنك لا تبحث عن الأجساد والأفكار والتأويلات المزيفة ، بل عن حقائق الأمور ، وجماليات تحسها بوجدانك ، لكنها تختلط بالأوهام والأكاذيب المختلفة ، لا ترى النور بحقيقته العليا بل بقدراتك التي حددتها بتأويلاتك وتعلقك بالزي الخارجي للنور والأنوار ، ليست الزانية من تزوجت روحياً بمن تُحب ، إنما الزانية من ألبست النور زياً وزيفاً عن عمد وقصد ، ومصداق ذلك في علاقة الجنس الجسدية ، وعلاقة المقايضات ، والتلاعب والاستغلال ... ليس الزاني من أخطأ بالتعبير عن حبه ، إنما من يلبس الحق بالباطل ليكتم الحق ، إنه الساحر الذي يزين الضلالات والفواحش في أعين الناس ، ومن يدعي لواء علاجاً وهو مجرد تأثير وهمي ، وهو الكاذب في السياسة ، الذي يشتري بآيات الله وعهده ثمناً قليلاً هذا هو عين الزِنى ، هذا هو ما يُغضِب الرب الكريم ، أيضاً ، لا يريد الله أن تحكم الغريزة الحب ، لذلك كان الزواج ميزان نور المحبة بين الذكر والأنثى ، حتى لا تلوثَ الغريزة والفضول لوعة جمال المحبة ، ولكن هذا الزواج هو عمل جوهري قيمي وليس مسألة عُرف اجتماعي ، يعسّر الزواج ... ليس الزاني من عبر عن مشاعره الوجدانية بصدق ، حتى ولو بطريق غير مستقيم فذاك خطأ وضلالة ونسيان ، وليس زنىً حقيقياً ، إنما الزاني من يستغل باسم الشرع أجساد العذارى ، ويغتصب باسم الزواج حق اختيار الشريك ، ومن يبيع نواة ابنته بثمنٍ بخس ، ذاك هو الزاني ، الذي بدل النور بالزي الغائب المزيف ... هل علِمتَ الآن ، من هو الزاني الذي يجب أن تجلده ، ولماذا ، ومن هو الذي يجب أن لا ينكح المؤمنات ، ومن التي لا يجب أن ينكحها مؤمن ... وبزوال علة الزنى يزول حُكمه الزمني ، وتزول الحاجة للعقاب ، فذلك الدين القيم.

ومن الغريب حقاً أن الأجيال التي تعاقبت على القرآن لم تفطن لأن "سورة النور" تتحدث عن الله نور السماوات والأرض ، وعن الزنى بنفس السياق الذي يبدو بالنسبة للتأويل الساذج وكأنه حديث عن "موضوعين" لا علاقة بينهما :
{( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (*) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ )} هذه السورة التي يقصد الله منها "الذكرى" ويجملها ب"آيات بينات" تكشف حقائق الوجود وعلومه ، ما العلاقة بينها وبين "ممارسة الجنس" ؟ هذا ظلم صريح من الذين امتهنوا التفسير ، واستهزاءُ بعقول الناس وآيات الله ، ثم منذ متى وكلمة "الزنى" تتعلق بالجنس ؟ النور هو سر حرف النون ، والزي هو سر حرف الزاي ، إلباس النور زياً وحجبه ، هذا هو الزنى الحقيقي وقد ينعكس بأفعال جنسية ولكن ، حقيقة الزنى أعمق من مجرد الظاهرة الجسدية.

{( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (*) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (*) رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (*) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ )}

لعله بيانٌ كافٍ لموضوع سورة النور المُباركة ، وعلو كلمة الله عن رغبات البشر وقوانينهم العرفية وحمياتهم ، وانتقامهم من بعضهم باسم الله والدين.

من أخلص المحبة تماماً ، لا يعود بحاجة للجنس ، ولا بحاجة للزواج ، ولا يعود بحاجة للآخر ، لأن الآخر يذوب في رحاب نوره ، ويكون حاضراً بذاته في ذاته ، فيتحدان في الوجود ، وهما حدث من تقلبات الزمان بين الذات وآخرها ، تُدرِك أنها أزياء وأقنعة آيلة للزوال القريب ، من أخلص المحبة سيحب النور فقط ، وليس الأزياء المعزولة عن نورها بل هي كذلك وهي تتجلى من النور الذي يحكمها ، وهذه المحبة لا تكون لغير الله الحي القيوم ... فعوض البحث عن أسباب السعادة الزمنية ، تحلى بالسعادة نفسها.

زَمَنُ الإدراكِ كمحاكاة تحكي حقيقة مفارقات العبور والأجداد :


هَب أنك تحاول الاتصال بكينونة السعادة (نور السعادة) ، عبر محاكاة زمنية محلية تحسبها هي مصدر السعادة ، إن قوة الاتصال النوراني بينك وبين قيمة السعادة هي ما يحدد قُدرتك على خلق هذه المُحاكاة ، ليس أن المُحاكاة نفسها هي ما يحدد إحساسك بالسعادة ، ولو أردت الاتصال بنبي من أنبياء الله في العهود القديمة ، وكانت لديك اللهفة الحق ، فإن الاتصال سيحدث حتماً لكن في الزمن الحقيقي ، ولأنك تعيش بين زمنين ، الحضور والغياب ، لن تستطيع إدراك الحضور دون بعض الأقنعة والثياب الغيابية ، فترى النبي في الرؤيا المنامية ، أو في غشية سريعة ، أو تحس به بقلبك أو تسمع صوته ، أو حتى تستأنس بذكرِه ... هذا الاتصال كان حقيقة تعبُر الأزمان ، لكن استعدادك للكشوفات الزمنية هو ما يحدد نوع الثياب التي سيرتديها شعاع النور الذي سيلتقيك عبر المرايا.

فلو عُدتَ بالزمن للوراء ، لتقتل جد أمك أو أبيك ، لكي لا تولد في المستقبل ، ففي الحقيقة أنت لا تعود وتترك المستقبل منفصلاً عنك ، بل أنت تعود ، ويعود كل المستقبل معك ، ويغدو الزمن بالنسبة لك هو تلك اللحظة التي أنت فيها في الماضي ، إن قتلت جدك في المحاكاة ، فقد جسدت احتمالاً آخر للوهم ضمن إدراكك المحلي ليس إلا ، ولكن لو عُدتَ إلى نُقطة يوجد فيها جدُك الحقيقي في ذلك الزمن ، فما فعلته ليس عودة للوراء ، لا بل تجميعاً لشبكة التآثر بحيث تطابق الزمن القديم ، بأنواره وظِلاله ، مع فرقٍ وحيد ، أنت تستطيع التآثر معه الآن ليس فقط بإدراكه على حقيقته ، بل بتغييرها أيضاً ، وإذا قتلت جدك ، لن يتغير المُستقبل الخاص بك شيئاً ، لأن مُستقبلك حاضر في هذا الزمن الذي قتلت به جدّك ، اي أن ما تتخيل أنه قد مر من زمن يفصل بين ولادة أمك أو أبيك من جدك ، وولادتك أنت ، هو مُجرد محاكاة ، لأنك أنت ، منفصلٌ عن الزمن ، وكذلك أبويك ، بل وكذلك جدك ، لقد غيرت الزمن كمُحاكاة ، لكنك لم تغير القلوب والنفس والنور ، فالزمن الحق هو تفاعل نوراني قيمي ، وليس تسلسل مواقيت وأحداث محلية.

وبينما أنت تعيش في محاكاة وهمية لزمن الماضي ، الذي هو محاكاة أصلاً ، فأين الأرواح النورانية التي التقيت بها في المُستقبل حيث غادرت كما تظن ؟ إنها تعيش زمانها المنفصل عن الزمان الذي دخلت فيه ، فلا تلازم بين سببية زمانك وسببية زمانهم ، لأن الزمن ، لا يتبع السببية المحلية ، بل علته الحق هي التآثر ... إنها تتفاعل معك بناءً على النواة القيمية لطرفي التفاعل ، والنفس التي تنظم أشعتها النورانية في مصفوفات من المرايا ، وليس بناءً على السببية الظاهرية التي تلحق الآثار لهذه العلاقة الجوانية ،هل ترى إذن للزمن وجوداً ؟

إنك تعيش في شريط الكاسيت ، ولُعبة الفيديو ، وكتاب الحكايات ، وهذه الأشياء تستطيع تعديلها كما تشاء ، ليس لأنها غير موجودة أو لأنك غير موجود ، بل لأنها مُجرد مصفوفة تُعبر عن الزمن الحقيقي ، زمن الرغبة ، زمن القيمة والحياة.ً


التآثر ... سر الأسرار
وكيفية دراسة الزمن تجريبياً


hypnosis-4041582_1920.jpg

الزمن هو وجود التآثر ... وإدراكُ التآثر :

ثلاثةُ مبادئ كُبرى هي ما يحدد سير الأحداث الزمنية ، سواءً في عالم الفيزياء أو خارجها ...

مبدأ اشعاع التآثر :

كل حدثٍ عبر الزمن ، هو نتاج تلاقي أشعة تآثرية تنسجه ككائن محلي قابل للرصد ، وقابل للتأثير ومن خلال ذلك يُمكن قياسه وإجراء التجارب عليه وتوجيهه ... كل كائنٍ يدخل بشبكة من العلاقات التآثرية تحدد أُفق حياته الزمنية وتحركاته وإمكانات وجوده ... وكل شعاع تآثري يتكون من طرفين ، المؤثِّر والمتأثر ، ومن بونٍ فاصلٍ بين الطرفين ، هو حاجز الزمن الغيابي الذي يمنعُ الالتقاء المباشر بينهما. قوة التأثير الممارسة على كائن ما ، تجعلُهُ ينجذب نحو الذي قامَ بالتأثير عليه ، ولكن هذا الانجذاب ليس بالضرورة أن يكون مباشراً وصريحاً ، بسبب البون الفاصل بينهما وبسبب العلاقات التآثرية التي تكون كلاً منهما. ورغم ذلك ، يحدُث الانجذاب ، والذي هوبالأحرى "ردّة فعل" تعكس الفعل الأساسي بشكل مساوي له ، ولكن ، يمر بمصفوفة زمنية تشوه نسيجه النهائي قليلاً أو كثيراً.

ذلك يعني أن أي فعلٍ عبر الزمن ، لابد أن يعقبه رد فعلٍ معين ، فهو لا ينفذُ إلى اللاشيء ، بالأحرى إنّ اللاشيء نفسه هو ما يعكسه كفعلٍ زمني معاكس ... هذا هو : مبدأ التناظُر ، ومبدأ الزوجية يعني وجود زوجٍ من الكائنات لكل عملية تآثر زمني ممكنة ، فلا يتمّ التآثر عبر كائنٍ زمني وحيد ... بل إن الوجود نفسه لا يكون زمناً دون العدم المُطلق ، أما شعاعُ التآثُر نفسُه فهو "مبدأ الذبذبة والاهتزاز". ولكي تغيّر زمن كائنٍ ما ، يجب أن تؤثّر عليه بشعاع ... إذا كان الشعاع أضعف من نسيج علاقاته فسوف يتم امتصاصه وعكسه بما يتناسبُ مع مصفوفة ذلك النسيج ، وإذا كان الشعاعُ أقوى من قيود تلك العلاقات ، فإنه يكسر حاجز الزمن الذي يعيق ذلك الكائن عن الحدث المقصود من الشعاع.


مبدأ محاور الإسناد (الإطار والخلفية) :

عندما تراقب حدثاً زمنياً ينتمي لنظام إحداثياتٍ معين ، فإنك تُراقبه من منطلق زمنك الخاص ، وليس من منطلق "زمن الحَدَث" .. أي أنك ، ترصد "تأثير الحدث عليك" وعلى نطاقك الزمني ، وتفهم الحدث بقياسه لنطاقك الزمني ، وليس بقياسه لحقيقته التي انبعث منها قبلَ أن يصلك ... في الفيزياء يسمى هذا بـ"الإطار الإسناد" حيث يختلف المراقبون لحدث ما ، وفقاً لإطارِ إسنادهم ، حركة القطار تبدو ثابتة لمن يجلسُ ويراقب من النافذة ، حركة الأرض تبدو ثابتة بالنسبة لك وأنت تشاهد التلفاز .... و"حركة الضوء" والظلام تبدو ثابتة بالنسبة لشخص لا يُحس بالفروق الكمومية للزمن التجريدي عندما يتجسد في العالم المحلي.
هذا ليس بالنسبة للرصد فقد ، بل لتأثير القوى على الكائن الزمني أيضاً ، فقوة الصاعقة لا تؤذيك إلا بقدر ما يسمح لها إطار إسنادك (شبكة علاقاتك الزمنية والبيولوجية) بذلك ، ولكن ذلك لا يتوقف على الزمن المحلي وعالم الفيزياء فقط ، بل يشمل كل تفاعُل زمني مُمكن ، فالكلمة التي تسمعها تؤثر عليك بحسب تكوينك اللغوي واللاشعوري ، ومفهومك عن الشخص الذي قالها والمناسبة التي قيلت لك فيها ، وهذه الأشياء أيضاً محور إسناد لعلاقات زمنية من نوعٍ آخر ، والطعام الذي تتناوله ، والأحداث المهمة في حياتك ، ذائقتك الفنية ، وأحاسيسك الجمالية والوجدانية ، كلها تعود لنفس المبدأ ... وعندما تحاول أن تتخيل شيئاً فلا تقدر إلا وفق إطار إسنادك الخيالي حينها والذي يتفاعل مع محيطك ومع شخصيتك ... هذا الإطار ، هو "مرايا الإدراك" و"المصفوفة النفسية" الخاصة بها ... وهذه المرايا ليست مجرد مرايا تعكس الأحداث للإدراك المعرفي ، بل للإدراك الوجودي أيضاً ، إنها تحدد طبيعة جسدك ومتى تشيخ ، وطبيعة فقرك وغناك وصحتك ومرضك ، إنها تحدد وفق مصفوفتها الدقيقة كلَّ صغيرة وكبيرة في حياتك ، وبقليل من الالتفات الهادئ المستنير نحو الأحداث وربطها ببعضها وإيجاد الوحدة الخفية بينها ، ستتأكد من قيادتها بالحكمة والمشيئة الإلهية ، وهذا هو "مبدأ الإيقاع\القَدَر".

أما الحدثُ نفسُه بالنسبة للمُراقب ، ومن حيث ينبع للوجود ، وليس فقط من حيث يتم إدراك تأثيره وأثره ، فله أيضاً محور إسنادٍ محدد ، هذا المحور يسمى بـ"خلفية الحدث\أُفُق الحدث" ، فالقطار الذي يسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء ، يبدو للمراقب البعيد إن قدر على رصده ، وكأنه صغير جداً ، لأن كتلته تقلّصت وصارت متناسبة مع سرعته الهائلة التي "كسرت حواجز المحلية في الزمن" وما الكتلة إلا قيود الزمن المحلي على الكائن ... بالنسبة للمراقب الذي يسكن في عمق القطار ، سيبدو القطار قد صار ضخماً جداً ، لأنه يرصد "محلية القطار" ضمن محلية الدرب الذي يعبره. فالمراقب الثاني يسير بنفس سرعة القطار ولذلك يقيس القطار إلى "خلفية الحدث" أما المراقب الأول فيقيسه إلى "إطار الإسناد" الخاص به ، وفي خلفية الحدث تراهُ كما "يبدأ فِعلَه نحو الزمن" بينما في إطار الإسناد ، لا ترى الحدث وإنما "ترى أَثَره" على نطاق أرصادك ، بالأحرى فإنك ترصد شيئاً آخر تماماً غير القطار الذي تحرك بتلك السرعة ، ومن هنا تبدأ مفارقات النسبية ، لأن الزمن المحلي وفق مبدأ الطوبوغرافيا لا يمكنه توفير التفسير الصحيح لاختلاف الواقعة الزمنية بين "أفق الحدث للمؤثر" عن "إطار الإسناد للراصد أو المتأثر" ، دون أن تنكسِر محلية علاقة التآثر نفسها وتستحيلُ إلى عواملها المُجرّدة ، التي تجعلُ الزمن "مُحاكاة" لمصفوفة عُمقى.

مبدأ النسبية :
في فيزياء نيوتن ، يقعُ الحدث والتآثر ضمن علاقة نسبية في إطار الرصد ، نسبية في أُفُق الحدث ، حيث يختلف المراقبون وتختلف الأرصاد ، وتختلفُ الأنسجة الزمنية التي تكون خلفية الأحداث ، ورُغم ذلك ، تبقى القيم الفيزيائية ثابتةً تماماً ويبقى الكون ساعة ميكانيكية صلبة وميتة ، لأن "شُعاع التآثر" الميكانيكي النيوتني ، لم يُراعي مبدأ "نسبية البون الفاصل بين المؤثر والمتأثر" لذلك يكون لكل فعلٍ محلي رد فعلٍ تام ، وتكون الحركة المحلية مصونة عن التغيير ، ويكون قانون الجذب تام النتائج في كل الوقائع ، لأن الأرض مُطلَقة والفضاء مُطلق والكُتَلَ مُطلقة ، وكلها معزولة عن نفسها ، فلا تقعُ النسبية في الأسس للكون بل في "التراكيب" التي بُنيت على تلك الأُسس.
تخطى آينشتاين حاجز الوهم هذا ، وقرر أن النسبية في المبادئ ، أولى من النسبية في النتائج ، فكان البون بحراً من التآثُر والتشابك ، الذي يحرف الشعاع عن مساره مما يوحي "بتشوه" الزمكان المحلي ، الذي ليس إلا رصد ذلك الشعاع والتآثر معه أصلاً. وكذلك كانت الكائنات الزمنية مؤلفة من علاقات تآثرية تغير نسيجها باستمرار ، ولقد نبعَ التآثر هذه المرة من عُمق المادة ، من ما وراء المادة ، من عالم العلل "المتغيرات الخفية" التي يقوم عليها "المُطلق" ( بتعبير موثق لآينشتاين نفسه وهو ما لم يُنقل في الإعلام المعروف للأسف ).
الزمن والبندول.png

الٓمٓرۚ :

الألف : التآلف الزمني بين كائنين ، نقطة ونقطة (نوران وجّادان للزمن) بينهما خط مستقيم ، يمثل المستقيم "المسافة الحقيقية" بين الأشياء أو العلاقة الحقيقية وهي اللازمن واللافاصل ، وتمثل النقطة "مركز الحياة للكائن الزمني".

اللام : العلاقات الزمنية الناشئة عن التآلف ، قد تكون علاقات نورانية حضورية ، تعيد الأشياء لعللها وحقائقها ... قد تكون أزمنة غيابية ظلامية تحجب الرؤيا بمصفوفة العلاقات ، ومن هنا يأتي اللوم ، وتأتي الأداة "لِمَ ؟ لأنه" ، ويأخذ اللام معنى الملكية ونقل الشيء والحدث ضمن الزمن.

الميم : مبدأ الماء الكامن العاكس لكل الأشياء ، من نور الذات نحو الماء ، تنتج الجمادات والحيوات ، يحتوي الماءُ كلّ شيء فهو الوجود والعدم ، هو مِعكاس النور والظلام.

الرّا : رؤية الانعكاس وروايته ، التفاعُل مع الانعكاس تأثّراً وتأثيراً ، إدراكاً وإيجاداً ... هكذا ... تنشأ
"المرايا الزمنية".

غاية علم الزمن ومنتهاه : الوجود الكائن والوجود الحاضر



في اللحظة التي تحدُس فيها الوجود المُفارق لذاتك، كموضوعٍ لإدراكها تكشف الذاتُ عنه ولا تتلقاه سلبياً كغيابٍ مُطلَق.

البحث عن العلة الجوهرية للحركة التفاعلية، يُحيل الحركة العقلية وزمنها ، لشيء لا يُمكن إثباته دون الاستناد على "بداهة مفهوم الوجود" لتقول : الحركة موجودة. وذلك المفهوم، أول المفاهيم التي تعرفها (ربما لا شعوريا) ، ليس ثابتاً بحد ذاته ، إنه وككل بداهة منطقية تستخدمها في حياتك اليومية ومعرفتك العلمية ، بداهة مفهوم الوجود "مُدرَكَة كموضوع خارجي" وهي الوجود الموضوعي نفسه ، الذي ينتمي عالمك كله نحوه ، ويُبنى على ذلك المفهوم البديهي ، المُفارق لإدراكك ، ولكي تصل لإثبات هذا المفهوم ، ستحتاج لقياسه نحو أمر خارجه ، فما الذي يوجد خارج عالمك ؟ ... هل فكرت يوماً من أين يأتي "الصدق والكذب" "الخير والشر" "الحقيقة والزيف" "الواقع والوهم" "الكلمة والمعنى" ؟ كلها بلا استثناء ، مُجرد "أحكام منطقية" ، كل حياتك تُبنى وتتحرك بقوة أحكام منطقية لا يُمكنك إثباتُها منطقياً، فالحكم المنطقي هو نسبُ صفة لموصوف ، وطالما أنك تقوم بهذه التنسِبة ، فأنت "مفارق للصفة والموصوف" ، ولذلك تحتاج لإثبات العلاقة بينهم ، لأنك لا تختبرها بشكل مُباشر.

مفهوم الوجود فلسفياً ، هو كلُ مفارق لذاتك ، يقعُ موضوعاً لإدراكك ، فإنه ينتمي إلى الكُلّي الأعم وهو الوجود الموضوعي ذو الزمن الغيابي ، المُفارِق للإدراك ، وهذا الافتراق يجعل ما فيه غير واضح وغير يقيني ، إلا إذا ثبُتت نسبته لمفهوم الوجود الفلسفي ، ومن هنا ... تنشأ الحاجة للمنطق والبرهان ، ثم تنشأ الحاجة لإسقاط المنطق على الوجود المحلي ، فتصل لمفهوم التجربة وفلسفة العلم التجريبي.

قبل أن تحاول إثبات أي شيء ، تأكّد من الأصل الذي تبني عليه شجرتك المعرفية ... كون الشيء معقولاً ليس إلا مجرد نسبه لمفهوم الوجود (الأمر الذي ربما لا تتعامل معه بشكل شعوري يقظ) ومفهوم الوجود يأتي من افتراق الذات المُدرِكة عن الموضوع المُدرَك، الذي لا يصلُها إلا كـ"صورة" في الذهن، وهذه الصورة ، التي ترى منها العالم ، هي "الوجود الذهني" خاصتك ، الذي تعيش في جزء صغير منه، فقط قم بِرَدِّ هذا الوجود إلى أصله "إدراكُك له" لتَلحَظ فوراً ، أن الحقيقة الوحيدة المُمكنة هي عند إدراكُك وزمن الحضور. وكل حكم منطقي وفكرة تلحقها ، تأتي بعدها فلا تصل لجلال حضورها. لقد تجرد الإدراك عن الوجود الذهني ، وتجرد بذلك عن كل حكم ، فكلمة "صادق وكاذب" أضعف من وصفه ، المعرفة البشرية بالكامل تُرَدُ إليه ، هو الحكم العدل عليها ، وهي تطوف حوله خَدماً وحشماً ، والرغبةُ الحقيقية ، هي رغبة المُدرِك لإدراك الحق ، لا رغبةُ المُدرِك للغياب والضياع في الوجود الذهني المُفارق ، التائه في تفاصيله ، الناسي لذاته ، الغائب عن حقيقته. القيمة الحقيقية للحياة ، ليست في عالمك الذهني ، فكل ما فيه يحتاج لتبرير مما هو أعلى منه. لتعرف سر الزمن في الوجود الذهني ، قُم برد هذا الوجود لإدراكك ، إذا قمتَ بالاستبطان لصورة العالم الذي تراه ، أحسست بوعيك المُدرِك له ، المفارق لقيوده ، المُتحكم بنطاقاته إلى الحد الذي يطمئن له.

في تلك اللحظة المُقدسة التي تلتفتُ فيها لإدراكك المجرد عن موضوع الإدراك ، ترى الوجود المُطلق عن كل قيد ، حتى قيد إطلاق الحُكم على الموجودات. تلتفتُ لإدراكك عندما تستغني عن الاستدلال المنطقي للوصول إليه ، وتسمح لطاقته المُطلقة بالتدفق إلى جوهرة عينك ، دون تشويش رؤيتها بالشكوك المنطقية ، التي لا يحقُ لها التحدث عن ربّها وخالقها. ترى الآن إدراكك بوضوح ، شيء لا يشبه أي شيء آخر ، كل ما دونه يأتي بعده ، فليس مُقيداً بأي قيد ، هذه هي الروح التي فيك ، ذاتُك الحقيقية ، لا يمكنك إلا الإحساس بها ، بمجرد أن تفكر بها وتقيسها لمفاهيمك العقلية وتجاربك الحسية ، تتلاشى من انتباهك ، لتغرق في الزمان النفسي مرة أخرى ، الذي يُعبر عنه ب"الجحيم المجهول" والذي لا تدركه إلا بعد فوات الأوان في كل مرة.

ما الذي يُخبرك به إدراكُك ؟ عُد إلى ذاتك الواعية ، واخرج من قيودك الحالية ، وانظر للصورة الذهنية التي أمامك الآن (أياً كانت وبغض النظر عن كل شيء) لاحظ أبعادها بالنسبة لإدراكك ، لاحظ التأويلات العقلية التي تحملها ، سترى بصائر من نور جمالي خافت، ما تحيكه الصورة منفصلٌ عنك ، لكن الصورة نفسها أمامك الآن ، أنت لا تملكُ ذلك الوجود الفلسفي-الفيزيائي المُفارق لك ، وعندما تدخله تدخل الوجود الذهني وتتقيد بالاعتبارات والتأويلات ، والوضعية والشبحية ، وكل ما يوجدك كـ "ذاتٍ تاريخية" مفارقة ذاتك المُدركة لهذه الذات.

المرايا الإدراكية بين الذات والوجود :

هل يسبق العقل الوجود ... أم الوجود يسبق العقل ؟ فإذا كان الوجود يسبق العقل فكيف "تعقِل وجودك" ؟
إنه لمن الواجب على المرء قبل أن يطرح السؤال أن يُعلن لنفسه عن معاني عناصر السؤال … هذا إن كان يريد الوصول إلى الإجابة. تلك الكلمات المُخادعة الماكرة ، تستدعي كشفاً عميقاً للذات التي تعيها. فإنها لن تجيبك الفلسفة ولا العلم … ولكن الوجدان الجميل قدير عليها … فالعقل مفتاح الوصل بين زمن الوجود الواقعي وبين زمن الذات الحية … وليس مجرد وظيفة التفكير والمنطق ، وخلق النظريات والأفكار والأحكام.

ما يتحدث عنه الناس عادة ليس عقلاً ، إنه "تفكير" وقوانين التفكير ، وهي وظيفة من وظائف العقل ، ولكنك عندما تبحث بحثاً خالصاً عن الأحكام المسبقة أياً كان مصدرها … ما الذي يجعلُ التفكير موجوداً حاضراً لإدراكك ؟ ما الفرق بين الخيال والحس ؟ ما الفرق بين الواقع الفيزيائي ، والواقع المتحرر عن ارتهان الحواس … إن مستوى الوجود الذي ينتمي له كائن العقل ليس هو الوظيفة التي يقوم بها والتي تتعامل معها كمعادلة رياضية أو منطقية أو سكلوجية ، فتنظر إلى إجراءاتها ونتائجها ولا تبصر جوهرها العميق الحي … فلقد تم تحريف معنى العقل عبر العصور ، فما كانوا يقصدون بالعقل المنطق ولا آلة انتخاب الاحتمالات والقرارات الصالحة نسبياً ، بل .. مستوى الوجود الذي ينبعث منه ذلك كله.

إنك أيها الإنسان لستَ تعقل وجودك ولن تفعلها ، أنت تُدرك وجودك ، وتدرك وجود عقلك ، لأن الذات تدرك الوجود في سويات ومستويات ... مستوى الوجدان … الخيال العظيم ، والجمال المهيمن على كل رغباتك … وذلك هو جوهر الإدراك.

ومستوى العقل … حينَ تدرك الكائنات العقلية ، وهي مصدر العلاقات بين كل المحليات ، مع الوجود الحق في أعماقك ، والتي بها تثبُتُ لك الكائنات المحلية وتنكشف حقائقها ، هي الدوائر التي تنبعث منها العوالم … منها الأشكال الهندسية والأرقام الرياضية ، ومنها الكائنات الشيطانية ، ومنها الجنية ، وأعلاها الملائكة ، وجواهر الأشياء التي تتعرف إليها بردها إلى المرايا الإدراكية فتسميها الكليات والمفاهيم …. أنت تعيش في عالم سحري معروض على مرايا زمنية تحيط بحواسك وتعكس تناثر أمواج بحرها ، التي تثيرها برمي أشعة الضوء الإدراكي خاصتك على بحر المرايا ….

ومُستوى الخيال التصوري ... ذو البُعدين ، لأنه مُطلق عن قيد البعد الثالث "المحلية" ، ومنه تأتي الاختراعات ، ومنه تأتي الفنون والروايات وسائر الأشياء ، ذلك العالَم الذي تحسبه غير واقعي ، هو غير مُقيد ، ولكن واقعيته تعتمد على قدرة الراصد على التآثر معه.

main-qimg-9488e53711f950745346480a1848aaa0-lq
آخر مستوى هو التجسيد المحلي ... مستوى المادة ، آثار تلك الأمواج ، تماماً كما يجسد الساحر بنجوم تنبعث من عصاه ذلك الأرنب.
main-qimg-8f3d9f07d2d1e5331063286e4a2de04a-lq
عصاك السحرية …. هي وسيلة تجسيد الواقع … وهو العقل الفاعِل ، الذي يربط بين وجودك الوجداني العميق النقي … وهذا العالم الجهنمي الذي أمامك ، إنك لست شيئاً إلا وجداناً ومرايا ، وعصى تأثير … تُظهر لك العالم بطريقة معينة تبدو لك مادية مقيدة … ثم تأسرك المشاهد السحرية التي تعرض على المرايا ، وتنسى من تكون أنت ومن تكون المرايا ... وما الآثار السحرية وعلى أي شيء تدل …

المُطلق المُدرَك ، ذلك الوجود الحقيقي … لا يحتاجُ لعقل لتدركه ، أنت تدرك الواقع السحري بعقلك ، وتحدد نطاق واقعيته واحتمالاته بعقلك الظاهر المُدرك ( الشعور ) ، والباطن الغيابي ( اللاشعور ) الغائب عن الإدراك … وهذه الوظيفة التي تسمى بالتعقل ، ليست جوهر العقل ولن تعرفه أبداً بالبُرهان المنطقي والعقلي وبالعلم والتجريب … أبداً.

الصورة الذهنية التي أمامك ، تُمثل بوابة الجنة والجحيم ، دخولك فيها يسبب المعاناة، وخروجك عنها ينهي المُعاناة ... كل ما سوى ذلك من أخلاقيات ومقاييس ومعايير غيرِ منتسِبة للحضور والحياة والوجدان العميق ، مجرد وهم ، أنت من يتحكم به ، ليس مهماً ما الذي تفعله في العالم الذهني ، المُهم ، أن تتوجه نحو رغبتك الحقيقية ، فيما وراء هذا العالم ...

هذه الصورة حاضرةٌ لك ، تخبرك عن الوجود الفلسفي ، كبونية بينك وبين ذلك الوجود ، عندما تلتفتُ لها كما تلتفتُ لإدراكك ، دون أية أحكامٍ مسبقة ، تراها كوجودٍ مُطلق عن القيود ، حاضرٍ لإدراكك ، تُحس بقدرته اللامحدودة ، وبحيويته ووعيه ، هي أحاسيس لا يمكنك ولا يجوز لك إثباتُها منطقياً ، كل ما تستطيعه هو إثبات فقر المنطق نحوها.

فهذه الصورة وإدراكُك لها ، هو ما يصلُ من خلاله فيما بعد الوجود الذهني والفلسفي إليك ، فَهِيَ طريقة المعرفة الأولى قبل كل الطُرق، عَطِّلها تموت معرفتك.

الوجود بمفهومه الفلسفي والذهني ، المعزول عن أصله في عالم المُطلق، ليس إلا لغواً ومتاهة مُطلقة، كلها ألغاز ، وليس فيها أي حلول ، الوجود المُفارق لك ليس إلا محاولة لإثبات شيء ما نسبة لشيء ما ، وتنتهي النسبة نحو المفهوم الأعم الشامل لكل تلك الأشياء ، وهو ثبوت الشيء منطقياً ، هذا هو الوجود كما تبحثُ به الفلسفة العقلية، كل ما تراه في نطاق أرصادك ، أشياء ثابتة نسبة لذلك المفهوم الأعم ، مفهوم الثبوتية عبرَ المرايا الإدراكية ، وهذه الثبوتية تنتُج عن مُفارقة الثابت للمُطلق الذي لا يحتاج لإثبات ، فذلك الثابت سيغدو عدماً مطلقاً إذا لم يتصل بالمُطلق ، وسيغدو وجوداً ذا معنى حقيقي عندما يتصلُ به.

وجود الشيء ، ثبوتيته ، مُفارقته للإدراك ، كلها تُشير لنفس الملاك ، وهو "اللامُطلقية" ولا يغدو المطلق غير مُطلق إلا إذا قيد نفسه ، وذلك القيد الأول ، جعله مُطلقاً على العالمين ، مقيداً بما وراءها.

"مُطلَقُ الوجود والزمن" كموضوعٍ لعلم العرفان والسحر :


—Pngtree—chinese style watercolor blue flower_913573.jpg


هو ما يقعُ قبل المُدركات ، فهو الوساطة بينها وبين الإدراك ، فتكون موجودة لأنه قد أذن لها بذلك ، لا معنى للموجود الذي لا يتمُ إدراكه ، لأن عدم مُطلقيته تعادل وجود حاجتهُ للثُبوت لشيء ما، إذا كان هنالك حجرة في فضاء ، كلاهما لا يملك الوعي وكلاهما لا يراه أي وعي ، فثِق تماماً أنك لم تفهم معنى الوجود جيداً ، لأن وجودهما المحلي هو تآثر بين البنى العقلية المستترة ، ووجود تلك البُنى تآثر بين المقدمات والأحكام العامة لمفهوم الوجود ، ومفهوم الوجود نفسه هو "ثبوت الشيء لشيء" لأنه مفارق للمُطلق ، مفارقٌ لقيمة الحقيقة وقيمة الإدراك ، وقيمة الحياة. فإذا لم يَثبُت هذا الحجر وذاك الفضاء لقيمة مُطلقة حاضرة دون افتراق ، فلن يتواجدا أصلاً ، بالنسبة لك كذاتٍ مُدرِكة ، ولا بالنسبة لمعيار الوجود الفلسفي وما يتفرع عنه من معايير الوجود الفيزيائية التي تقتضي التآثُر لنشأة واقعة المحل ، لأنهما لا يملكان العلة المناسبة لتواجدهما ، ولهذا السبب ، ليس هنالك شيء لا وجود له ، كل ما يمكنك تخيله ، وكلما لا يمكنك تخيله ، موجود في مكان ما ( أو مجالٍ ما ) ولكنك لا تجد الطريقة المناسبة للتآثر معه.

لذلك ، إدراكُكَ للحجر ، بصمت ورجع إيبوخي وإنصات ، برهان يزيل غشاوة الفكر ، ويوجه شعاع التركيز نحو حضور الحجر ، كوِحدة إدراكية مكونة من تآثرات وتفاعلات زمنية لكائنات عقلية ، ثم لكيانات القيم العُليا فترى في الحجر الحِكمَة والحياة ، هذا يجعلُ أي موضوع للإدراك حياً أو ميتاً أو خيراً أو شراً بحسبان نفس المُدرِك وليس ذاتَ المُدرَك. فترى آية الله وحكمته في الحجر والحاسوب ، وفي ظلمات الجرائم تماماً كما تراها في نضج الأطفال وحنين الغابات.

ليس هنالك منطلقٌ مطلق للمعرفة ، إلا في نطاق العلم الحضوري ، الذي يتحد فيه إدراكُك بموضوع الإدراك ، اتحادُ العالمِ بالمعلوم ، وهي علوم غير قابلة للاختزان في الذاكرة العقلية ، ستحتاج أن تختبرها دائماً في أي وقت تريد الاتصال بها ، وما ينكشف بهذا الحدس ، لا يشبه ما تراه في عالمك الذهني بشيء ، فهو أعم وأشمل وأبين وأقدم ما علِمته من علم ، فكلُ العلوم والمعارف تنتمي إليه ، فتحتاجُ أن تكون صوراً وتحضُر لإدراكك قبل أن تصبح على ما هي عليه ، وتحتاجُ أن تُثبت وجودها نسبة إلى وجوده ، وهو الغني عن ذلك.
 
التعديل الأخير:

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى