هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[4] هو عدد القراءات المتبقية

قصة الظل الطويل

جاد

مريد جديد
المشاركات
5
مستوى التفاعل
6
الظل الطويل.

الفصل الأول

كانت العاصفة قوية لدرجة أن الحكومة حذرت الناس من الخروج من بيوتهم في هذا الوقت فقد أغلقت جميع الطرقات بسبب الثلوج...أما السيد جاك فكان في كوخه الشتوي أعلى الجبل ينظر من النافذة إلى هيجان الطبيعة و نار المدفأة يقيه من هذا البرد القارص و شرع يفكر في شركاته في باريس التي تركها لمدير أعماله" مات "و أتى هنا ليرتاح و يتمتع بالوحدة، فجأة قطع حبل أفكاره طرقا عنيفا على الباب ... أسرع على الفور يفتحه دون تردد لأن في هذا الطقس الخطير الكثير من سكان هذه القرية النائية ينحصرون في الطرقات فلا يستطيعون الرجوع لديارهم..كانت فتاة واقفة في العشرين من عمرها واقفة على الباب،جسمها يرتعد بردا ، أمسكها من ذراعها و أدخلها إلى الكوخ قبل أن تتكلم لتنعم بالدفء بعد مشقة طويلة.ما ان دخلت حتى قالت بدهشة:"شكرا لك سيدي على ايوائي..فقد كدت أتجمد في الخارج و أنا أبحث عن ملاذ في هذا الوقت المتأخر من الليل."

بعد ذلك نزعت معطفها و وضعته قرب المدفأة لتجففه في حين قال لها جاك في لا مبالات:" لا تشكريني..فأي انسان في مكاني سيستقبلك في هذه الظروف."ثم أخذ يفكر في هذه الفتاة الوحيدة في هذا الوقت و في هذا المكان المنعزل..ماذا تفعل هنا؟!انها ترتدي فستانا طويلا أسودا اذ تبدو رشيقة..عيناها سودوان و أنفها حاد و فمها صغير و الشعر أسود فاحم، قالت الفتاة في ارتياح :"لابد أنك تتساءل عن سبب وجودي في هذا المكان؟." ثم أمسكت يديها في توتر واضح كأنها تواسي نفسها هكذا أحس جاك فأسرع يقول في برود ليخفي فضوله:"هذا أمر بديهي." هنا أردفت قائلة بصوت منكسر:"" ذهبت إلى الجبل صحبة عمي لنرى تساقط الثلج على المنخفضات فأغلقت الطرقات و حين خرج يبحث عن مساعدة لم يرجع ..."سكتت متألمة ثم أكملت:" ثم خرجت من بعده لأبحث عنه لكنني كدت أتجمد بردا بعد أن ضعت في الغابة ساعات إلى أن وصلت إلى هذا الكوخ..و لا أعرف مصير عمي المسكين." أحس جاك بالأسف و هي تمنع دموعا قاربت على النزول فقال في حزم :"لا تقلقي يا فتاة فلا بد أنه قد وجد مكانا يحتمي فيه و لم يستطع الوصول إليك في ظل هذه العاصفة القوية و الآن يجب أن تشربي مشروبا دافئا". اتجه مباشرة نحو المطبخ يعد لها الشاي و هو يفكر في مصير عمها هل سنجو أم لا و كيف ستكون حالة هذه المسكينة...قطع حبل تفكيره هذا فجأة قائلا في نفسه:"لما أقلق على فتاة غريبة و كأنني أعرفها منذ سنين ... ما بالي هل جننت؟هل تراها الوحدة في هذا الكوخ و العاصفة أثرت علي؟ ثم تقدم نحو غرفة الجلوس الأنيقة و الفاخرة يحمل صينية الشاي ثم جلس على كنبة جلدية مريحة و قدم لها الشاي الساخن. أحست جوليا بالدفء و الراحة رغم أن بالها مشغول بعمها فقد اتصلت به على هاتفه المحمول لكن الخط لا يشتغل..لكنها ستعيد الاتصال به بعد قليل ثم نظرت إلى الرجل الجذاب الذي أمامها تتفحصه بحذر :طويل القامة ، عريض المنكبين كأنه نجم من نجوم السنيما ، العينان لوزيتان و البشرة بيضاء مائلة نحو السمرة. لقد كان يرتدي بيجاما حريرية لونها رمادي تظهر عضلاته المفتولة ثم أشاحت وجهها عنه بقوة كأنها تلوم نفسها على التفكر بمنقذها بهذا الشكل و في هذه الظروف.قطع عليها حبل أفكارها رنين خفيف من هاتفها الجوال أسرعت ترد:عمي سيبستيان ...هل أنت بخير ؟
أين أنت أرجوك؟". أجابها العم قائلا:"لا تخافي عزيزتي فأنا قد وجدت مأوى عند عائلة لوشا .. لقد حاولت أن أرجع إلى السيارة لكنني عجزت أمام قوة العاصفة..أخبريني عنك؟".أجابت براحة:"أنا بخير لقد خرجت من السيارة أبحث عنك دون جدوى إلى أن ضعت في الغابة و وجدت كوخا استقبلني رجل بحفاوة ".ثم نظرت إلى جاك بامتنان و أكملت:"أنا هنا آمنة سأبيت هنا ريثما تنتهي العاصفة و نستطيع اللقاء".و أخيرا تنفست الصعداء و قالت في مرح و سعادة ظهرت في عيونها الجميلة موجهة كلامها لجاك بعد أن أغلقت المكالمة :"لقد وجد عمي مكانا آمنا يلوذ فيه...الآن أصبحت مطمئنة و يمكنني الاستمتاع بقدح الشاي معك يا سيد...". قال على الفور :" اسمي هو جاك." متعمدا عدم ذكر اسمه المشهور في المجلات و الصحف،فهو لا يرغب في التحدث عن نفسه اذ أن زيارته لكوخه المنزوي في قرية بيلو الفرنسية أراد منه الراحة و الوحدة.

-و أنا اسمي جوليا لوبير.

-حسنا جوليا يبدو أنك ستبيتين في كوخي هذه الليلة لذلك فأنا لا أملك لك الا هذه الكنبة الصغير لتنامي عليها ، قال في برود ثم أمسك هاتفه يتفحصه هنا سألت في فضول :

-هل لديك أنترنيت في جوالك؟

-لا ليس لدي..أنا فقط أقرأ كتابا قد حملته من قبل لكن اذا كنت تريدين أن أتحدث معك عوض عن ذلك فلا مانع عندي ، قال في تهكم ، إنه يريد أن يلهي نفسه عن التفكر في جسدها المغري الذي يظهر شكله تحت الفستان، لا يمكن أن يفتن بفتاة بريئة و بسيطة مثلها لا بد أن اليومان الذي قضاهما هنا لوحده قد أثرتا به.

ردت جوليا عليه دون اهتمام :"فقط أردت أن أتشارك معك الأنترنيت لألقي نظرة على بريد العمل".

-تبدين كطالبة جامعة... فكم عمرك ؟ قال ذلك في فمه ابتسامة سخرية

-ان عمري 25 سنة... و أنا كبيرة كفاية لأعمل في أرقى الشركات في فرنسا. قالت هذه الكلمات بكل ثقة و هي تحس أن كلامها لها كالصفعة فمن يعتقد نفسه هذا المغرور صاحب البيجاما الحريرية.هنا رمقها بنظرة فضولية ثم سألها مرة أخرى:

-هل لي أن أعرف في أي شركة تعملين ؟

-أعمل في شركة فورما فهي المشهورة في باريس.

يا لها من صدفة عجيبة ، إنها تعمل في إحدى شريكاتي ، إنه القدر الذي جمعنا في هذه الليلة العاصفة لتعصف بوجداني ، أحس جاك بالاضطراب و لم يعرف ماذا يقول حتى سمعها تضيف: لا بد أنك سمعت بها من قبل إنها شركة تابعة للمليونير جاك بيار و أنا كنت من المحظوظين للعمل فيها رغم الصعوبات التي واجهتني هناك.

-ما هي الصعوبات التي واجهتك ؟

-في العادة لا أتحدث عن مشاكل عملي لكن بما أننا غرباء عن بعضنا البعض و من المستحيل أن نلتقي بعد الليلة سأخبرك...المديرة صعبة المراس ، هناك تفاوت في المعاملات فالعمل لا يقسم بعدل تجدني أنا دائما أنجز العدد الأكبر من الدفاتر.

هكذا إذا فالآنسة ميراكل ينقصها الاحترافية و الكفاءة في تسيير العمل هناك ، شعر بكره غريب تجاهها فجأة أتراه بسبب معاملة السيئة لهذه الفتاة ثم قال:

-يبدو أنك واجهتي صعوبات كثيرة .

-بالفعل لكنني رغم ذلك سعيدة و راضية بأدائي هناك. ما إن انتهت كلامها حتى أحست في النعاس يغالبها فدفء المدفأة يساعدها على الارتخاء ثم لا تدري كيف غطت في النوم على الكنبة جالسة. ابتسم جاك بحنان لرؤيتها تنام كالأطفال و لم يقاوم نفسه في حملها بهدوء ليضعها على فراشه في غرفته ذات الستائر الزرقاء و السرير الكبير ثم حرر شعرها الأسود الفاحم من رباطه و غطاها بغطاء صوفي. ثم جلس بجانبها يتأملها بسعادة ،إنه لا يستطيع أن يشيع نظره عنها هذا الاحساس يأتيه لأول مرة رغم أنه عرف الكثير من الفتيات الحسناوات من عارضات أزياء و ممثلات،ثم وقف ليذهب للنوم في غرفة الجلوس على الكنبة الصغيرة .تكاد الساعة تقارب الواحدة ليلا عندما أطفأ جاك جميع الأنوار لأنه لا ينام الا و الظلمة تعم المكان ثم استلقى على الكنبة يشد الغطاء عليه و هو يحاول النوم لكن دون جدوى ، فكلما أراد أن يغفو حتى تأتيه صورة جوليا تجذبه كالمغناطيس ثم يأتيه احساس بالسعادة العارمة كونها قريبة منه بضع خطوات تنعم بدفء فراشه ثم ضحك في هدوء و هو يتذكر أنها تعتقد أنهما غرباء و لن يلتقيا أبدا و فجأة سمع صرخة حادة من جوليا التي تركها نائمة ، لم يشعر كيف أوصلته رجليه في سرعة البرق إليها يضمها في حضنه دون أن يشعر ليخفف عنها وطأة الفزعة قبل أن يفتح النور ثم سمع صوتها يرتجف قائلا:"افتح الإنارة أرجوك فأنا لدي فوبيا الظلام ، لقد غفوت قبل أن أعلمك بذلك." أجابها في هدوء:لا تخافي ، سأفتح الإضاءة و تخيلي ظلي الطويل بجانبك." بعد بضع ثواني فتحت الأنوار و جلس بجانبها على السرير يتفحصها بدقة ، لقد بدا وجهها شاحب و عيناها مبتلتان من أثر الدموع قال يهدؤها:

- إن خفت مرة أخرى فتخيلي ظلي الطويل يحميك.

-يا إلاهي كم أنا محرجة منك... شكرت جوليا الله على أنهما غرباء ، و كأنه قرأ ما يجول في نفسها فقال في مرح يخفيه:

- لا يوجد احراج مع شخص غريب لن تلتقي به ثانية.

-أنت محق تماما ، قالت ذلك في براءة حركت تنظيم دقات القلب عنده بشكل مفاجئ و انتابه شعور برغبة ضمها إلى صدره من جديد لكنه تمالك نفسه و وقف يبغي الرجوع لمكانه و قال لها :

-الساعة قاربت على الثانية و يجب أن تنامي على أمل أن تنتهي العاصفة غدا.

-حسنا سيد جاك عمت مساء و أشكرك على مساعدتي .

في الصباح ، استيقظت جوليا على رائحة القهوة الشهية متأتية من المطبخ ، أطلت من الشباك فرأت أن الثلوج مازالت تتساقط و الرياح عاتية تغيم الجو فعرفت أن مغادرتها هذا المكان سيؤجل ليوم آخر لم تحس بالخيبة رغم أنها مضطرة أن تعود لعملها في باريس بعد يومين فهي سعيدة بقضاء وقت اضافي مع هذا الرجل الذي يحسسها بالراحة و الطمأنينة. سمعت طرقا خفيفا على الباب قالت بسرعة:

-تفضل سيد جاك.

دخل الغرفة و في يده بيجاما رجالية قطنية و قال:

يبدو أنك ستبيتين في الكوخ ليلة أخرى لذلك أقترح أن تستحمي و ترتدي هذه البيجاما ثم تعالي إلى المطبخ ستجدين الفطور قد حضر .أومأت جوليا برأسها موافقة.بعد ربع ساعة كانت جوليا جالسة على كرسي الطاولة تتناول فطورها بتلك البيجاما الكبيرة على جسمها و رائحة الصابون المنعش يفوح منها و شعرها الأسود المبلل المنسدل كالشلال.قالت و وجنتاها محمرتان من نظرات منقذها التي اعتقدت أنه لم يعجبه شكلها:

-يبدو أن شكلي مضحك بهذه الثياب.

-لا يهم شكلك أمامي ما دمنا غرباء و كتم ابتسامة قربت على الظهور و هو يفكر في ثيابها هذه التي تزيدها اغراء ،فهو لم يستطع ابعاد عينيه عنها.

بعد لحظات ،رن هاتف جوليا و كان عمها على الخط يقول في قلق :"يبدو أنك ستبقين هذه الليلة مع ذلك الرجل...هل هو رجل جيد ؟". فهمت ما يقصده و احمرت وجنتاها خجلا و قالت بانفعال:"أبدا...فهو انسان محترم جدا و قد أكرمني بإيوائه عنده...فلا تخف علي فأنا في أيدي أمينة ".

-الشكر لله هذا ما كنت آمله.

-و أنت أخبرني عن أحوالك ؟

-أنا بخير فقد بقيت في كوخ لعائلة لوشا التي أتت من باريس للسياحة في قريتنا و هم طيبون معي .

-أرجو أن تتوقف العاصفة في أقرب وقت لأتمكن من العودة لعملي في الوقت المحدد و الا فسأكون مهددة بالطرد.

-آمل ذلك يا عزيزتي ... طمنيني عنك ...إلى اللقاء.

-إلى اللقاء يا عمي العزيز.

بينما كانت تتحدث ، كان جاك يستمع إليها في تركيز و قد عرف أن عمها كان خائفا عليها منه و له كل الحق في هذا و قد أعجبه ثقتها به و هو فعلا في مستوى ذلك.أكملت جوليا فطورها فجمعت الأواني لتغسلها و نظفت الطاولة أما هو فزاد من حطب المدفأة و نظم غرفة الجلوس ثم قال لها :

سأجهز حساء و سلطة للغداء فما رأيك في ذلك يا جوليا؟

-اقتراح موفق ، هل تريد أن أساعدك؟

-فقط يمكنك أن تجلسي معي في المطبخ.

-حسنا هذا أمر بسيط.

هكذا شرع يقطع الخضر النظيفة و يضعها في القدر مع بعض الماء و التوابل أرادت جوليا أن تسأله :

-قل لي يا سيد جاك عن عمرك؟ و ماذا تفعل في الحياة؟

-عمري 39 و لدي أعمال أديرها...أنا أناديك باسمك و أنت كذلك يجب أن تناديني جاك فقط...صحيح نحن غرباء لكننا تقاسمنا حياة مشتركة. قال ذلك في برود اذ لم يعجبه الحاجز الذي تريد أن تبنيه بينهما رغم أنه يحس بأنهما روحا واحدة... يحس بأنها قطعة منه.

-عندك حق جاك ، أنا فقط تعودت على الحديث بطريقة رسمية لأن أغلب الناس لديهم تحفظات في ما يخص ذلك.

بقي جاك صامتا و هو يعد الغداء و بعد أن جهز كل شيء تناولا الغداء و قد حاول تجاهلها و كأنه ينتقم لكرامته فعندما كانا يجلسان في غرفة الجلوس يحتسيان الشاي ، حرص أن يقرأ كتابا لجون سارتر عن الوجدانية أما هي فكانت مستلقية تنظر إلى لهيب المدفأة و تتخليل ظل جاك الطويل يحيطها فتحس بالسعادة تغمرها و ابتسامة بانت على محياها و قد تفطن لها جاك بعد أن رفع بصره بخفة ، فرغم تجاهلها لها فهي لا تتأثر بالبلعكس تماما ، لو كانت احدى معجباته في مكانها هذا فسوف تحاول اغراءه بكل الحركات ، لكن هذه الصغيرة لا احساس لها ، استفزه الأمر فأغلق الكتاب بحدة و سألها غاضبا:

-هل يمكنني أن أعرف ما الذي يضحكك؟

فاجأها بهذا السؤال و ارتبكت كيف ستفسر له الأمر ؟

-تذكرت شيئا مضحك فقط .

-حسنا ، سأذهب لغرفتي لأرتاح قليلا أراك على العشاء.

الفصل الثاني

استلقى على الفراش و قد اشتم فيه رائحة جوليا الزكية و غط في نوم عميق لم يوقظه منه الا طرقا خفيفا على الباب و صوتها يقول:

هل أنت بخير ؟ الساعة الآن التاسعة ليلا و العشاء جاهز لنتناوله .

- شكرا لك على تحضير العشاء...سآتي .

بعد العشاء أحست جوليا بالتعب و أرادت أن تنام باكرا فاستأذنت قائلة:

-إني متعبة... هل يمكنني أن أنام في غرفتك؟

لم هيرد جاك أن تتركه لوحده فهو يحب أن يراها أمامه و كره أن يمضي السهرة وحيدا حتى لو كانت نائمة فلا يهم ، قال في تعجرف:

-لا يمكنك فستنامين على الكنبة...خذي الوسادة و الغطاء ...نامي هنا ...فأنت تحبين النوم في غرفة مضاءة . هكذا أمرها بكل جفاء و تركها في غضبها المكبوت ، فهي لم تتصور تصرفه الخشن هذا لقد اعتقدت أنه رجل شهم ثم استلقت على الكنبة تبحث طريقا للنوم لكنها لم تستطع اذ أحست أنه ينظر إليها خلسة و لم تكن مرتاحة فقد أحست بنبضات قلبها تدق بسرعة و رغبة في وضع رأسها على صدره و النوم و فجأة شعرت بالظله الطويل يحيط بها من جديد فنامت كالطفلة أما جاك فبقي يتأمها رغما عنه و كأنها البحر الهادئ في المحيط بل كأنها ملاك يحرسه لقد قرر في هذا الكوخ الابتعاد عن دوامة المدينة و صخب الأعمال و تواصل الانترنيت أراد أن يحس بروحه و يوقض في نفسه الاحساس فهكذا كانت النتيجة ، أنه أحب هذه الفتاة البسيطة التي لا تمت صلة بعالمه المادي و المخادع.إن مجرد التفكير بتوقف العاصفة و الافتراق يؤلم قلبه و فكره و يشعره بالاختناق رغم أنه يعلم أنه سيجدد لقاءه بها في شركته.

استيقظت جوليا في الصباح الباكر فوجدت نفسها نائمة في غرفة مضيفها رغم أنه رفض البارحة السماح لها بالنوم فيها و استغربت من تصرفه المتناقض و شكرته في سرها لأنها نامت نوما مريحا ثم أسرعت لتطل عليه فكان جسمه الضخم مستلق على الكنبة بشكل مؤلم فقد كانت رجلاه الطويلتان أطول من طول الكنبة و رقبته معوجة على الوسادة ثم نظرت إلى صدره العريض ، فقد كان ينام عاريا و الغطاء قد انزلق إلى خصره فأحمرت خجلة من تطفلها الغير مسموح لكن فات الأوان فقد فتح جاك عيناه و نظر إليها بعينين ناعستين و قال بصوت منخفض :

حبيبتي... و ضاعت بقية الكلمات عندما استعاد وعيه تماما و لم يستطع أن ينبس ببنت شفة فقد أسرعت إلى غرفتها في خجل و أغلقته ثم دخلت الحمام لتستحم و تلبس فستانها الذي غسلته و جففته بجانب المدفأة فقد حان موعد الرحيل فالعاصفة سكنت و بدأ الثلج بالذوبان و اعتصر في قلبها حزن لم تعرف مأتاه ، رائحة القهوة تنبعث لكن لا شهية لها للأكل ، دخلت المطبخ متراخية و علامات الحزن واضحة على وجهها وجدت فنجانها على الطاولة و قطعة من الخبز و بعض الزبدة و المربى نظرت إلى مضيفها فوجدته جالسا في هدوء و قد حياها برأسه ببرود كأنه صقيع الشتاء يضرب جسدها فترتجف...لا بد أنه انزعج من تطفلها ، انها فعلا تحس بالخزي...لم ترد التحدث في ذلك الموضوع فقالت في تردد:

- شكرا لك على استضافتي ، أنا ممتنة لك ...و الآن بعد أن تزيح المجارف الثلج عن الطريق يمكنني المضي إلى الطريق الرئيسي و البحث عن السيارة.

-سأوصلك أنا بسيارتي إلى حيث ترغبين فلا يمكنني أن أترك فتاة لوحدها في الغابة. قال ذلك بكل حزم .

مرت ساعة تقريبا حين أزيحت الثلوج من الطرقات و أزاح جاك الثلج من أمام بيته و ظهرت سيارته الرباعية الدفع التي اشتراها خصيصا للمسالك الجبلية الوعرة ثم طلب من جوليا الصعود.

لم تعرف الفتاة كيف وصلت إلى عمها الذي كان ينتظرها حذو السيارة و هي سارحة في خيالها و كأنها كانت تعيش حلما لم ترغب في الاستيقاظ منه.

كان جاك و سيبستيان يتكلمان عن ما فعلته العاصفة في الطبيعة و بعد ذلك سمعت عمها يقول لجاك:

-يجب أن نراك من وقت لآخر و تزورني في بيتي.

- انتظر مني زيارة و سأحادثك بالهاتف أيضا.

هنا فهمت أنهما تبادل أرقام الهواتف ... في حين أنه لم يطلبه منها فهي قد عاشت معه مدة يومين و قد تنازل عن الرسميات معها ، كم هو بغيض ، لن تطلب منه شيئا و ستفترق عنه بلا عودة ثم رفعت رأسها و ودعته بكلمة جافة و فقيرة و صعدت السيارة و قد ترامى الى سمعها كلمة إلى اللقاء منه ، هكذا انتهى كل شيء و صفحة جديدة بدأت في حياة .

الفصل الثالث

عادت جوليا للحياة الباريسية في شقتها المشتركة التي تقع في الدور الرابع في حي قوتدور الموجود في الدائرة 18 حيث متاجر برباس الشعبية ، كانت في غرفتها مع شريكتها في السكن ديانا عندما أخبرتها أن حبيبها سيبيت عندها الليلة و هذا يعني أن لها حلان إما أن تبقى في غرفة الجلوس و هذا ما تكرهه لأن الشقة صغيرة جدا و لايبدو لائقا و إما أن تبيت في مكان آخر مثل عادتها ، لم تناقشها لأنها ستتأخر عن أول يوم عمل بعد العطلة و لن تحتمل توبيخ المديرة لذلك عبأت حقيبتها بما تحتاجه لليلة و قصدت ميترو الأنفاق لتركب الميترو الذي سيوصلها للدائرة 13 هذه المنطقة التي توجد بها شركة فورما.بعد نصف ساعة كانت قد وصلت إلى مجموعة المكاتب المشتركة في الطابق الأول التي عزلت مكاتبه بقطع من الخشب الرقيق لتأمين بعض الخصوصية للوظفين أما الطابق الثاني فهي لمديري الأقسام و الطابق الثالث للرئيس جاك الذي لم يسبق لها أن رأته فهو يملك العديد من الشركات و يكلف نائبه السيد مات بتسيرها.

ألقت التحية على زملائها و جلست على مكتبها المليء بالملفات التي تنتظرها لتنقلها إلى الحاسوب ، هكذا أمضت كامل الصباح منشغلة حتى أن وقت الغداء قد فرطت فيه.أخرجت من حقيبة يدها قطعة كبيرة من الشكلاطة و أكلتها لتسكن بها جوعها ثم فكرت في جاك عما تراه يفعل الآن...

كان جاك في فيلته الفخمة و الكبيرة الموجودة في الدائرة 16 في باريس يتفحص عمل شركاته من حاسوبه الموضوع على مكتبه و في كل مرة يتذكر جوليا فتتسارع دقات قلبه متذكرا كل لحظة قضاها معها في الكوخ الجبلي ، و فجأة وقف قائلا في نفسه :"سيذهب للقائها على الفور". ركب سيارته الجيغوار و ذهب دون تردد إلى الشركة.عندما وصل صعد إلى الطابق الثالث حيث مكتبه الكبير الذي يحتوي على غرفة للزائرين على مستوى فخم كنبات جلدية و ستائر بيضاء ، قبل أن يستقر فيه استقبلته السكرتيرة ليزا في دهشة و اضطراب لأنه غير معتاد على الحضور في هذا الوقت فهو في العادة يأتي بعد مغادرة الموظفين لليجتمع مع مات. قالت في رقة مبالغة :

-لم يخبرني السيد مات عن حضورك فهل من خدمة أقدمها لك؟

-نعم ... أريد المديرة سالي أن تحضر على الفور .

-حسنا سيدي .

لم تمضي لحظات حتى أتت المديرة في سرعة و هي تدعو الله أن لا تكون قد أخطأت في شيء يخص العمل إذ لم يسبق لها أن قابلت السيد جاك منذ توليها العمل.

قال لها في برود:"هل لي أن أعرف كيف تديرين فريق عملك؟

-إن فريق العمل ينقسم إلى مخطط و منجز للمشروع و كل و مهمته كما هو مبين في جدول المهمات. قالت ذلك و الاضطراب باد عليها اذ لم تتوقع هذا الاستجواب المباغت.

-بالضبط ، في جدول المهمات كما هو واضح يبدو أن الآنسة جوليا هي من تقوم بأغلب الملفات و أنا أمقت طريقة العمل المبنية على الأنانية و الاتكالية .

أحست بالاحراج فكونها مديرة لا يجب أن تقوم بهذا الخطأ الفادح و لم تفهم كيف تفطن للأمر فقالت في تأسف :

-أنا حقا آسفة ، فالآنسة جوليا أظهر نشاطا و حماسا للعمل دون منازع لذلك رأيت أن أترك لها بعض المهمات خلافا لزملائها.

يا لهذه الوقاحة التي لم أرى لها مثيل ، تمالك نفسه لحرصه على التعقل و التريث في مثل هذه الحالات و قال في ذكاء:

- إذا فهي موظفة مجتهدة و وجب مجازاتها أليس كذلك؟

-بالطبع سيدي . قالت ذلك على مضض.

-اذا ستعطي الشركة لها مكافأة 3000 أورو ، لذلك يمكنك ارسالها إلى مكتبي في الحال.

كانت المديرة مقتضبة جدا عندما أعلمتها بأمر المكافئة و أن الرئيس بنفسه ينتظرها في مكتبه ، أحست بسعادة كبيرة تغمر روحها و عقلها و اتجهت فورا إلى الطابق الثالث و في طريقها كانت تحضر الكلام اللائق لشكره و هي مستغربة في هذا التغير الايجابي في حياتها المهنية و شكرت الله على مجازاتها فتعبها لم يذهب هباء.

ما إن دخلت المكتب حتى لاح لها رجل طويل القامة يرتدي بدلة سوداء أنيقة ، ملامحه مألوفة رغم تغير الشكل...لقد كان جاك بلحمه و شحمه...كان وقع المفاجأة عليها لا توصف فلم تخرج الكلمات الا بعد أن حياها ببرود قائلا:

-مرحبا آنسة جوليا...يبدو أنك لم تكوني سعيدة لرؤية رب عملك ...لقد تعمد ذكر اسمها بشكل رسمي.

-مساء الخير ، لا أبدا ... ثم أشاحت بوجهها عنده كأنها غير راغبة في التكلم معه و جلست على الكرسي الجلدي لأن رجلاها يرتعشان من أثر الصدمة ثم مد لها جاك شيكا بقيمة 3000 أورو لكنها لم تأخذه و قالت :

-أعتذر منك ، لا أستطيع أن أقبل منك هذا المبلغ .

-هذه المكافئة من الشركة لأنني تفقدت جدول المهمات و عرفت أنك قمتي بعمل ممتاز ... فأنا لا أعطي الهبات لأحد.

هنا قبلت ذلك على مضض و هي لا تحس بالراحة فهي قد سبق و لمحت له عن مشاكلها في الشركة و... قاطع حبل أفكارها قائلا باقتضاب:

-الآن يمكنك أن تغادري.

لاحظ جاك ملامحها المتوترة نحوه و ظهرت على محياه ابتسامة مرح فهو يحب أن يراها مغتاضة و أحس بأن حبيبته تحت امرته في العمل فبدأ الغرور يسري في عروقه.

أما هي فقد بقيت إلى حين انتهاء الدوام محاولة تجاهل أمره و دعت الله أن لا تلتقي به ثانية لكن عندما كانت في طريقها إلى محطة الميترو شعرت بيد قوية تجذبها لقد كان جاك قالت في غضب و قد استعادت رباطة جأشها فهي ليست في العمل الآن:

-ماذا تريد مني الآن بعد أن سخرت مني في ذلك الكوخ؟

إذا هي الآن تلومه و تعصف فيه غضبها المكبوت.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى