التقمص (تغيير الأجساد) - Reincarnation

التقمّـص





1-rebirth.jpg





أشارت الشّعوب القديمة المختلفة إلى ظاهرة التقمّص على أنها عمليّة انتقال الرّوح من جسد متوفى إلى جسد أخر حديث الولادة . و قالوا إِنَّ هذه الرّوح هي أزلية لا تموت و لا تتلاشى ، بل تنتقل عبر الأجيال المتتالية من كائن لآخر . أما المرحلة الأخيرة التي تنتهي إليها هذه الرّوح بعد رحلتها الطّويلة عبر الزّمن ، فيختلف تحديدها أو تعريفها عند الشّعوب و الدّيانات التي تعتقد بهذه الظّاهرة .

و بما أنّنا نتناول هذه الظّاهرة بالاعتماد على الحقائق العلميّة الملموسة ، و ليس التعاليم الفلسفيّة و الدّينية المختلفة ، سوف نتعرّف عليها من خلال الدّراسات العلميّة الحديثة بالإضافة إلى مظاهرها المختلفة التي قامت المراجع العلميّة العصريّة بتوثيقها .

سوف نعتمد على مظهرين مختلفين يشيران إلى هذه الحقيقة : الذاكرة الاسترجاعيّة التي يتم استنهاضها بواسطة التنويم المغناطيسي ، و الذّاكرة العفويّة التي تظهر بشكل تلقائي عند الشّخص في مراحل حياته الأولى .


أ ـ الذّاكرة الاسترجاعيّة :

تتجسد الذّاكرة الاسترجاعيّة أثناء النّوم المغناطيسي ، يطلب فيها من النّائم مغناطيسياً أن يعود إلى مراحل زمنيّة تسبق مرحلة طفولته ، إلى زمن ما قبل الولادة !. في أحيان كثيرة ، يبدأ النائم بالحديث عن حياة مختلفة سبقت حياته الحاليّة ! و يروي طريقة موته و كيف فارق حياته السّابقة !.

الأسباب التي تدفعنا إلى اعتبار هذه العملية بمثابة دليل موثوق هو التالي :

ـ ساعدت عملية التنويم المغناطيسي الأطبّاء النفسيين على علاج أمراض نفسية كثيرة عن طريق العودة إلى مرحلة قبل الولادة و تحديد الأسباب التي أدّت إلى هذا المرض .

ـ في بعض الحالات ، يقوم الشّخص الذي يظهر ذاكرة استرجاعيّة بتكلّم لغات غريبة عنه و عن البيئة التي عاش فيها ، و لم يتعلّمها في حياته .

ـ في حالات كثيرة ، يقوم الشّخص بتذكّر تفاصيل دقيقة عن حياة سابقة أدهشَتْ الباحثين بعد أن تحققوا من مدى صحّتها على أرض الواقع .

في الخمسينات من القرن الماضي ، لاقت ظاهرة الذّاكرة الاسترجاعيّة القبول بين جهات علميّة كثيرة ، لأنّها أثبتت واقعيّتها و دورها في مساعدة المرضى على الشّفاء من الحالات النفسيّة المختلفة . و قد أثبت هذه الحقيقة أطبّاء معروفين بأنّهم كانوا متشكّكين في البداية لكنَّهم اعترفوا بها فيما بعد .

ـ كتب الدّكتور " ألكسندر كانون " ، الذي كان من المتشكّكين في البداية ثم بدّل رأيه فيما بعد ، قائلاً :

" لمدّة سنوات طويلة ، كانت نظريّة التقمّص تعتبر كابوساً بالنّسبة إلي . و عملت جاهداً من أجل دحضها و تكذيبها ، لكن بعد مرور السّنين ، و بعد التّحقيق في آلاف القضايا و الحالات المختلفة ، من ديانات مختلفة ، و شعوب مختلفة ... و جب علي الاعتراف بأنّ ظاهرة التقمّص موجودة ... " .

ـ تمَّ الاعتراف بهذه الظّاهرة من قبل الكثير من علماء النّفس حول العالم ، بعد اكتشاف مدى واقعيتها . الطّبيب النّفسي " جيرالد أدلستاين " مثلاً ، علماني متشكّك ، يقول :

" تعمل هذه الحالات ( العودة بالذّاكرة إلى حياة سابقة ) ، و لأسباب أجهلها ، على تسريع عمليّة الشّفاء عند المرضى النّفسيين ... " .

ـ الطّبيب النّفسي المشهور ، الدّكتور " أديث فايور " يقول :

" إذا تمَّ إزالة حالة الخوف المرضي ( الفوبيا ) نهائيّاً من المريض ، عن طريق العودة بذاكرته إلى حياة سابقة ، هذا يعني أنَّ الأحداث المسببة لهذا المرض النّفسي قد حصلت فعلاً في حياة سابقة !.. " .


ـ الطّبيب النّفسي " جيرالد نثرتون " ، الموصوف بتعصبّه العلماني الشدّيد ، قام باستخدام طريقة الذّاكرة الاسترجاعيّة لعلاج 8000 مريض نفسي . و كان متشكّك جداً في البداية ، لكنّه الآن مقتنع تماماً بهذه الظّاهرة نتيجة تجاربه العديدة . و هناك بين مرضاه النفسيّين الكثير من المتشكّكين ( رجال دين و فيزيائيين علمانيين ) ، لكن هذا لم يمنع هذه الوسيلة من النّجاح أثناء تطبيقها عليهم !. يقول الدّكتور :

" يغادر عيادتي الكثير من المرضى و هم مقتنعون بأنّ هذه الذّاكرة الاسترجاعيّة هي ليست سوى مجموعة تجاربهم المتراكمة من حياتهم الحاليّة و ليس لها علاقة بحياة سابقة . لكن ما هو الجواب المنطقي لسبب شفائهم ؟... الجواب هو أنَّ التقمّص موجود فعلاً !. " .

ـ الطّبيب النّفسي البريطاني ، الدّكتور " أرثر غيردهام " ، يعترف بأنّه كان في البداية علمانياً متطرفاً و من أشد المتشكّكين بهذه الظاهرة ، لكن بعد خبرته الطويلة في مجال الذّاكرة الاسترجاعيّة ( مدة 44 عام ) ، صرّح بما يلي :

" إذا لم أعتقد بظاهرة التقمّص بعد كل الإثباتات التي تعاملت معها طوال هذه الفترة ، سوف أعتبر نفسي مختلاً عقلياً !. " .

ـ قامت الطّبيبة المتشكّكة " هيلين وامباش " 0اسة موسّعة في العام 1975م ، في سبيل التحقّق من مدى صدقيّة هذه الظاهرة . و بعد دراسة أكثر من 10.000 حالة مختلفة ، خرجت بدلائل مدهشة تثبت حقيقة وجودها !. و علّقت على هذا الاستنتاج قائلة :

" أنا لا أعتقد بظاهرة التقمّص ، لكنّني واثقة بأنّها موجودة مئة بالمئة !. " .

ـ قد يندهش البعض عندما يعلم أنّ الأطبّاء النفسيّين في الاتّحاد السوفييتي السّابق كانوا يعالجون المرضى بالاستعانة بطريقة الذّاكرة الاسترجاعيّة !. و أشهرهم هي الطبّيبة الروسيّة " فارفارا إيفانوفا " ، التي تتمتّع باحترام كبير في الوسط الأكاديمي ، تعتبر أشهر المعالجين النفسيّين الذين استخدموا هذه الوسيلة في روسيا .



أبحاث بيتر رامستر :

ـ أهم الأبحاث التي تمَّ إقامتها حول هذا الموضوع هي تلك التّابعة للطبّيب النّفسي الأسترالي " بيتر رامستر " الذي قام بإنتاج أفلام وثائقية تظهر تفاصيل هذه الظّاهرة ، بالإضافة إلى كتابه الشّهير الذي يحمل العنوان : ( البحث عن أجيال سابقة . 1990م ) .

ـ أشهر الأفلام الوثائقيّة التي أنتجها كان عبارة عن برنامج وثائقي تلفزيوني ، ظهر في العام 1983م ، يتمحور حول أربع سيّدات أستراليات متشكّكات ، و لم يخرجن من الحدود الاستراليّة أبداً ، لكن كل واحدة منهنّ عادت بذاكرتها إلى حياة سابقة ، تحت تأثير التنويم المغناطيسي ، و أعطت تفاصيل كثيرة عن تلك الحياة ، و من ثم تمَّ نقل كلّ سيّدة إلى المكان الذي ادعت بأنّها عاشت فيه خلال فترة حياتها السّابقة . و رافق السيّدات في هذه الجولة إلى أنحاء متفرقة من العالم ، فريق من المصوّرين ، و لجنة شهود مؤلفة من شخصيّات محترمة .



غوين مكدونالد:

ـ إحدى السيّدات المذكورات هي " غوين مكدونالد " . كانت متشكّكة لدرجة التعصّب قبل إخضاعها لوسيلة الذّاكرة الاسترجاعيّة . و عادت إلى ذاكرتها تفاصيل دقيقة عن حياة ماضية عاشتها في مقاطعة " سومرست " في بريطانيا ، بين عامي 1765م ـ 1782م !.

و تمَّ التحقّق من جميع اِدعاءَتِها حول حياتها السّابقة في " سومرسيت " من الصّعب الحصول عليها عن طريق الرّجوع إلى كتاب أو مرجع تاريخي يخصّ تلك المنطقة !. نذكر منها :

ـ عندما أخذت إلى المنطقة التي حدّدتها في مقاطعة سومرسيت البريطانيّة ( ضاحية مدينة غلاستونبوري ) ، استطاعت و هي معصوبة العينين التجوّل في المكان و كأنه مألوفً لها ! مع العلم أنَّ هذه السيّدة لم تغادر أستراليا أبداً !.

ـ ساعدت الفريق المرافق لها على إيجاد طرق مختصرة أقصر من تلك المرسومة على الخريطة التي كانوا يستعينون بها للتجوّل في المكان !.

ـ تعرّفت على موقع شلال مياه موجود في المنطقة ! و أشارت إلى مكان محدّد في مجرى الوادي حيث وجب أن يكون هناك صف من الحجارة يساعد الناس على اجتياز الوادي من جانب لآخر ! و قد أيّد المحليّون هذا الكلام و قالوا إنَّ هذه الحجارة قد أزيلت منذ حوالي أربعين عاماً !.

ـ أشارت إلى نقطة تقاطع معيّنة و ادْعَت بأنّه كان هناك خمسة منازل ، و تمّ إثبات كلامها بعد الاستعلام من الأهالي ! و قالوا إنَّ البيوت قد دمّرت قبل ثلاثين عاماً !. و تمَّ أيضاً إثبات صحّة قولها بأنَّ إحدى هذه المنازل كان مخزناّ للفاكهة !.

ـ عددت أسماء القرى المجاورة مستخدمة الأسماء التي عرفت قبل 200 عام ! مع أنَّ هذه القرى لم تظهر على أيّ خريطة رسميّة تمثّل المنطقة ، و منها ما ظهر بأسماء مختلفة !. لكنَّ الأهالي أيدوا كلامها بأنَّ القرى قد حملت تلك الأسماء في إحدى الفترات التاريخيّة !.

ـ الأشخاص الذين اِدْعَت بأنَّها كانت تعرفهم في تلك الفترة ، تمَّ تأكيد وجودهم من خلال العودة إلى السّجلات الرسميّة القديمة الخاصّة بالمنطقة !.

ـ اِستخدمت كلمات و مصطلحات و عبارات قديمة لم تعد تستخدم في هذه الأيّام و ليست موجودة حتى في المعاجم ! لكن تمّ التأكّد من صحتها عن طريق الأهالي !.

ـ علمت بأنَّ مدينة " غلاستونبوري " ( عاصمة المقاطعة ) كانت تسمى في الأيام الماضّية باسم " سينت مايكل " ، و تمَّ إثبات هذه المعلومة بعد العودة إلى مراجع و سجّلات تعود إلى تلك الفترة !.

ـ تمكنَّت من وصف احتفالات الدرويديين ( كهنة الدّيانة السلتية ) الذين كانوا يقيمونها على تلّ غلاستونبوري ، في مناسبة حلول فصل الرّبيع ! و هذه الحقيقة بالذّات ، لازال المؤرخون في الجّامعات يجهلونها تماماً !.

ـ قامت بتحديد موقع قديم لهرمين كانا موجودين سابقاً في غلاستونبوري ، و استبدلا بكنيسة تمّ تشييدها بنفس الموقع .

ـ عندما كانت في أستراليا ، قامت برسم المنزل الذي عاشت فيه خلال حياتها السّابقة في سومرسيت ، إنكلترا . و ذكرت بأنّه يبعد 20 قدم من الوادي ، و موجود في وسط صفّ من خمسة منازل ، يبعد نصف ميل عن الكنيسة . و بعد التحقّق من هذا الكلام تبيّن صحّة كل ما قالته !. أما تفاصيل المنزل من الدّاخل ، فكانت مطابقة للرّسومات التي رسمتها أثناء وجودها في أستراليا !.

ـ قامت بوصف نزل موجود في الطّريق المؤدي إلى منزلها ، وقد وجدوه في مكانه الموصوف !.

ـ تمكّنت من إرشاد الفريق المرافق إلى موقع ذلك المنزل الذي تبيّن أنّه قد تحوّل إلى قنّ دجاج . و لم يكن أحد يعلم ماذا كان تحت أرضيّة ذلك المنزل ، لكن بعد تنضيف تلك الأرضية وجدوا الحجر المنقوش الذي رسمته أثناء وجودها في أستراليا !.

ـ أثناء وجودها في مدينة غلاستونبوري مع فريق المرافق ، راح المحليّون يسألونها أسئلة تعجيزيّة كثيرة عن أحداث تاريخيّة حصلت في المدينة خلال فترة حياتها السّابقة ، لكنّها أجابت عليها جميعاً دون أيُّ خطأ في سرد الوقائع !.


سـينثيا هاندرسون :

كانت " سينثيا هاندرسون " من بين النّساء اللواتي خضعن لدراسة بيتر رامستر . و استرجعت إلى ذاكرتها حياة سابقة تعود إلى فترة الثّورة الفرنسيّة!.و أثناء نومها المغناطيسي تمكّّنت من إظهار ما يلي :

ـ تكلمت بالّلغة الفرنسيّة بطلاقة .

ـ فهمت جميع الأسئلة التي وجهت إليها بالّلغة الفرنسيّة و أجابت عليها بالفرنسيّة !.

ـ قامت باستخدام اللّهجة الفرنسيّة المحليّة التي كانت سائدة في تلك الفترة !.

ـ عدّدت أسماء شوارع و أماكن عامّة مختلفة ، مع أنَّ تلك الأسماء قد تغيّرت و ليس لها وجود سوى على الخرائط الفرنسيّة القديمة !.

في حوزة الدّكتور بيتر رامستر الكثير من الحالات الموثقة الأخرى و جميعها مثبتة و مصدّقة بطرق و أساليب يستحيل تزويرها أو التلاعب بتفاصيلها .


ب ـ عودة الذاكرة بشكل عفوي :

نالت القضيّّة التي سميت بحالة السيّدة " شانتي ديفي " شهرة عالميّة و اعتبرت من إحدى الحالات المثيرة للدَّهشة . حصلت في الهند ، عام 1930م ، قبل قيام الدّكتور ستيفنسون بأبحاثه بمدَّة طويلة . لكنّه عاد مراجعتها من خلال السجلّات و المراجع الموثّقة رسميّاً . و صرّح بعدها بأنّ الفتاة الفتاة " شانتي ديفي " قد ادعت فعلاً بأربعٍ و عشرين إفادة صحيحة بالاعتماد على ذاكرتها ، و كانت مطابقة تماماً للواقع !. ففي العام 1930م ، كانت شانتي ديفي في سنّ الرّابعة من عمرها عندما بدأت تتذكر تفاصيل محددة عن أنواع من الألبسة ، و الأطعمة ، و أشخاص ، و أماكن ، مما أثار فضول والديها . و باختصار ، قامت الفتاة بذكر التفاصيل التالية التي تمّ التحقّق منها فيما بعد و تمَّ إثبات صدق ما قالته تماماً :



ـ عرّفت عن نفسها بأنّها " لودجي " ،امرأة عاشت في " موترا " التي تبعد 128كم عن مكانها الحالي !.

ـ تكلمت باللغة المحليّة التّابعة لتلك المنطقة دون أن تتعلَّمها في حياتها الحالية !.

ـ ادِْعت بأنّها أنجبت ولداً و مات بعد عشرة أيام من ولادته . ( و قد ثبت أنّ هذا قد حصل فعلاً مع لودجي ) .

ـ عندما أخذوها إلى موترا ، تعرّفت على زوجها ( في حياتها السّابقة ) ، و كان يدعى

" كيدار ناث " ، و تكلّمت عن أشياء كثيرة فعلوها سويّاً دون معرفة أحد !.

ـ تمكّنت من التعرّف على نقاط علاّم عديدة حول مكان إقامتها السّابقة . و قد اهتدت إلى منزلها السّابق بنفسها دون إرشاد من أحد !.

ـ تمكّنت من التحديد بدقّة ، كيف كانت وضعية الأثاث المنزلي أثناء وجودها في حياتها السّابقة !.

ـ تمكّنت من تحديد مكان وجود 150 روبي ( العملة الهندية ) في إحدى زوايا المنزل . و كانت تحتفظ بهذا المال من أجل الأيّام العسيرة !.

ـ تمكّنت من التعرّف على والديها السّابقين من بين جمهور غفير !.



أحدثت هذه القضيّة ضجّة كبيرة في حينها مما دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة مؤلفة من رجال بارزين ، كان من بينهم سياسي بارز ، محامي ، مدير دار نشر ، في سبيل التّحقيق بتفاصيل هذه الرّواية المدهشة . و خرجت اللّجنة مقتنعة تماماً حيث تأكدوا من أنَّ شانتي ديفي قد تمكّنت من معرفة أشياء و تفاصيل كثيرة لا يمكن الحصول عليها عن طريق الخداع أو وسيلة ملتوية أخرى . و جميعهم أجمعوا على أنَّ الوقائع بمجملها تشير إلى حقيقة واضحة .. ظاهرة التقمّـص !.

نالت هذه القضيّة شهرة عالميّة و جذبت انتباه الكثير من علماء الاجتماع و الكتاب مثل : الكاتب السويدي " ستور لونرستراند " ، الذي سافر في الخمسينات إلى الهند و قابل شانتي ديفي من أجل البحث في هذه الظّاهرة بنفسه . و خرج باستنتاج فحواه أنَّ شانتي قد تقمَّصت فعلاً ، و استبعد أي تفسير أخر تعتمد عليه هذه القضيّة .( إنّ ظاهرة التقمّص مألوفة في الهند و معروفة بين شعوبها المختلفة ، لكن هذه القضيّة بالذّات نالت اهتمام الصحافة و الإعلام مما جعلها قضيّة عالمية ذات أهميّة كبيرة .)


قضيّة الّدكتور " أرثر غيردهام " و السيّدة " سميث " :

قضيّة أخرى من إنكلترا أقنعت الكثير من الخبراء ، بما فيهم الدّكتور " أرثر غيردهام " ، تتمحور حول ربّة منزل عادية كانت تعاني من كوابيس و أحلام مزعجة أثناء نومها . فكانت ترى نفسها و هي تتعرّض للحرق بالنّار الملتهبة في ساحة عامّة أمام النّاس !.

أعطت الدّكتور غيردهام نسخ عن بعض الرّسومات و مقاطع أغنيات كانت قد كتبتها في طفولتها بشكل تلقائي ، دون تحضير مسبق ! و قام أخصائيّون باللّغة الفرنسيّة القديمة بالتعرّف على كلمات تلك الأغنيات و استنتجوا بأنها تنتمي إلى لغة كانت سائدة في جنوب فرنسا بين القرنين الثّاني عشر و الثّالث عشر للميلاد !.

و قد أذهلت خبراء التّاريخ بمعرفتها الدقيقة لحياة شعب الكاثار ( شعب يتبع مذهب مسيحي تمَّ إبادته تماماً على يد الكنيسة في روما ، و كانوا يعيشون في جنوب فرنسا ) . و تلفظت بأغاني تحتوي على كلمات لا يعرفها أيَّ مؤرّخ ! و تمَّ الإستعلام عنها فقط عن طريق العودة إلى مراجع قديمة جداً . و كانت تعلم بحقائق تاريخيّة مفصّلة لا يعلم بها أحد في عصرنا !.

و تمَّ التحقّق منها بعد بذل جهد كبير في البحث و المتابعة ، فوجدوا أنّها صدقت في وصف التالي :

ـ رسوماتها كانت مطابقة للعملات النقديّة الفرنسّية القديمة ، بالإضافة إلى الألبسة و الحلي و تصميم المباني و المنازل في تلك الفترة .

ـ تفاصيل دقيقة عن طريقة الحياة الاجتماعيّة السّائدة في حينها ، و طريقة تعامل الأهالي مع بعضهم البعض ( هذه التفاصيل لم تظهر في كتب تاريخيّة خاصّة بهذا الشّعب المغضوب عليه كنسياً ، حيث أنّ المراجع التاريخيّة لم تنصفهم أبداً . فاضطرَّ الخبراء للعودة إلى المراجع الكنيسية التي سادت في حينها ، أي مراجع مزوّرة و محرّفة وصفت هذا الشّعب على أنه من أتباع الشّيطان و أناسه هم كفرة مهرطقون . لكنّ الخبراء عملوا على استخراج المعلومات عن حياة ذلك الشّعب و طريقة عيشه من بين سطور تلك النّصوص المحرّفة )

ـ صدقت في وصف الطّريقة الوحشيّة التي كان يعامل بها السجناء الدينيين ، و كيف كانوا يُسجنون فوق بعضهم البعض في الأقبية التّابعة للكنائس !.

ـ صدقت في وصف الألبسة التي كانت سائدة بين شعب الكاثار ، بالإضافة إلى طقوسهم و شعائرهم المختلفة .

تأثّر البروفيسور البريطاني المشهور " نيلي " ( ذات السلطات العلمية الواسعة ) بهذه القضيّة ، و نصح بأنّه عندما يحدث تناقض بين المراجع التّاريخيّة و كلام أصحاب الذّاكرة الاسترجاعيّة ، و جب تصديق الفريق الأخير ! لأنّه يبدو أنّهم أصدق من المراجع التاريخية المزوّرة !.

قام الدّكتور غيردهام باكتشاف عدّة أشخاص عادت ذاكرتهم إلى تلك الفترة الزّمنيّة ( بين القرن الثّاني و الثّالث عشر ) ، و وثّق أقوالهم في كتاب عنوانه : " التقمّص و شعب الكاثار " . هذا الشّعب المسيحي الذي تمَّ إبادته بالكامل على يد الكنيسة في القرن الثّالث عشر !. تحوّل الدّكتور غيردهام من موقع المتشكّك إلى موقع المؤمن بظاهرة التّقمّص ، و تعرّضت سمعته الأكاديميّة للخطر ، خاصّةً بعد قيامه بإلقاء العديد من المحاضرات بين زملائه في المجتمع الطبي البريطاني ، و التي تتناول موضوع " التقمّص و ممارسة الطبّ العلاجي ".


الدّكتور " إيان ستيفنسون " :


الدراسات و البحوث العلميّة التي أقامها الدّكتور إيان ستيفنسون ، البروفيسور في علم النفس من جامعة فرجينيا الطبيّة ، حول موضوع التقمّص ، كانت الأكثر روعة و وقعاً على النّفوس . خاصّة أنه اعتمد على ظاهرة " الاسترجاع العفوي للذّاكرة " .

أمضى سنوات عديدة في البحث ، مستخدماً أساليب علميّة بحتة في التّحقيق مع أكثر من أربعة آلاف طفل في الولايات المتّحدة ، بريطانيا ، تايلاند ، بورما ، تركيا ، لبنان ، كندا ، الهند ، و مناطق أخرى من العالم .

و قام بالتّحقيق في ادعاءات هؤلاء الأطفال عن طريق دراسة و تحليل رسائل و سجلاّت طبيّة تشريحيّة و شهادات ولادة و شهادات وفاة و سجلاّت مستشفيات و صور فوتوغرافية و مقالات صحفيّة و غيرها من مراجع و وثائق يمكن العودة إليها خلال دراسة الحالات الخاضعة للبحث .

كانت العودة إلى التقارير الطبيّة مهمّة لدراسته ، خاصّة إذا ادعى أحد الأطفال بأنّه قد تعرّض للقتل في حياته السّابقة . و لاحظ ستيفنسون ظهور توحيمة أو وشمة في جسم بعض الأطفال الذين تعرّضوا في حياتهم السابقة للقتل العنيف . و ناسب وجود العلامات على أجسامهم في نفس مكان غرس السّكين أو الرصاصة أو غيرها من مسببات القتل .

ـ إحدى الأمثلة المستخلصة من دراسات الدكتور ستيفنسون حول الوشمات الجسديّة ، تجلّت في قضيّة الطّفل "رافي شنكار " ، الذي تذكّر كيف تمَّ قطع رأسه عندما كان ولداً صغيراً ، على يد أحد أقربائه الذي كان يأمل بوراثة ثروة أبيه . و قد ولد " رافي " في حياته الحاليّة مع وجود علامة فارقة تحيط برقبته . و بعد التحقّق من صدق الرّواية ، تبيّن أنّ الفتى كان صادقاً في كلّ ما ادعاه . فقد تمّ قتل أحد الأطفال فعلاً بهذه الطّريقة ، بنفس المنطقة و العائلة التي أشار إليها "رافي " .



ـ قضيّة أخرى تتناول ظاهرة الوشم على الجّسد ، تتمحور حول فتى من تركيا . تذكّرَ بأنّه كان في حياته السّابقة لصّاً ، و كان محاصراً من قبل رجال الشّرطة عندما أقدم على الإنتحار ، كي يتجنّب الوقوع في أيدي السّلطات . فوضع فوّهة البندقيّة تحت ذقنه من جهة اليمين و ضغط على الزّناد . و تبينّ أنَّ الفتى الذي ولد فيما بعد لديه علامة فارقة تحت ذقنه في الجهة اليمنى ! و تبيّن أيضاً وجود علامة أخرى على رأسه (مكان خروج الرصاصّة) !.


قضيّة مارتا لورينز :

إحدى القضايا المثيرة التي بحثها الدّكتور ستيفنسون كانت تخصّ فتاة من البرازيل ، تدعى مارتا لورينز ، حيث في كانت في السَّنةِ الأولى من عمرها ، عندما تمكّنت من التعرّف على أحد أصدقاء والديها ، و أشارت غليه بعبارة " هيلو بابا " أي " مرحباً يا والدي " ! و عندما أصبحت في سنّ الثّانية من عمرها ، راحت تتكلّم عن تفاصيل كثيرة تتعلّق بحياتها السّابقة ! وقدْ صادف بأنها كانت خلالها صديقة حميمة لوالدتها الحاليّة ! و ابنة الرّجل الذي هو صديق والديها الحاليين ( التي نادته بابا ) ! و الكثير من التفاصيل التي تحدّثت عنها لم تكن معروفة من قِبَلِ والدتها الحاليّة ، و اضطروا إلى التحقق من مدى صدق ما تقوله بالاستعانة بأشخاص آخرين يعرفون الفتاة في حياتها السابقة ، و وجدوا أنّ كلّ ما ادَّعته كان صحيحاً !.

استطاعت هذه الفتاة أنْ تتذكّر 120 حقيقة أو حادثة أو موقف حصل في حياتها السّابقة ! و كان اسمها " ماريا دي أوليفيرا " صديقة والدتها الحاليّة ! هذه الصديقة قالت لوالدة الفتاة أثناء موتها على سرير المرض بأنّها سوف تخلق عندها و تصبح ابنتها !.


عماد الأعور :

ذهب ستيفنسون إلى لبنان ، و تحديداً إلى إحدى القرى الدرزيّة ، و كانت زيارته فجائيّة و غير معلنة حتى يتفادى عمليّة التَّحضير المسبق لرواية خياليّة أو غيرها من أساليب تعمل على طمس الحقيقة . فلهذا السّبب ، قرّر أن يزور إحدى تلك القرى بشكل عشوائي دون تحديد مسبق لأيِّ مكان معيّن . بعد أن وصل إلى إحدى القرى ، طلب من الأهالي أنْ يرشدوه إلى أحد المنازل الذي تجسّدت فيه ظاهرة التقمّص مؤخراً . فأهدوهُ إلى بيت الفتى ذا سنّ الخامسة من عمره ، اسمه عماد الأعور .

بدأ هذا الفتى بالحديث عن حياته السّابقة منذ أن كان في السّنة الأولى من عمره . و كان يشير في كلامه إلى قرية أخرى تبعد 25 ميل عن قريته .

في السّنة الأولى من عمره ، كان بتلفّظ بأسماء مثل " جميلة " و " محمود " ، و غيرها من أسماء . و في السّنة الثّانية من عمره ، قام بالتعرّض لأحد المارّين في الشّارع و تعرّف عليه بأنّه أحد جيرانه في الحياة السّابقة !.

و بعد أن قابله الدّكتور ستيفنسون ، أخذه إلى تلك القرية التي كان يذكرها دائماً في كلامه ، فتعرّف على المنزل الذي كان يعيش فيه ، و تمكّنَ من التعرّف على عمّه " محمود " من خلال الإشارة إليه في الصّور الفوتوغرافيّة ! و كذلك زوجته " جميلة " ! بالإضافة إلى أشخاص كثيرون عرفهم في حياته السّابقة !. تعرّف على المكان الذي خبّأ فيه بندقيته ، وكان هذا سرّاً لا أحد يعرفه سوى والدته ! و تذكّر كيف كان موقع السّرير أثناء مرضه الأخير قبل وفاته !. قام بالتعرّف على أحد الغرباء في الشّارع ، و بعد فترة من الحديث معه ، تبينّ أنّه كان زميله في الخدمة العسكريّة ! و راحا يتذكران معاًً بعض الأحداث التي حصلت معهم أثناء الخدمة !.

خرج الدّكتور ستيفنسون من دراسة هذه الحالة بوجود 57 إدعاء من قبل الطّفل ، و تمّ التحقق من 51 إدعاء بشكل صحيح ، أما بالنّسبة للإدعائين الباقيين ، فيبدو أن الشّهود كانوا غائبين مما جعل الدّكتور ينحيّها جانباً .

تعرّض الدكتور ستيفنسون لانتقادات شديدة من جهات علميّة مختلفة بسبب أبحاثه التي تناولت هذا الموضوع . و أصبحت سمعته الأكاديميّة و الاجتماعيّة على المحكّ ، خاصّة عندما راح ينشر مقاطع من أبحاثه في مقالات تابعة لمجلاّت علميّة مختلفة مثل : مجلة الأمراض النفسيّة و العصبيّة ( أيلول 1977م ) ، و المجلة العلميّة الأمريكيّة للعلاج النّفسي ( كانون أول 1979م ) . و ألّف عدّة كتب و مجلّدات حول هذا الموضوع . و كلّما نشر إحدى هذه المؤلفات زادت التّفاصيل و زادت قوّة الحجج و البراهين ، و أصبحت الحقيقة تتضح أكثر بعد كلّ عمل جديد ينشره .

صدمت أبحاث الدّكتور ستيفنسون الأوساط الأكاديميّة ! و تفاجأ الجميع بحقيقة جديدة تضاف إلى الحقائق الأخرى الكثيرة التي طعنت بمصداقيّة المنهج العلمي السّائد ، و الذي طالما تباهى بأنّه المنهج الصّحيح ، و الذي لا يخطئ ، و الذي توصّل إلى تفسير أسرار الوجود بوسائله العلميّة المنهجيّة !. لكنَّ هذا الإدعاء دُحِض من جديد ! و بوسائل علميّة منهجيّة ! و تمَّ الكشف عن منطق آخر كان مجهولاً على الكثيرين ! ( نتيجة القمع الفكري عبر العصور ) . إذا عدنا إلى المراجع التاريخيّة " المقموعة " ، نجد أنَّ الإعتقاد بالتّقمّص كان سائداً في العالم المسيحي قبل العام 533م ، حيث قرّر في اجتماع القسطنطينية باعتبار الإعتقاد بظاهرة التقمّص هرطقة و إلحاد . و فرضت تعاليم الاعتقاد بحياة واحدة ، و عقوبة نار الجحيم لكلّ من يخرج عن المسلمات الدينيّة ! كل ذلك في سبيل إحكام قبضة الكنيسة على الرّعيّة !. ( جميع المؤرخين يتجنبون الحديث عن هذا التّاريخ كما يتجنبون الطّاعون ! خوفاً من غضب أقوى مؤسّسة دينيّة في العالم و أكثرها ثراء ونفوذ ) .

ـ أمّا الذين حاولوا انتقاد أبحاث الدّكتور ستيفنسون ، فكانوا علماء و رجال علم من النّوع المتعصّب علمانياًّ ، و هناك مجموعة أخرى متعصّبة لمعتقدات و مسلمات معيّنة تستبعد ظاهرة التقمّص و تحرّمها ، ( وهناك انتقادات مغرضة ، مدفوعة من قبل جهات كثيرة ) . و لم تحاول أي من هذه الجهات بالنّظر في تلك الدّراسات ، و لا حتى التكلّف بإقامة دراسات خاصّة بهم في سبيل التّأكّد من الحقيقة بأنفسهم . كل ما فعلوه هو الاستنكار .. و الرَّفض .. و اعتبار هذه المواضيع هرطقة علميّة وجب شجبها تماماً !.

ـ لكن من جهة أخرى ، نجد رجال علم موضوعيين يتصفون بروح البحث العلمي الأصيل ، و يتمتّعون بسمعة بارزة في الأوساط العلميّة ، أشاروا إلى أبحاث الدّكتور ستيفنسون بتقدير كبير ، خاصّة أساليبه العلميّة التي اتبعها في دراسة هذا المجال ، نذكر منهم :

ـ البروفيسور " ألبرت . ج . ستونكارد " ، رئيس قسم علم النّفس في جامعة بنسلفانيا ، قال في إحدى تعليقاته على أبحاث ستيفنسون :

" يعتبر الدكتور ستيفنسون من أكثر رجال العلم الناقدين الذين عملوا في ذلك المجال ، و ربما الأكثر تفكّراً ، مع موهبة مميّزة في إنشاء أبحاث متوافقة مع المبادئ و الأسّس العلميّة المنهجيّة الرسميّة " .

ـ البروفيسور " فيرتود شمايدر " ، من جامعة نيويورك ، يقول :

" يعتبر ستيفنسون من الرّجال الحذرين جداً ، بالإضافة إلى الأخلاقيات العلميّة التي تميّز بها ، و حنكة كبيرة مكنّته من إدخال هذه الظّاهرة إلى المجال العلمي المنهجي " .

ـ البروفيسور " هيربرت . س . ريبلي " ، رئيس مجلس قسم علم النّفس في جامعة واشنطن ، يقول :

" أنظر إلى ستيفنسون باحترام و تقدير كبيرين . أعتبره صادقاً في عمله ، و دقيق أيضاً . إنّنا حّقاً محظوظون بوجود أكاديمياً مثله بيننا . لديه القدرة و الجّرأة على ملاحقة مجالات منافية تماماً لمنطق منهجنا العلمي التّقليدي " .

ـ علّق الدّكتور " هارولد لايف " في مجلّة ( الأمراض العصبيّة و النفسيّة ، إصدار أيلول 1977م ) قائلاً :

" إما أنَّ ستيفنسون قام بارتكاب خطأ كبير سيدفع ثمنه غالياً ، أو أنّه سيشار إليه بعد عقود من الزّمن على أنّه غاليليو القرن العشرين " .

ـ بدأ الدّكتور ستيفنسون يهتمَّ بموضوع الذّاكرة الاسترجاعيّة العفويّة ، عندما كان في زهوة عمله كطبيب نفسي . اتخذ هذا التوجّه لأنّه وجد أنّ العلاج النفسي التقليدي كان خاضعاً لخطوط كثيرة لا يمكن تجاوزها أكاديمياً ، و لم تعمل على مساعدة المرض في الشّفاء بشكل فعال . و رأى أنَّ معالجة المرضى بالاعتماد على العلوم الجينية ، و التأثيرات الإجتماعيّة المحيطة ، و غيرها من مصطلحات مستخدمة في علم النّفس التقليدي ، لا تكفي لعمليّة العلاج بشكل كامل .
 

أداب الحوار

المرجو التحلي بأداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على [ قوانين وسياسة الموقع ] و [ ماهو سايكوجين ]
أعلى