هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[4] هو عدد القراءات المتبقية

المحاورات الأطلنتية

المشاركات
333
مستوى التفاعل
1,012


مقتطفات من محاورات أفلاطون التي جاء فيها ذكر قارة اطلانتس المفقودة

1

المحاورة الأطلنتية في التيماوس

1579287581407.png

الأشخاص

سقراط، تيمئس، هرمكراتس ،اكرتيس




هرمكراتس
: استمع الآن يا سقراط، إلى حديث غريب جدا، مع إنه صحيح من كلّ الوجوه، كما رواه يوما صولن أحكم الحكماء السبعة.

فقد كان إذن صولن من أنسباء اذربِيذِس والد جدنا، ومن أحب الناس إليه، كما يقول هو نفسه، في مواضع كثيرة من شعره، وقد قال لاكرتيس جدنا على ما كان يذكر لنا هذا الأخير في شيخوخته، إن لهذه المدينة مآثر عظيمة وعجيبة، ودرست وعفت مع تراخي الزمن وهلاك البشر.

ولكن إحدى تلك المآثر وأعظمها كلها، إن ذكرت الآن، فقد تليق بأداء الشكر لك، وفي الوقت نفسه بمديح الإلهة المديح العادل الصحيح، كأننا نسبحها حقا في عيدها الحافل الحاضر.



سقراط: لقد أحسنت. ولكن ما هي المأثرة السحيقة في القِدم التي رواها اكرِتيس نقلا عن صولن، لا كحديث من الأحاديث، وإنما كعمل واقعي أنجزته هذه الدولة؟



اكرِتيس : سأقص عليكم هذه الرواية القديمة، وقد سمعتها من رجلٍ لم يكن في أول الشباب. وقد ناهز اكرتيس الجد آنذاك، على ما كان يردد، اي التسعين من عمره تقريبا، وأنا لم أبلغ على الأكثر إلا العاشرة، واتفق لنا أن وقع يوم كرئُوتِس أثناء أعياد الأَباتورِيا، وما ألِف الناس في العيد كلّ مرة جرى للأطفال في ذلك اليوم أيضا، إذ قد أقام لنا آباؤنا مباراة في الشعر الغنائي، فأنشدت جملة من القصائد لشعراء كثيرين، ولكننا نحن الأطفال الكثيرين تغنينا بمنظوماتٍ صولن الشعرية، لأنها كانت طريفة حديثة في ذلك العهد.
فقال عندئذ أحد إخوتي - إما لأن الأمر بدا له هكذا وقتها- وإما ليؤتي اكرتيس بعض السرور، قال إذن إن صولن هو في رأيه من الوجوه الأخرى أحكم الحكماء، وإنه حتى في الشعر أيضا أجود الشعراء طرا وأوفرهم نبلا وتحررا.
فطرب الشيخ وسر جدا - واذكر الأمر تماما- ثم هشَّ له وقال: يا أميننذرس، لو لم يمل إلى الشعر من باب التلهي فقط، بل جد فيه نظير الآخرين ونشط له، وأنجز الرواية التي جاءنا بها من مصر، ولولا إنه اضطر إلى إعمال قرض الشعر بسبب الاضطرابات والثورات، وبسبب المساوئ الأخرى التي لقيها ها هنا لدى عودته، لما فاقه شهرة في ظني أحد من الشعراء في يومٍ من الأيام، لا هسيذﹸس ولا هومروس ولا شاعر آخر سواهما.

فسأله الفتى: وما كانت تلك الرواية، يا اكرتِيس؟

فأجاب: كان صولُن يتكلم فيها عن أجلّ مأثرة وربما عن أشهر كل المآثر طرا التي اجترحتها هذه الدولة. ولكن بسبب تراخي الزمن وهلاك أبطالها، لم يبلغنا نبأها.

فأردف الغلام: وما هي تلك المأثرة، وكيف رواها صولن ومن سمعها فنقلها كرواية صحيحة صادقة؟


رواية صولُن

فقال الشيخ: في مصر عند الدلتا، حيث يتشعب مجرى النيل بقرب رأسه، مقاطعة تدعى السائتِيكِية، لأن المدينة الكبرى في تلك المقاطعة هي مدينة سائِس، ومنها خرج الملك آمِزِس، وفي نظر أهل تلك المدينة إلهة أسست حاضرتهم، اسمها بلغة مصر نئيث، وباليونانية حسب قولهم أثنا، ويدعي القوم أنهم أصدقاء الأثينيين ومن بعض الوجوه أنسباء لهم.

فيقول صولن إنه صار إلى هناك، لقي لديهم حفاوة كبرى، ولما راح ذات يومي يستجلي الأحداث العريقة في القِدم، ويسأل عنها أوفر الكهنة خبرة فيها، ألفى أنه – إن صح القول – لا يعرف منها الخمس من الطمس، لا هو ولا أي رجل من الهِليين، وابتغى مرة أن يدفعهم إلى الحديث عن تلك الحوادث الغابرة، فشرع يتكلم عن أقدم أمور دولتنا، عن فرنفس الأرغي الذي يعد أول إنسان، وعن نيوفي، وراح يروي أسطورة ذٍفكلين وبيرة، كيف نجوا من الطوفان وعاشا من بعده، ويسلسل الذين انحدروا منهما، ويحاول مما يقول أن يتذكر عدد السنين وأن يحسب مدى الأزمان.

ليس لليونان ذكريات عن الماضي السحيق

فقاطعه أحد الكهنة وهو متقدم جدا في العمر قائلا:

صولن، يا صولن، أنتم الهلنيون-اليونان- تلبثون دوما أطفالا، وليس من شيخ هليني!

فلما سمعه صولن قال: كيف... وماذا تقول؟

فأجابه الكاهن الشيخ: أنتم جميعكم فتيان بأرواحكم، إذ لا تحفظون فيها تراثا قديما مستمدا من نقلٍ أو تقليدٍ عتيق، ولا علما مغبرا مع تراخي الزمان

وسبب ذلك هو ما يلي: لقد دهمت البشر كوارث كثيرة وعلى أوجه متعددة، ولازالت ستدهمهم أيضا، وأخطرها بالنار والماء، وقد حلت بهم نوائب أخرى أقلّ خطورة، واتخذت عشرة آلاف شكلٍ غيرِ شكل النار والماء.

فالقصة التي ترددت عندكم وعندنا أيضا، هي أن فئيثن بن هِيلِيس (الشمس) شد الخيولَ يوما إلى مركبة أبيه، وإذ عجز عن دفع المركبة في طريق والده، احرق ما على وجه الأرض، وضرب هو بالصاعقة وهلك، هذه القصة اتسمت بزي الأسطورة وشاعت، أما الحقيقة فهي أن انحرافا يقع للأجرام الدائرة في الفلك حول الأرض، وهذا الانحراف يتم خلال حقب بعيدة الأمد، فتهلك الكائنات على وجه الأرض بنار مستعرة، وعندئذ يلحق الدمار أهل الجبال والمناطق العالية والجافة أكثر مما يلحق القاطنين على ضفاف الأنهار وسواحل البحار.

والنيل الذي هو مخلصنا في الحالات الأخرى، في تلك الحالة بالذات ينقذنا من تلك التهلكة بفيضانه، وعندما تريد الآلهة من جديد تطهير الأرض يغرقونها بالمياه، فينجو من الغرق رعاة البقر والغنم المقيمون في الجبال، وسكان المدن عندكم تزج بهم الأنهار إلى البحر.، وأما في هذا القطر فلا تنحدر المياه لا في هذه الحالة ولا في غيرها من الحالات، ولا تنهمر كالسيل من أعالي الهضاب إلى السهل، ولكن على عكس ذلك تتفجر كلها بالطبع من أسفل.

ومن ثم فلهذه الأسباب تحفظ الأشياء عندنا وتعدو عريقة سحيقة في القدم.

بيد أن الحقيقة هي أن جنس البشر لا ينقطع، يكثر تارة ويقلّ أخرى في كل الأمصار التي لا يضايقه فيها برد قارس أو حر لافح، ومما يجري عندكم أو في هذه البلاد أو في أي مكان آخر، فنسمع به ونعرفه، إن كان في ذلك أمر جميل أو جليل أو يمتاز بناحية من النواحي، يسجل هذا كله عندنا ويحفظ في الهياكل من قديم الزمان ، وأما عندكم فكلّ مرة تكاد تنتظم فيها شؤون الأدب وكل الشؤون الأخرى التي تحتاج إليها الدول، إذا بفيض السماء يدهمها ويذهب بها كأنه وباء يتفشى في سنين معهودة، فيترك منكم الأميين والجهلة، بحيث تصبحون بمثابة أحداث ابتدأوا عهدا جديدا، لا تعرفون شيئا من كلّ ما كان في غابر الأزمان لدينا أو لديكم.

وفعلا ما كنت تسلسله الآن من أنساب، يا صولن، في استعراضك أحداث بلادكم لا يختلف عن حكايات الصبيان إلا قليلا ، فأنتم أولا تذكرون طوفانا واحدا غطى وجه الأرض، مع أن فيضانات كثيرة قد حدثت قبله، ثم لا تعلمون أن أبهى وخير أمة أخرجت للناس ظهرت عندكم وفي بلادكم.، ومنها انحدرت أنت وجميع رعايا دولتكم الحاضرة، إذ قد بقي فيكم قسط زهيد من زرع تلك الأمة خلال أجيال وأجيال قد تلفوا وهم لا ينطقون بلغة الكتابة.

لأن دولة الأثينيين الحاضرة كانت مزدهرة، يا صولن، في العصور الغابرة، قبل أعظم بوارٍ انتاب البشر بالمياه، وامتازت وتفوقت في الحرب واشتهرت في كلّ الأمور شهرة واسعة، ويقال إن مآثرها كانت أجلّ المآثر وأجملها، وأن نظمها السياسية كانت أبهى نظم تحت السماء سمعنا بها.

«يقول صولن إنه لما سمع هذه الأقوال تعجب، وأبدى كلّ اهتمام وسأل الكهنة أن يبسطوا له بدقة وبالتسلسل كل ما يتعلق بمواطنيه القدامى



فأردف الكاهن: لا أرفض استجابة سؤلك يا صولن، ولكني أتكلم إكراما لك ولدولتكم، وخصوصا استعطافا للإلهة التي نالت بالاقتراع دولتكم ودولتنا، وربتهما وهذبتهما، بيد أن بلادكم سبقت بلادنا بألف سنة، إذ استمدت زرعكم من الأرض ومن هيفستس، وبلادنا أتت بعدها في الزمن، وقد سجل بالكتابة في هياكلنا حساب السنين التي مرت على حضارة وطننا،أما مواطنوك الذين عاشوا منذ تسعة آلاف سنة، فسأبين لك قوانينهم بإيجاز، وسأروي لك أبهى مأثرة أتوها، وفيما بعد إبان أوقات فراغنا، سوف نأخذ السجلات نفسها ونستعرض تفاصيل الأمور كلها بالتتالي.

والآن تأمل شرائعهم ونظمهم بمقابلتها مع نظم هذه البلاد وشرائعها، إذ إنك تجد اليوم ههنا أمثلة كثيرة عن القوانين المرعية عندكم في ذلك الحين، أولا طبقة الكهان المفروزة عن الطبقات الأخرى، وبعدها طبقة أهل الصناعات وكل فئة منهم تتعاطى صناعتها على حدة دون أن تختلط بغيرها من الفئات، ثم طبقة الرعاة، فطبقة الصيادين والقناصين، وطبقة الفلاحين، ولقد لاحظت ربما أن طبقة المحاربين مفصولة في هذا البلد عن جميع الطبقات،وقد فرض الشرع على أفرادها أن لا يهتموا بشيء من الأشياء ما خلا شؤون الحرب،. أضف إلى ذلك نوع تسليحهم بالمجان والرماح، ونحن أول من تسلح بها في أرجاء آسيا لأن الإلهة علمتنا إياه، كما علمتكم إياه أولا في أصقاعكم النائية تلك.

ثم ترى ربما بشأن ما يتعلق بالفكر والعقل، أي اهتمام أعاره الشرع عندنا، وحالا منذ البداية، وبشأن الحضارة والثقافة، كيف وجد كل شيء، حتى العرافة والطب بغية المحافظة على الصحة، وتطبيقات هذه الأمور الإلهية على الأغراض البشرية، وكيف حصل لنا جميع المعارف الأخرى الناجمة عن هذه.، فالإلهة إذن حلتكم، أنتم أولا إذ ذاك، بكلّ هذه الزينة الروحية وكل ذلك التنظيم، وأقامت بين ظهرانيكم، بعد أن اختارت مقاما لها المكان الذي خلقتم فيه، آخذة بعين الاعتبار اعتدال الفصول فيه، إذ يجعله صالحا لإيواء أكثر الناس فهما وتعقلا، ولما كانت الإلهة مغرمة بالحرب ومولعة بالحكمة، اختارت مكانا مزمعا بحيث يجعل أوفر الناس شبها بها، وسكنته قبل أي مكان آخر، فأنتم إذن فيه، واتبعتم سننا مثل هذه السنن، لا بل أفضل منها أيضا، وتفوقتم على الناس طرا بكل ضرب من المناقب، على ما يليق بأولاد الآلهة وأربتهم.

فمآثر دولتكم وافرة وعظيمة، وقد دوناها عندنا لإعجابنا بها، ولكن إحداها تفوق كل المآثر عظمة وبطولة لأن سجلاتنا تذكر قوة ضخمة أخمدتها دولتكم ذات يوم، وقد مشت بصلف على أوربا كلها وعلى آسيا معا، من خارج حدود أوربا: من المحيط الأطلسي


الأطلانتيس


1579287745525.png


إن البحر الواقع هناك كان يمكن عبوره في ذلك العهد، وقد أحاط بجزيرة عند فوهته وهي التي تدعونها، على ما تقولون، أعمدة هرقل، وكانت الجزيرة أكبر من لِفيا وآسيا معا، ومن هذه الجزيرة كان يمكن للمسافرين في تلك العصور أن يجتازوا إلى الجزر الأخرى، ومن هاتيك الجزر إلى القارة بأسرها، الواقعة على الساحل المقابل حول البحر الحقيقي. لأن ما يقع داخل الفوهة التي نتكلم عنها، يبدو مرفأ ذا معبر ضيق، وأما ذاك الخضم فهو بحر حقيقي والأرض المحدقة به يمكن بحق ومن كل الوجوه أن تدعى قارة بمعناها الصحيح.

ففي جزيرة الأطلنتس تلك، نشأت سلطنة ملوك عظيمة وعجيبة، وبسطت سيادتها على الجزيرة كلها، وعلى جزر أخرى كثيرة وعلى مساحات شاسعة من القارة. وبالإضافة إلى تلك البلاد، كانوا يسودون من جهتنا على لِفيا حتى حدود مصر، وعلى أوربا حتى حدود ترنيا (*). وقد تجمعت هذه السلطنة برمتها ووحدت شملها، وحاولت ذات مرة في اجتياح أن تستعبد كل البقعة الواقعة في أرجائكم وأرجائنا وداخل مضيق هركلِيس
1579287867738.png

(*)
لفيا أو ليبيا هو الاسم المشترك المطلق على أقسام إفريقيا الواقعة إلى غربي مصر، وترنيا هي القسم الغربي من ايطاليا


فبدت عندئذ عزة دولكم، يا صولن، وظهر فضلها وبأسها للبشر أجمعين، إذ تزعمت الجميع برباطة جأشها وضروب فنونها في الحرب، وقادت اليونان، ثم انفردت في الواقع بحكم الضرورة، لانسحاب الجيوش الحليفة الأخرى، وبلغت ذروة المخاطر، وقهرت المجتاحين وتغلبت عليهم ونصبت أقواس النصر، وصانت الذين لم يقعوا قط في العبودية من أن يمسوا أرقاء، وحررتنا نحن الآخرين جميعا المقيمين ضمن حدود أعمدة هركليس دون حقدٍ أو حسد



تواري الأطلنتيِس

وتعاقب الزمن، وحدثت هزات أرضية هائلة وطوفانات، وفي يوم واحد وليلة شديدة دهماء، خسفت رقعة من بلادكم وتوارى معها كل جيشكم جملة، وكذلك توارت جزيرة الأطلنتيس في لجة البحار وانمحى أثرها، ولذا أضحى اليوم ذلك البحر غير سالك، لا يسبر غوره إذ يحول دون ذلك وحل قريب جدا إلى وجه المياه، تركته الجزيرة عندما غارت.
 
التعديل الأخير:
2

المحاورة الأطلنتية في الكريتياس

1579287963053.png



لماذا يسمى اكرِتِيس أصحابها بأسماء يونانية؟


"ولا بد لي، قبل مباشرة الحديث، أن أبين لكم أيضا هذه النقطة التالية بإيجاز، خشية أن تدهشوا لكثرة سماعكم أسماء يونانية، أطلقت على أناس برابرة سوف تعلمون إذن سبب تلك التسميات

إن صولن، لعزمه على الاستفادة من هذه القصة في شعره، قد استفهم عن معنى الأساماء، فوجد أن أولئك المصريين الأولين قد دوّنوا تلك الأسماء بعد أن نقلوها بمعناها إلى لغتهم، وهو في نوبته تفهّم مفاد كلّ اسم من تلك الأسامي ونقلها لغتنا وسجلها وهذه المخطوطات قد كانت طبعاﹰ عند جدي، ولا تزال لدي إلى الآن، وقد أكببت على درسها وتأملها وأنا بعد غلام صغير

فإن سمعتم إذن أسماء تجاري أسامي بلادنا، فلا يأخذكم العجب، إذ اطلعتم على سببها.

أما تلك القصة الطويلة، فقد ابتدأت في ذلك العهد كما يلي تقريبا



الأطلنتِيس ملوك بسِذﹸون. ملوكها الأوائل

تحدثنا، فيما سبق، عن اقتراع الآلهة، واقتسامهم الأرض كلها بينهم حصصا تقل أو تتسع، وإقامتهم الهياكل والقرابين لأنفسهم، حظي بسذون على هذا النحو بجزيرة الاطلنتيس وأقام أبناءه الذين أنجبهم من امرأة بشرية فيها في مكان ما من الجزيرة هذه أوصافه:

على مقربة من البحر وإلى منتصف الجزيرة بجملتها، امتد سهل قيل عنه إنه كان أبهى كلّ السهول، ومن أوفرها طيبة وخصبا، وانتصبت كذلك في هذا السهل، على خمسين استاديا من منتصفه، هضبة منخفضة الجوانب، هنالك كان يسكن رجل اسمه افينر، من أهل الأرض الأولين الذين نشؤوا في تلك البقعة، ومن تربتهم بالذات وقد أقام مع امرأته لٍفكيبي. وأنجبا ابنة وحيدة اسمها اكلتو، ولما بلغت الصبية سن الزواج ماتت أمها وتوفي أبوها ومال إليها بسِذون واقترن بها، وحصن الهضبة التي أقامت عليها، وقدها على شكل مستدير، وحوطها بحلقات أو وصائد من ماء ومن تراب تلف الكبرى منها الأصغر تباعا الواحدة حول الأخرى، اثنتين من تراب، وثلاثا من ماء. وقد خطها وكأنه يدور على نفسه من منتصف الجزيرة. وكل حلقة تبعد بعدا واحدا من كل جهاتها عن ذاك المنتصف.
ولما حصنها على هذا الوجه، غدت منيعة على بشر، إذ لم يكن بعد من سفن ولا من إبحار، وهو نفسه كإله زين الجزيرة المتوسطة (الناشئة عن الوصائد والخنادق المحدقة بها)، وفجر من تربتها ينبوعي مياه، أحدهما يتدفق ساخنا والآخر ينساب من عينه عذبا باردا وقدم للجزيرة من الأرض طعاما متنوعا وافرا، وولد له في خمس ولادات عشرة توائم ذكور فرباهم وقسم جزيرة الأطلنتيس كلها إلى عشرة أقسام وأعطى الأول من مولوديه مقر أمه والحصة المحدقة به، وهي أفضل الحصص وأكثرها اتساعا، ونصبه ملكا على إخوته الآخرين. وجعل هؤلاء أمراء. وأقطع كلا منهم ولاية أناس كثيرين وسلطه على بقعة شاسعة وسماهم جميعهم بأسمائهم.، وأعطى الأكبر أو الملك الاسم الذي أطلقت نسبته على الجزيرة كلها وعلى البحر المسمى أطلنطي، لأن اسم أطلاس كان اسم (ابنه) الأول، الذي ملك في ذلك العهد، وأطلق على الثاني، المولود بعد ذاك، اسم إيفملس باليونانية وغاذرس باللهجة المحلية، لأن التوأم الثاني نال بالقرعة طرف الجزيرة المتجه نحو أعمدة هركليس، والمقابل الآن المقاطعة الغذيرية المسماة باسم مكان هناك أطلق اسمه على تلك المقاطعة، ودعا ابنيه المولودين في الولادة الثانية، الأول أمفيرِس والثاني إفٍيمن. وأعطى الاثنين في الولادة الثالثة، السابق أعطاه اسم امنِسٍيئَس واللاحق اسم افتوخثن والأول من البطن الرابع دعاه الاسبس والتالي مِيستر ولمولودي البطن الخامس للمتقدم فيهما جعل اسم أزائِسٍ وللمتأخر اسم ذيبرٍبيس فهؤلاء قطنوا الجزيرة هم وأعقابهم مدى أجيال وأجيال، وتسلطوا على جزرٍ كثيرة أخرى في البحر، لا بل على نحو ما قيل سابقاﹰ، بلغت سيادتهم حدود مصر وترنيا الواقعة داخل أعمدة هركليس من جهتنا هذه. وولدت لأطلاس سلالة كبيرة وكريمة. والملك وهو الأكبر كان يسلم الملك دوما لبكر مواليده. فحفظوا الملك مدى أجيال وأجيال.




موارد الأطلنتِيس الطبيعية

وقد أحرز أولئك الملوك ثروة بلغت من الضخامة حدا لم تبلغه قط ثروة أية سلالة ملكية قبلهم، ومن الصعب أن تبلغها يوما ثروة من بعدهم. وتوافرت عليهم كل موارد المدينة وكل موارد المقاطعات الأخرى من البلاد، وقد كان يأتيهم من الخارج بسبب سيادتهم خيرات وافرة، ولكن أكثر الخيرات الضرورية للحياة كانت توفرها لهم الجزيرة، أولا كل ما يستخرج من المناجم من معادن صلبة أو سهلة الذوبان، وذلك المعدن الذي لم يبق الآن عندنا إلا اسمه فقط، في ذلك العهد كان صنفه يستخرج من الأرض علاوة على وجود اسمه وهو نحاس الجبال الموجود في بقاع كثيرة من الجزيرة وقد كان لأهل ذلك العهد أنفس المعادن ما خلا الذهب.
ثانيا كلّ الأخشاب التي تقدمها الغابات للنجارين في شتى أشغالهم، كانت الجزيرة توفرها لهم بلا انقطاع. وتقوت أيضا بوفرة صنوف الحيوانات الداجنة والمتوحشة، وكان فيها علاوة على ذلك ضرب من الفيلة منتشر جدا إذ قد تيسر فيها المرعى والغذاء لكلّ الحيوانات الأخرى التي تعيش في البحيرات والمستنقعات والغدران، والتي ترعى في الجبال والسهول، وتيسر أيضا حتى لذاك الحيوان وهو أضخم الحيوانات وأشدها نهما.

وبالإضافة إلى تلك الخيرات، كانت الجزيرة تحمل وتنمي خير إنماء كل صنوف العطور والأطياب، التي تنميها الأرض الآن في أية بقعة من بقاعها، سواء صدرت تلك الأطياب من الجذور أم الأعشاب أم الأشجار، أم الصموغ المتقطرة من الأزاهر أو الثمار وتؤتي أيضا أثمارا طرية وجافة جعلت لطعامنا، وثمارا نستعملها لإعداد الخبز، ندعو أصنافها كلها حبوبا، وثمارا تحملها الأشجار المختلفة فتعطينا المشروبات والمآكل والدهون، والأثمار التي جعلت للتسلية واللذة، ذات القشور والصعبة الادخار، وكل الأثمار التي تقدمها بعد الطعام والاكتظاظ منه لمن تعب من الأكل كفاكهة مسلية مستحبة، كل تلك الفواكه والأثمار على اختلاف أصنافها، كانت الجزيرة الواقعة تحت الشمس تؤتيها إذ ذاك فاخرة بهية رائعة، وبكميات لا تحد.

فقد استغل القوم، إذن كل تلك الخيرات وجنوها من تربتهم، ثم انصرفوا إلى تشييد الهياكل والأبنية الملكية والموانئ ومرافئ تخزين السفن وإصلاحها، وعمّروا أرجاء البلاد برمتها وزينوها بانتظام على النحو التالي :


تخطيط حاضرة الملك وأبنيتها

فأقاموا الجسور أولا فوق الخنادق التي مؤنت بماء البحر، المحدقة بحاضرة الملك القديمة، وفتحوا هكذا طريقا إلى الخارج، ومن الخارج إلى القصور الملكية، أما القصور الملكية فقد شيدوها حالا ومنذ البدء، في مهبط الإله وموطن أجدادهم، وكان الواحد منهم يتسلمها من سلفه مزينة منمقة، فيعود إلى تزيينها، ويفوق من سبقه في الأبهة والسؤدد، وهكذا دواليك حتى بلغوا في تزيين البناء حد الدهشة والذهول، يستولي على من يشاهد ضخامة الأشغال ورونقها

واحتفروا ترعة باشروا بها من البحر، عرضها ثلاثة ابلترات (٨٠,٨٨ متراﹰ) وعمقها مئة قدم (٦٠,٢٩م) وطولها وطولها خمسون استاديا (٨٨٨٠ متراﹰ) وبلغوا بها الخندق الخارجي وجعلوا مرور السفن عن طريق تلك الترعة من البحر إلى الخندق ممكنا، وقد أصبح ذاك الخندق بمثابة ميناء.
وشقّوا فوهة الترعة بحيث تتسع لإبحار ثلاث سفن معا من أضخم السفن، وكذلك حفروا الوصائد أو الأرصفة الفاصلة بين الخنادق، حفروها بإزاء الجسور، بحيث تتسع لإبحار سفينة ثلاثية واحدة من خندق إلى آخر وسقفوها فوق الممرات فصارت السفن تعبر تحت تلك الجسور لأن شفاه الأرصفة علت علوا كافيا فوق سطح البحر لتسمح لأكبر السفن أن تعبر منها إلى الخنادق (أي جوانب الممرات) فأكبر الخنادق الذي جرت إليه مياه البحر بلغ من العرض ثلاثة أستادات، والرصيف الذي تلاه ساواه عرضا، والحلقتان التاليتان (أي الخندق والرصيف)، الرطبة منهما عرضها أستادين مضاعف، واليابسة لها هي أيضا نفس العرض الذي لسابقتها الرطبة. وأما الخندق الذي يلتف حول الجزيرة عينها الواقعة في وسط الهضبة فعرضه أستاذين (٦٠,١٧٧م)
وأخيرا الجزيرة التي قام بها القصر الملكي بلغ قطرها خمسة استاذيِا.
وقد حوطوا هذه الجزيرة الأخيرة والأرصفة وجانبي الجسور، ولها ابٍليثرن من العرض، بسور من حجارة، وأقاموا أبراجا وأبوابا على الجسور عند ممرات مياه البحر إلى الخنادق، واقتطعوا الحجارة من دائرة الجزيرة المتوسطة ومن الأرصفة الملتفة حولها، من جانبي تلك الأرصفة الجانب الداخلي والجانب الخارجي ومن تلك الحجارة ما هو أبيض وأسود وأحمر.
وفي حين اقتطاعها كانوا يحفرون في الصخر مستودعين للسفن سقفهما الصخر ذاته، وقد نسّقوا الأبنية تنسيق الحائك لخيطان نسجه، فمنها ما شادوه بسيطا من لون واحد، ومنها ما نمقوا ألوان حجارته مازجين بين لون ولون، بغية اللهو والتسلية، فحبوها لذة طبيعية وصفّحوا وجه سور الرصيف الخارجي كله بالنحاس، مستخدمين هذا المعدن وكأنه دهان، وصبوا على سور الرصيف الداخلي قصديرا وغلفوه به، أما سور الاكروبلس نفسها-أي الجزيرة التي توسطت الهضبة- فقد طلوه بنحاس الجبال، ولهذا المعدن التماع النار

البلاط والهياكل والينابيع ومختلف الأبنية

أما الأبنية الملكية داخل الأكروبلس فقد نظمت على النحو التالي: ففي وسط الجزيرة بالذات شيّد هيكل مقدس لاكليتُﹶووبسذون، حوطوه بسياج من ذهب وحظروا دخوله على الجميع، فهناك خلف بسذون واكتلو سلالة الملوك العشرة، وولداها في ذاك المكان، والى هناك كانوا يأتون كلّ سنة من المقاطعات العشر ويقدمون الذبائح الحولية الربيعية لكلٍّ من أولئك الملوك الأولين،وهيكل بسذون نفسه كان له أستادين طولا وثلاثة ابلثرات عرضا. وله من العلو ما يلائم الطول والعرض ويجمل في النظر. ولكن شكله كان بربريا.
وقد لبّسوا الهيكل كله من الخارج بالفضة، ما عدا مشارفه فقد طلوها بالذهب، ومن داخل الهيكل شوهد السقف كله من عاج منمق بالعسجد واللجين ونحاس الجبال، وما تبقى من جدران وأعمدة وحضيض، غطوه بالنحاس الجبلي، ونصبوا في الهيكل تماثيل من ذهب، الإله واقفا على مركبته، يقود أحصنتها الستة المجنحة، (ممشوق القامة) يكاد يمس ذروة السقف بهامته، والنرئيذة على مئة دلفين من حوله، وقد اعتقد أهل ذاك العهد أن هذا كان عدد هاتيك الجنيات.

وقامت أيضا داخل الهيكل تماثيل أخرى كثيرة، قدمها أفراد المواطنين وفاء نذورهم، وحول الهيكل الخارجي، نقشوا في الذهب رسوم كلّ النساء وكل الرجال الذين أنجبهم الملوك العشرة الأولون، وأقيمت تماثيل كثيرة قدمها الملوك وفاء نذر أفراد المواطنين في العاصمة، أو في المقاطعات الخارجية التي تسﹼلط الأمراء عليها. وقد جارى المذبح بفخامته وإتقان صنعه تلك الزينة الرائعة، كما لاق البلاط الملكي بعظمة السلطنة وأبهة الهياكل ورونقها.
وقد استغلوا الينبوعين، ينبوع الماء البارد وينبوع الماء الحار، وغزارة مياههما لا حد لها، وكلاهما صالحان بالطبع صلاحا عجيبا للاستعمال، للذة مياههما وخصبها، وأنشأوا حولهما أبنية، وغرسوا أشجارا تلائم طبيعة المياه. واحتفروا أحواضا وبركا، منها ما هو في العراء تحت أديم السماء، ومنها ما هو مسقوف شتوي للحمامات الدافئة، وجعلوا الحمامات الملكية على حدة، وحمامات الرعايا على حدة، وجعلوا أيضا حمامات خاصة بالنساء، وخصوا غيرها بالخيل وأخرى بالدواب الباقية، وأعطوا كل فئة من تلك الحمامات الزينة اللائقة بها، وفائض المياه سحبوه إلى أجمة بسذﹸون المقدسة، وقد انطوت على كل أصناف الشجر، البديع الإلهي بروعته وبسوقه بسبب طيبة التربة.

ومددوا قنوات إلى الجزيرتين أو الوصيدتين أو الرصيفين المحدقين بالجزيرة المتوسطة بإزاء الجسور، ليوصلوا المياه إليهما بواسطة تلك القنوات.

وبنوا هنالك هياكل كثيرة لآلهة كثيرين، وغرسوا حدائق وبساتين، وأقاموا ملاعب عدة رياضية وميادين تدريب للخيل، كل فئة على حدة في كلتا الجزيرتين المستديرتين كالإسوار، ومن جملة الأشغال ميدان سبق خاص، أقيم في منتصف الجزيرة الكبرى المستديرة، عرضه استادين وطوله ينتشر حول دائرة الجزيرة كلها ليتيح للخيل التنافس، ومن على جانبي ذاك الميدان الملتف حول الجزيرة (الكبرى الخارجية)، شيدت معاقل الحرس لجمهور حملة الرماح، وأكثرهم أمانة نظمت حراستهم في الصغرى من الجزيرتين المحدقتين بالأكروبلس، في الجزيرة المقابلة لرأس الهضبة تماما، أما الذين فاقوا الجميع أمانة فأعطيت لهم منازل في داخل الأكروبِلس، حول (قصور) الملوك بالذات.

أما مستودعات السفن، فقد غصت بالمراكب الثلاثية، وكل التجهيزات والمعدات اللازمة لها، وكلها على خير أهبة.


هذا ما يتعلق بمسكن الملوك وقد نظم على النحو الذي بّناه، أما من يجتاز المرافئ، وهي ثلاثة، ويتجه نحو خارج الهضبة، يلقى سورا يبتدئ عند البحر، ويدور حول الهضبة، على بعد خمسين أستاديا من أكبر الخنادق، وهذا الخندق هو نفسه أكبر الموانئ المستديرة حول الهضبة، ويلزم السور هذا البعد من كل جهة، ثم ينغلق على ذاته عند فوهة الترعة الممتدة من البحر

فكل تلك البقعة كانت عامرة بمنازل كثيرة متراصة، وازدحمت الترعة وأكبر المرافئ بالمراكب والتجار.، وقد أتوا من كل حدب وصوب، وملؤوا الفضاء أثناء النهار وآناء الليل، لوفرة عددهم، صراخا وصخبا وكل ضرب من الضجيج.


1579464258203.png



رسم تخيلي لشليومان1912


الرقعة الباقية في البلاد، طبيعتها الجغرافية وتنظيمها

لقد ذكرنا الآن عن حاضرة الملك وعن المسكن القديم، (مسكن الإله وأبنائه الملوك العشرة وقرينته اكلِتَو) ما كان يتردد تقريبا في ذلك العهد، وعلينا أن نعيد إلى الذهن طبيعة الرقعة الأخرى من البلاد، وما كانت عليه ونوع تنظيمها.

إذن قد كان يقال أولا إن البلاد كلها كانت عالية جدا عن سطح البحر ناشزة الصخور، وإن البقعة المحدقة بالعاصمة كانت كلها سهلا يحوط تلك العاصمة، وإن السهل نفسه أحدقت به الجبال على دائرته، وانحدرت الجبال حتى ساحل البحر، وإن السهل كان بطاحا متساوية الأديم، كلها مستطيلة، يبلغ مداها على جانبها ثلاثة آلاف استاديا، ومن وسطها أخذا من البحر نحو الداخل، ألفي استاديا(فتكون مساحة السهل ستة ملايين استادين).

ونظراﹰ إلى الجزيرة بجملتها، وقد اتجهت تلك البقعة نحو الجنوب، وأمنت أذى رياح الشمال، وقد أشادوا آنذاك بوفرة الجبال المحيطة بها وشموخها وبهائها، إذ تفوقت على كل جبالنا الحالية وضمت عددا كبيرا من القرى الغنية بالسكان، كما اشتملت على أنهار وبحيرات ومروج، توفر القوت لكل المواشي، من الحيوانات الداجنة أو الآبدة؛ وغابات كثيفة من كل صنوف الأشجار، اللازمة لجملة الصناعات الخشبية، لكل ذلك بوفرة منقطعة النظير.

لقد عملت الطبيعة إذن في ذلك السهل، وتعب عليه ملوك كثيرون، مدة أحقاب طويلة، وكان رباعي الشكل، وأكثره مستقيم الجوانب مستطيل. وما شذ عن ذلك منه، فقد قوموه بحفر خندق حوله. وإن تحدث المرء عن عمقه وعرضه وطوله، فقد لا يصدق قوله عن عمل كهذا من صنع الأيادي، لضخامة ذلك المشروع إذا قوبل بالأشغال الأخرى. ولكن لا بد لنا من ترداد ما قد سمعنا.

حفر الخندق إلى عمق ابليثرن، وبلغ عرضه في كل مداه استاديُن. وإذ أحاط بالسهل كله، فقد وصل طوله إلى حد عشرة آلاف استاديا. فهذا الخندق كان يستمد مياهه من الجداول المنحدرة من الجبال، ويدور حول السهل، ويبلغ ضواحي العاصمة من على جانبيها، ومن هناك يتركونه يجري نحو البحر ليصب فيه. وفي أعالي ذلك الخندق (من جهة الجبال) اشتقوا منه قنوات وسيعة، عرضها بالضبط مئة قدم، جروها في السهل نحو قسم الخندق القريب من البحر، وكانت كل قناة تبعد عن الأخرى مئة استاديا، وعن طريق تلك القنوات كانوا يزجون أخشاب الجبال إلى المدينة، وينقلون المحاصيل الأخرى بالمراكب في مواسمها، وشقوا ترعاﹰ جانبية للملاحة بين قناة وأخرى وبين حاضرة الملك واعتادوا جني ثمرات الأرض والفواكه، مرتين في السنة، مستغلين مياه زٍفس في الشتاء، وما تحمل منها الأرض في الصيف، جارين جداول من الترع والأقنية.
أما عدد الرجال الصالحين لخوض الحروب في السهل، فقد فرضوا بشأنه أن يقدم كل قلم اقتراع أو ناحية رئيس سرية، واتسعت الناحية إلى عشرة استاديا في عشرة، وجملة النواحي ستون ألف ناحية، وقيل إن عدد رجال الجبال والبقاع الأخرى من البلاد لا يحصى، وقد وزعوا حسب الأمكنة ومواقع القرى على تلك النواحي وأخضعوا جميعهم لرؤسائها.
وقد رتب على كلّ رئيس سرية، أن يتبرع للحرب بسدس مركبة حربية، ليبلغ عدد المراكب عشرة آلاف، وأن يقدم حصانين وفارسيهما، وجوادي مركبة أيضا ولكن دون المركبة، ومحارب يصلح للخدمة في المشاة أو الفرسان مع ترس صغير، ومع فارس الجوادين الإضافيين سائسهما أيضا، وجنديين من المشاة المدججين بالسلاح وقواسين، ومن الرماة أصحاب المقاليع اثنين أيضا، ومن المشاة رماة الحجارة وحملة الرماح ثلاثة من كل صنف، وأربعة ملاحين لتجهيز ألف ومئتي سفينة، لقد نظمت إذن أمور حاضرة الملك الحربية على النمط الآنف الذكر.، أما أمور المقاطعات الأخرى فقد نظمت على وجه غير هذا، وقد يطول بنا الوقت لتفصيله

السلطات وحفلة القسم ومحاكمة الملوك

أما السلطات ومراتب الشرف فإليك ما كانت عليه، وقد نظمت كذلك منذ البدء، لقد تسلط كلّ من الملوك العشرة في مقاطعته وفي مدينته على الناس وأغلب القوانين، معاقبا من يشاء وقاتلا من يشاء، أما سلطة الملوك، الواحد على الآخر وصلاتهم فيما بينهم، فقد حددتها فرائض بسِذون، على ما نقله إليهم الشرع وتوصياته، وقد نقشها الملوك العشرة الأولون على نصب من نحاس الجبال، وضع في منتصف الجزيرة في هيكل بسِذﹸون فهناك كان الملوك العشرة يلتئمون مرة في السنة الخامسة، ومرة في السادسة بالتعاقب، مراعين في تحديد السنين تساوي العدد المفرد بالعدد المزدوج، وفي اجتماعاتهم كانوا يتقاضون في الشؤون والمصالح المشتركة بينهم، وينظرون في مخالفات الشرع إذا تجاوزه أحدهم، ويقضون فيها.

وعندما كانوا يزمعون الجلوس للقضاء، كانوا قبل ذلك يتبادلون الأيمان التالية، بعد إطلاق الثيران في (أجمة) هيكل بسذون، ينفرد فيها الملوك العشرة ويضرعون إلى الإله أن يقبض على الضحية المقبولة لديه، ثم يطاردون تلك الثيران بلا سلاح من حديد، ولكن بالدبابيس والشباك فقط، والثور الذي يقبضون عليه، كانوا يسوقونه إلى النصب، ويذبحونه فوقه طبقا لسنّتهم.

وقد نقش على النصب، فضلا عن الشرائع، قسم يستدعي لعنات كبيرة على الحانثين، وبعد تضحية الثور طبقا لشرعهم وإحراق كلّ أعضائه، يمزجون كأسا كبيرة من دمه، وينضحون به كلا منهم بمفرده، وما تبقى من دم الثور يأخذونه ويلقونه في النار، بعد تطهير النصب به، وعلى الأثر يتناولون جامات من ذهب، ويستقون دما من الكأس الكبيرة، ويسكبون منه فوق النار، ويحلفون أن يرعوا في القضاء السنن المنقوشة على النصب، وأن يعاقبوا من يكون قد سبق وتجاوز إحدى تلك السنن، وأن يتقيدوا بها من بعد ولا يتجاوزوا إحداهما عمدا، وأن لا يحكموا أو ينقادوا لأمر حاكم منهم، إلا اذا حكم طبقا لشرائع أبيهم. وبعد أن يتعهد كلّ منهم بهذه الأمور عن نفسه وعن سلالته مستدعيا اللعنات، يشرب من دم الثور ويقدم جامه لهيكل الإله ثم ينصرف إلى العشاء وما إليه من ضروريات .
وعند حلول الظلام، وقد خمدت وبردت نار الأضاحي، يتشحون جميعهم بحلة زرقاء من أبهى الحلل، ويجلسون على الحضيض، فوق رماد الأضاحي التي أقسموا عليها، وفي الليل الحالك، بعد إطفائهم كلّ نور حول الهيكل، يشرعون في التحاكم، ويقضون في أمر من قد يتهمه أحدهم أنه خالف الشرع في شيء، وبعد التقاضي وإصدار الحكم، حالما ينبثق الفجر، يسجلون أحكامهم على لوحة من ذهب، ويعلقونها للذكرى مع حللهم.

وكان لهم سنن كثيرة أخرى خاصة، تتعلق بصلاحيات وامتيازات كل من الملوك العشرة، وأعظم تلك السنن أن لا يشهروا السلاح أبدا بعضهم على بعض، وأن يهبوا جميعهم لنجدة من يستنجدهم، اذا حاول أحدهم في مدينة من مدنهم أن يعزل الأسرة المالكة، وأن يتفاوضوا معا نظير أسلافهم في شؤون الحرب وغيرها من المهام، تاركين الزعامة والقيادة العليا فيها لسلالة أطلاس، وأن لا يكون للملك من صلاحية في إصدار حكم الموت على أحد أقربائه، إن لم يوافق على ذلك الحكم أكثر من نصف الملوك العشرة



انحطاط ملوك الأطلنتيس الخلقي

كانت إذن تلك القدرة الجبارة الهائلة في هاتيك البلاد، فجيشها الإله(زٍفس) ودفع بها إلى بلادنا هذه، لسبب يماثل على ما قيل العلة التالية:

مدة أجيال طويلة، وما دامت فيهم طبيعة الإله وافية كافية، لبث الملوك العشرة خاضعين للشرع منقادين له، عائشين بحلم وتعقل طبقا للعنصر الإلهي المنتمي فرعهم إليه، لأنهم حصّلوا بفضله مشاعر وعواطف صادقة ونبيلة من كل وجه، متصرفين بحكمة في كل صروف الدهر الطارئة، ومعاملين أيضا بعضهم بعضا 0اية وحنكة، ولذا ازدروا كل شيء ما خلا الفضيلة، وما توفر لهم من خيرات، وعدوه حقيرا من الصغائر، وحسبوا بسهولة كوقرٍ شاق أكداس الذهب وغيره من النفائس المقتناة، ولم يسكروا بسبب ثرواتهم، ولم ينزلقوا في الترف، بل لبثوا واعين صاحين، يستشفون في ثقابة ذهنهم أن تلك الخيرات تزداد لهم بسبب مودتهم وتصافيهم المتبادل وفضلهم وفضيلتهم، وأن الخيرات على عكس ذلك تتقلص وتتلاشى بفرط التهافت عليها والتقدير الزائد لها، وأن الفضيلة أيضا تتلف آنئذ معها. فكل صنوف النعم التي أتينا على ذكرها وتفصيلها سابقا، توافرت وتكاثرت لديهم بسبب مثل هذا التفكير ومثل تلك العقلية، وبسبب الطبيعة الإلهية المستقرة فيهم.

ولكن عندما ذبل فيهم العنصر الإلهي وذوى، ومازج مرارا وتكرارا العنصر المائت المتفاقم، تغلب عليه الطبع البشري، وعندئذ، لم يعد في وسعهم حمل نعمائهم الحاضرة، فهانوا وتحاقروا، وبدوا لأنظار أصحاب البصيرة ملطخين بالعار والشنار، وأتلفوا أبهى النفائس الروحية وفقدوها، أما القاصرون عن النظر إلى حياة السعادة النظرة الصادقة، فقد حسبوهم إذ ذاك في ذروة الفضل والغبطة، مكتظين جشعا ظالما وسؤددا واقتدارا.

إلا أن زٍفس السائد بالحق والشرع على الآلهة، لقدرته على استشفاف مثل تلك الأمور، لما فقه إلى أية حالة مزرية وصلت تلك السلالة الفاضلة (في الأصل) أراد أن ينزل بها العقاب، كي تعود وتضحي أكثر اتزانا واعتدالا، وترد بالعقوبة إلى صوابها.

فاستدعى الآلهة أجمعين ليعقدوا جلسة طارئة في أفخم قصورهم، الواقع في قلب الكون بأسره، والمطلّ على كل الكائنات التي ينالها التحول والصيرورة، وبعد أن لمَّ شملهم قال

تنتهي مخطوطة أفلاطون على هذه الكلمات
 

_______

[ تفاعل مع المشاركة لتحميل المرفقات ]

  • 1579464224708.png
    1579464224708.png
    483.6 KB · المشاهدات: 54
التعديل الأخير:
مثير !

إذا كان الامر فعلا هكذا وهذا ما قيل في التيماوس فالامور واضحة جدا
لا اعلم لماذا قال البعض اذا ان تكلم افلاطون عن اطلانطس كان شكلا مجازيا

يبدو ان الكاهن المصري نفسه لا يتذكر التفاصيل
الماء فيضان.. والنار ؟ احتمالات عديدة هنا..

ولاحظو انه يتحدث عن "الآلهة" انهم يشبهون البشر
 
مثير !

إذا كان الامر فعلا هكذا وهذا ما قيل في التيماوس فالامور واضحة جدا
لا اعلم لماذا قال البعض اذا ان تكلم افلاطون عن اطلانطس كان شكلا مجازيا

يبدو ان الكاهن المصري نفسه لا يتذكر التفاصيل
الماء فيضان.. والنار ؟ احتمالات عديدة هنا..

ولاحظو انه يتحدث عن "الآلهة" انهم يشبهون البشر

ما سيأتي في الكريتياس لا يقل اثارة لكن وقع لي مشكل مع الهاتف البارحة.
في اقرب وقت ان شاء الله اضع المحاورة الاطلنتية التي وردت في الكريتياس الافلاطونية .
 
التعديل الأخير:
قول ان اطلنتس كانت جزيرة اكبر من اسيا وليبيا اي شمال افريقيا حاليا منافي للمنطق وحتى علميا لوكانت فعلا هناك قارة بذاك الحجم وسط المحيط الاطلنتي لتم اكتشافها..على الاغلب اطلنتس كانت فقط دولة قوية عسكريا ومتطورة وهي متواجدة وراء اعمدة هرقل اي مضيق جبل طارق كما قال الاغريق
وبما انها حاولت السيطرة على دولهم وجزرهم واعمدة هرقل كما قيل فعلى الاغلب اطلنتس ليست بعيدة عنهم

اعمدة هرقل
معلومات_عن_مضيق_جبل_طارق.jpg


الخريطة حسب كلام هيرودت وافلاطون
herod450bc (1).jpg


اسماء شعوب شمال افريقيا القديمة

IMG_20200118_130342.jpg


حتى تسمية جبال الاطلس الموجودة في الشمال الغربي لافريقيا و المحيط الاطلنتي مأخدوذة من هذه الدولة

تبقى فقط تقديرات حسب اقوال القدماء لحد ساعة لايوجد دليل قوي للاسف او ابحاث جدية حول هذه الاسطورة
 

_______

[ تفاعل مع المشاركة لتحميل المرفقات ]

  • IMG_20200118_130342.jpg
    IMG_20200118_130342.jpg
    111.5 KB · المشاهدات: 60
التعديل الأخير:
قول ان اطلنتس كانت جزيرة اكبر من اسيا وليبيا اي شمال افريقيا حاليا منافي للمنطق وحتى علميا لوكانت فعلا هناك قارة بذاك الحجم وسط المحيط الاطلنتي لتم اكتشافها..على الاغلب اطلنتس كانت فقط دولة قوية عسكريا ومتطورة وهي متواجدة وراء اعمدة هرقل اي مضيق جبل طارق كما قال الاغريق
وبما انها حاولت السيطرة على دولهم وجزرهم واعمدة هرقل كما قيل فعلى الاغلب اطلنتس ليست بعيدة عنهم

اعمدة هرقل
مشاهدة المرفق 3072

الخريطة حسب كلام هيرودت وافلاطون
مشاهدة المرفق 3069

اسماء شعوب شمال افريقيا القديمة

مشاهدة المرفق 3070

حتى تسمية جبال الاطلس الموجودة في الشمال الغربي لافريقيا و المحيط الاطلنتي مأخدوذة من هذه الدولة

تبقى فقط تقديرات حسب اقوال القدماء لحد ساعة لايوجد دليل قوي للاسف او لاتوجد ابحاث جدية حول هذه الاسطورة
تساؤلات مشروعة ، بالنسبة للتراثيين الاجابة عن هذه المشكلة موجودة في نظرية الدورات الكونية .
اذا كانت اطلنتس هي اخر حضارة قبل الكالي يوغا فلا يمكن ان تطبق عليها نفس القوانين الحالية و لا نفس الاستدلالات المنطقية ...
 
قول ان اطلنتس كانت جزيرة اكبر من اسيا وليبيا اي شمال افريقيا حاليا منافي للمنطق وحتى علميا لوكانت فعلا هناك قارة بذاك الحجم وسط المحيط الاطلنتي لتم اكتشافها..على الاغلب اطلنتس كانت فقط دولة قوية عسكريا ومتطورة وهي متواجدة وراء اعمدة هرقل اي مضيق جبل طارق كما قال الاغريق
وبما انها حاولت السيطرة على دولهم وجزرهم واعمدة هرقل كما قيل فعلى الاغلب اطلنتس ليست بعيدة عنهم

اعمدة هرقل
مشاهدة المرفق 3072

الخريطة حسب كلام هيرودت وافلاطون
مشاهدة المرفق 3069

اسماء شعوب شمال افريقيا القديمة

مشاهدة المرفق 3070

حتى تسمية جبال الاطلس الموجودة في الشمال الغربي لافريقيا و المحيط الاطلنتي مأخدوذة من هذه الدولة

تبقى فقط تقديرات حسب اقوال القدماء لحد ساعة لايوجد دليل قوي للاسف او لاتوجد ابحاث جدية حول هذه الاسطورة

معلوماتهم مشوهة نظرا للنقل
انظر للخريطة المنسوبة لهيرودتس

لكن لا اظن هناك مجال للخطأ في جملة "خسفت الارض وابتعلها المحيط" هذه نقطة مهمة جدا وسيتم نقلها جيدا
 
تم التعديل اعلاه و اضافة المحاورة الاطلنتية في الكريتياس
 
  • لايك
التفاعلات: Ile

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، في حال كانت هناك مضايقة من شخص ما إستخدم زر الإبلاغ تحت المشاركة وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يتم حظر كل من يقوم بما من شأنه تعكير الجو الهادئ والأخوي لسايكوجين، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وأيضا يمكنك ان تجد تعريف عن الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى