METAXIOM
.
- المشاركات
- 339
- مستوى التفاعل
- 1,100
مقتطفات من محاورات أفلاطون التي جاء فيها ذكر قارة اطلانتس المفقودة
1
المحاورة الأطلنتية في التيماوس
الأشخاص
سقراط، تيمئس، هرمكراتس ،اكرتيس
هرمكراتس: استمع الآن يا سقراط، إلى حديث غريب جدا، مع إنه صحيح من كلّ الوجوه، كما رواه يوما صولن أحكم الحكماء السبعة.
فقد كان إذن صولن من أنسباء اذربِيذِس والد جدنا، ومن أحب الناس إليه، كما يقول هو نفسه، في مواضع كثيرة من شعره، وقد قال لاكرتيس جدنا على ما كان يذكر لنا هذا الأخير في شيخوخته، إن لهذه المدينة مآثر عظيمة وعجيبة، ودرست وعفت مع تراخي الزمن وهلاك البشر.
ولكن إحدى تلك المآثر وأعظمها كلها، إن ذكرت الآن، فقد تليق بأداء الشكر لك، وفي الوقت نفسه بمديح الإلهة المديح العادل الصحيح، كأننا نسبحها حقا في عيدها الحافل الحاضر.
سقراط: لقد أحسنت. ولكن ما هي المأثرة السحيقة في القِدم التي رواها اكرِتيس نقلا عن صولن، لا كحديث من الأحاديث، وإنما كعمل واقعي أنجزته هذه الدولة؟
اكرِتيس : سأقص عليكم هذه الرواية القديمة، وقد سمعتها من رجلٍ لم يكن في أول الشباب. وقد ناهز اكرتيس الجد آنذاك، على ما كان يردد، اي التسعين من عمره تقريبا، وأنا لم أبلغ على الأكثر إلا العاشرة، واتفق لنا أن وقع يوم كرئُوتِس أثناء أعياد الأَباتورِيا، وما ألِف الناس في العيد كلّ مرة جرى للأطفال في ذلك اليوم أيضا، إذ قد أقام لنا آباؤنا مباراة في الشعر الغنائي، فأنشدت جملة من القصائد لشعراء كثيرين، ولكننا نحن الأطفال الكثيرين تغنينا بمنظوماتٍ صولن الشعرية، لأنها كانت طريفة حديثة في ذلك العهد.
فقال عندئذ أحد إخوتي - إما لأن الأمر بدا له هكذا وقتها- وإما ليؤتي اكرتيس بعض السرور، قال إذن إن صولن هو في رأيه من الوجوه الأخرى أحكم الحكماء، وإنه حتى في الشعر أيضا أجود الشعراء طرا وأوفرهم نبلا وتحررا.
فطرب الشيخ وسر جدا - واذكر الأمر تماما- ثم هشَّ له وقال: يا أميننذرس، لو لم يمل إلى الشعر من باب التلهي فقط، بل جد فيه نظير الآخرين ونشط له، وأنجز الرواية التي جاءنا بها من مصر، ولولا إنه اضطر إلى إعمال قرض الشعر بسبب الاضطرابات والثورات، وبسبب المساوئ الأخرى التي لقيها ها هنا لدى عودته، لما فاقه شهرة في ظني أحد من الشعراء في يومٍ من الأيام، لا هسيذﹸس ولا هومروس ولا شاعر آخر سواهما.
فسأله الفتى: وما كانت تلك الرواية، يا اكرتِيس؟
فأجاب: كان صولُن يتكلم فيها عن أجلّ مأثرة وربما عن أشهر كل المآثر طرا التي اجترحتها هذه الدولة. ولكن بسبب تراخي الزمن وهلاك أبطالها، لم يبلغنا نبأها.
فأردف الغلام: وما هي تلك المأثرة، وكيف رواها صولن ومن سمعها فنقلها كرواية صحيحة صادقة؟
رواية صولُن
فقال الشيخ: في مصر عند الدلتا، حيث يتشعب مجرى النيل بقرب رأسه، مقاطعة تدعى السائتِيكِية، لأن المدينة الكبرى في تلك المقاطعة هي مدينة سائِس، ومنها خرج الملك آمِزِس، وفي نظر أهل تلك المدينة إلهة أسست حاضرتهم، اسمها بلغة مصر نئيث، وباليونانية حسب قولهم أثنا، ويدعي القوم أنهم أصدقاء الأثينيين ومن بعض الوجوه أنسباء لهم.
فيقول صولن إنه صار إلى هناك، لقي لديهم حفاوة كبرى، ولما راح ذات يومي يستجلي الأحداث العريقة في القِدم، ويسأل عنها أوفر الكهنة خبرة فيها، ألفى أنه – إن صح القول – لا يعرف منها الخمس من الطمس، لا هو ولا أي رجل من الهِليين، وابتغى مرة أن يدفعهم إلى الحديث عن تلك الحوادث الغابرة، فشرع يتكلم عن أقدم أمور دولتنا، عن فرنفس الأرغي الذي يعد أول إنسان، وعن نيوفي، وراح يروي أسطورة ذٍفكلين وبيرة، كيف نجوا من الطوفان وعاشا من بعده، ويسلسل الذين انحدروا منهما، ويحاول مما يقول أن يتذكر عدد السنين وأن يحسب مدى الأزمان.
ليس لليونان ذكريات عن الماضي السحيق
فقاطعه أحد الكهنة وهو متقدم جدا في العمر قائلا:
صولن، يا صولن، أنتم الهلنيون-اليونان- تلبثون دوما أطفالا، وليس من شيخ هليني!
فلما سمعه صولن قال: كيف... وماذا تقول؟
فأجابه الكاهن الشيخ: أنتم جميعكم فتيان بأرواحكم، إذ لا تحفظون فيها تراثا قديما مستمدا من نقلٍ أو تقليدٍ عتيق، ولا علما مغبرا مع تراخي الزمان
وسبب ذلك هو ما يلي: لقد دهمت البشر كوارث كثيرة وعلى أوجه متعددة، ولازالت ستدهمهم أيضا، وأخطرها بالنار والماء، وقد حلت بهم نوائب أخرى أقلّ خطورة، واتخذت عشرة آلاف شكلٍ غيرِ شكل النار والماء.
فالقصة التي ترددت عندكم وعندنا أيضا، هي أن فئيثن بن هِيلِيس (الشمس) شد الخيولَ يوما إلى مركبة أبيه، وإذ عجز عن دفع المركبة في طريق والده، احرق ما على وجه الأرض، وضرب هو بالصاعقة وهلك، هذه القصة اتسمت بزي الأسطورة وشاعت، أما الحقيقة فهي أن انحرافا يقع للأجرام الدائرة في الفلك حول الأرض، وهذا الانحراف يتم خلال حقب بعيدة الأمد، فتهلك الكائنات على وجه الأرض بنار مستعرة، وعندئذ يلحق الدمار أهل الجبال والمناطق العالية والجافة أكثر مما يلحق القاطنين على ضفاف الأنهار وسواحل البحار.
والنيل الذي هو مخلصنا في الحالات الأخرى، في تلك الحالة بالذات ينقذنا من تلك التهلكة بفيضانه، وعندما تريد الآلهة من جديد تطهير الأرض يغرقونها بالمياه، فينجو من الغرق رعاة البقر والغنم المقيمون في الجبال، وسكان المدن عندكم تزج بهم الأنهار إلى البحر.، وأما في هذا القطر فلا تنحدر المياه لا في هذه الحالة ولا في غيرها من الحالات، ولا تنهمر كالسيل من أعالي الهضاب إلى السهل، ولكن على عكس ذلك تتفجر كلها بالطبع من أسفل.
ومن ثم فلهذه الأسباب تحفظ الأشياء عندنا وتعدو عريقة سحيقة في القدم.
بيد أن الحقيقة هي أن جنس البشر لا ينقطع، يكثر تارة ويقلّ أخرى في كل الأمصار التي لا يضايقه فيها برد قارس أو حر لافح، ومما يجري عندكم أو في هذه البلاد أو في أي مكان آخر، فنسمع به ونعرفه، إن كان في ذلك أمر جميل أو جليل أو يمتاز بناحية من النواحي، يسجل هذا كله عندنا ويحفظ في الهياكل من قديم الزمان ، وأما عندكم فكلّ مرة تكاد تنتظم فيها شؤون الأدب وكل الشؤون الأخرى التي تحتاج إليها الدول، إذا بفيض السماء يدهمها ويذهب بها كأنه وباء يتفشى في سنين معهودة، فيترك منكم الأميين والجهلة، بحيث تصبحون بمثابة أحداث ابتدأوا عهدا جديدا، لا تعرفون شيئا من كلّ ما كان في غابر الأزمان لدينا أو لديكم.
وفعلا ما كنت تسلسله الآن من أنساب، يا صولن، في استعراضك أحداث بلادكم لا يختلف عن حكايات الصبيان إلا قليلا ، فأنتم أولا تذكرون طوفانا واحدا غطى وجه الأرض، مع أن فيضانات كثيرة قد حدثت قبله، ثم لا تعلمون أن أبهى وخير أمة أخرجت للناس ظهرت عندكم وفي بلادكم.، ومنها انحدرت أنت وجميع رعايا دولتكم الحاضرة، إذ قد بقي فيكم قسط زهيد من زرع تلك الأمة خلال أجيال وأجيال قد تلفوا وهم لا ينطقون بلغة الكتابة.
لأن دولة الأثينيين الحاضرة كانت مزدهرة، يا صولن، في العصور الغابرة، قبل أعظم بوارٍ انتاب البشر بالمياه، وامتازت وتفوقت في الحرب واشتهرت في كلّ الأمور شهرة واسعة، ويقال إن مآثرها كانت أجلّ المآثر وأجملها، وأن نظمها السياسية كانت أبهى نظم تحت السماء سمعنا بها.
«يقول صولن إنه لما سمع هذه الأقوال تعجب، وأبدى كلّ اهتمام وسأل الكهنة أن يبسطوا له بدقة وبالتسلسل كل ما يتعلق بمواطنيه القدامى
فأردف الكاهن: لا أرفض استجابة سؤلك يا صولن، ولكني أتكلم إكراما لك ولدولتكم، وخصوصا استعطافا للإلهة التي نالت بالاقتراع دولتكم ودولتنا، وربتهما وهذبتهما، بيد أن بلادكم سبقت بلادنا بألف سنة، إذ استمدت زرعكم من الأرض ومن هيفستس، وبلادنا أتت بعدها في الزمن، وقد سجل بالكتابة في هياكلنا حساب السنين التي مرت على حضارة وطننا،أما مواطنوك الذين عاشوا منذ تسعة آلاف سنة، فسأبين لك قوانينهم بإيجاز، وسأروي لك أبهى مأثرة أتوها، وفيما بعد إبان أوقات فراغنا، سوف نأخذ السجلات نفسها ونستعرض تفاصيل الأمور كلها بالتتالي.
والآن تأمل شرائعهم ونظمهم بمقابلتها مع نظم هذه البلاد وشرائعها، إذ إنك تجد اليوم ههنا أمثلة كثيرة عن القوانين المرعية عندكم في ذلك الحين، أولا طبقة الكهان المفروزة عن الطبقات الأخرى، وبعدها طبقة أهل الصناعات وكل فئة منهم تتعاطى صناعتها على حدة دون أن تختلط بغيرها من الفئات، ثم طبقة الرعاة، فطبقة الصيادين والقناصين، وطبقة الفلاحين، ولقد لاحظت ربما أن طبقة المحاربين مفصولة في هذا البلد عن جميع الطبقات،وقد فرض الشرع على أفرادها أن لا يهتموا بشيء من الأشياء ما خلا شؤون الحرب،. أضف إلى ذلك نوع تسليحهم بالمجان والرماح، ونحن أول من تسلح بها في أرجاء آسيا لأن الإلهة علمتنا إياه، كما علمتكم إياه أولا في أصقاعكم النائية تلك.
ثم ترى ربما بشأن ما يتعلق بالفكر والعقل، أي اهتمام أعاره الشرع عندنا، وحالا منذ البداية، وبشأن الحضارة والثقافة، كيف وجد كل شيء، حتى العرافة والطب بغية المحافظة على الصحة، وتطبيقات هذه الأمور الإلهية على الأغراض البشرية، وكيف حصل لنا جميع المعارف الأخرى الناجمة عن هذه.، فالإلهة إذن حلتكم، أنتم أولا إذ ذاك، بكلّ هذه الزينة الروحية وكل ذلك التنظيم، وأقامت بين ظهرانيكم، بعد أن اختارت مقاما لها المكان الذي خلقتم فيه، آخذة بعين الاعتبار اعتدال الفصول فيه، إذ يجعله صالحا لإيواء أكثر الناس فهما وتعقلا، ولما كانت الإلهة مغرمة بالحرب ومولعة بالحكمة، اختارت مكانا مزمعا بحيث يجعل أوفر الناس شبها بها، وسكنته قبل أي مكان آخر، فأنتم إذن فيه، واتبعتم سننا مثل هذه السنن، لا بل أفضل منها أيضا، وتفوقتم على الناس طرا بكل ضرب من المناقب، على ما يليق بأولاد الآلهة وأربتهم.
فمآثر دولتكم وافرة وعظيمة، وقد دوناها عندنا لإعجابنا بها، ولكن إحداها تفوق كل المآثر عظمة وبطولة لأن سجلاتنا تذكر قوة ضخمة أخمدتها دولتكم ذات يوم، وقد مشت بصلف على أوربا كلها وعلى آسيا معا، من خارج حدود أوربا: من المحيط الأطلسي
الأطلانتيس
إن البحر الواقع هناك كان يمكن عبوره في ذلك العهد، وقد أحاط بجزيرة عند فوهته وهي التي تدعونها، على ما تقولون، أعمدة هرقل، وكانت الجزيرة أكبر من لِفيا وآسيا معا، ومن هذه الجزيرة كان يمكن للمسافرين في تلك العصور أن يجتازوا إلى الجزر الأخرى، ومن هاتيك الجزر إلى القارة بأسرها، الواقعة على الساحل المقابل حول البحر الحقيقي. لأن ما يقع داخل الفوهة التي نتكلم عنها، يبدو مرفأ ذا معبر ضيق، وأما ذاك الخضم فهو بحر حقيقي والأرض المحدقة به يمكن بحق ومن كل الوجوه أن تدعى قارة بمعناها الصحيح.
ففي جزيرة الأطلنتس تلك، نشأت سلطنة ملوك عظيمة وعجيبة، وبسطت سيادتها على الجزيرة كلها، وعلى جزر أخرى كثيرة وعلى مساحات شاسعة من القارة. وبالإضافة إلى تلك البلاد، كانوا يسودون من جهتنا على لِفيا حتى حدود مصر، وعلى أوربا حتى حدود ترنيا (*). وقد تجمعت هذه السلطنة برمتها ووحدت شملها، وحاولت ذات مرة في اجتياح أن تستعبد كل البقعة الواقعة في أرجائكم وأرجائنا وداخل مضيق هركلِيس
(*)
لفيا أو ليبيا هو الاسم المشترك المطلق على أقسام إفريقيا الواقعة إلى غربي مصر، وترنيا هي القسم الغربي من ايطاليا
فبدت عندئذ عزة دولكم، يا صولن، وظهر فضلها وبأسها للبشر أجمعين، إذ تزعمت الجميع برباطة جأشها وضروب فنونها في الحرب، وقادت اليونان، ثم انفردت في الواقع بحكم الضرورة، لانسحاب الجيوش الحليفة الأخرى، وبلغت ذروة المخاطر، وقهرت المجتاحين وتغلبت عليهم ونصبت أقواس النصر، وصانت الذين لم يقعوا قط في العبودية من أن يمسوا أرقاء، وحررتنا نحن الآخرين جميعا المقيمين ضمن حدود أعمدة هركليس دون حقدٍ أو حسد
تواري الأطلنتيِس
وتعاقب الزمن، وحدثت هزات أرضية هائلة وطوفانات، وفي يوم واحد وليلة شديدة دهماء، خسفت رقعة من بلادكم وتوارى معها كل جيشكم جملة، وكذلك توارت جزيرة الأطلنتيس في لجة البحار وانمحى أثرها، ولذا أضحى اليوم ذلك البحر غير سالك، لا يسبر غوره إذ يحول دون ذلك وحل قريب جدا إلى وجه المياه، تركته الجزيرة عندما غارت.
التعديل الأخير: