- المشاركات
- 2,086
- مستوى التفاعل
- 6,334
وسائل الإعلام
إعداد وتقديم:علاء الحلبي
إذا كانت المؤسسات التعليمية تعتبر في الماضي وسيلتنا الوحيدة ننهل منها المعلومات، والتي كنا نطل من خلالها على العالم، فقد أصبحت وسائل الإعلام تعتبر الأدوات التثقيفية الرئيسية للجماهير. فبفضل التقدم التكنولوجي الهائل الذي طرأ على البشرية ابتداءً من القرن الماضي، أصبح من السهل الحصول على كميات هائلة من المعلومات المختلفة التي تتناول جميع المجالات. لكن خلال تأمّلنا لهذا الحدث العصري الكبير، وقبل أن تملأ الفرحة قلوبنا نتيجة لهذا الإنجاز البشري العظيم، دعونا نتساءل أولاً: من يملك وسائل الإعلام هذه؟!
إن ما نتلقاه من معلومات و آراء حول الشؤون الراهنة يأتينا وبشكل حصري من خلال وسائل الإعلام، من صحافة وتلفزيون وراديو. تُوصف الصحف على أنها مستقلة أو بأنها ذات ميول سياسية معينة كما يفترض بأن المحطات التلفزيونية موضوعية ومستقلة. لكن الأمر ببساطة ليس كذلك. إن المعلومات التي تردنا حول ما يقع من أحداث تأتينا عبر "مصادر رسمية" هذه المصادر تعرض علينا وجهة النظر التي تريد النخبة أن نتقبّلها. أما المواضيع الإخبارية ، فتؤخذ من وكالات إخبارية مركزية (كوكالة رويتر على سبيل المثال) تقوم بتوزيع نفس القصة على الجميع.
معظم الناس يؤسسون آراءهم على ما يتم عرضه في الصحف التي توافق ميولهم السياسية. إن كل المنظمات الإعلامية مملوكة من قبل شركات ذات مصالح متماثلة كما أن هذه المنظمات يتم توجيهها من قبل المعلنين وهي أيضا تستقي مواضيعها من نفس المصدر، كل ذلك يؤدي بالنتيجة إلى سهولة التحكم بـجميع التوجهات "المتباينة" للرأي العام. ويستخدم ذلك من أجل صرف الانتباه عن المخطط الحقيقي. أما المتبدئين الجدد في مجال الإعلام فيتوجب عليهم أن يسيروا حسب النهج التقليدي وإلا فإن مستقبلهم المهني سوف يتقهقر فجأة ثم يتلاشى وينهار. الصحفيين الذين يجرون تحليلاتهم الخاصة ويمتلكون طريقتهم الشخصية في التفكير يعتبرون خطرون ولكنهم في نفس الوقت قلة قليلة، لذلك فمهما علا صوتهم لا يمكن سماعه وسط هذا الكم الهائل من الببغاوات.
إن ما أوردته فيما سبق لا يعني بأن جميع الصحفيين، من أهمهم إلى أقلهم أهمية، متورطون في هذه المؤامرة الضخمة وهذا الإثم الكبير. لكن المسألة هي أنه عندما يتم إنشاء النهج العام (هذا النهج الذي تم رسمه ووضعه وترسيخه تدريجياً وببطئ خلال القرون القليلة السابقة) فإن النظام سيتابع خطاه حينها من تلقاء نفسه، ذلك من خلال الاعتماد على مبدأ "قوى السوق". إن إنشاء صحيفة أو محطة تلفزيونية هو عمل يتطلب مالا وفيراً وهذا ما يؤدي وبشكل مباشر إلى تقليص عدد المنظمات القادرة على القيام بهكذا مشروع.
وهذا المشروع سيلقى النجاح، حيث الربح المالي، فقط إذا انصاع و تماشى مع النظام السائد، لذا فإن من مصلحة هذا المشروع ترك الأمور دون تغيير وإلا خرج عن توجّه السوق وفشل مباشرة. أما تقديم الآراء والمواضيع التي تحاول مقارعة النظام القائم و انتقاده، فهي عملية غير مستحبة عند الشركات والمؤسسات التي هي قائمة وناجحة بفضل هذا النظام أساساً، لذلك فتعتبر هذه المواضيع والآراء على أساس أنها أفكار مخربة وهدامة، وبالتالي يتم محاربة ذلك المشروع الإعلامي الشريف مباشرة. تقوم صناعة الإعلام أيضا على تقديم الإعلانات، فالصحف تباع بأقل مما يكلف طباعتها و هذه الخسارة تعوّض من خلال ريع الإعلانات. إن الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات لن تدعم تلك الجرائد أو المجلات التي تقدم وجهة نظر "مناوئة للأعمال التجارية" وهذا ما يودي بالصحف المناوئة إلى الاندثار، إن كل هذا ببساطة هو تطبيق لمبدأ قوى السوق.
إن شركات الإعلام الودودة التي يفضلها المعلنون هي تلك الشركات التي تحافظ على قرائها في مزاج "شرائي" وذلك عن طريق عدم إثارتها للنقاشات والانتقادات، وعدم تقديمها لمقالات أو برامج "صعبة". إن خوف شركات الإعلان من توقف معلنيها من الإعلان لديها كافٍ بشكل عام لضمان أن تقوم هذه الشركات الإعلامية بفلترة و رقابة المواضيع التي تقدمها بحرص. لكن إذا فلتت إحدى تلك المواضيع ونشرت بالخطأ، فإن المنظمات التجارية غالباً ما توحد قواها من أجل الضغط على المحررين حتى يعيدوا النظر فيما اقترفوه من خطأ جسيم!
وتمارس هذه المنظمات ضغطها من خلال إرسال الرسائل أو إقامة الدعاوى القانونية أو حتى من خلال اقتراح تعديلات قانونية في البرلمانات. وكمثال دقيق على ما يدعى بـ "آلية العمل المضادة" هناك شركة AIM) Accuracy in Media) ومعناها بالعربية هو "الدقّة في الإعلام"، والتي هي عبارة عن مجموعة من الشركات الضخمة المتحدة (من ضمنها ثمان شركات نفط)، تعمل هذه الشركة على إبقاء وسائل الإعلام في الولايات المتحدة ودودة ومتعاونة مع السياسات التجارية القائمة (مهما كانت تلك السياسات ملتوية و خبيثة).
التلفزيون
يعتبر التلفزيون في هذا العصر من انجح وسائل التحكّم بالعقول. فالنشرات الإخبارية تحتوي على روايات وأحداث لا تناسب سوى الذين يحكمون و يتحكمون، مهما بدا الأمر عكس ذلك. أما المسلسلات والأفلام التلفزيونية فهي صممت خصيصاً من اجل تكييف الناس لرؤية عالم خاص (مزوّر) يناسب مصلحة الأسياد. وكذلك يستخدم من اجل تحضير العامة لأحداث عالمية مقبلة، فيتجاوبون مع هذه الأحداث بطريقة تناسب الجهات المتحكمة. لقد تبيّن بعد التجربة الطويلة أن الجماهير عندما يواجهون تناقض بين الواقع الذي يصوّره التلفزيون و واقع آخر يصوّره مصدر معلوماتي آخر، فيختارون الواقع الذي يصوّره التلفزيون و يرفضون الواقع الذي يصوره مصدر المعلومات الآخر. فالطريقة التي تم من خلالها التحكم بوسائل الإعلام عملت على استثمار القابلية الإيحائية عند المجموعات البشرية. فيتم التحكم بهم وبأفكارهم عن طريق الإيحاءات الموجّهة التي تطلقها هذه الوسائل الإعلامية.
عندما يحين وقت نشرات الأخبار، قم بالتنقّل بين المحطات و سوف تلاحظ أن كل محطّة لديها نفس العناوين الرئيسية، جميعها تتمحور حول ذات الأحداث. مع أن هناك أحداث كثير تحصل حول العالم ، لماذا هناك تغطية للأحداث ذاتها، متجاهلين أحداث أخرى لا تقلّ أهمية؟. لو كان هناك تنافس حقيقي و نزيه بين وسائل الإعلام المختلفة لما كانت عناوين الأخبار حول العالم هي ذاتها. القليل من الناس يدركون حقيقة أن وميض شاشة التلفزيون تستنهض حالة طفيفة من التنويم المغناطيسي، حيث يتم تعطيل القدرة على التفكير الدقيق. وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الإعلانات التلفزيونية تظهر أضواء ساطعة، والحركات الخاطفة. ففي هذه الحالة العقلية الخاصة (النوم المغناطيسي الطفيف)، يصبح العقل أكثر إيحاءاً و عرضة للبرمجة العقلية.
لقد أثبتت الكثير من الأبحاث العلمية هذه الحقيقة، و إذا راقبت أحد مشاهدي التلفزيون ورأيت كيف هو منسجم تماماً مع ما يظهر في التلفزيون سوف تلاحظ بوضوح هذه الحالة العقلية الخاصة التي نتحدث عنها. النشرات الإخبارية القصيرة والإعلانات الخاطفة تكيّف الناس إلى الميل لتلقي المعلومات على شكل مقاطع جزئية وسريعة. و بالتالي تم برمجتهم لإنماء قدرة انتباه قصيرة (حيّز زمني صغير)، وهذا يجعلهم غير قادرين على التعمّق أكثر في مواضيع تطلّب وقت طويل وجهد عقلي كبير حتى يتمكنوا من هضمها واستيعابها.
التلفزيون هو ليس مصدر معلومات، كما يظن معظم الناس، فهو بكل بساطة، عبارة عن وسيلة فتاكة لتدمير القدرات العقلية بالإضافة إلى التحكم بطريقة تفكيرنا والتأثير الهائل والمباشر على أحكامنا تجاه الأمور والأحداث الجارية من حولنا. بالإضافة إلى أنه وسيلة مخدّرة لشعور الناس وعواطفهم، حيث يعمل على تحضيرهم لتقبّل أحداث قادمة (سوف تحصل في المستقبل) لكي يتجاوبوا مع هذه الأحداث بطريقة باردة تناسب المتحكمين بمجريات الأمور. نصيحتي لك (إذا كنت باحثاً عن الحقيقة) هي إقفال هذا الجهاز والذهاب للبحث عن مصدر معلوماتي آخر.. ثقّف نفسك و كفّ عن تصديق ما يقال لك بطريقة عمياء. ربما تعيد النظر في الأمور بضوء جديد.. ربما يمكنك إدراك الحقيقة. وبما أن أهم مصادر المعلومات (العلوم، المعرفة، الأخبار) إن لم نقل الوحيدة، قد أصبحت تحت سيطرة جهة واحدة، فيمكنكم بالتالي تصوّر مدى خطورة الوضع. فبهذا السلاح الفتاك، يمكن توجيه الشعوب حسب الرغبة و الهدف.
......................
التعديل الأخير: