تخبرنا الحسابات العربية القديمة بأن حكيم مصر القديمة كان يدعى هرمس Hermes ثلاثي الحكمة, هو مؤسس الديانة الوثنية pagan religion قبل الطوفان العظيم, والمشرع الذي صعد إلى السماء ورجع بعد ذلك ليدرس علم التنجيم Astrology. ويعتبر نبي حقيقي مثل محمد و عيسى Muhammed and Jesus عليهما الصلاة والسلام. وتعاليم هرمس Hermes الحكيم التي نشرت من خلال الترجمة العربية, قد صدرت على مدى عصور طويلة من قبل الفلاسفة في الماضي كما تقول الحسابات, أمثال أرسطو Aristotle , أبولونيوس Apollonius من تيانا Tyana, أو التي تم إكتشاف نقوشاتها الأثرية على جدران الحجرات المصرية. إن كتب هرمس Hermes العربية كانت تشرح اﻷعمال الخفية للكون, وأسرار الخلق, وأسرار الطبيعة. إنها توفر وسيلة للتنبؤ بالمستقبل من خلال تباشير النجوم, والتعاليم الخاصة بصناعة الطلاسم القوية, والتوجيهات الخيميائية المشفرة الخاصة بصناعة أكسير الحياة. وإلى يومنا هذا مازال العديد من هذه الاعمال باقية على قيد الحياة في إنتظار القراء الجدد الموجودة في العشرات من المخطوطات العربية, معظمها لم يتم طباعته إلى الأن.
كلا من الأساطير التي تحكى حول هرمس Hermes وتلك الأعمال التي نسبت إليه في العربية قد قدمت العديد من الألغاز المعقدة للمؤرخين. وكانت تعتبر جزء من العصور القديمة ذات قيمة دسمة بالنسبة للثقافة العربية المبكرة, من كافة النواحي, حيث نمت تلك القطعة البسيطة من المعرفة الهائلة وترجمت إلى العربية وكانت تلك القطعة من كتب القدماء(على حد وصفهم) , والتي استندت على الكثير من كتب الأدب العربي.
و للكشف عن هذا التقليد المتعدد الجوانب ذو الأفرع الكثيرة, لا يكفي الوقوف على السياق العربي, حتى لو كان وحيدا سيكون الأمر صعبا أمام موضوع البحث الجاري. يجب على المرء أن ينظر إلى الخلفية القديمة للمتون العربية الهرمسية Arabic Hermetica التي ظهرت إلى حيز الوجود, والتطلع إلى الأمام لإستقبال تلك الأحتفلالات التي ظهرت في القرن الخامس عشر والسادس عشر في أوروبا, التي وهبت أهمية خاصة لتلك المتون في المنح الدراسية الحديثة في اللغات الاوروبية. وفي نفس الوقت, الفائدة العظيمة التي أوصلت متون هيرمس إلى أقاصي أوروبا وأبعد من ذلك, حيث توجد بحوث تاريخية كبيرة لم تكتشف بعد ولم تحكى لأحد. وكانت أعمال هرمس Hermes لم تعرف في أوروبا حيث كانت تنسخ تلك الأعمال وتدرس من المغرب إلى الهند, ومازالت على قيد الحياة إلى اليوم تلك الحلق الدراسية في المساجد والمكتبات الوطنية وخاصة من شمال إفريقيا وآسيا. على سبيل المثال, في أواخر القرن التاسع عشر, قام المفكر الإيراني الذي ما زال يستحق البحث عن ترجمته لــ ( وحي الخيمياء لهرمس المنسوب للأصول المصرية القديمة) من العربية إلى لغته الأم الفارسية. عندما قامت الحكومة البريطانية للهند بشراء المكتبة الملكية من الأباطرة المغول الذين سقطوا في نيودلهي في عام 1859 . كانت هناك أعمال عربية لهرمس Hermes بين تلك الألوف من المجلدات.
ما هذه النصوص الهرمسية؟ والزمر المنسوب له مثلث الحكمة, والتي تدل على أن أتباعة مازالوا في تلك الأراضي النائية في إنتظار من يكتشفها. هذا مؤكد, إن الحركة الهرمسية الأوروبية والتي بدأت في أواخر القرن الخامس عشر لهي جزء واحد فقط من شي أكبر من ذلك بكثير, حيث المركز الرئيسي الجغرافي والزمني لها هو التقاليد العربية.
المتون الهرمسية اليونانية القديمة إبان مصر الرومانية إلى العهد الاوروبي
في إحدى القرون اﻷولى من العصر المشترك بين مصر والرومان, قام بعض الحكماء المجهولين في مصر الرومانية, على مدى عدة أجيال, بكتابة أطروحات عن العلم والفلسفة اليونانية لكي تدرس وتكون جزءا من التقاليد المصرية.
بعض تلك اﻷعمال تصور الحوارات بين مختلف الآلهة المصرية, وتم إعطاء بعضها أسماء يونانية في حين ضل بعضها محتفظا باﻷسماء المصرية الخاصة بهم. كان الطابع الرسمي على هذه النصوص هو هرمس, بما يعادل وفقا لليونانية إله المعرفة والكتابة المصري, تحوت Thoth. عادة ما يظهر هيرمس كمعلم من خلال الأحرف في الحوارات, بما في ذلك تات Tat, أمون Ammon, و أسكليبيوس Asclepius. و من خلال المعلم الرئيسي قمنا بأخذ إسم النصوص كمجموعة: متون هرمس Hermetica, والكتابة التي لها علاقة مع هرمس Hermes.
غالبا ما يطلق على هرمس Hermes هنا بمثلث الحكمة Trismegistus, "ثلاثي العظمة" “thrice-greatest”, وهو لقب ترجم من لقب مصري قديم لتحوت Thoth, حيث عثر عليه أول مرة من خلال اللغة اليونانية التي كان يستخدمها الكهنة المصريين في العصر البطلمي Ptolemaic. وبهذه الطريقة تميز هرمس Hermes المصري كرسول أولمبي للرب نسبة إلى جبل أولمبوس كما في الأساطير اليونانية Greek mythology.
إن المتون الهرمسية Hermetica اليونانية لمصر الرومانية إتفقت مع مجموعة واسعة من المواضيع, بما في ذلك علم التنجيم astrology, علم الكونيات cosmology, و الطب medicine. حيث قاموا بشرح التعليم الفلسفي, التي كشف عنها هرمس Hermes وغيرها على أساس الرؤى الإلهية, التي من خلالها يتمكن التلاميذ من معرفة وفهم النفس, والكون, والله. وقد قام البروفسور غارث فودن Garth Fowden بتلخيص الكون من خلال المتون الهرمسية التي تدرس:
إن البشرية مقيدة داخل سلم الهرم الكوني المنسجم وتخضع للقوة الشريرة الشيطانية. هذا هو, محصورون في الكون بواسطة القدر. تماما, كانت هذه الأفكار لا تقتصر على واضعي متون هرمس, ويمكن للمرء من القول بأنهم متعددي الأشكال وأفكارهم الرائجة في أنحاء البحر المتوسط إبان الحكم الروماني. ولكن ما يجعل متون هرمس خاصة هي إستجابتها للوضع البشري حول العالم. إن هرمس المصري يضفي نوعين من المعرفة في كتبه. أولا, بالإمكان الحصول على درجة من القوة والسيطرة على العالم الدنيوي من خلال المعرفة المنسجمة المتعاطفة للقوة الإلهية العليا مع بعض المخلوقات الدنيوية الإستثنائية.
هذه هي تعاليم هرمس, على سبيل المثال, تفسير العلامات السماوية للتكهن بالمستقبل, فضلا عن الخصائص الغامضة للمواد, مثل النباتات المختلفة, والقوى النجمية التي يمتكلونها لكي يتصلوا بالكواكب بشكل منسجم. وقد دعى علماء العصر الحديث هذه الأطروحات لشرح التقنيات الخاصة حول تطبيق مبادىء هذه المعرفة و القوى الفاعلة في الكون في الحياة اليومية وفي المشاكل العملية. وثانيا, أكثر منها شهرة, حيث يقوم هرمس بتعليم تلاميذه من خلال الحوارات حول كيفية تجاوز الظروف الجسدية والتغلب على المصير من خلال تقنية الفكر والتأمل, ممايؤدي إلى معرفة حقيقة الله. وقد أدى الطعن المتزايد في خطابات هرمس إلى تكذيب الوعد الإلهي لتلك المعرفة العليا, والتحرر من الظروف الدنيوية من خلال الفهم المتطور, وهذا الهدف هو
جزء من دوافع المجتمع المجهول الذي ألف هذه النصوص.
في متون هرمس اليونانية Greek Hermetica المعروفة اليوم هي من النوع الأخير, الحوارات الفلسفية, حيت إنتبه العلماء للتقاليد اللاتينية في أوروبا الغربية في عام 1940. عندما قام راهب يدعى ليوناردو Leonardo بجلب المخطوطة من النصوص اليونانية الهرمسية إلى كوزيمو دي ميديتشي Cosimo de’ Medici في فلورنسا Florence من مكان ما في مقدوينا Macedonia. وقد تم سؤال العالم مارسيليو فسينو Marsilio Ficino المتخصص في ترجمة أعمال أفلاطون Plato وإعطاء الأولوية لهرمس, الذي كان يعتقد أنه أكثر قدما من الكتب اليونانية الكلاسيكية.
ونشرت ترجمته في سنة 1471, وبعد قرن ونصف تم إصدار خمسة وعشرون من النسخ اللاتينية من متون هرمس اليونانية. و في عام 1554 قام أدريانوس تيرنيباس Adrianus Turnebus بإنتاج الطبعة الأصلية للمبادىء اليونانية الهرمسية, كان الإهتمام غير عادي, حيث يعتقد أن متون هرمس اليونانية في تلك الفترة كانت مشتقة من زمن ما قبل الطوفان العظيم, أو التي كانت معاصرة لزمن موسى عليه السلام Moses, تمثل البدائية, المنبع الأصيل للحكمة.
لذلك تعتبر هذه المستندات مساوية مع سفر التكوين book of Genesis. وكان المؤلفون في عصر النهضة يستخدمون هذه النصوص كمصدر للحركة الجديدة التي تمزج ما بين الأفلاطونية Neoplatonism, والكابالا اليهودية Jewish Cabbala, وتعاليم متون هرمس في النظام الفكري اليوم تدعى بالهرمسية Hermetism. المؤرخون اليوم قاموا بما فيه الكفاية بتوثيق عميق لهذه الأعمال للتأثير على العلماء في أوروبا الغربية في أواخر القرن الخامس عشر وحتى القرن السابع عشر, وأكثر من ذلك حتى وقتنا الحاضر.
كانت بداية نهاية شعبية هرمس في عام 1614م, عندما أظهر إسحاق كسوبون Issac Casaubon أن متون هرمس اليونانية لم تكن قديمة كما كان يعتقد, وإنما كانت على ما يبدو أنها مشتقة من إصدارة في بدايات العهد المسيحي. على الرغم من أن براهينه لم تكن معروفة على نطاق واسع, فقد تم رفض أبحاث كسوبون Casaubon من قبل النخبة الهرمسية في نهاية القرن.كما أن هيرمان كونرينج Hermann Conring أستاذ الطب في جامعة هلمستيديت University of Helmstedt, قد قام بمجادلة ضد المطالبة بالإرث الهرمسي في عام 1648 التي أدلى بها أتباع الخيميائي باراسيليوس Paracelsus. إن كسوبون Casaubon, كونرينج Conring, وغيرهما قد نجحوا في إزالة الهالة الأصلية الموثوقة عن متون هرمس بأنفسهم والتي كان من المفترض أن تكون هذه النصوص بمثابة إرث مستمر.
وبعد هذه وتلك الهجمات, شهد القرن التاسع عشر وبدايات القرن الثامن عشر تدني مستوى الإهتمام بمتون هرمس, على الرغم من أن الغربين المجددين للحضارة المصرية والتي يطلق عليهم Egyptomaniacs, و الخيميائيين, وأعضاء الجميعيات السرية, والمتورطين في التيارات الباطينة قد واصلوا التفكير بإستخدامها ودراستها. ومن بين عام1630 و 1856 لم يكن هناك إصدرات جديدة أو نسخة مطبوعة للمتون الهرمسية اليونانية وقد قام فسينو Ficino بإظهارها للنور علامة على يقين فائدتها العلمية. أن الحركة الهرمسية Hermetic movement قد تم إنشاءها في القرن السادس عشر وتقلصت إلى حد كبير خلال فترة "الثورة العلمية", عندما قل إعتماد العلماء بشكل أقل على الكتابات القديمة من أجل السلطة العلمية scientific authority.
ومع الأساليب والأغراض الجديدة للمنح الدراسية الكلاسيكية التي طورت في القرن التاسع عشر فقد وجدت متون هرمس اليونانية إحترامها في مجال البحوث حيث إستعادت مكانها, ولكن ليس كمصدر للإلهام والتعاليم الباطنية ولكن كأحد التحف التاريخية الشاملة و مفصلة في سجل يخص الحضارة اليونانية والرومانية, وأيضا كإطار جديد للدراسة. وبالنسبة لبعض الممارسين في مجال التطوير الحديث للدراسات الدينية, أصبحت متون هرمس عبارة عن وثائق فلسفية دائمة ومصدر لمخططات بنيوية. وقد وجد السحرة مصلحتهم في هذه النصوص في العصور الرومنسية والحديثة.