عنقاء المغرب
مريد جديد
- المشاركات
- 42
- مستوى التفاعل
- 169
العبقرية والجنون: هل هناك ارتباط فعلي بين الظاهرتين؟!
يقال إن شعرة دقيقة جداً تفصل بين العبقرية والجنون، وهذا ما يجعل بعض الأشخاص ينظرون إلى العباقرة والأفذاذ بشيء من الغرابة والدهشة، ويراقبون تصرفاتهم وسلوكياتهم التي تشبه إلى حدّ بعيد أفعال المجانين.
ألم يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون " وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ "
منذ عصور كان العبقري أو شديد الذكاء شخص يخشى منه باعتباره مهووسا أو غريب الأطوار، فترى البعض يبتعد عنه أو يهرب منه، ما جعله يعيش وحيدا في مجتمعه وبين أهله وأقاربه في حالات كثيرة... فالتفاعل مع الوسط الاجتماعي ليس من الأمور التي يحبون القيام بها، لا يحسنون التصرف في جل المواقف الاجتماعية التي يتعرضون لها وكأنَّ لهم قواعد خاصة في التعامل مع الناس فلا يعيرون اهتماماً لما قد يظنه البعض عنهم، لأنهم يتعاملون مع الجميع وفق ما يظنونه صحيحاً، بينما يكون في الواقع شديد الغرابة للكثيرين وغالباً ما يقوم بأفعال غير مألوفة لدى معظم الناس، لكنه في الواقع يسرح في عالم مليء بالأفكار العظيمة الخلاقة التي انتشلت البشرية في معظم الأحيان من أسوأ لحظاتها، ورفعت حضارات شامخة في وقت كانت فيه مهددة بالانقراض، فكيف صدرت هذه المنجزات العظيمة عن أشخاص يحسبون أنهم مجانين لا يتمتعون بحالة عقلية سليمة؟؟! و هل الفكرة المأخوذة عن العباقرة وارتباطهم بالجنون أو الأمراض النفسية فكرة صحيحة، وهل كل شخص فذّ أو عبقري هو شخص غريب الأطوار؟
استعداد مختلف
حول تركيبة العبقري يتحدث الدكتور هاشم صالح، وهو كاتب ومفكر عربي، موضحاً أن الطب النفسي الحديث أثبت، بعد إجرائه العديد من الدراسات التجريبية، بأن العبقري لا يتميز بتركيبة نفسية خاصة، بقدر ما يتميز بتشغيل خاص لهذه التركيبة النفسية، فهو إنسان مثله مثل بقية البشر، غير أن استعداده النفسي مختلف بعض الشيء، فهو يتميز مثلاً بطاقة هائلة على الحركة والإبداع قياساً بالإنسان العادي، كما أنه يتميز بالاختلاف وحب الخروج على المألوف، وهو أمر طبيعي فالامتثالي الخاضع للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع لا يمكن أن يكون عبقرياً، لأن أول سمة من سمات العبقرية هي الشذوذ عن المألوف.
ويواصل الدكتور هاشم، قائلا إن العباقرة يصدمون الناس في البداية ويلاقون صعوبات جمة من قبل وسطهم والمحيط السائد، ثم يمضي وقت طويل قبل أن يتم الاعتراف بهم، وأحياناً لا يعترف بهم إلا بعد موتهم. فوحده العبقري يعرف قيمته منذ البداية، ولكنه لا يستطيع إقناع الآخرين بها فوراً، ولذلك يعاني معاناة جمّة ويصاب بالإحباط في لحظات كثيرة، خاصة اذا تعرض للخيانة من اقرب الناس اليه...مما سيدفعه الى فقدان الثقة في الجميع .. و يتصرف بطريقة قد تسقطه في فخ جنون العظمة ...
جنون العظمة
جنون العظمة أو البارانويا، أحد الأمراض العقلية او النفسية الخطيرة التي تصيب بعض الأشخاص فتجعلهم يبالغون في وصف أنفسهم بما يخالف الواقع والحقيقة، فيدعي الشخص المصاب بهذه الحالة امتلاك قدرات استثنائية وقدرات جبارة، أو مواهب مميزة، وقد يعتقد أنه سيغير الكون، أو أنه المهدى المنتظر، فدائمًا ما يفخم فى نفسه، أو يعتقد أنه سيدنا عيسى، ولازم ننفذ أوامره، وإذا لم ينفذ الناس أوامره يقوم بإيذائهم .. هذه الأفكار وهمية ليس لها وجود حقيقي...
وجنون العظمة يمكن أن يحدث بشكل منفصل عن أمراض أخرى، عقلية، أو نفسية، ولعدة أسباب تخص كل حالة على حدة، ، فمن الممكن أن يصاب الشخص بصدمة ما، كأن يُفاجأ بخيانة صديق، أو نتيجة امتحان، أو أن تتركه زوجته، فيصاب باهتزاز عميق في قيمه، تنجم عنها حالة حادة من الإحباط، فيهرب إلى البارانويا...و يصبح يشك في الجميع ... و هذا غيض من فيض عن ما هو حقيقي وغير حقيقي...
هذا ما أريد أن أجيبكم عنه في الوقت الراهن، ولعله سؤال قد دار في ذهنكم كثيراً دون أن تجدوا له تفسيراً مقنعاً لشدة غرابته..إنه غريب بالفعل، فكيف اجتمعت النعمة مع النقمة؟ وغرابة الأطوار أو الحالة النفسية المزرية مع العبقرية؟