سيد الأحجار السبعة
عابر الزمن الثالث
{( وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَ لَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ (44) وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ )}
{( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (*)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (*)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (*)
وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (*)
وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (*)
إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (*)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ )}
(1) ما هو الموت ؟
"الموت" عرفياً هو ظاهرة توقف الجسم عن التفاعل حيوياً وأداء وظائفه البايولوجية، مما يعني توقف الحركة الجسمانية الإنسانية المتسمة بمعالم الذكاء والتعقيد، وهذه الحركة هي مؤشر "تواصل الحياة مع البيئة" ، هذا يجعل توقفها يدل على أن الوعي منقطع أو معزول عن العالم المادي، أو عن الزمن الذي حل فيه.
"الموت" جوهرياً هو انقطاع الوعي عن التواصل الحيوي مع الزمن والوجود، مما يعني أن الموت ظاهرة نسبية، لأن طبيعة اتصال الوعي مع الوجود والزمن نسبية ومقيدة، فكل فرد يتواصل مع مكان محدد وزمن محدد، وخارج هذا المكان والزمان ليس بينه وبين بقية الوجود اتصال مباشر.. وكما أن الوعي يتصل دائماً بالزمكان جزئياً فإن انفصاله عن الزمكان نتيجة الموت جزئي أيضاً، ومن الممكن أن يتصل بزمان ومكان بعيدين عن واقعة موته.. انتقال الوعي من زمن إلى زمن آخر أو من عالم إلى عالم آخر يعني أن الوعي بحد ذاته لم يمت، إلا بالنسبة للزمن الذي رَحل عنه.
ما يحدث مع الوعي بعد الموت فعلياً يكون من الغيب ...
إذا كان وعي الكائن لا يزال قادراً على الاتصال مع حالات كونية بعيدة أو مع زمن كوني مختلف فإن انقطاعه عن الحياة كان "نسبياً" متوقفاً على لحظة وفاته، بينما لا يزال قادراً على التواصل مع الوجود، حتى ولو لم يكن نفس الوجود القديم.
أي وعي فارق هذا العالم في زمن سابق يكون ميتاً (بالنسبة) لهذا العالم، لا بالنسبة للوجود بكلانيته. كما أن أي وعي لم يدخل بعد في هذا العالم يكون ميتاً بالنسبة له لأنه لا يزال (غير متصل به) وهذا يعني أن الولادة في العالم هي "إحياء" لاتصال الوعي المفرد به، إذ هذه الصلة هي ما يحيا ويموت.
{( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )}
مفهوم الموت في علم المغناطيسية الحيوية Animal Magnetism واضح ومحدد : على أنه "انقطاع التواصل بين الوعي والعالم" ذلك أنه في حالة إدخال النموَّم بمستوى "السمنمة-المشي نائماً" فإن وعيه لا يدرك، لا يفعل، ولا يقرر أي شيء... ولا يعلم أي شيء. بينما يتصرف الجسد تلقائياً تماماً كالروبوتات، بناءً على المعتقدات الموجودة في العقل، وبناء على توجيهات المنوِّم.. إن المسمنمين أشبه ب"الموتى الماشين".
يبقى الجسد والعقل ، ولكن لا يوجد أي اتصال حقيقي بين "الوعي الذي تم تنويمه" وبين العالم الذي بقي العقل والجسد فيه، هناك انفصال بين الكينونة والروح الحية، الكينونة الزمنية عقلاً وجسداً تحت سيطرة اللاشعور، كأنها "آلة متحركة" أكثر منها "كائناً حياً".
الفرق بين المسمنم والميّت بايولوجياً هو أن الأخير لا يستطيع العودة مرة أخرى إلى الاتصال الحيوي مع العالم الذي فارقه، لكن المسمنم قد يعود، غالباً يعود ... ولنقل إن السمنمة هي موت مؤقت بينما الموت البايولوجي يكون نهائياً بالنسبة للكينونة، حتى ولو لم يكن كذلك بالنسبة للوعي (روحها).
الموت إذن هو "انفصال الوعي عن الوجود" ولا يستدعي بالضرورة توقف الجسم عن التفاعل مع الحياة، بل على العكس ، الجسم لا يمثل أي عنصر مختلف جوهرياً عن التراب والمادة الميتة عندما يدخل الوعي في سبات أو تنويم.
(2) من هم الموتى ؟
{( فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ )}
إن الأجساد التي في المقابر المادية فقدت أرواحها ولم تعد تمثل إلا الذكرى والعبر، لا يمكن أن يقال عن شخص فارق هذا العالم إنه "ميّت" بينما الحقيقة أنه "غائب" عن هذا العالم، أو عن هذا الزمن.
إن الموتى ًواقعياً هم الذين لا يستطيعون التواصل مع الحياة بالوعي الخاص بهم، سواء كانت أجسادهم متوقفة أو لا تزال تعمل، لكن وعيهم منفصل عن حياتهم، لذلك هم فاقدون للاتصال الحيوي مع الوجود، لذلك هم ميتون.
على هذا النحو، قد يكون وعي المتوفى حياً لأنه يتصل مع الوجود ولو في عالم آخر أو زمن آخر، ولكن بعض أو أكثر الناس الذين يعيشون فعلياً في هذا العالم قد يكونون أمواتاً، فما يعيش فيهم هو برامج العقل ووظائف الجسم، ووعيهم بالكاد يحس بأي شيء على الإطلاق.
إنهم ظاهرياً يعيشون، باطنياً لا يعيشون أكثر مما تعيش الباكتيريا، فاللاشعور هو ما يوجههم وهو يمثل "مقبرة زمنية" تأسر وعي كل واحد منهم في إطار معين من حدود الإدراك ونمطية الأحاسيس والتفاعلات ومجال المعرفة، وتبدو لهم المعاني الحيوية مثل "القيم والوجدانيات والرحمة والجمال والعِظم والرهبة والحقيقة" كأنها أشباح تلقي ظلالها على العالم الموضوعي، أو استعارات أدبية أو أوهام، لأن الوعي لا يستطيع حقاً الاتصال حيوياً بهذه المعاني، ولذلك تبدو له أسماؤها غير قابلة ل"التحديد".
التعديل الأخير: