هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

الحروب

Lost|pages

حارس المخطوطات
طاقم الإدارة
المشاركات
2,037
مستوى التفاعل
6,035
الحروب
2015_12_21_12_31_36_760.jpg

إعداد: علاء الحلبي


يعلم المتآمرون جيداً بأن الحروب هي الوسيلة الأكثر فعّالية لتغيير طريقة حياة الناس بشكل جذري وتوجيههم حسب الرغبة. فخلال فترة الحرب، كانت المجتمعات تخضع للتعبئة والحقن الإعلامي الموجّه الذي يعمل على تكريس ثقافة حربية وأمنية صارمة، بحيث ليس هناك مكان للإبداع والتطوير العلمي أو أي توجّه فكري مخالف أو معارض. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

أما بعد انتهاء الحرب، وتكون الدول المتصارعة (الغالبة والمغلوبة) قد خرجت منهكة ومديونة للمصارف والشركات العالمية، تبدأ الشركات بإملاء شروطها على الحكومات المدينة لها وأوّل هذه الشروط هي تغيير الثقافة العامة وتحريفها بطريقة تناسب سياسة الشركات، أي التلاعب بالمناهج المدرسية والصناعات التي كانت سائدة قبل الحرب. فالحروب النابليونية مثلاً، كادت تعيد أوروبا إلى العصور الوسطى نتيجة مغامرات نابليون العسكريّة وإجراءاته الأمنيّة التي أفرغت المجتمعات من المفكّرين والمبدعين الحقيقيين، ولم تترك سوى المتملقين والكتاب المأجورين المتجردين من الموضوعية.


وإذا أخذنا ألمانيا مثلاً وقارنا مستواها الثقافي قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن مذاهب علمية كثيرة قد اختفت وكذلك المصنوعات التي كانت تنتجها خاصة الأدوية العجيبة التي اشتهرت بها قبل الحرب. كانت ألمانيا قبل الحرب تسبق باقي العالم بثمانين عاماً تكنولوجياً وعلمياً! وبعد الحرب أصبحت مجرّد ورشة صناعية للشركات المتعددة الجنسيات.. اختفت الأدوية العجيبة، واختفت مناهج علمية كثيرة تمثل أملاً للبشرية.. وربما إلى الأبد. ولكي تواجه دولة مثل ألمانيا مثل هذا المصير البائس، كل ما يتطلّب الأمر هو دعم احد المجانين المهووسين أيديولوجياً مثل أدولف هتلر وجعله يتبوأ منصب قيادة البلاد (إما عن طريق الانقلابات أو التآمر ديمقراطياً)، ثم يفرض أيديولوجيته المجنونة (النازية) على الجماهير، وبالتالي تتمحور ثقافة البلاد حول هذه الأيديولوجية، أي يتم تصفية كل الأفكار المناقضة لها مهما أظهرته من مصداقية ومنفعة للمصلحة العامة. جميع العلوم والتقنيات الألمانية تحوّلت من تقنيات علمية إنسانية التوجّه إلى تقنيات حربية وعنصرية خلال الفترة النازية.

وعندما نتحدّث عن أيديولوجيا عنصرية تكرّس فكرة الشعب المتفوّق وأفكار أخرى تدعو إلى كره الآخر والتعالي عليه، هذا يعني مصير واحد لهذه الدولة، ويتمثّل بحروب شرسة وطاحنة مع الكيانات الأخرى إن كانت دول أو شعوب، وبالتالي دمار كامل للدولة (غالبة أو مغلوبة)، والنتيجة هي تدخّل الجهات المالية كالشركات والمصارف (الداعمة للزعيم وأيديولوجيته منذ البداية) للانقضاض على الفريسة السهلة الخائرة القوى. فيستعبدون جماهير تلك الدولة دون أن يشعروا بذلك، وذلك عن طريق تغير ثقافتهم إلى ثقافة أخرى متوافقة مع مصالحهم الخاصة.


مثال آخر على تكريس المنطق المألوف عن طريق الحروب، هو ما حصل مع سكان أمريكا الجنوبية بعد تعرّضهم للغزو من قبل الفاتحين الأسبان الذين دمروا ثقافتهم بالكامل وفرضوا عليهم نظاماً استعبادياً دام قرون طويلة، لكن النتيجة كانت ظهور أجيال جديدة من المؤمنين بالثقافة الأسبانية، إن كان من ناحية الدين أو التقاليد الاجتماعية، وبالتالي نسي هذا الجيل الجديد ما حصل لأجداده من مجازر ودمار واستعباد الذي واجهوه على يد الأسبان الغزاة، وأصبح ينظر للأسبان بأنهم فاتحين فعلاً وخلصوهم من الإلحاد والتخلّف والجهل الذي كانوا يتخبطون به. مع أن هذه ليست الحقيقة، حيث كانت الحضارات المزدهرة في تلك المنطقة من العالم متطورة جداً اجتماعياً وثقافياً وتنظيمياً.


.........................


 
التعديل الأخير:

أداب الحوار

المرجو التحلي بأداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على [ قوانين وسياسة الموقع ] و [ ماهو سايكوجين ]

الأعضاء الذين قرؤوا هذا الموضوع [ 11 ]

أعلى