- المشاركات
- 2,086
- مستوى التفاعل
- 6,324
حياة وتعاليم تحوت هرمس مثلّث العظمة
The Life and Teachings of Thoth Hermes Trismegistus
ترجمة: أمير الخيال - مكتبة ألفا العلمية - أحد المشاركين في ترجمة التعاليم السرية لكافة العصور بعد الإستئذان منه لنقل الترجمة هنا.The Life and Teachings of Thoth Hermes Trismegistus
دوّى الرعد ولمع البرق, وتشقق ستار المعبد من أعلاه إلى أسفله. فقام المؤسِس الجليل, وعليه جلباب مخضوب بالأزرق والذهبي, ثم رفع ببطء صولجانه المرصّع بالجواهر وأشار به نحو الظلمة التي كشف عنها تشقق الستار الحريري وقال: "أبصر نبراس مصر !". حدّق المنتسب في ثوبه الأبيض الخالص إلى السواد المطبق المؤطّر بين عمودين عظيمين لهما رأسين كزهرة اللوتس, كان الستار معلق بينهما. وبينما هو يشاهد ما يحدث, ظهر سديم مضيء ثم تفرّق في الجو حتى صار الهواء كتلة من الجسيمات المضيئة. وريثما كان المنتسب الجديد يتفحّص السحابة المتلألئة بحثاً عن شيء ملموس كان وجهه مناراً بوهج خافت. تحدث المؤسِس مرة أخرى وقال: "هذا النور الذي تراه هو منبع النورانيّة السريّة التي يحظى بها محفل الأسرار Mysteries. لا أحد يعلم مصدره ما عدا ’سيد النور’ Master of the Light. أنظر إليه !". فجأة, ظهرت عبر الضباب اللامع هيئة بشرية يحيط بها بريق مخضرّ وامض. أخفض المؤسِس صولجانه وأحْنَى رأسه, ثم وضع يده بمحاذاة صدره في تحية متواضعة. تراجع المنتسب الجديد وراءه في رهبة مما رأى, وأعمى بصره قليلاً سناء الهيئة التي تجلّت له. واتت الشاب الشجاعة ليحدّق مجدداً إلى الكيان السماوي. كانت صورة ذلك الكيان الذي تجلّى أمامه أكبر بكثير من أن تكون هيئة إنسان فانٍ. كان جسده يبدو شفافاً بعض الشيء بحيث يمكن رؤية قلبه ينبض ودماغه يتوهّج. وبينما كان المنتسب ينظر إليه, تحوّل قلبه إلى منجل ودماغه إلى زمرّدة لامعه. كان هذا الكيان الغامض يحمل في يده عصا مجنّحة يلتف حولها ثعابين (تسمى "صولجان هرمس" أو "القادوسيوس" Caduceus وهي شعار الطِبّ والأطبَّاء). رفع المؤسِس المسنّ صولجانه وصرخ بأعلى صوته قائلاً: "يحيا تحوت هرمس, العظيم ثلاثاً؛ يحيا أمير البشر؛ يحيا الذي وقف على رأس تايفون Typhon ! (وحش ذو مائة رأس حسب الأساطير الإغريقية)". في اللحظة نفسها ظهر تنين متوهج يتلوّى, وحش بشع, هجين بين ثعبان وتمساح وخنزير. كانت تسيل من فمه وخياشيمه صحائف من نارٍ ملتهبة وأصواته المرعبة تتردد في أنحاء القاعات المقبَّبة. فجأة ضرب هرمس Hermes المخلوق الزاحف الجائر بالعصا الملتفّة بالثعابين فسقط التنين على جانبه بعدما سُمعت صرخته المزمجرة, وصارت النيران التي تنتشر حوله تخمد شيئاً فشيئاً. وضع هرمس رجله على جمجمة تايفون المدحور. وفي اللحظة التي تليها, وفي موقفٍ عظيمٍ صعب جعل المنتسب الجديد يترنّح مذهولاً إلى الوراء متكئاً على أحد الأعمدة, عبر هرمس الخالد خلال القاعة وتلاشى إلى العدم بينما تلاحقه نثار من سديم مُخضَوضِر.
فرضيات تتعلق بهويّة "هرمس"
Suppositions Concerning The Identity of Hermes
في كتابه "سيرة تاريخية قديمة" Biographia Antiqua, يصف "فرانسيس باريت" Francis Barrett هرمس قائلاً: "إذا كان الله قد تجسّد فعلياً بهيئة إنسان, فلم يكن ذلك سوى بشخصه, وتبرهن على ذلك كتبه وعمله الذي بعنوان "البيماندر" Pymander (يحتوي على الكثير من المفاهيم الهرمسية الأساسية, بما فيها الحكمة المقدّسة وأسرار الكون التي كُشفت أمام هرمس). وقد انتشرت بذور أفكاره وعلمه المقدّس في كل مكان وعبر كل الأجيال, وأثبت من خلال روعتها وجلالتها بأنه ليس شخصية مقدّسة فحسب بل فيلسوف أصيل أيضاً, مستلهماً حكمته من الله وجهات سماوية أخرى, وليس من الإنسان".
إلمامه الواسع ومعرفته التجاوزية Transcendent رفعت من مرتبة هرمس وجعلته في مصاف الكثير من الحكماء والأنبياء الأوائل. في كتابه "الميثولوجيا القديمة" Ancient Mythology, كتب "برايانت" Bryant قائلاً: "ذكرتُ سابقاً بأن قدموس Cadmus (في الأساطير الإغريقية هو ابن أجينور ملك صيدا الفينيقي وشقيق أوروبا) هو ذاته الإله المصري تحوت Thoth؛ حيث من الواضح والجلي بأنه هرمس ذاته, خصوصاً عبر اختراع الأحرف الأبجدية التي نُسبت إليه". ويعتقد الباحثون بأن هرمس هو ذاته "أنوخ" أو "أنوش" Enoch الوارد في النصوص اليهودية, والذي يصفه "كينيالي" Kenealy بأنه: "ثاني رسل الله".
عند ترجمة Enoch من الإسم الأصلي في العبرية (أنوش) يصبح (أنس) في العربية, أو (أنس الله) كما ورد في سفر الخروج بالتوراة. في الإسلام يعتبره البعض هو النبي "إدريس" نفسه الذي يعتبر من الأنبياء الذين علّموا البشرية الكثير من أعمال التطور والحضارة. ولقّب بـ"إدريس" لكثرة دراسته للعلوم. كما يذكر في الإسلام أنه صاحب صحائف المعرفة وأنه زار الجنة ورُفع إليها. بحسب "تاريخ الطبري" و"مرج الذهب"، فإن (إدريس) المذكور في القرآن هو نفسه (أنس) التوراتي. ذكر "أنس" في سفر التكوين على أنه سابع من عشرة آباء قبل الطوفان. وبخلاف بقية آباء ما قبل الطوفان الذين عاشوا قروناً، لم يذكر عمر "أنس" بل قيل إن الله رفعه من دون شرح مستفيض إلا أن "الله أخذه ولم يعد". في ترجمة القرن الثالث اليونانية للتوراة، المعروفة بالسبعونية، ترجمت "أخذه الله" المذكورة في سفر التكوين إلى "نقله الله" من مكان إلى أخر. ويقال بأنه هو أول من دعا اسم الرب ومنحه الله معرفة الأكوان ومسير الكواكب.
وقد دخل هرمس في الميثولوجيا الإغريقية, وأصبح لاحقاً "ميركور" Mercury (عطارد) عند اللاتينيين. لقد بجّلوه عبر تمثيله بالكوكب عطارد لأنه الأقرب إلى الشمس. من بين كل المخلوقات اختاروا هرمس ليجعلوه الأقرب إلى الله, فأصبح معروف برسول الآلهة.
في الرسومات المصرية القديمة, كان يُصوّر تحوت Thoth وهو يحمل لوح كتابة شمعي ويشغل منصب المدوّن خلال إشرافه على تسجيل نتيجة ميزان أرواح الموتى فيقاعة أوزيريس Hall of Osiris للمحاكمة, وهذه إحدى الشعائر الرمزية التي لها دلالات سرّية عظيمة. إن لهرمس أهمية عظيمة بالنسبة للفقهاء الماسونيين Masonic Scholars, لأنه يُعتبر المبتكر الأول لطقوس الإنتساب الماسونية, فهذه الشعائر الخاصة اقتُبست من المحافل السرية Mysteries التي أسّسها هرمس. جميع الرموز الماسونية تقريباً تعتبر ذات طابع هرمسي Hermetic.
تحوت أو توت (إله الحكمة) عند الفراعنة. يعتبر من أهم الآلهة المصرية القديمة، ويُصور برأس طائر أبو منجل Ibis. في وقتٍ لاحق أعاد اليونانيون تسميته بـ(أرميس). كما أن العرب أعادوا تسميته بـ(هرمس) ولقب بإسم المعظّم ثلاث مرات, وهو عند المصريين (هرمس الهرامسة). يعزي إليه قدماء المصريين بأنه صاحب كل العلوم والأعمال، والديانة، والفلسفة والسحر. واعتبره الإغريق مخترع علم الفلك والأعداد والتنجيم، والرياضيات، وقياس الأرض، والطب وعلم الزراعة، والطقوس الدينية، والكتابة. في علم الأساطير المصرية لعب تحوت العديد من الأدوار الحيوية والبارزة, فلقد كان إلهاً للسحر والكتابة والأدب والعلم كما أنه اشترك في حساب الموتى. وكان يمتلك قدرات سحرية فائقة، حتى أن المصريين قد اعتقدوا بأن "كتاب تحوت" The Book of Thoth يمكنه أن يحوّل قارئه إلى أعظم ساحر متمكن في العالم. (سيتم الحديث عنه لاحقاً في نفس هذا الفصل المترجم من الكتاب)
لقد درس فيثاغورس Pythagoras مع المصريين ومنهم اكتسب معرفته بالمجسمات الهندسية الرمزية (المعروفة عموماً بالمجسمات الأفلاطونية Platonic solids). كما يعود الفضل إلى هرمس بإصلاح منظومة الروزنامة, حيث هو الذي زاد عدد أيام السنة من 360 إلى 365 يوم, وهذا النظام التقويمي لازال قائماً حتى اليوم. وقد مُنح لقب "ثلاثي العظمة" Thrice Greatest لأنه كان يُعتبر الأعظم بين كل الفلاسفة, الأعظم بين كل الكهنة, الأعظم بين كل الملوك. ومن الجدير بالذكر أن القصيدة الأخيرة لشاعر أميركا المحبوب, هنري وادسورث لونغفيلو Henry Wadsworth Longfellow, كانت قصيدة غنائية في مآثر هرمس. (See Chambers' Encyclopأ¦dia).
تعددت وجهات النظر حول سبب تسميته بـ Trismegistus "ثلاثي العظمة" أو "مثلّث العظمة", وقيل لأنه كان يعرف الأجزاء الثلاثة من حكمة الكون كله؛ وهي الخيمياء Alchemy, التنجيم Astrology والسيمياء Theurgy. يؤمن الهرمسيون بثلاث أقسام للحكمة: الخيمياء؛ تبحث في أمور تتعلق بتحويل المواد الرخيصة مثل الرصاص إلى معدن نفيس مثل الذهب. وتذهب إلى مستوى بحث أمور التحويل الروحي للحياة، والمادي عن طريق دراسة الولادة والموت والعودة إلى الحياة. التنجيم؛ زعم هرمس أنه تعلم التنجيم على يدي زرادشت Zoroaster (نبي فارسي). فهم يؤمنون أن لحركة الكواكب معاني وتأثيرات تتعدى المجال الفيزيائي إذ أنها تمثل فكر الله لذا لها تأثير على الأرض لكنها لا تجبرنا على اتخاذ القرارات. والحكيم هو من يفهم هذه التأثيرات ويتعامل معها بشكل بنّاء. السيمياء؛ مصطلح يعني "علم وفن العمل الإلهي" وهي مجال دراسة الطقوس والتقاليد التي تمارس من أجل التواصل مع الماورائيات أو مع وجوديات لا يمكن استيعابها في العالم المادي، من أجل الإتحاد معها أو تحقيق الكمال الذاتي. يخطئ البعض بربطها بالسحر وهو خطأ شائع. وعند اللاتينيين كان يعرف هرمس بـ Mercurius ter Maximus؛ لأنه كان يصف الله بثلاث صفات ذاتية هي الوجود والحكمة والحياة.
التعديل الأخير: